و الابتهال إلى اللّٰه بالافتقار و الخشوع المستعمل في إن يتجلى له حكم توليه إياه بارتفاع الوسائط من الوجه الخاص الذي بين كل موجود و بين ربه الذي لا يعرفه كل عارف و من هذا المنزل يعرف ما ينزل الحق من المعارف على قلوب عباده بإنزال الأرواح إليها قال تعالى ﴿يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلىٰ مَنْ يَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ﴾ [غافر:15] ... ﴿أَنَّهُ لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ أَنَا﴾ [النحل:2] و لم يقل هو فكان الروح هو الملقي من عند اللّٰه إلى قلوب عباده و يكون أمر اللّٰه هو الذي ألقاه و يكون ذلك الروح صورة قوله ﴿لاٰ إِلٰهَ إِلاّٰ أَنَا فَاتَّقُونِ﴾ [النحل:2] فارتفعت الوساطة في هذا المنزل إذ كان عين الوحي المنزل هو عين الروح و كان الملقي هو اللّٰه لا غيره فهذا الروح ليس عين الملك و إنما هو عين المالكة فافهم فمثل هذا الروح لا تعرفه الملائكة لأنه ليس من جنسها فإنه روح غير محمول ليس نورانيا و الملك روح في نور و هذا الذوق لنا و لسائر الأنبياء و أما الملائكة فقد يكونون ممن اختص بهم الرسل و هو قوله تعالى ﴿نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلىٰ قَلْبِكَ﴾ فهو رسول الرسول و أما تنزل الأرواح الملكية على قلوب العباد فإنهم لا ينزلون إلا بأمر اللّٰه الرب و ليس معنى ذلك أن اللّٰه يأمرهم من حضرة الخطاب بالإنزال و إنما يلقي إليهم ما لا يليق بمقامهم في صورة من ينزلون عليه بذلك فيعرفون إن اللّٰه قد أراد منهم الإنزال و النزول بما وجدوه في نفوسهم من الوحي الذي لا يليق بهم و أن ذلك الوحي من خصائص البشر و يشاهدون صورة المنزل عليه في الصور التي عندهم تسبيحها يا من أظهر الجميل و ستر القبيح للستور التي تسدل و ترفع فيعرفون من تلك الصور من هو صاحبها في الأرض فينزلون عليه و يلقون إليه ما ألقى إليهم فيعبر عن ذلك الملقي بالشرع و الوحي فإن كان منسوبا إلى اللّٰه بحكم الصفة سمي قرآنا و فرقانا و توراة و زبورا و إنجيلا و صحفا و إن كان منسوبا إلى اللّٰه بحكم الفعل لا بحكم الصفة سمي حديثا و خبرا و رأيا و سنة و قد ينزلون أيضا بالأمر الإلهي من حضرة الخطاب و كلا الوجهين من التنزل يتضمنه قول جبريل لمحمد صلى اللّٰه عليه و سلم لما قال له الحق أن يفر له لنبيه صلى اللّٰه عليه و سلم عن ربه و لهذا جعله من القرآن و هو حكاية اللّٰه عن جبريل و جبريل هو الذي نزل به و ما أخرجه نزوله به و الحكاية عنه عن إن يكون قرآنا فكان جبريل يحكي عن اللّٰه تعالى ما حكى اللّٰه تعالى عن جبريل أن لو قال لمحمد صلى اللّٰه عليه و سلم ذلك لقاله له على هذا الحد في عالم الشهادة و هو قوله ﴿وَ مٰا نَتَنَزَّلُ إِلاّٰ بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مٰا بَيْنَ أَيْدِينٰا وَ مٰا خَلْفَنٰا وَ مٰا بَيْنَ ذٰلِكَ وَ مٰا كٰانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾ [مريم:64] فيما شاهده من قول جبريل لمحمد عليهما السلام و هم أعيان ثابتة في حال عدمهم و خطاباتهم أعيان ثابتة في حال عدمهم له فهو الإشارة إليه بقوله ﴿نَسِيًّا﴾ [الكهف:61] فكانت الحكاية أمرا محققا عن وجود لله محقق لا يتصف بالحدوث ثم حدث الوجود لتلك الأعيان فأخبرت بما كان منها قبل كونها مما شاهده الحق و لم تشهده لعدم وجودها في عينها روى عن الزهري أنه حدث عن شخص من الثقات حديثا أو حدث عنه فقال المحدث عنه لا أعلم هذا الحديث و لا أنا منه على يقين و لكن أنت عندي ثقة فرواه عنه عن نفسه و قال حدثني فلان عني و قال إني قلت له حدثني فلان و اتصل الإسناد فتنبه لهذه المسألة في طريق الرواية و مما يتضمن هذا المنزل فضل العلم المستور على العلم المشهور و العلم المستور هو على ضربين ضرب منه لم يضمن في الشهادة صور كلمات و ضرب ضمن صور كلمات فمثل العلم المضمن صور كلمات و هو مستور عن إن يتعلق به معرفة عارف على القطع إلا بأخبار إلهي فهو علم ما تشابه من القرآن الذي لا يعلم ﴿تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّٰهُ﴾ [آل عمران:7] فهذا من العلوم المستورة و لكن لا يعرف من صور الكلمات في أي وجه هو مستور فيه و العلم الثاني المستور هو الذي لم يكن له صورة يحتجب بها من صور الكلمات و فضل مثل هذا العلم و منزلته مجهولة يعلمها اللّٰه و من أعلمه اللّٰه و قد يصادف الإنسان العمل بما يقتضيه ذلك العلم و هو لا يعرف ذلك حتى ينتقل إلى الدار الآخرة فيجد ثمرة عمله مرتبطة بمنزلة ذلك العلم المستور فيعلمه عند ذلك و مما يتعلق بهذا الباب إنزال الهو منزلة الشاهد مع بقاء الهو في عينه منزها و لا يكون الهو ينزل أبدا إلا في صور مدركة بالحس إما في الحس و إما في الخيال و يسمى بالهو في حال ظهور الصورة ليعلم أن الهو روح تلك الصورة و مدلولها فيعلم إن تلك الصورة لا يعلم معناها إلا اللّٰه كما قال تعالى ﴿وَ عِنْدَهُ مَفٰاتِحُ الْغَيْبِ لاٰ يَعْلَمُهٰا إِلاّٰ هُوَ﴾ [الأنعام:59] و من كان عند الهو كان بحيث الهو و الهو غيب و الذي يكون عنده غيب و إذا كان غيبا عند غيب فلا تعلمه الشهادة و إنما يعلمه الغيب فلا يعلم ما في الغيب إلا من هو غيب فمن حيث الصور ينسب إلى الغيب الظرفية فإذا ارتفعت الصور زال الغيب لأن الحجاب قد ارتفع فلا يتصف