صاحب مقام مقصور عليه و أما إن كان صاحب تمكين و تبحر في العلم الإلهي أخذ ذلك منه فإنه رسول من اللّٰه إليه فإن كان محمودا فقلب عينه في مجرد الأخذ حيث أخذه عن اللّٰه و لم يلتفت إلى الواسطة لعلمه بمحلها عند اللّٰه من الطرد و البعد فينقلب خاسئا حيث أراد أمرا فلم يتم له بل كان فيه زيادة سعادة لهذا الشخص و لكن من حرصه على الإغواء يعود إليه المرة بعد المرة و إن كان الذي أتاه به مذموما قلب عينه فصار محمودا في حقه بأن يصرفه على المصرف المرضى فينقلب خاسئا حيث أراد أمرا فلم يتم له بل كان فيه سعادة لهذا الشخص فإن كان حال هذا الشخص الأخذ من الأرض أقام له الشيطان أرضا ليأخذ منها فأما إن يرده خاسئا و يفرق بين الأرضين و إما أن يكون متبحرا فيشكر اللّٰه حيث أعطاه أيضا أرضا متخيلة كما أعطاه أرضا محسوسة و ينظر سر اللّٰه فيها و يأخذ منها ما أودع اللّٰه فيها من الأسرار التي لم تخطر ببال إبليس و يردها اللّٰه لهذا الشخص زيادة في ملكه و إن كان حاله السماء فإن الشيطان يقيم له سماء مثل السماء التي يأخذ منها و يدرج له من السموم القاتلة ما يقدر عليه فيعامله العارف بما ذكرناه في معاملته له بالأرض و إن لم يكن في هذا المقام لبس عليه و تجرع تلك السموم القاتلة و لحق ﴿بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمٰالاً﴾ [الكهف:103] و إن كان حاله في سدرة المنتهى أو في ملك من الملائكة جلى له صورة سدرة مثلها أو صورة مثل صورة ذلك الملك و تسمى له باسمه ثم ألقى إليه ما عرف أنه يلقى إليه من ذلك المقام الذي هو فيه ليلبس عليه فإن كان من أهل التلبيس فقد ظفر به عدوه و إن كان معصوما حفظ منه فيطرده و يرمي ما جاء به أو يأخذه من اللّٰه دونه و يشكر اللّٰه على ما أولاه و ما زاده ثم يرتقي هذا الشخص إلى حال هو أعلى فإن كان حاله العرش أو العماء أو الأسماء الإلهية ألقى إليه الشيطان بحسب حاله ميزانا بميزان فإن كان من أهل التلبيس كان كما ذكرناه و إن لم يكن انقسم أمره إلى ما ذكرناه فقد أعلمتك أن الشيطان لا يجلي للشخص إلا على ما هي عليه حالته في صورة ذلك على السواء و على ما استقر في ذهنه مما قررته الشريعة أ لا ترى ابن صياد لما أظهر له إبليسه العرش إذ كان حاله و أبصر ذلك العرش على البحر لأنه رأى اللّٰه تعالى يقول ﴿وَ كٰانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمٰاءِ﴾ [هود:7] فجلى له العرش على البحر و هو قاعد عليه يأخذ عنه ابن صياد و يتخيل أنه يأخذ عن اللّٰه «فإن اللّٰه قد قال على ما أخبره به رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم في قوله» ﴿وَ كٰانَ عَرْشُهُ عَلَى الْمٰاءِ﴾ [هود:7] فقال له رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم ما ذا ترى قال أرى العرش قال أين قال على البحر فقال له رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم ذلك عرش إبليس و خبا له رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم سورة الدخان من القرآن فقال له رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم ما خبأت لك فقال الدخ و الدخ هي لغة في الدخان فقال له رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم اخسأ فلن تعدو قدرك يعني إنك ممن لبس عليه الأمر فإنه صلى اللّٰه عليه و سلم ما خبا له إلا سورة الدخان و هي تحوي على الدخان و على غيره فما خبا له الدخان فأتاه باسم السورة لا بما خبا له و ما قال سورة الدخان و إنما قال الدخ و لم يأت في هذه السورة إلا الدخان لا الدخ و إن كان هو بعينه فلم يفرق ابن صياد بين سورة الدخان و بين الدخان فجهل فلهذا قال له رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم اخسأ فلن تعدو قدرك حيث جاءه من هذه السورة بما يناسب إبليس الذي عرفه بذلك و هو أن الشيطان مخلوق من النار فما رأى من تلك الخبيئة إلا ما يناسبه و ما عرف أنها سورة الدخان فالقى إلى ابن الصياد في روعة هذا القدر و ذلك أن النبي صلى اللّٰه عليه و سلم تلفظ باسم السورة عند ما عينها في نفسه فسرقها الشيطان و اختطفها من لفظه و لو أضمرها رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم في نفسه ما عرفها إبليس فإنه ليس له على قلبه صلى اللّٰه عليه و سلم اطلاع و لا استشراف بخلاف قلب الولي و لهذا إن النبي معصوم من الوسوسة في حال نزول الوحي و في غيرها لا فرق أ لا ترى الشيطان لما علم إن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم بهذه المثابة و العناية من اللّٰه في عصمة قلبه من استشراف إبليس عليه جاءه في الصلاة في قبلته بشعلة نار مخيلة فرمى بها في وجهه و غرضه أن يحول بينه و بين الصلاة لما يرى له فيها من الخير فإنه يحسده بالطبع فتأخر النبي صلى اللّٰه عليه و سلم إلى خلف و لم يقطع صلاته و أخبر بذلك أصحابه و أما الولي فقد يلقى إليه في قلبه و قد يسمع منه ما يحدث به نفسه فيطمع أن يلبس عليه حاله كما ذكرناه فمن كان على بينة من ربه فقد سعد و ارتفع الإشكال و لا بد للبينة التي يكون عليها أن تكون بينة له و إن لم تكن بينة فلا يقدر أن يحكم بها فإنه قد تكون علامة لا بينة فيتخيل إن العلامة هي