الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() الآنات في كل حال و أن هيكلك ثابت على صورة واحدة و إن اختلفت عليه الأعراض فإذا فنيت عن ذاتك بمشهودك الذي هو شاهد الحق من الحق و غير الحق و لا تغيب في هذه الحال عن شهود ذاتك فيه فما أنت صاحب هذا الفناء فإن لم تشهد ذاتك في هذا الشهود و شاهدت ما شاهدت فأنت صاحب هذا النوع من الفناء و إنما قلنا شاهدت ما شاهدت و لم نخصص شهود الحق وحده فإن صاحب هذا الفناء قد يكون مشهوده كونا من الأكوان و هو حال يعصم ذات الإنسان من التأثر أخبرني الأستاذ النحوي عبد العزيز بن زيدان بمدينة فاس و كان ينكر حال الفناء و كان يختلف إلينا و كانت فيه إنابة فلما كان ذات يوم دخل علي و هو فارح مسرور فقال لي يا سيدي الفناء الذي تذكره الصوفية صحيح عندي بالذوق قد شاهدته اليوم قلت له كيف قال أ لست تعلم أن أمير المؤمنين دخل اليوم من الأندلس إلى هذه المدينة قلت له بلى قال اعلم إني خرجت أتفرج مع أهل فاس فأقبلت العساكر فلما وصل أمير المؤمنين و نظرت إليه فنيت عن نفسي و عن العسكر و عن جميع ما يحسه الإنسان و ما سمعت دوي الكوسات و لا صوت طبل مع كثرة ذلك و لا البوقات و لا ضجيج الناس و لا رأيت ببصري أحدا من العالم جملة واحدة سوى شخص أمير المؤمنين ثم إنه ما أزاحني أحد عن مكاني و وقفت في طريق الخيل و ازدحام الناس و ما رأيت نفسي و لا علمت أني ناظر إليه بل فنيت عن ذاتي و عن الحاضرين كلهم بشهودي فيه و لما انحجب عني و رجعت إلى نفسي أخذتني الخيل و ازدحام الناس فازالونى عن موضعي و ما تخلصت من الضيق إلا بشدة و أدرك سمعي الضجيج و أصوات الكوسات و البوقات فتحققت إن الفناء حق و أنه حال يعصم ذات الفاني من أن يؤثر فيه ما فنى عنه هذا يا أخي فناء في مخلوق فما ظنك بالفناء في الخالق فإن شاهدت في هذا الفناء تنوع ذاتك اللطيفة و لم تشاهد معها سواها ففناؤك عنك بك لا بسواك فأنت فإن عن ذاتك و لست فانيا عن ذاتك فإنك لك بك مشهود من حيث لطيفتك و إنك لك بك مفقود من حيث هيكلك فإن شاهدت مركبك في حال هذا الفناء فمشهودك خيال و مثال ما هو عينك و لا غيرك بل حالك في هذا الفناء حال النائم صاحب الرؤيا «و أما النوع الخامس من الفناء»و هو فناؤك عن كل العالم بشهودك الحق أو ذاتكفإن تحققت من تشهد منك علمت أنك شاهدت ما شاهدته بعين حق و الحق لا يفنى بمشاهدة نفسه و لا العالم فلا تفني في هذه الحال عن العالم و إن لم تعلم من يشهد منك كنت صاحب هذا الحال و فنيت عن رؤية العالم بشهود الحق أو بشهود ذاتك كما فنيت عن ذاتك بشهود الحق أو بشهود كون من الأكوان فهذا النوع يقرب من الرابع في الصورة و إن كان يعطي من الفائدة ما لا يعطيه النوع الرابع المتقدم «و أما النوع السادس من الفناء»فهو إن تفني عن كل ما سوى اللّٰه باللهو لا بد و تفني في هذا الفناء عن رؤيتك فلا تعلم أنك في حال شهود حق إذ لا عين لك مشهودة في هذا الحال و هنا يطرأ غلط لبعض الناس من أهل هذا الشأن و أبينه لك إن شاء اللّٰه حتى يتخلص لك المقام و إن اللّٰه ألهمني لهذا البيان و ذلك أن صاحب هذا الحال إذا فنى عن كل ما سوى اللّٰه بشهود اللّٰه فيما يقول فلا يخلو في شهوده ذلك إما أن يرى الحق في شئونه أو لا يراه في شئونه فإنه لا يزال في شئون إذ لا غيبة له عن العالم و لا عن أثر فيه فإن شاهده في شئونه فما فنى عن كل ما سوى اللّٰه و إن شاهده في غير شئونه بل في غناه عن العالم فهو صحيح الدعوى ﴿فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ﴾ [آل عمران:97] و هذا المشهد كان للصديق فإنه قال ما رأيت شيئا إلا رأيت اللّٰه قبله فأثبت أنه رآه و لا شيء ثم أقيم في مشهد آخر فرأى صدور الشيء عنه و قد كان رآه و لا شيء فجعل تلك الرؤية قبل هذا الشهود فقال ما رأيت شيئا إلا رأيت اللّٰه قبله فقد أبنت لك الأمر على ما هو عليه «و أما النوع السابع من الفناء»فهو الفناء عن صفات الحق و نسبهاو ذلك لا يكون إلا بشهود ظهور العالم عن الحق لعين هذا الشخص لذات الحق و نفسه لا لأمر زائد يعقل و لكن لا من كونه علة كما يراه بعض النظار و لا يرى الكون معلولا و إنما يراه حقا ظاهرا في عين مظهر بصورة استعداد ذلك المظهر في نفسه فلا يرى للحق أثرا في الكون فما يكون له دليل على ثبوت نسبة و لا صفة و لا نعت فيفنيه هذا الشهود عن الأسماء و الصفات و النعوت بل إن حققه يرى أنه محل التأثر حيث أثر فيه استعداد الأعيان الثابتة من أعيان الممكنات و مما يحقق هذا كونه تعالى وصف نفسه في كتابه و على ألسنة رسله بما وصف به المخلوقات المحدثات و إما أن تكون هذه الصفات في جنابه حقا ثم نعتنا بها |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |