و بذا وردت الأسماء الإلهية و ورد في الصحيح «أن اللّٰه خلق آدم على صورته» و هو الإنسان الكامل المختصر الظاهر بحقائق الكون كله حديثه و قديمه و جعل سبحانه النفس بخرج من القلب للأمر الذي قد علم و قررناه فيجد المخارج إذا قصد المتنفس الكلام و إن لم يقصد الكلام كان النفس بالحرف الهاوي خاصة و ما هو عندنا من الحروف و هو يهوى على ثلاث مراتب هويا ذاتيا يعبر عنه بالألف و هو المسمى عند القراء الحرف الهاوي فإذا مر بالأرواح العلوية في هويه حدث له منها واو العلة و هو امتداد الهواء من المتنفس عن ضم الحرف و هو إشباع حركة الضم و إذا مر بالأجسام الطبيعية السفلية في هويه حدث له من ذلك ياء العلة و هو امتداد الهواء من المتنفس عن خفض الحرف و هو إشباع حركة الخفض لأن الخفض من العالم الأسفل و ما لهذا النفس في هويه أكثر من هذه الثلاث المراتب فاعلم ذلك فحدثت رسالة الملك بالواو المضموم ما قبلها و حدثت رسالة البشر بالياء المكسور ما قبلها و كان الألف على الأصل عن اللّٰه و هو سبب الأسباب كلها و لما ذكر اللّٰه عن نفسه أنه الظاهر و أنه الباطن و أن له كلاما و كلمات ذكر أن له نفسا من الاسم الرحمن الذي به استوى على العرش فاسأل به خبيرا و هو العارف من عباد اللّٰه من نبي و غيره ممن شاء اللّٰه من عباده لأنه قال ﴿يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشٰاءُ﴾ [البقرة:269] فنكر الأمر و لم يعرفه فهو نكرة في معرفة يعلمها هو لا غيره لأن الأمور معينة عنده مفصلة ليس في حقه إجمال و لا يصح و لا مبهم مع علمه بالمجمل في حق من يكون في حقه الأمر مجملا و مبهما و غير ذلك فلما علمنا أن له نفسا و أنه الباطن و أن له كلاما و أن الموجودات كلماته علمنا أن اللّٰه ما أعلمنا بذلك إلا لنقف على حقائق الأمور بأنا على الصورة فنقبل جميع ما تنسبه الألوهة إليها على ألسنة رسلها و كتبها المنزلة و جعل النطق في الإنسان على أتم الوجود فجعل له ثمانية و عشرين مقطعا للنفس يظهر في كل مقطع حرفا معينا ما هو عين الآخر ميزه المقطع مع كونه ليس غير النفس فالعين واحدة من حيث إنها نفس و كثيرة من حيث المقاطع و جعلها ثمانية و عشرين لأن العالم على ثمانية و عشرين من المنازل التي تجول السيارة فيها و في بروجها و هي أمكنتها من الفلك المستدير كأمكنة المخارج للنفس لإيجاد العالم و ما يصلح له و لكل عالم أعطت هذه المقاطع التي أظهرت أعيان الحروف ثم قسم هذه المقاطع إلى ثلاثة أقسام قسم أقصى عن الطرف الأقصى الآخر فالأقصى الواحد يسمى حروف الحلق و هو على طبقات و الأقصى الثاني حروف الشفتين و ما بينهما حروف الوسط فإن الحضرة الإلهية على ثلاث مراتب باطن و طاهر و وسط و هو ما يتميز به الظاهر عن الباطن و ينفصل عنه و هو البرزخ فله وجه إلى الباطن و وجه إلى الظاهر بل هو الوجه عينه فإنه لا ينقسم و هو الإنسان الكامل أقامه الحق برزخا بين الحق و العالم فيظهر بالأسماء الإلهية فيكون حقا و يظهر بحقيقة الإمكان فيكون خلقا و جعله على ثلاث مراتب عقل و حس و هما طرفان و خيال و هو البرزخ الوسط بين المعنى و الحس فلما عرفنا اللّٰه أنه باطن و ظاهر و له نفس و كلمة و كلمات نظرنا ما ظهر من ذلك و لم ينسب إلى ذاته النفس و ما يحدث عنه فقلنا عين النفس هو العماء فإن نفس المتنفس المقصود بالعبارة عنه ما يتنزل منزلة الريح و إنما يتنزل منزلة البخار فالنفس هذا حقيقته حيث كان فكان عنه العماء كما يحدث العماء عن بخار رطوبات الأركان فيصعد و يعلو فيظهر منه العماء أولا ثم بعد ذلك يكثف و الهواء يحمله و الريح تسوقه فما هو عين الهواء و إنما هو عين البحار و لذلك «جاء في صفة العماء الذي كان فيه ربنا قبل خلق الخلق إنه عماء ما فوقه هواء و ما تحته هواء» فذكر أن له الفوق و هو كون الحق فيه و التحت و هو كون العالم فيه فلم يكن ثم غير نفس الحق ففيه يكون الهواء و جرت الرياح ما بين زعزع و رخاء و هي الحروف الشديدة و الرخوة و ظهر عن هذا النفس أصوات الرعود كالحروف المجهورة و هبوب النسيم و هي الحروف المهموسة و ظهرت الطباق في الأفلاك كالحروف المطبقة من تنفس الإنسان بالقول إذا قصده و هو في الإلهيات إذا أردناه أن نقول له كن فالحروف المطبقة في النفس الإلهي وجود سبع سماوات طباقا و كل موجود في العالم على جهة الانطباق و أبرز في هذا النفس الإلهي افتتاح الوجود بالكون إذ كان و لا شيء معه و جعلها في المتنفس حقيقة الحروف المنفتحة ثم لما أوجد العالم و فتح صورته في العماء و هو النفس الذي هو الحق المخلوق به مراتب العالم و أعيانه و أبان منازله جعل منه عالم الأجسام كالحروف المنسفلة لأنها من جانب الطبيعة و هو حد الكون الظلم و جعل منه عالم الأرواح و هو الحروف المستعلية في المتنفس بالنفس الإنساني