الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
![]() |
![]() |
|||||||||
الصفحة - من الجزء (عرض الصورة)![]() إن الرسول لسان الحق للبشر *** بالأمر و النهي و الإعلام و العبر هم أذكياء و لكن لا يصرفهم *** ذاك الذكاء لما فيه من الغرر أ لا تراهم لتابير النخيل و ما *** قد كان فيه على ما جاء من ضرر هم سالمون من الأفكار إن شرعوا و قد مضى حكمها دنيا و آخرة *** و ما لها في وجود العين من أثر لو لا التكاليف لم يختص صاحبها *** عن غيره لوجود الوحي و النظر النحل يوحى إليه دائما أبدا *** إلى القيامة في السكنى و في الثمر [الرسالة نعت كوني يقبلها الرسول بوساطة روح قدسي]الرسالة نعت كوني متوسط بين مرسل و مرسل إليه و المرسل به قد يعبر عنه بالرسالة و قد تكون الرسالة حال الرسول و هي بالجملة ليست بمقام و إنما هي نسبة حال و تنقطع بانقطاع التبليغ بالفعل و يزول حكمها بانقضاء التبليغ قال تعالى ﴿مٰا عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاٰغُ﴾ [المائدة:99] و أوجب عليه ذلك فقال ﴿يٰا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مٰا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَ إِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمٰا بَلَّغْتَ رِسٰالَتَهُ﴾ [المائدة:67] فالرسالة هنا هي التي أرسل بها و بلغها و هكذا وردت في القرآن حيثما وردت و لا يقبلها الرسول إلا بوساطة روح قدسي أمين ينزل بالرسالة على قلبه و أحيانا يتمثل له الملك رجلا و كل وحي لا يكون بهذه الصفة لا يسمى رسالة بشرية و إنما يسمى وحيا أو إلهاما أو نفثا أو إلقاء أو وجودا و لا تكون الرسالة إلا كما ذكرنا و لا يكون هذا الوصف إلا للرسول البشري و ما عدا هذا من ضروب الوحي فإنه يكون لغير النبي و الرسول [الفرق بين النبي و الرسول]و الفرق بين النبي و الرسول أن النبي إذا ألقى إليه الروح ما ذكرناه اقتصر بذلك الحكم على نفسه خاصة و يحرم عليه أن يتبع غيره فهذا هو النبي فإذا قيل له بلغ ما أنزل إليك إما لطائفة مخصوصة كسائر الأنبياء و إما عامة للناس و لم يكن ذلك إلا لمحمد ﷺ لم يكن لغيره قبله فسمى بهذا الوجه رسولا و الذي جاء به رسالة و ما اختص به من الحكم في نفسه و حرم على غيره من ذلك الحكم هو نبي مع كونه رسولا و إن لم يخص في نفسه بحكم لا يكون لمن بعث إليهم فهو رسول لا نبي و أعني نبوة الشرائع التي ليست للأولياء فكل رسول لم يخص بشيء من الحكم في حق نفسه فهو رسول لا نبي و إن خص مع التبليغ فهو رسول و نبي فما كل رسول نبي على ما قلناه و لا كل نبى رسول بلا خلاف [الورثة هم الأتباع الذين أمروا بالتبليغ عن الرسول]ثم إن الورثة و هم الأتباع الذين أمروا بالتبليغ كمعاذ و علي و دحية رسل رسول اللّٰه ﷺ و لا يزال كل متأخر مأمورا بالتبليغ ممن أمر بالتبليغ متصل الطريق مأمورا عن مأمور إلى رسول اللّٰه ﷺ يسمى رسولا و لكن ما هي الرسالة التي انقطعت و الرسالة التي انقطعت هي تنزل الحكم الإلهي على قلب البشر بوساطة الروح كما قررناه فذلك الباب هو الذي سد و الرسالة و النبوة التي انقطعت و أما الإلقاء بغير التشريع فليس بمحجور و لا التعريفات الإلهية بصحة الحكم المقرر أو فساده فلم تنقطع و كذلك تنزل القرآن على قلوب الأولياء ما انقطع مع كونه محفوظا لهم و لكن لهم ذوق الإنزال و هذا لبعضهم(و لهذا)ذكر عن أبي يزيد أنه ما مات حتى استظهر القرآن أي أخذه عن إنزال و هو الذي نبه النبي ﷺ فيمن حفظ القرآن يعني على هذا الوجه أن النبوة قد أدرجت بين جنبيه و لم يقل في صدره و هذا معنى استظهار القرآن أي أخذه عن ظهر فله مثل هذا التنزل مستمر فيمن شاء اللّٰه من عباده لكن على هذا النعت و الصفة و هو قوله تعالى ﴿يُلْقِي الرُّوحَ مِنْ أَمْرِهِ عَلىٰ مَنْ يَشٰاءُ مِنْ عِبٰادِهِ﴾ [غافر:15] [الرسل مبشرون و منذرون و الورثة منذرون لا مبشرون]فالرسل مبشرون و منذرون و الورثة منذرون خاصة لا مبشرون لكنهم مبشرون اسم مفعول فإذا بشر الولي أحدا بسعادة فما هو من هذا الباب بل البشارة في ذلك بتعيين السعيد و بشارة الأنبياء متعلقة بالعمل المشروع و هو أنه من عمل كذا كان له كذا في الجنة أو نجاه اللّٰه من النار بعمل كذا هذا لا يكون إلا للرسل ليس للولي فيه دخول و له أن يعطي تعيين السعيد لا من حيث العمل فيقول في الكافر و هو في حال كفره إنه سعيد و في المؤمن في حال إيمانه إنه شقي فيختم لكل واحد بالسبب الموجب لسعادته أو شقاوته تصديقا لقول الولي هذا القدر بقي للأولياء من نبوة الإخبار لا من نبوة التشريع [الخصائص الروحانية للرسالة البشرية]و لها من الحروف ياء العلة و له الدعوى و الآيات و صاحبها مسئول و له الكشف في أوقات و هو قوله ﴿لاٰ تُحَرِّكْ بِهِ لِسٰانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ﴾ [القيامة:16] و هي و إن نزلت من الكرسي فإذا رجعت فلا تتعدى سدرة المنتهى و الرسالة تنزل معاني و تعود إلى السدرة صورا ينشئها العبد إنشاء و هذا له من الاسم الخلاق الذي أعطى و معراجها براقي و رفرفى و لكن من السموات و رئيس أرواحها النازلين بها جبريل و هو أستاذ الرسل و هو الموكل بهذا المقام و ما يتصور لهذا المقام نسخ و إنما الأشخاص تختلف و كل شخص يجري فيه إلى أجل مسمى و لهذا جاء ﴿وَ الْمُرْسَلاٰتِ عُرْفاً﴾ [المرسلات:1] و قال ﴿رُسُلَنٰا﴾ [البقرة:119] |
|
|||||||||
![]() |
![]() |
|||||||||
الفتوحات
المكية للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي ترقيم الصفحات موافق لطبعة القاهرة (دار الكتب العربية الكبرى) - المعروفة بالطبعة الميمنية. وقد تم إضافة عناوين فرعية ضمن قوسين مربعين. |