اعلم أن التجلي عند القوم ما ينكشف للقلوب من أنوار الغيوب و هو على مقامات مختلفة فمنها ما يتعلق بأنوار المعاني المجردة عن المواد من المعارف و الأسرار و منها ما يتعلق بأنوار الأنوار و منها ما يتعلق بأنوار الأرواح و هم الملائكة و منها ما يتعلق بأنوار الرياح و منها ما يتعلق بأنوار الطبيعة و منها ما يتعلق بأنوار الأسماء و منها ما يتعلق بأنوار المولدات و الأمهات و العلل و الأسباب على مراتبها فكل نور من هذه الأنوار إذا طلع من أفق و وافق عين البصيرة سالما من العمي و الغشي و الصدع و الرمد و آفات الأعين كشف بكل نور ما انبسط عليه فعاين ذوات المعاني على ما هي عليه في أنفسها و عاين ارتباطها بصور الألفاظ و الكلمات الدالة عليها و أعطته بمشاهدته إياها ما هي عليه من الحقائق في نفس الأمر من غير تخيل و لا تلبيس فمنها أنوار نسعى بها و منها أنوار نسعى إليها و منها أنوار نسعى منها و منها أنوار تسعى بين أيدينا و منها أنوار تكون خلفنا يسعى بها من يقتدي بنا و منها أنوار تكون عن إيماننا تؤيدنا و منها أنوار تكون عن شمائلنا تقينا و منها أنوار تكون فوقنا تنزل علينا لتفيدنا و منها أنوار تكون تحتنا نملكها بالتصرف فيها و منها أنوار نكونها هي أبشارنا و في أبشارنا و أشعارنا و في أشعارنا و هي غاية الأمر فأما أنوار المعاني المجردة عن المواد فكل علم لا يتعلق بجسم و لا جسماني و لا متخيل و لا بصورة و لا نعلمه من حيث تصوره بل نعقله على ما هو عليه و لكن بما نحن عليه و لا يكون ذلك إلا حتى أكون نورا فما لم أكن بهذه المثابة فلا أدرك من هذا العلم شيئا و هو قوله «في دعائه صلى اللّٰه عليه و سلم و اجعلني نورا» و اللّٰه يقول ﴿اَللّٰهُ نُورُ السَّمٰاوٰاتِ وَ الْأَرْضِ﴾ [النور:35]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية