فاذاقه الذل بأخذ اللحية و الناصية فناداه بأشفق الأبوين فقال ﴿يَا بْنَ أُمَّ لاٰ تَأْخُذْ بِلِحْيَتِي وَ لاٰ بِرَأْسِي﴾ و ﴿فَلاٰ تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْدٰاءَ﴾ [الأعراف:150] لما ظهر عليه أخوه موسى بصفة القهر فلما كان لهارون ذلة الخلق ذوقا مع براءته مما أذل فيه تضاعفت المذلة عنده فناداه بالرحم فهذا سبب وصيته لهذا التابع و لو لم يلق موسى الألواح ما أخذ برأس أخيه فإن في نسختها الهدى و الرحمة تذكرة لموسى فكان يرحم أخاه بالرحمة و تتبين مسألته مع قومه بالهدى فلما سكت عنه ﴿اَلْغَضَبُ أَخَذَ الْأَلْوٰاحَ﴾ [الأعراف:154] فما وقعت عينه مما كتب فيها الأعلى الهدى و الرحمة فقال ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ لِأَخِي وَ أَدْخِلْنٰا فِي رَحْمَتِكَ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرّٰاحِمِينَ﴾ [الأعراف:151] ثم أمره أن يجعل ما تقتضيه سماؤه من سفك الدماء في القرابين و الأضاحي ليلحق الحيوان بدرجة الأناسي إذ كان لها الكمال في الأمانة ثم خرج من عنده بخلعة نزيله و أخذ بيد صاحبه و قد أفاده ما كان في قوته من المعارف بما يقتضيه حكمه في الدور لا غير و انصرفا يطلبان السماء السادسة فتلقاه موسى عليه السّلام و معه وزيره البرجيس فلم يعرف صاحب النظر موسى عليه السّلام فأخذه البرجيس فأنزله و نزل التابع عند موسى فأفاده اثني عشر ألف علم من العلم الإلهي سوى ما أفاده من علوم الدور و الكور و أعلمه أن التجلي الإلهي إنما يقع في صور الاعتقادات و في الحاجات فتحفظ ثم ذكر له طلبه النار لأهله فما تجلى له إلا فيها إذ كانت عين حاجته فلا يرى إلا في الافتقار و كل طالب فهو فقير إلى مطلوبه ضرورة و أعلمه في هذه السماء خلع الصور من الجوهر و إلباسه صورا غيرها ليعلمه أن الأعيان أعيان الصور لا تنقلب فإنه يؤدي إلى انقلاب الحقائق و إنما الإدراكات تتعلق بالمدركات تلك المدركات لها صحيحة لا شك فيها فيتخيل من لا علم له بالحقائق أن الأعيان انقلبت و ما انقلبت و من هنا يعلم تجلى الحق في القيامة في صورة يتعوذ أهل الموقف منها و ينزهون الحق عنها و يستعيذون بالله منها و هو الحق ما هو غيره و ذلك في أبصارهم فإن الحق منزه عن قيام التغيير به و التبديل قال عليم الأسود لرجل وقف فضرب بيده عليم إلى أسطوانة في الحرم فرآها الرجل ذهبا ثم قال له يا هذا إن الأعيان لا تنقلب و لكن هكذا تراه لحقيقتك بربك يشير إلى تجلى الحق يوم القيامة و تحوله في عين الرائي و من هذه السماء يعلم العلم الغريب الذي لا يعلمه قليل من الناس فأحرى أن لا يعلمه الكثير و هو معنى قوله تعالى لموسى عليه السّلام و ما علم أحد ما أراد اللّٰه إلا موسى و من اختصه اللّٰه ﴿وَ مٰا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يٰا مُوسىٰ﴾ [ طه:17]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية