﴿عَلىٰ كُلِّ نَفْسٍ بِمٰا كَسَبَتْ﴾ [الرعد:33] فكل معلوم حي فكل معلوم قيوم أي له قيومية و كذلك هو فإنه لو لا أنه قيوم ما أعطى العالم علمه و بعلمه أعطى العالم خلقه لأنه لا يعطيه إلا علمه فيه و علمه فيه إنما كان منه فلا بد أن يظهر في وجوده بخلقه من غير زيادة و لا نقصان و لا يكون إلا كذا و لذا قال موسى ﴿رَبُّنَا الَّذِي أَعْطىٰ كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ﴾ [ طه:50] فأخبر بإحاطة علمه و لم يكن ذلك لفرعون مع دعواه الربوبية فعلم فرعون ما قالاه و سكت و تبين له أنه الحق لكن حب الرئاسة منعه من الاعتراف
الذي قام بنا في كوننا *** يا خليلي إنما قام بنا
فإذا حققت ما فهت به *** فاحكم إن شئت علينا أو لنا
ما ثنى الجود علينا جوده *** بسوانا فقل الجود أنا
ما نعمنا بسوانا فانظروا *** في كلامي تجدوه بينا
فسرت القيومية بذاتها في كل شيء و لهذا قال لنا ﴿وَ قُومُوا لِلّٰهِ قٰانِتِينَ﴾ [البقرة:238] فلو لا سريان القيومية فينا ما أمرنا و كذلك فعلنا قمنا له و به فمنا شاهدت ذلك عيانا كما شهدته إيمانا و إنما تعجبت ممن يقول بأن القيومية لا يتخلق بها و إنها من خصائص الحق و القيومية بالكون أحق لأنها سارية فيه و بها ظهرت الأسماء الإلهية فبها أقام الكون الحق أن يقيمه و لو لا ذلك ما ظهر للخلق عين و لا حكم الألف قيوم الحروف و ليس بحرف فهو مظهرها و هو لا يشبهها فامتداده لذاته لا يتناهى و امتداد حكمه بإيجاد الحرف غير متناه لأن في طريقه منازل الحروف بالقوة و الاستعداد فإذا انتهى إلى منزل ما من منازلها وقف عنده ليرى أي حرف هو فبرز الحرف فسمى ذلك المكان مخرج ذلك الحرف فيعلمه و هو الذي أحدثه فهو مثل قوله تعالى ﴿وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّٰى نَعْلَمَ﴾ [محمد:31] فلو لا القيومية السارية في النفس ما ظهرت الحروف و لو لا القيومية الظاهرة في الحروف بحكمها ما ظهرت الكلمات بتأليفها و إنما جئنا بهذا ضرب مثال محقق واقع لوجود الكائنات عن نفس الحق فاعلم ذلك و قد تقدم ذكره في باب النفس من هذا الكتاب و اعلم أنه في ليلة تقييدي هذا الوجه أريت في النوم ورقة زنجارية اللون جاءت إلي من الحق مكتوبة ظهرا و بطنا بخط خفي لا يظهر لكل أحد فقرأته في النوم لضوء القمر فكان فيه نظما و نثرا و استيقظت قبل أن أتم قراءته فما رأيت أعجب منه و لا أغمض من معاينة لا يكاد يفهم فكان مما عقلت من نظمه ما أذكره و كان في حق غيري كذا قرر لي في النوم و ذكر لي الشخص الذي كان في حقه فعرفته و كأني في أرض الحجاز في برية ينبوع بين مكة و المدينة
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية