و هو الوجود الحق و من صدق هذه الآية الأمر الذي سرى في العالم و قال به إلا الشاذ النادر الذي لا حكم له و هو إن أحدا لا تراه راضيا بحاله في الوجود أصلا و لذلك علة أصلية و هو أن الحق كل يوم من أيام الأنفاس في شأن فتحرك العالم تلك الشئون الإلهية فيطلب الانتقال مما هو فيه كان ما كان إلى أمر آخر غير إن الشاذ القليل و إن طلب الانتقال فإنه راض بحاله في وقته و في طلبه الانتقال فهو يطلب ليجمع و أكثر العالم لا يطلب الانتقال إلا لعدم الرضاء بحاله فما تجد أحدا من صالح و لا غير صالح يرضى بحاله هذا هو الساري في العالم و من هذا الباب إنك ما ترى أحدا إلا و هو يذم زمانه و يحمد ما مضى و خلا من الأزمان و ليس زمانه إلا حاله مذ وجدت هذه النشأة و أي زمان كان فيه بنو آدم في وقت آدم حتى ذكر أنه قال في نظم له بلسانه ترجمته
تغيرت البلاد و من عليها *** فوجه الأرض مغبر قبيح
فالإنسان يذم يومه و يمدح أمسه و هو الإنسان عينه لا غيره و قد كان أمس يذم يومه و يمدح ما قبله فلم يزل الأمر هكذا و ذلك للأمر الطبيعي أعني الذم كما إن طلب الانتقال للشأن الإلهي و العارفون يطلبون الانتقال للشأن الإلهي من غير ذم أوقاتهم و غير العارفين يذمون أوقاتهم طبعا و يطلبون الانتقال للشأن الإلهي الذي يحركهم لذلك و هم لا يشعرون و له أيضا سبب غير هذا عجيب أعني طلب الانتقال و الذم و ذلك أن الإنسان مجبول على القلق من الضيق و طلب الانفساح و الإفراج عنه و يتخيل أن كل ما هو خارج عنه فيه الانفساح من هذا الضيق الذي هو فيه و ذلك أن الإنسان إذا كان في حال ما من الأحوال فإنه مقبوض عليه بذلك الحال لإحاطته به لا بد من ذلك فيجد نفسه محصورا و يرى ما خرج عن ذلك الحصر أنه انفساح و انفراج لأن الأمر الخارج عن حاله ما هو واحد بعينه فيضيق عليه الأمر فلهذا يجد السعة فيما عدا حاله الذي هو عليه فإذا خرج لم يحصل له من ذلك الاتساع المتوهم إلا حال واحدة تحتاط به فيجد أيضا فيه الضيق لإحاطتها به و حصره فيه فيطلب الإفراج عنه كما طلبه في الحال الأول فلا يزال هذا ديدنه و اللّٰه يخرجه من اسم إلى اسم دائما أبدا فمن اتخذ اللّٰه وقاية أخرجه من الضيق أي أزال الضيق عنه فاتسع في مدلول الاسم اللّٰه من غير تعيين و لذلك رزقه من حيث لا يحتسب لأنه لم يقيد فلم يتقيد فكل شيء أقامه الحق فيه فهو له فيرجع محيطا بما أعطاه اللّٰه فله السعة دائما أبدا فالانتقال يعم الجميع و الرضاء و عدم الرضاء الموجب للضيق هو الذي يتفاضل فيه الخلق فمن اتقى اللّٰه خرج إلى سعة هذا الاسم فيتسع باتساع هذا الاسم اللّٰه اتساعا لا ضيق بعده و من لم يتق اللّٰه لم يشهد سوى حكم اتساع واحد فيخرج من ضيق إلى ضيق و من أراد أن يجرب نفسه و يأتي إلى الأمر من فصه و لينظر في نفسه إلى علمه برزقه ما هو فإن لم يعلم رزقه فذلك الذي خرج من الضيق إلى السعة و هو قوله تعالى ﴿وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لاٰ يَحْتَسِبُ﴾ [الطلاق:3] قال بعضهم في ذلك ﴿وَ مَنْ يَتَّقِ اللّٰهَ يَجْعَلْ لَهُ﴾ [الطلاق:2] كما قال من أمره ﴿مَخْرَجاً﴾ [الطلاق:2]
و يرزقه من غير حسبانه *** و إن ضاق أمر به فرجا
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية