و ﴿قَدَّرَ فَهَدىٰ﴾ [الأعلى:3] فما لك لا تسبح ﴿اِسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾ [الأعلى:1] جعلنا اللّٰه ممن قيده الحق به و رزقه الوقوف عند حدوده و مراسمه في الآخرة و الأولى فانظر يا أخي ما أعطت عناية هذه المعية الإلهية في قوله ﴿وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مٰا كُنْتُمْ﴾ [الحديد:4] فهو معنا بهويته و هو معنا بأسمائه فهل ترى عين العارف كونا من الأكوان و عينا من الأعيان لا يكون الحق معه فالله يغفر للجميع بالواحد فكيف لا يغفر للواحد بالجميع فما من إنسان إلا و جميع أجزائه مسبحة بحمد اللّٰه و لا قوة من قواه إلا و هي ناطقة بالثناء على اللّٰه حتى النفس الناطقة المكلفة من حيث خلقها و عينها كسائر جسدها الذي هو ملكها مسبحة أيضا لله فما عصى و خالف الأمر واحد من هذه الجملة المعبر عنها بالإنسان أ فترى اللّٰه لا يقبل طاعة هذه الجملة في معصية ذلك الواحد هيهات و أين الكرم إلا هنا ﴿يٰا أَيُّهَا الْإِنْسٰانُ مٰا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ﴾ [الإنفطار:6] فيقول كرمك فهذا تنبيه من اللّٰه لعبده أن يقول كرمك كما يفعله الحاكم المؤمن العالم إذ يقول للسارق و الزاني قل لا زنيت أو قل لا سرقت أو قل لا لعلمه أنه إذا اعترف أقام عليه حدا فربما يكون الزاني يدهش بين يدي الحاكم فينبهه ليقول بهذه المقالة لا فيدرأ عنه الحد بذلك ﴿وَ اللّٰهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ﴾ [الأحزاب:4]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية