و أما ظلمة التسوية بين الأمرين فإنما سميت ظلمة لأن التسوية بين الأمرين محال لأن التسوية المحققة المثلية من جميع الوجوه لا من بعض الوجوه و لا من أكثرها محال بين الأمرين قال تعالى ﴿سَوٰاءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ﴾ [البقرة:6] لأنهم قالوا ﴿سَوٰاءٌ عَلَيْنٰا أَ وَعَظْتَ أَمْ لَمْ تَكُنْ مِنَ الْوٰاعِظِينَ﴾ [الشعراء:136] فكان اللّٰه حكى لنبيه ﷺ و عرفه بأن حالهم ما ذكروه عن نفوسهم فهذه ظلمة قد تكون ظلمة جهل و قد تكون ظلمة جحد لهوى قام بهم و هو من أشد الظلم و لكن هذه كلها سدف سحرية بالنظر و الإضافة إلى ظلمة الجهل الذي هو نفي العلم من المحل بالكلية و هو «قوله فيها ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر» فنفى العلم و الطرق الموصلة إليه العلم بذلك فهذه أشد ظلمة في العالم إلي فإن اعتقاد الشيء على خلاف ما هو به قد علم الشيء و ما علم حقيقته أي علم في الجملة أن اسمه كذا ثم اعتقد فيه ما ليس هو عليه فقد اعتقد أمرا ما فظلمته دون ظلمة نفي العلم من المحل كما قال تعالى في أمثالهم ﴿وَ بَدٰا لَهُمْ مِنَ اللّٰهِ مٰا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ﴾ [الزمر:47] و هذه شائعة في الشقي و السعيد ففي السعيد فيمن مات على غير توبة و هو يقول بإنفاذ الوعيد فيغفر له فكان الحكم للمشيئة فسبقت بسعادتهم فتبين لهم عند ذلك أنهم اعتقدوا في ذلك الأمر خلاف ما هو ذلك الأمر عليه فإن الذي هو عليه إنما هو الاختيار و الذي عقدوا عليه كان عدم الاختيار فمثل هذا يسمى ظلمة الشبهة
يا بنى الزوراء ما لي و لكم *** إنني آل لمن لا يهتضم
فإذا قلت ألا قولوا بلى *** و إذا ما قلت هل قولوا نعم
إنما الأمر الذي جئت به *** أمر موجود له نعت القدم
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية