فمنازل كل موجود و كل صنف لا يتعداها و لا يجري أحد في غير مجراه قال تعالى في شأن الكواكب ﴿كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ﴾ [الأنبياء:33] و هكذا كل موجود له طريق تخصه لا يسلك عليها أحد غيره روحا و طبعا فلا يجتمع اثنان في مزاج واحد أبدا و لا يجتمع اثنان في منزلة واحدة أبدا فلا يكون الإنسان ملكا أبدا و لا الملك إنسانا و لا الرسول غيره أبدا و لكل مدرجة عن اللّٰه تعالى لكل صنف بل لأشخاص كل نوع خواص تخصها لا ينالها إلا السالك عليها و لو جاز أن يسلك غيره على تلك المدرجة لنال ما فيها و إن جمع الجنس منزل واحد و النوع منزل واحد و هكذا كل نوع من الأنواع التي تحت كل جنس من الأجناس و كذلك كل جنس من الأجناس إلى جنس الأجناس كذلك إلى النوع الأخير كما تجمع الرسالة الرسل و يفضل بعضهم بعضا و الأنبياء النبوة و يفضل بعضهم بعضا هذا و إن كانت الكواكب تقطع في فلك واحد و هو فلك البروج فلكل واحد منها فلك يخصه يسبح فيه لا يشاركه فيه غيره فهكذا الأمر في الجميع أعني في المخلوقات و إن جمعهم مقام فإنه يفرقهم مقام فالفلك الكبير الذي يجمع العالم كله فلك الأسماء الإلهية فيه يقطع كل شخص في العالم فهي منازله المقدرة لا يخرج عنها بوجه من الوجوه و لكن يسبح فيه بفلكه الخاص به الذي أوجده الحق فلا يذوق غيره ذوقه من فلك الأسماء و لو ذاقه لكان هو و لا يكون هو أبدا فلا يجتمع اثنين منزل أبد الاتساع فلك الأسماء الإلهية فكل من ادعى من أهل الطريق أنه خرج عن الأسماء الإلهية فما عنده علم بما هي الأسماء و لا يعلم ما معنى الأسماء و كيف يخرج عن إنسانيته الإنسان أو عن ملكيته الملك و لو صح هذا انقلبت الحقائق و خرج الإله عن كونه إلها و صار الحق خلقا و الخلق حقا و ما وثق أحد بعلم و صار الواجب ممكنا و محالا و المحال واجبا و انفسد النظام فلا سبيل إلى قلب الحقائق و إنما يرى الناظر الأمور العرضية تعرض للشخص الواحد و تنتقل عليه الحالات و يتقلب فيها فيتخيل أنه قد خرج عنها و كيف يخرج عنها و هي تصرفه و كل حال ما هو عين الآخر فطرأ التلبيس من جهله بالصفة المميزة لكل حال عن صاحبه ﴿تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنٰا بَعْضَهُمْ عَلىٰ بَعْضٍ﴾ [البقرة:253]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية