و هو هذا المنزل و هذا الكلام الذي سردناه و الكتاب الذي سطرناه ففيه ما فيه لسان الحقيقة يدل على إن الأمر فوق ما ذكر و سطر و ليس في قوة الترجمة عنه و العبارة أكثر مما ظهر و اللّٰه أكبر من ذلك ثم ستر هذا اللسان الحقيقي بقوله بديع في معانيه فكأنه يقول في قوله ما فيه على طريق التعجب به و الفرح و لهذا نبه على ذلك بما ذكره في البيت الثاني ثم إن الثناء على اللّٰه في هذا المنزل خاصة إنما هو بما تستحقه الربوبية لما خصصتك به من الفضل على أبناء جنسك لا بما تستحقه بما فضلت به على غيرك و ما أنعمت به على سواك فإن هذا المنزل لا يتضمن مثل هذا الثناء فيستعين العبد في هذا المنزل على تنزيه الحق بثناء الربوبية على نفسها من جهة ما خصتك به ثم إن العبد بعد استفراغ طاقته في الثناء على ربه بربه من جهة نعمته عليه لاح له علم إلهي في فلاة نفسه عن يمين طريقه فعرف أنه قد زل عن طريق ينبغي أن يسلك أيضا عليها و هنا مسألة دقيقة و هي تختص بهذا المنزل و ذلك أنه لما قيد ثناءه على ربه بما خصه به ربه هل ذلك نقص في المعرفة أو في معرفته أو ليس في الوسع إلا ما وقع و إذا لم يكن في الوسع فقد أتى بكمال ما في الوسع و ذلك أنه إذا أثنى على ربه بما كان منه سبحانه لغير هذا العبد المثنى فلا يخلو إما أن يثني عليه بما تحققه علما في نفسه و لا يكون إلا كذلك فقد صار هو منعوتا بذلك العلم و إن لم تقم به تلك الأوصاف التي وقع بها الثناء على الغير فوصفه بالعلم بذلك ثناء منه على ربه بما خصه به من العلم بذلك و هو صفة إلهية فإن الحق سبحانه يثني على عبده بما ليس هو الحق عليه و لا هي صفته فالثناء على اللّٰه من ذلك وصفه سبحانه بالعلم بذلك و الخلق له فيثني على العبد بالطاعة و ليست من صفات الحق كذلك هذا العبد إذا أثنى على ربه بما أعطى لغيره فثناؤه على ربه بما أعطاه في نفسه هو ما حصل له من ربه من العلم بذلك فاذن فما أثنى على ربه إلا بما خصه به سواء أثنى على ربه بما أعطاه سبحانه لغيره أو لم يذكر الغير و لا تعرض له فتحقق هذه المسألة فإنها من الحقائق و الحقائق لا تقبل التبديل و هذا المنزل من حصل فيه يعطيه ما ذكرناه فإذا لاح له ذلك العلم الذي ذكرناه ستره نظره إليه عما هو عليه و عرف أن ذلك العلم يدل على أمر غيبي ينبغي له أن يبقيه في غيبه و لا يظهره و يرجع من حال الخطاب بالمواجهة و الحضور إلى الخطاب بالغيبة فإنه أنزه لأن الحقائق تعطي أنك ما حضرت إلا معك فإن الأمر إذا أعطى للحاضر في حضوره مع من حضر أنه لا يتمكن أن يحضر معه الأعلى حد ما تعطيه مرتبتك فمعك حضرت لا معه فإنه ما تجلى لك منه إلا قدر ما تعطيه مرتبتك فافهم ذلك تنتفع به و لا يغب هذا عنك في رجوعك إليه مما رجعت عنه لئلا تتخيل إنك رجعت إلى أعلى منك فإنك ما رجعت منك إلا إليك و الحق سبحانه لا يرجع إليك إلا بك لا به لأنه ليس في الوسع أن يطيقه مخلوق و لهذا تتنوع رجعاته و تختلف تجلياته و تكثر مظاهره و لا نتكرر و هو في نفسه منزه عن التكثر و التغير ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ﴾ [الشورى:11] فيما ينسب إلى ذاته قال تعالى
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية