و مما يؤيد ما ذكرناه أن الملائكة قالت من جبلتها حيث لم ترد الخير إلا لنفسها و غلب عليها الطبع في ذلك عن موافقة الحق فيما أراد أن يظهره في الكون من جعل آدم خليفة في الأرض فعرفهم بذلك فلم يوافقوه لحكم الطبع في الطمع في أعلى المراتب ثم تستر حكم الطبع لئلا تنسب إلى النقص من عدم موافقة الحق فأقام لهم صورة الغيرة على جناب الحق و الإيثار لعظمته و ذهلوا عن تعظيمه إذ لو وقفوا مع و ما ينبغي له من العظمة لوافقوه ما وافقوه و إن كانوا فصدوا الخير فقالوا ﴿أَ تَجْعَلُ فِيهٰا مَنْ يُفْسِدُ فِيهٰا وَ يَسْفِكُ الدِّمٰاءَ وَ نَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَ نُقَدِّسُ لَكَ﴾ [البقرة:30] أي فنحن أولى من هذا فرجحوا نظرهم على علم اللّٰه في خلقه لذلك قال لهم ﴿إِنِّي أَعْلَمُ مٰا لاٰ تَعْلَمُونَ﴾ [البقرة:30] فوصفهم بنفي العلم الذي علم الحق من هذا الخليفة مما لم يعلموا و أثنوا على أنفسهم فمسألتهم جمعت ذلك حيث أثنوا على أنفسهم و عدلوها و جرحوا غيرهم و ما ردوا العلم في ذلك إلى اللّٰه فهذا من بخل الطبع بالمرتبة
[الملائكة تحت حكم الطبيعة]
و هذا يؤيد أن الملائكة كما ذهبنا إليه تحت حكم الطبيعة و أن لها أثرا فيهم قال تعالى ﴿مٰا كٰانَ لِي مِنْ عِلْمٍ بِالْمَلَإِ الْأَعْلىٰ إِذْ يَخْتَصِمُونَ﴾ [ص:69] و الخصام من حكمها و قد ورد اختصام ملائكة الرحمة و ملائكة العذاب في الشخص الذي مات بين القريتين فوصفهم بالخصام و لو لا أن مرتبتها دون النفس و فوق الهباء لسرى حكمها و من أراد أن يقف على أصل هذا الشأن فلينظر إلى تضاد الأسماء الإلهية فمن هناك ظهرت هذه الحقيقة في الجميع فهم مشاركون لنا في حكم الطبيعة و من حكمها البخل و الشح فيمن تركب منها و هو من الاسم المانع في الأسماء و سببه فينا إن الفقر و الحاجة ذاتي لنا و لكل ممكن و لهذا افتقرت الممكنات إلى المرجح لإمكانها فالمكون عن الطبيعة شحيح بخيل بالذات كريم بالعرض فما فرض اللّٰه الزكاة و أوجبها و طهر بها النفوس من البخل و الشح إلا لهذا الأمر المحقق فالفرض منها أشد على النفس من صدقة التطوع للجبر الذي في الفرض و الاختيار الذي في التطوع فإنه في الفرض عبد بحكم سيد و في الاختيار لنفسه إن شاء و إن شاء
(وصل في فصل الادخار من شح النفس و بخلها)
[إعطاء العبودية و إعطاء الربوبية]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية