و هذا سر وجود الغني في الفقر و لا يشعر به كل أحد فإنه لا يقول لشيء كن فيكون حتى يشتهيه و لهذا قال تعالى ﴿وَ لَكُمْ فِيهٰا مٰا تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ﴾ [فصلت:31] فما طلب إلا ما ليس عنده ليكون عنده عن فقر لما طلب لأن شهوته أفقرته إليه و دعته إلى طلبه ليس ذلك المشتهي طلبه و عنده الصفة الربانية التي أوجبت له القوة على إيجاد هذا المشتهي المطلوب فقال له كن عن فقر بصفة إلهية فكان هذا المطلوب في عينه فتناول منه ما لأجله طلب وجوده و ليس هو كذا في حق الحق لأن اللّٰه لم يطلب تكوين الموجودات لافتقاره إليها و إنما الأشياء في حال عدمها الإمكانى لها تطلب وجودها و هي مفتقرة بالذات إلى اللّٰه الذي هو الموجد لها لفقرها الذاتي و في وجودها من اللّٰه فقبل الحق سؤالها و أوجدها لها و لأجل سؤالها لا من حاجة قامت به إليها لأنها مشهودة له تعالى في حال عدمها و وجودها و العبد ليس كذلك فإنه فاقد لها حسا في حال عدمها و إن كان غير فاقد لها علما إذ لو لا علمه بها ما عين بالإيجاد شيئا عن شيء و دون شيء
[العبد مركب من ذاتين: معنى و حس]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية