و سبب كسوف الشمس من القمر إذا كان في مسامتتها فعلى قدر ما يسامتها منه يغيب منها عن أبصارنا فذلك الظل الذي نراه في الشمس هو من جرم القمر و قد يحجبها كلها فيظلم الجو فيقع الأبصار على جرم القمر فتتخيل العامة أن ذلك المرئي هو ذات الشمس و الشمس نيرة في ذاتها على عادتها إلى أن يشاء اللّٰه تكويرها و لذلك يعرف زمان كسوفها و مقداره عند العارفين بتسيير الكواكب و لا يكون أبدا إلا في آخر الشهر العربي فإن القمر في ذلك الزمان يكون في المحاق و الاحتراق تحت الشعاع فإن أعطى الحساب ما يؤدي إلى المسامتة عندنا وقع الكسوف بلا شك و كذلك كسوف القمر إنما هو أن يحول ظل الأرض بينه و بين الشمس فعلى قدر ما يحول بينهما يكون الكسوف في ذلك الموضع و لهذا يعرف و الخطاء فيه قليل جدا و لو لم يكن الأمر على هذا ما علم
[الأمور العوارض و العادات و الأصول الثابتة]
فإن الأمور العوارض لا تعلم إلا بإعلام اللّٰه على لسان من شاء من عباده و عندنا هي عوارض لا في نفس ما رتب اللّٰه في ذلك عند ما ﴿أَوْحىٰ فِي كُلِّ سَمٰاءٍ أَمْرَهٰا﴾ [فصلت:12] و الأمور الجارية على أصولها ثابتة لا تنخرم يعلمها العلوم بتلك الأصول و هي معتادة موضوعة لله تعالى واضعها ما هي عقلية و لا رسب ذلك طبيعي و لهذا يجوز خرق العادة فيها و هكذا كل موضوع إلى أن يخرم اللّٰه ذلك الأصل فلله المشيئة في ذلك و له ﴿اَلْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ بَعْدُ﴾ [الروم:4] و لذلك لا يقال في حكم المنجم إنه علم لأن الأصول التي يبنى عليها إنما هي عن وضع إلهي و ترتيب عالم حكيم استمرت به العادة ما ذاك لذواتها و ما كان بالوضع قد يمكن زواله فإن الواضع له قد يضعه إلى أجل مخصوص معين ما عندنا علم به فما من زمان نقدره إلا و يجوز تغيير ما وضع فيه من الأمور فإن لم يكن فبإرادة الواضع لا بنفسه و ما كان بهذه المثابة لا يكون القائل بوقوعه على علم قطعي و لو وقع فإنه لا يعرف ما في نفس الواضع إلا بجهتين إما أن يكون هو المعرف بما في نفسه و هو الصادق و أما بعد ظهور الشيء فيعلم أنه لو لا ما كان في نفس الواضع ما وقع و الواضع هو اللّٰه تعالى و جل فالعالم المؤمن يقول في مثل هذا إن أبقى اللّٰه الترتيب على حاله و سيره في المنازل على قدره و لم يخرق العادة فيه فلا بد أن يقع هذا الأمر الذي ذكرناه فلهذا ينفي العلم عن المنجم و كل ما هو مثله من حظ الرسل و غيره
[كسوف القمر و الشمس و حجاب العقل و النفس]
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية