﴿اَللّٰهُ يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ﴾ [ العنكبوت:20] فبعث اللّٰه جل ثناؤه لهذا السبب أنبياءه إلى عباده يبشرونهم بها و يدعونهم إليها و يرغبونهم فيها و يدلونهم على طريقها كما يطلبوها مستعدين قبل الورود عليها و لكن يسهل عليهم أيضا مفارقة ما لو فات الدنيا من شهواتها و لذاتها و تخف عليهم أيضا شدائد الدنيا و مصائبها إذ كانوا يرجون بعدها ما يعمرها و يمحو ما قبلها من نعيم الدنيا و بؤسها و يحذرهم فوت نعيمها فإنه من فاتته فقد ﴿خَسِرَ خُسْرٰاناً مُبِيناً﴾ [النساء:119] قال العارف فهذا رأينا و اعتقادنا يا راهب في معاملتنا مع ربنا الذي قلت لك و بهذا الاعتقاد طاب عيشنا في الدنيا و سهل علينا الزهد فيها و ترك شهواتها و اشتدت رغبتنا في الآخرة و زاد حرصنا في طلبها و خف علينا كد العبادة فلا نحس بها بل نرى ذلك نعمة و كرامة و فخرا و شرفا إذ جعلنا اللّٰه أهلا أن نذكره فهدى قلوبنا و شرح صدورنا و نور أبصارنا لما تعرف إلينا بكثرة إنعامه و قنوت إحسانه فقال الراهب جزاك اللّٰه خيرا من واعظ ما أبلغه و من ذاكر إحسان ما أرفقه و من هادي رشد ما أبصره و من طبيب رفيق ما أحذقه و من أخ ناصح ما أشفقه
(وصية و نصيحة)
قال ذو النون ليس بذي لب من كأس في أمر دنياه و حمق في أمر آخرته و لا من سفه في مواطن حلمه و تكبر في مواطن تواضعه و لا من فقد منه الهوى في مواطن طبعه و لا من غضب من حق إن قيل له و لا من زهد فيما يرغب العاقل في مثله و لا فيما يزهد الأكياس في مثله و لا من استقل الكثرة من خالقه عزَّ وجلَّ و استكثر قليل الشكر من نفسه و لا من طلب الإنصاف من غيره لنفسه و لم ينصف من نفسه غيره و لا من نسي اللّٰه في مواطن طاعته و ذكر اللّٰه في مواطن الحاجة إليه و لا جمع العلم فعرف به ثم آثر عليه هواه عند متعلمه و لا من قل منه الحياء من اللّٰه على جميل ستره و لا من أغفل الشكر عن إظهار نعمه و لا من عجز عن مجاهدة عدوه لنجاته إذ صبر عدوه على مجاهدته و لا من جعل مروءته لباسه و لم يجعل أدبه و مروءته و تقواه لباسه و لا من جعل علمه و معرفته تظرفا و تزينا في مجلسه ثم قال استغفر اللّٰه إن الكلام كثير و إن لم تقطعه لم ينقطع و قام و هو يقول لا تخرجوا من ثلاثة النظر في دينكم بإيمانكم و التزود لآخرتكم من دنياكم و الاستعانة من ربكم فيما أمركم به و نهاكم عنه
(وصية لقمانيه)
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية