«قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق» لمن كان قبلكم وأماتهم «ثم الله ينشئ النَّشأةَ الآخرة» مداً وقصراً مع سكون الشين «إن الله على كل شيءٍ قدير» ومنه البدء والإعادة.
فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ (65)
«فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ» عندما بدت لهم آيات اللّه غير المعتادة ، ذهبت عنهم الغفلة «فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ إِذا هُمْ يُشْرِكُونَ» فعادوا إلى شركهم بعد إخلاصهم للّه.
------------
(65) الفتوحات ج 1 /
208
ثم قال تعالى : ( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ثم الله ينشئ النشأة الآخرة ) أي : يوم القيامة ، ( إن الله على كل شيء قدير ) . وهذا المقام شبيه بقوله تعالى : ( سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) [ فصلت : 53 ] ، وكقوله تعالى : ( أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون أم خلقوا السموات والأرض بل لا يوقنون ) [ الطور : 35 ، 36 ] .
قوله {قل سيروا في الأرض} أي قل لهم يا محمد سيروا في الأرض {فانظروا كيف بدأ الخلق} على كثرتهم وتفاوت هيئاتهم واختلاف ألسنتهم وألوانهم وطبائعهم وانظروا إلى مساكن القرون الماضية وديارهم وآثارهم كيف أهلكهم؛ لتعلموا بذلك كمال قدرة الله {ثم الله ينشئ النشأة الآخرة} وقرأ أبو عمرو وابن كثير النشاءة بفتح الشين وهما لغتان مثل الرأفة والرآفة وشبهه . الجوهري: أنشأه الله خلقه ، والاسم النشأة والنشاءة بالمد عن أبي عمرو بن العلاء {إن الله على كل شيء قدير. يعذب من يشاء} أي بعدله {ويرحم من يشاء} أي بفضله {وإليه تقلبون} ترجعون وتردون. {وما أنتم بمعجزين في الأرض ولا في السماء} قال الفراء: معناه ولا من في السماء بمعجزين الله وهو غامض في العربية؛ للضمير الذي لم يظهر في الثاني وهو كقول حسان: فمن يهجو رسول الله منكم ** ويمدحه وينصره سواء أراد ومن يمدحه وينصره سواء؛ فأضمر من؛ وقال عبدالرحمن بن زيد ونظيره قوله سبحانه {وما منا إلا له مقام معلوم} أي من له والمعنى إن الله لا يعجزه أهل الأرض في الأرض ولا أهل السماء إن عصوه وقال قطرب: ولا في السماء لو كنتم فيها كما تقول: لا يفوتني فلان بالبصرة ولا ههنا بمعنى لا يفوتني بالبصرة لو صار إليها وقيل: لا يستطيعون هربا في الأرض ولا في السماء وقال المبرد: والمعنى ولا من في السماء على أن من ليست موصولة ولكن تكون نكرة و{في السماء} صفة لها فأقيمت الصفة مقام الموصوف ورد ذلك علي بن سليمان وقال: لا يجوز وقال: إن "من" إذا كانت نكرة فلا بد من وصفها فصفتها كالصلة ولا يجوز حذف الموصول وترك الصلة؛ قال: والمعنى إن الناس خوطبوا بما يعقلون؛ والمعنى لو كنتم في السماء ما أعجزتم الله؛ كما قال {ولو كنتم في بروج مشيدة} . {وما لكم من دون الله من ولي ولا نصير} ويجوز {نصير}بالرفع على الموضع وتكون {من} زائدة. {والذين كفروا بآيات الله ولقائه} أي بالقرآن أو بما نصب من الأدلة والأعلام. {أولئك يئسوا من رحمتي} أي من الجنة ونسب اليأس إليهم والمعنى أويسوا وهذه الآيات اعتراض من الله تعالى تذكيرا وتحذيرا لأهل مكة. ثم عاد الخطاب إلى قصة إبراهيم فقال {فما كان جواب قومه} حين دعاهم إلى الله {إلا أن قالوا اقتلوه أو حرقوه} اتفقوا على تحريقه {فأنجاه الله من النار} أي من إذايتها {إن في ذلك لآيات لقوم يؤمنون} أي إنجائه من النار العظيمة حتى لم تحرقه بعد ما ألقي فيها {لآيات}. وقراءة العامة {جواب} بنصب الباء على أنه خبر كان و{أن قالوا} في محل الرفع اسم كان وقرأ سالم الأفطس وعمرو بن دينار {جواب} بالرفع على أنه اسم {كان}و{أن} في موضع الخبر نصبا. قوله {وقال} إبراهيم {إنما اتخذتم من دون الله أوثانا مودة بينكم في الحياة الدنيا} وقرأ حفص وحمزة {مودةَ بينكم} وابن كثير وأبو عمرو والكسائي {مودةٌ بينِكم} والأعشى عن أبي بكر عن عاصم وابن وثاب والأعمش {مودة بينَكم} الباقون {مودةُ بينَكم} فأما قراءة ابن كثير ففيها ثلاثة أوجه؛ ذكر الزجاج منها وجهين: أحدهما: أن المودة ارتفعت على خبر إن وتكون {ما} بمعنى الذي والتقدير إن الذي أتخذتموه من دون الله أوثانا مودة بينكم والوجه الآخر أن يكون على إضمار مبتدأ أي وهي مودة أو تلك مودة بينكم والمعنى ألهتكم أو جماعتكم مودة بينكم قال ابن الأنباري {أوثانا} وقف حسن لمن رفع المودة بإضمار ذلك مودة بينكم ومن رفع المودة على أنها خبر إن لم يقف والوجه الثالث الذي لم يذكره أن يكون {مودة} رفعا بالابتداء و{في الحياة الدنيا} خبره؛ فأما إضافة {مودة} إلى {بينكم} فإنه جعل {بينكم} اسما غير ظرف والنحويون يقولون جعله مفعولا على السعة وحكى سيبويه: يا سارق الليلة أهل الدار ولا يجوز أن يضاف إليه وهو ظرف؛ لعلةٍ ليس هذا موضع ذكرها ومن رفع {مودة} ونونها فعلى معنى ما ذكر و{بينكم} بالنصب ظرفا ومن نصب {مودة} ولم ينونها جعلها مفعولة بوقوع الاتخاذ عليها وجعل {إنما} حرفا واحدا ولم يجعلها بمعنى الذي ويجوز نصب المودة على أنه مفعول من أجله كما تقول: جئتك ابتغاء الخير وقصدت فلانا مودة له {بينكم} بالخفض ومن نون {مودة} ونصبها فعلى ما ذكر {بينكم} بالنصب من غير إضافة قال ابن الأنباري: ومن قرأ {مودةً بينكم}و {مودة بينكم} لم يقف على الأوثان ووقف على الحياة الدنيا ومعنى الآية جعلتم الأوثان تتحابون عليها وعلى عبادتها في الحياة الدنيا {ثم يوم القيامة يكفر بعضكم ببعض ويلعن بعضكم بعضا} تتبرأ الأوثان من عبادها والرؤساء من السفلة كما قال الله عز وجل {الأخلاء يومئذ بعضهم لبعض عدو إلا المتقين} . {ومأواكم النار وما لكم من ناصرين} هو خطاب لعبدة الأوثان الرؤساء منهم والأتباع وقيل: تدخل فيه الأوثان كقوله {إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم} .
قل -أيها الرسول- لمنكري البعث بعد الممات: سيروا في الأرض، فانظروا كيف أنشأ الله الخلق، ولم يتعذر عليه إنشاؤه مبتدَأً؟ فكذلك لا يتعذر عليه إعادة إنشائه النشأة الآخرة. إن الله على كل شيء قدير، لا يعجزه شيء أراده.
{ قُلْ } لهم، إن حصل معهم ريب وشك في الابتداء: { سِيرُوا فِي الْأَرْضِ } بأبدانكم وقلوبكم { فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ } فإنكم ستجدون أمما من الآدميين والحيوانات، لا تزال توجد شيئا فشيئا، وتجدون النبات والأشجار، كيف تحدث وقتا بعد وقت، وتجدون السحاب والرياح ونحوها، مستمرة في تجددها، بل الخلق دائما في بدء وإعادة، فانظر إليهم وقت موتتهم الصغرى -النوم- وقد هجم عليهم الليل بظلامه، فسكنت منهم الحركات، وانقطعت منهم الأصوات، وصاروا في فرشهم ومأواهم كالميتين، ثم إنهم لم يزالوا على ذلك طول ليلهم، حتى انفلق الإصباح، فانتبهوا من رقدتهم، وبعثوا من موتتهم، قائلين: " الحمد للّه الذي أحيانا بعد ما أماتنا وإليه النشور "
ولهذا قال: { ثُمَّ اللَّهُ } بعد الإعادة { يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ } وهي النشأة التي لا تقبل موتا ولا نوما، وإنما هو الخلود والدوام في إحدى الدارين. { إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ } فقدرته تعالى لا يعجزها شيء وكما قدر بها على ابتداء الخلق، فقدرته على الإعادة من باب أولى وأحرى.
( قل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ الخلق ) فانظروا إلى ديارهم وآثارهم كيف بدأ خلقهم ) . ( ثم الله ينشئ النشأة الآخرة ) أي : ثم الله الذي خلقها ينشئها نشأة ثانية بعد الموت ، فكما لم يتعذر عليه إحداثها مبدءا لا يتعذر عليه إنشاؤها معيدا . قرأ ابن كثير ، وأبو عمرو : ) ( النشأة ) بفتح الشين ممدودة حيث وقعت ، وقرأ الآخرون بسكون الشين مقصورة نظيرها : الرأفة والرآفة . ( إن الله على كل شيء قدير )
(قُلْ) أمر فاعله مستتر والجملة مستأنفة لا محل لها.
(سِيرُوا) أمر وفاعله (فِي الْأَرْضِ) متعلقان بالفعل والجملة مقول القول.
(فَانْظُرُوا) معطوف على سيروا (كَيْفَ) اسم استفهام حال (بَدَأَ الْخَلْقَ) ماض ومفعوله والفاعل مستتر والجملة مفعول انظروا (ثُمَّ اللَّهُ) حرف عطف ولفظ الجلالة مبتدأ (يُنْشِئُ) مضارع فاعله مستتر (النَّشْأَةَ) مفعول مطلق (الْآخِرَةَ) صفة والجملة الفعلية خبر المبتدأ والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها.
(إِنَّ اللَّهَ) إن واسمها (عَلى كُلِّ) متعلقان بالخبر (قَدِيرٌ) (شَيْءٍ) مضاف إليه والجملة تعليل.
Traslation and Transliteration:
Qul seeroo fee alardi faonthuroo kayfa badaa alkhalqa thumma Allahu yunshio alnnashata alakhirata inna Allaha AAala kulli shayin qadeerun
Say (O Muhammad): Travel in the land and see how He originated creation, then Allah bringeth forth the later growth. Lo! Allah is Able to do all things.
De ki: Yeryüzünü gezin de bakıp görün, nasıl yaratmaya başlamıştır; sonra Allah ahiret yaşayışını da meydana getirecektir; şüphe yok ki Allah'ın her şeye gücü yeter.
Dis: «Parcourez la terre et voyez comment Il a commencé la création. Puis comment Allah crée la génération ultime. Car Allah est Omnipotent».
Sag: "Zieht auf der Erde umher, dann seht nach, wie die Schöpfung begann. Dann wird ALLAH das letzte Entstehen entstehen lassen. Gewiß, ALLAH ist über alles allmächtig.
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة العنكبوت (Al-Ankabut - The Spider) |
ترتيبها |
29 |
عدد آياتها |
69 |
عدد كلماتها |
982 |
عدد حروفها |
4200 |
معنى اسمها |
(العَنْكَبُوتُ): الأُنْثَى، وَذَكَرُها: عَنْكَبُ، والجَمْعُ: عَنَاكِبُ وعَنَاكِيبُ |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بضَرْبِ الْمَثَلِ (بِالْعَنْكَبُوتِ)، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
لا يُعرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (العَنْكَبُوتِ) |
مقاصدها |
بَيَانُ وَهَنِ كُلِّ مَا يُعْبَدُ مِن دُونِ اللهِ تَعَالَى وَبُطْلَانِ فِكْرِهِ وَعَقِيدَتِهِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِهَا سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
لَمْ يَصِحَّ حَدِيثٌ أَو أَثَرٌ خَاصٌّ فِي فَضْلِ السُّورَةِ سِوَى أَنـَّهَا مِنَ المَثَانِي |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الْعَنْكَبُوتِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ مُجَاهَدَةِ النَّفْسِ، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿وَمَن جَٰهَدَ فَإِنَّمَا يُجَٰهِدُ لِنَفۡسِهِۦٓۚ ...٦﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَٱلَّذِينَ جَٰهَدُواْ فِينَا لَنَهۡدِيَنَّهُمۡ سُبُلَنَاۚ ...٦٩﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الْعَنْكَبُوتِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الْقَصَصِ):لَمَّا خَتَمَ اللهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى (الْقَصَصَ) بِالأَمْرِ بِتَوحِيدِ اللهِ تَعَالَى قَائِلاً: ﴿وَلَا تَدۡعُ مَعَ ٱللَّهِ إِلَٰهًا ءَاخَرَۘ ...٨٨﴾ نَاسَبَ ذَلِكَ افْتِتَاحَ (الْعَنْكَبُوتِ) بِقَولهِ: ﴿أَحَسِبَ ٱلنَّاسُ أَن يُتۡرَكُوٓاْ أَن يَقُولُوٓاْ ءَامَنَّا وَهُمۡ لَا يُفۡتَنُونَ ٢﴾. |