الفتوحات المكية

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة النصر: [الآية 3]

سورة النصر
فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَٱسْتَغْفِرْهُ ۚ إِنَّهُۥ كَانَ تَوَّابًۢا ﴿3﴾

تفسير الجلالين:

«فسبح بحمد ربك» أي متلبسا بحمده «واستغفره إنه كان توابا» وكان صلى الله عليه وسلم بعد نزول هذه السورة يكثر من قول: سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه، وعلم بها أنه قد أقترب أجله وكان فتح مكة في رمضان سنة ثمان وتوفي صلى الله عليه وسلم في ربيع الأول سنة عشر.

تفسير الشيخ محي الدين:

(110) سورة النصر مدنيّة

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

هذه السورة تقوم مقام أو تعدل ثلث القرآن ، قال تعالى آمرا لمحمد صلّى اللّه عليه وسلّم عند انقضاء رسالته وما شرع له أن يشرع من الثناء عليه ، فإنه لما أكمل اللّه سبحانه الدين نعى إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نفسه في هذه الآية التي أنزلها عليه ، وأمره بقوله :

[سورة النصر (110) : الآيات 1 إلى 3]

بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ

إِذا جاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ (1) وَرَأَيْتَ النَّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللَّهِ أَفْواجاً (2) فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً (3)

هذا أمر ، أي اشغل نفسك بتنزيه ربك والثناء عليه بما هو أهله ، فقال صلّى اللّه عليه وسلّم : [ لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك ] هذا هو التسبيح بحمده ،

فإذا قام فضول بالإنسان واستنبط له ثناء لم يجئ بذلك اللفظ خطاب إلهي فما سبحه بحمده ، بل بما استنبطه من عنده ، فينقص عن درجة ما ينبغي ،

فقل ما قاله عن نفسه ولا تزد في الرقم وإن كان حسنا ، فإذا عملت به كنت من أهل الحق ، قال تعالى لنبيه صلّى اللّه عليه وسلّم «فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ»

[ «فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً» الآية ]

فاقتطعه بهذا الأمر من العالم لمّا كمّل ما أريد منه من تبليغ الرسالة ، وقال له تعالى «وَاسْتَغْفِرْهُ» من أيام التبليغ ،

فطلب بالاستغفار أن يستره عن خلقه في حجاب صونه ، لينفرد به دون خلقه دائما ،

فإنه كان في زمان التبليغ والإرشاد وشغله بأداء الرسالة ، فإن له وقتا لا يسعه فيه غير ربه ، وسائر أوقاته فيما أمر به من النظر في أمور الخلق ، فرده إلى ذلك الوقت الواحد الذي كان يختلسه من أوقات شغله بالخلق ،

وإن كان عن أمر الحق «إِنَّهُ كانَ تَوَّاباً» أي يرجع الحق إليك الرجوع الخاص الذي يربو على مقام التبليغ ، وهو المحادثة برفع الوسائط ، رجوعا مستصحبا لا يكون للخلق عندك فيه دخول بوجه من الوجوه ، ولما تلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم هذه السورة ، بكى أبو بكر الصديق رضي اللّه عنه وحده دون من كان في ذلك المجلس ،

وعلم أن اللّه تعالى نعى إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نفسه ، وهو كان أعلم الناس به ، وأخذ الحاضرون يتعجبون من بكائه ولا يعرفون سبب ذلك :

إذا رأيت وفود اللّه قد وصلوا *** يأتون دين الإله الحق أفواج

فاستغفر اللّه واطلب عفوه كرما *** وكن فقيرا إلى الرحمن محتاج

معاشر الناس إن اللّه أنبتكم *** من أرضه نطفا في النشء أمشاج

وثم أولجكم لما أماتكمو *** فيها لأمر أراد الحق إيلاج

وقد علمت بأن اللّه يخرجكم *** بعد الممات من الأجداث إخراج

من بعد إنزاله من أجل نشأتكم *** ماء كمثل منيّ الناس ثجاج


وصير الناس أقساما منوعة *** ثلاثة في كتاب اللّه أزواج

لو أن ما عندنا من علم صانعنا *** يكون في رهج الأسواق ماراج

(111) سورة المسد مكيّة

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

وقف رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم منذرا عشيرته الأقربين من فوق الصفا ، وكان أبو لهب حاضرا ، فنفخ في يده وقال : ما حصل بأيدينا مما قاله شيء ؛

وصدق أبو لهب فإنه ما نفعه اللّه بإنذاره ولا أدخل قلبه منه شيئا ، لما أراد به من الشقاء ، فأنزل اللّه فيه .

------------

(3) الفتوحات ج 2 / 403 - ج 1 / 181">181">181">181 - ج 3 / 148 ، 385 - ج 2 / 119 - ج 1 / 181">181">181">181 - ج 2 / 119 - ج 1 / 181">181">181">181 - الديوان / 473

تفسير ابن كثير:

ولهذا قال : ( فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ) .

قال النسائي : أخبرنا عمرو بن منصور ، حدثنا محمد بن محبوب ، حدثنا أبو عوانة ، عن هلال بن خباب ، عن عكرمة عن ابن عباس قال : لما نزلت : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) إلى آخر السورة ، قال : نعيت لرسول الله صلى الله عليه وسلم نفسه حين أنزلت ، فأخذ في أشد ما كان اجتهادا في أمر الآخرة ، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد ذلك : " جاء الفتح ، وجاء نصر الله ، وجاء أهل اليمن " . فقال رجل : يا رسول الله ، وما أهل اليمن ؟ قال : " قوم رقيقة قلوبهم ، لينة قلوبهم ، الإيمان يمان ، والحكمة يمانية ، والفقه يمان " .

وقال البخاري : حدثنا عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير ، عن منصور ، عن أبي الضحى ، عن مسروق عن عائشة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده : " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي " يتأول القرآن .

وأخرجه بقية الجماعة إلا الترمذي من حديث منصور به .

وقال الإمام أحمد : حدثنا محمد بن أبي عدي ، عن داود ، عن الشعبي ، عن مسروق قال : قالت عائشة : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر في آخر أمره من قول : " سبحان الله وبحمده ، أستغفر الله وأتوب إليه " . وقال : " إن ربي كان أخبرني أني سأرى علامة في أمتي ، وأمرني إذا رأيتها أن أسبح بحمده وأستغفره ، إنه كان توابا ، فقد رأيتها : ( إذا جاء نصر الله والفتح ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا )

ورواه مسلم من طريق داود - وهو ابن أبي هند - به .

وقال ابن جرير : حدثنا أبو السائب ، حدثنا حفص ، حدثنا عاصم ، عن الشعبي عن أم سلمة قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم في آخر أمره لا يقوم ولا يقعد ، ولا يذهب ولا يجيء ، إلا قال : " سبحان الله وبحمده " . فقلت : يا رسول الله ، إنك تكثر من سبحان الله وبحمده ، لا تذهب ولا تجيء ، ولا تقوم ولا تقعد إلا قلت : سبحان الله وبحمده ؟ قال : " إني أمرت بها " ، فقال : ) إذا جاء نصر الله والفتح ) إلى آخر السورة .

غريب ، وقد كتبنا حديث كفارة المجلس من جميع طرقه وألفاظه في جزء مفرد ، فيكتب هاهنا .

وقال الإمام أحمد : حدثنا وكيع ، عن إسرائيل ، عن أبي إسحاق ، عن أبي عبيدة ، عن عبد الله قال : لما نزلت على رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إذا جاء نصر الله والفتح ) كان يكثر إذا قرأها - وركع - أن يقول : " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي إنك أنت التواب الرحيم " ثلاثا .

تفرد به أحمد . ورواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن عمرو بن مرة ، عن شعبة ، عن أبي إسحاق به .

والمراد بالفتح هاهنا فتح مكة قولا واحدا ، فإن أحياء العرب كانت تتلوم بإسلامها فتح مكة يقولون : إن ظهر على قومه فهو نبي . فلما فتح الله عليه مكة دخلوا في دين الله أفواجا ، فلم تمض سنتان حتى استوسقت جزيرة العرب إيمانا ، ولم يبق في سائر قبائل العرب إلا مظهر للإسلام ، ولله الحمد والمنة . وقد روى البخاري في صحيحه عن عمرو بن سلمة قال : لما كان الفتح بادر كل قوم بإسلامهم إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكانت الأحياء تتلوم بإسلامها فتح مكة يقولون : دعوه وقومه ، فإن ظهر عليهم فهو نبي . الحديث وقد حررنا غزوة الفتح في كتابنا : السيرة ، فمن أراد فليراجعه هناك ، ولله الحمد والمنة .

وقال الإمام أحمد : حدثنا معاوية بن عمرو ، حدثنا أبو إسحاق ، عن الأوزاعي ، حدثني أبو عمار ، حدثني جار لجابر بن عبد الله قال : قدمت من سفر فجاءني جابر بن عبد الله فسلم علي ، فجعلت أحدثه عن افتراق الناس وما أحدثوا ، فجعل جابر يبكي ، ثم قال : سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : " إن الناس دخلوا في دين الله أفواجا ، وسيخرجون منه أفواجا " .

[ آخر تفسير سورة " إذا جاء نصر الله والفتح " ولله الحمد والمنة ] .


تفسير الطبري :

قوله تعالى {فسبح بحمد ربك واستغفره} أي إذا صليت فأكثر من ذلك. وقيل : معنى سبح : صل؛ عن ابن عباس {بحمد ربك} أي حامدا له على ما آتاك من الظفر والفتح. {واستغفره} أي سل الله الغفران. وقيل {فسبح} المراد به : التنزيه؛ أي نزهه عما لا يجوز عليه مع شكرك له. {واستغفره} أي سل الله الغفران مع مداومة الذكر. والأول أظهر. ""روى الأئمة واللفظ للبخاري عن عائشة رضي الله عنها"" قالت : ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة بعد أن نزلت عليه سورة {إذا جاء نصر الله والفتح} إلا يقول : ( سبحانك ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي) وعنها قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده : (سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، اللهم اغفر لي). يتأول القرآن. وفي غير الصحيح : وقالت أم سلمة : كان النبي صلى الله عليه وسلم آخر أمره لا يقوم ولا يقعد ولا يجيء ولا يذهب إلا قال : (سبحان الله وبحمده، استغفر الله وأتوب إليه - قال - فإني أمرت بها - ثم قرأ - {إذا جاء نصر الله والفتح} إلى آخرها). وقال أبو هريرة : اجتهد النبي بعد نزولها، حتى تورمت قدماه. ونحل جسمه، وقل تبسمه، وكثر بكاؤه. وقال عكرمة : لم يكن النبي صلى الله عليه وسلم قط أشد اجتهادا في أمور الآخرة ما كان منه عند نزولها. وقال مقاتل : لما نزلت قرأها النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه، ومنهم أبو بكر وعمر وسعد بن أبي وقاص، ففرحوا واستبشروا، وبكى العباس؛ فقال له النبي صلى الله عليه وسلم : (ما يبكيك يا عم؟) قال : نعيت إليك نفسك. قال : (إنه لكما تقول)؛ فعاش بعدها ستين يوما، ما رئي فيها ضاحكا مستبشرا. وقيل : نزلت في منى بعد أيام التشريق، حجة الوداع، فبكى عمر والعباس، فقيل لهما : إن هذا يوم فرح، فقالا : بل فيه نعي النبي صلى الله عليه وسلم. فقال النبي صلى الله عليه وسلم : ( صدقتما، نعيت إليّ نفسي)."" وفي البخاري وغيره عن ابن عباس"" قال : كان عمر بن الخطاب يأذن لأهل بدر، ويأذن لي معهم. قال : فوجد بعضهم من ذلك، فقالوا : يأذن لهذا الفتى معنا ومن أبنائنا من هو مثله فقال لهم عمر : إنه من قد علمتم. قال : فأذن لهم ذات يوم، وأذن لي معهم، فسألهم عن هذه السورة {إذا جاء نصر الله والفتح} فقالوا : أمر الله جل وعز نبيه صلى الله عليه وسلم إذا فتح عليه أن يستغفره، وأن يتوب إليه. فقال : ما تقول يا ابن عباس؟ قلت : ليس كذلك، ولكن أخبر الله نبيه صلى الله عليه وسلم حضور أجله، فقال {إذا جاء نصر الله والفتح}، فذلك علامة موتك. {فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا}. فقال عمر رضي الله عنه : تلومونني عليه؟ وفي البخاري فقال عمر : ما أعلم منها إلا ما تقول. ورواه الترمذي، قال : كان عمر يسألني مع أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقال له عبدالرحمن بن عوف : أتسأله ولنا بنون مثله؟ فقال له عمر : إنه من حيث نعلم. فسأله عن هذه الآية {إذا جاء نصر الله والفتح}. فقلت : إنما هو أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أعلمه إياه؛ وقرأ السورة إلى آخرها. فقال له عمر : والله ما أعلم منها إلا ما تعلم. قال : هذا حديث حسن صحيح. فإن قيل : فماذا يغفر للنبي صلى الله عليه وسلم حتى يؤمر بالاستغفار؟ قيل له : كان النبي صلى الله عليه وسلم يقول في دعائه : (رب اغفر لي خطيئتي وجهلي، وإسرافي في أمري كله، وما أنت أعلم به مني. اللهم اغفر لي خطئي وعمدي، وجهلي وهزلي، وكل ذلك عندي. اللهم اغفر لي ما قدمت وما أخرت، وما أعلنت وما أسررت، أنت المقدم وأنت المؤخر، إنك على شيء قدير). فكان صلى الله عليه وسلم يستقصر نفسه لعظم ما أنعم الله به عليه، ويرى قصوره عن القيام بحق ذلك ذنوبا. ويحتمل أن يكون بمعنى : كن متعلقا به، سائلا راغبا، متضرعا على رؤية التقصير في أداء الحقوق؛ لئلا ينقطع إلى رؤية الأعمال. وقيل : الاستغفار تَعَبُدٌ يجب إتيانه، لا للمغفرة، بل تعبدا. وقيل : ذلك تنبيه لأمته، لكيلا يأمنوا ويتركوا الاستغفار. وقيل {واستغفره} أي استغفر لأمتك. قوله تعالى {إنه كان توابا} أي على المسبحين والمستغفرين، يتوب عليهم ويرحمهم، ويقبل توبتهم. وإذا كان عليه السلام وهو معصوم يؤمر بالاستغفار، فما الظن بغيره؟ ""روى مسلم عن عائشة"" قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكثر من قوله : (سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه). فقال : (خَبّرني ربي أني سأرى علامة في أمتي، فإذا رأيتها أكثرت من قول سبحان الله وبحمده، أستغفر الله وأتوب إليه، فقد رأيتها {إذا جاء نصر الله والفتح} - فتح مكة - {ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا. فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا}). وقال ابن عمر : نزلت هذه السورة بمنى في حجة الوداع؛ ثم نزلت {اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي}[المائدة : 3] فعاش بعدهما النبي صلى الله عليه وسلم ثمانين يوما. ثم نزلت آية الكلالة، فعاش بعدها خمسين يوما. ثم نزل {لقد جاءكم رسول من أنفسكم}[التوبة : 128] فعاش بعدها خمسة وثلاثين يوما. ثم نزل {واتقوا يوما ترجعون فيه إلى الله} فعاش بعدها أحدا وعشرين يوما. وقال مقاتل سبعة أيام. وقيل غير هذا مما تقدم في البقرة بيانه، والحمد الله.

التفسير الميسّر:

إذا وقع ذلك فتهيأ للقاء ربك بالإكثار من التسبيح بحمده والإكثار من استغفاره، إنه كان توابًا على المسبحين والمستغفرين، يتوب عليهم ويرحمهم ويقبل توبتهم.

تفسير السعدي

وأما الأمر بعد حصول النصر والفتح، فأمر رسوله أن يشكر ربه على ذلك، ويسبح بحمده ويستغفره، وأما الإشارة، فإن في ذلك إشارتين: إشارة لأن يستمر النصر لهذا الدين ، ويزداد عند حصول التسبيح بحمد الله واستغفاره من رسوله، فإن هذا من الشكر، والله يقول: { لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ } وقد وجد ذلك في زمن الخلفاء الراشدين وبعدهم في هذه الأمة لم يزل نصر الله مستمرًا، حتى وصل الإسلام إلى ما لم يصل إليه دين من الأديان، ودخل فيه، ما لم يدخل في غيره، حتى حدث من الأمة من مخالفة أمر الله ما حدث، فابتلاهم الله بتفرق الكلمة، وتشتت الأمر، فحصل ما حصل.

[ومع هذا] فلهذه الأمة، وهذا الدين، من رحمة الله ولطفه، ما لا يخطر بالبال، أو يدور في الخيال.

وأما الإشارة الثانية، فهي الإشارة إلى أن أجل رسول الله صلى الله عليه وسلم قد قرب ودنا، ووجه ذلك أن عمره عمر فاضل أقسم الله به.

وقد عهد أن الأمور الفاضلة تختم بالاستغفار، كالصلاة والحج، وغير ذلك.

فأمر الله لرسوله بالحمد والاستغفار في هذه الحال، إشارة إلى أن أجله قد انتهى، فليستعد ويتهيأ للقاء ربه، ويختم عمره بأفضل ما يجده صلوات الله وسلامه عليه.

فكان صلى الله عليه وسلم يتأول القرآن، ويقول ذلك في صلاته، يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده: " سبحانك اللهم وبحمدك، اللهم اغفر لي ".


تفسير البغوي

( فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا ) فإنك حينئذ لاحق به .

أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثنا أبو النعمان ، حدثنا أبو عوانة عن أبي بشر ، عن سعيد بن جبير عن ابن عباس قال : كان عمر يدخلني مع أشياخ بدر قال بعضهم : لم تدخل هذا الفتى معنا ولنا أبناء مثله ؟ فقال : إنه ممن قد علمتم ، قال : فدعاهم ذات يوم ودعاني معهم ، قال : وما رأيته دعاني يومئذ إلا ليريهم مني ، فقال : ما تقولون في قوله : " إذا جاء نصر الله والفتح " حتى ختم السورة ؟ فقال بعضهم : أمرنا أن نحمد الله ونستغفره إذا جاء نصرنا وفتح علينا ، وقال بعضهم : لا ندري ، ولم يقل بعضهم شيئا ، فقال لي : يا ابن عباس أكذلك تقول ؟ قلت : لا قال : فما تقول ؟ قلت : هو أجل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أعلمه به ، " إذا جاء نصر الله والفتح " فتح مكة ، فذلك علامة أجلك " فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا " ، فقال عمر : ما أعلم منها إلا ما تعلم .

أخبرنا عبد الواحد بن أحمد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، حدثنا محمد بن إسماعيل ، حدثني عثمان بن أبي شيبة ، حدثنا جرير عن منصور عن أبي الضحى عن مسروق ، عن عائشة رضي الله تعالى عنها قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر أن يقول في ركوعه وسجوده : " سبحانك اللهم ربنا وبحمدك ، اللهم اغفر لي " يتأول القرآن .

أخبرنا إسماعيل بن عبد القاهر ، أخبرنا عبد الغافر بن محمد بن عيسى الجلودي ، حدثنا إبراهيم بن محمد بن سفيان ، حدثنا مسلم بن الحجاج ، حدثنا محمد بن المثنى ، حدثني عبد الأعلى ، حدثنا داود عن عامر ، عن مسروق ، عن عائشة ; قالت : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يكثر من قول : " سبحان الله وبحمده أستغفر الله وأتوب إليه " ، [ قالت : فقلت : يا رسول الله ، أراك تكثر من قول : " سبحان الله وبحمده ، أستغفر الله وأتوب إليه ؟ فقال : أخبرني ربي أني سأرى علامة في أمتي ، فإذا رأيتها أكثر من قول : سبحان الله وبحمده ، أستغفر الله وأتوب إليه ، فقد رأيتها : " إذا جاء نصر الله والفتح " . فالفتح : فتح مكة ، " ورأيت الناس يدخلون في دين الله أفواجا فسبح بحمد ربك واستغفره إنه كان توابا " . " ]

قال ابن عباس : لما نزلت هذه السورة علم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه نعيت إليه نفسه .

قال الحسن : أعلم أنه قد اقترب أجله فأمر بالتسبيح والتوبة ، ليختم له بالزيادة في العمل الصالح .

قال قتادة ومقاتل : عاش النبي - صلى الله عليه وسلم - بعد نزول هذه السورة سنتين .


الإعراب:

(فَسَبِّحْ) الفاء رابطة وأمر فاعله مستتر والجملة جواب إذا لا محل لها (بِحَمْدِ) متعلقان بالفعل (رَبِّكَ) مضاف إليه (وَاسْتَغْفِرْهُ) أمر ومفعوله والفاعل مستتر والجملة معطوفة على ما قبلها.

(إِنَّهُ) إن واسمها (كانَ) كان واسمها المستتر (تَوَّاباً) خبرها والجملة الفعلية خبر إن. والجملة الاسمية تعليل لا محل لها.

---

Traslation and Transliteration:

Fasabbih bihamdi rabbika waistaghfirhu innahu kana tawwaban

بيانات السورة

اسم السورة سورة النصر (An-Nasr - The Divine Support)
ترتيبها 110
عدد آياتها 3
عدد كلماتها 19
عدد حروفها 79
معنى اسمها النَّصْرُ: الْفَوزُ وَالْغَلَبَةُ، وَالمُرَادُ (بِالنَّصْرِ): بِشَارَةُ النَّبِيِّ ﷺ بِفَتْحِ مَكَّةَ عام 8هـ
سبب تسميتها لِأَنَّ مَوْضُوعَ السُّورَةِ عَنْ فَتْحِ مَكَّةَ وَسَمَّاهُ اللهُ نَصْرًا
أسماؤها الأخرى اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (النَّصْرِ)، وَتُسَمَّى سُورَةَ (الْفَتْحِ)، وَسُورَةَ: ﴿إِذَا جَآءَ نَصۡرُ ٱللَّهِ وَٱلۡفَتۡحُ﴾، وَسُورَةَ (التَّوْدِيِعِ)
مقاصدها بِشَارَةُ النَّبِيِّ ﷺ بِانْتِشَارِ الْإِسْلَامِ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آيَاتِهَا
فضلها لَمْ يَصِحَّ حَدِيثٌ أَو أَثَرٌ خَاصٌّ فِي فَضْلِ السُّورَةِ، سِوَى أَنَّهَا مِنْ قِصَارِ المُفَصَّلِ
مناسبتها مُنَاسَبَةُ سُوْرَةِ (النَّصرِ) لِمَا قَبْلَهَا مِنْ سُوْرَةِ (الكافِرونَ):لَمَّا أَشَارَتِ (الْكَافِرُونَ) إِلَى عَدَمِ دُخُولِ قَومِ النَّبِيِّ ﷺ فِي الْإِسْلَامِ، نَاسَبَ مَجِيءَ (النَّصْرِ) لِتُبَشِّرَهُ ﷺ بِدُخُولِ النَّاسِ فِي دِينِ اللهِ أَفْوَاجً
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!