«كلا» ردع، أي ليس الإكرام بالغنى والإهانة بالفقر وإنما هو بالطاعة والمعصية، وكفار مكة لا ينتبهون لذلك «بل لا يكرمون اليتيم» لا يحسنون إليه مع غناهم أو لا يعطونه حقه من الميراث.
فَادْخُلِي فِي عِبادِي (29)
فلم تنسب ولا انتمت إلى غيره ، ممن اتخذ إلهه هواه .
------------
(29 - 30) الفتوحات ج 2 /
396 - كتاب التدبيرات
قال الله : ( كلا ) أي : ليس الأمر كما زعم ، لا في هذا ولا في هذا ، فإن الله يعطي المال من يحب ومن لا يحب ، ويضيق على من يحب ومن لا يحب ، وإنما المدار في ذلك على طاعة الله في كل من الحالين ، إذا كان غنيا بأن يشكر الله على ذلك ، وإذا كان فقيرا بأن يصبر .
وقوله : ( بل لا تكرمون اليتيم ) فيه أمر بالإكرام له ، كما جاء في الحديث الذي رواه عبد الله بن المبارك ، عن سعيد بن أبي أيوب ، عن يحيى بن سليمان ، عن زيد بن أبي عتاب عن أبي هريرة ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " خير بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يحسن إليه ، وشر بيت في المسلمين بيت فيه يتيم يساء إليه " ثم قال بأصبعه : " أنا وكافل اليتيم في الجنة هكذا " .
وقال أبو داود : حدثنا محمد بن الصباح بن سفيان ، أخبرنا عبد العزيز - يعني ابن أبي حازم - حدثني أبي ، عن سهل - يعني ابن سعد - أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " أنا وكافل اليتيم كهاتين في الجنة " . وقرن بين إصبعيه : الوسطى والتي تلي الإبهام .
قوله تعالى {كلا} ردّ، أي ليس الأمر كما يُظَن، فليس الغنى لفضله، ولا الفقر لهوانه، وإنما الفقر والغنى من تقديري وقضائي. وقال الفراء {كلا} في هذا الموضع بمعنى لم يكن ينبغي للعبد أن يكون هكذا، ولكن يحمد اللّه عز وجل على الغنى والفقر. وفي الحديث : (يقول اللّه عز وجل : كلا إني لا أكرم من أكرمت بكثرة الدنيا، ولا أهين من أهنت بقلتها، إنما أكرم من أكرمت بطاعتي، وأهين من أهنت بمعصيتي). {بل لا تكرمون اليتيم} إخبار عن ما كانوا يصنعونه من منع اليتيم الميراث، وأكل ماله إسرافا وبدارا أن يكبروا. وقرأ أبو عمرو ويعقوب {يكرمون}، و{يحضون} و{يأكلون}، و{يحبون} بالياء، لأنه تقدم ذكر الإنسان، والمراد به الجنس، فعبر عنه بلفظ الجمع. الباقون بالتاء في الأربعة، على الخطاب والمواجهة؛ كأنه قال لهم ذلك تقريعا وتوبيخا. وترك إكرام اليتيم بدفعه عن حقه، وأكل ماله كما ذكرنا. قال مقاتل : نزلت في قدامة بن مظعون وكان يتيما في حجر أمية بن خلف. قوله تعالى {ولا تحاضون على طعام المسكين} أي لا يأمرون أهليهم بإطعام مسكين يجيئهم. وقرأ الكوفيون {ولا تحاضون} بفتح التاء والحاء والألف. أي يحض بعضهم بعضا. وأصله تتحاضون، فحذف إحدى التاءين لدلالة الكلام عليها. وهو اختيار أبي عبيد. وروي عن إبراهيم والشيزري عن الكسائي والسلمي {تحاضون} بضم التاء، وهو تفاعلون من الحض، وهو الحث. {وتأكلون التراث} أي ميراث اليتامى. وأصله الوراث من ورثت، فأبدلوا الواو تاء؛ كما قالوا في تجاه وتخمة وتكأة وتودة ونحو ذلك. وقد تقدم. {أكلا لمّا} أي شديدا؛ قاله السدي. قيل {لما} : جمعا؛ من قولهم : لممت الطعام لما إذا أكلته جمعا؛ قاله الحسن وأبو عبيدة. وأصل اللم في كلام العرب : الجمع؛ يقال : لممت الشيء ألمه لما : إذا جمعته، ومنه يقال : لم اللّه شعثه، أي جمع ما تفرق من أموره. قال النابغة : ولست بمستبق أخا لا تلمه ** على شعث أي الرجال المهذب ومنه قولهم : إن دارك لَمُومَة، أي تلم الناس وتربهم وتجمعهم. وقال المرناق الطائي يمدح علقمة ابن سيف : لأَحَبَّني حُبَّ الصبي ولَمَّني ** لمَّ الهُدِيّ إلى الكريم الماجد وقال الليث : اللم الجمع الشديد؛ ومنه حجر ملموم، وكتيبة ملمومة. فالآكل يلم الثريد، فيجمعه لقما ثم يأكله. وقال مجاهد : يسفه سفا : وقال الحسن : يأكل نصيبه ونصيب غيره. قال الحطيئة : إذا كان لما يتبع الذم ربه ** فلا قدّس الرحمن تلك الطواحنا يعني أنهم يجمعون في أكلهم بين نصيبهم ونصيب غيرهم. وقال ابن زيد : هو أنه إذا أكل ماله ألم بمال غيره فأكله، ولا يفكر : أكل من خبيث أو طيب. قال : وكان أهل الشرك لا يورثون النساء ولا الصبيان، بل يأكلون ميراثهم مع ميراثهم، وتراثهم مع تراثهم. وقيل : يأكلون ما جمعه الميت من الظلم وهو عالم بذلك، فيَلُمُ في الأكل بين حرامه وحلاله. ويجوز أن يذم الوارث الذي ظفر بالمال سهلا، مهلا، من غير أن يعرق فيه جبينه، فيسرف في إنفاقه، ويأكله أكلا واسعا، جامعا بين المشتهيات من الأطعمة والأشربة والفواكه، كما يفعل الوراث البطالون. قوله تعالى {وتحبون المال حبا جما} أي كثيرا، حلاله وحرامه. والجم الكثير. يقال : جم الشيء يجم جموما، فهو جم وجام. ومنه جم الماء في الحوض : إذا اجتمع وكثر. وقال الشاعر : إن تغفر اللهم تغفر جما ** وأي عبد لك لا ألما والجمة : المكان الذي يجتمع فيه ماؤه. والجموم : البئر الكثيرة الماء. والجمُومُ : المصدر؛ يقال : جم الماء يجم جموما : إذا كثر في البئر واجتمع، بعد ما استقي ما فيها.
ليس الأمر كما يظن هذا الإنسان، بل الإكرام بطاعة الله، والإهانة بمعصيته، وأنتم لا تكرمون اليتيم، ولا تحسنون معاملته، ولا يَحُثُّ بعضكم بعضًا على إطعام المسكين، وتأكلون حقوق الآخرين في الميراث أكلا شديدًا، وتحبون المال حبًا مفرطًا.
فرد الله عليه هذا الحسبان: بقوله { كَلَّا } أي: ليس كل من نعمته في الدنيا فهو كريم علي، ولا كل من قدرت عليه رزقه فهو مهان لدي، وإنما الغنى والفقر، والسعة والضيق، ابتلاء من الله، وامتحان يمتحن به العباد، ليرى من يقوم له بالشكر والصبر، فيثيبه على ذلك الثواب الجزيل، ممن ليس كذلك فينقله إلى العذاب الوبيل.
وأيضًا، فإن وقوف همة العبد عند مراد نفسه فقط، من ضعف الهمة، ولهذا لامهم الله على عدم اهتمامهم بأحوال الخلق المحتاجين، فقال: { كَلَّا بَل لَا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ } الذي فقد أباه وكاسبه، واحتاج إلى جبر خاطره والإحسان إليه.
فأنتم لا تكرمونه بل تهينونه، وهذا يدل على عدم الرحمة في قلوبكم، وعدم الرغبة في الخير.
فرد الله على من ظن أن سعة الرزق إكرام وأن الفقر إهانة ، فقال ( كلا ) لم أبتله بالغنى لكرامته ، ولم أبتله بالفقر لهوانه ، فأخبر أن الإكرام والإهانة لا تدور على المال وسعة الرزق ، ولكن الفقر والغنى بتقديره ، فيوسع على الكافر لا لكرامته ، ويقدر على المؤمن لا لهوانه ، إنما يكرم المرء بطاعته ويهينه بمعصيته .
قرأ أهل الحجاز والبصرة " أكرمني وأهانني " بإثبات الياء في الوصل ، ويقف ابن كثير ويعقوب بالياء أيضا ، والآخرون يحذفونها وصلا ووقفا .
( بل لا تكرمون اليتيم ) قرأ أهل البصرة : " يكرمون ، ويحضون ، ويأكلون ، ويحبون " بالياء فيهن ، وقرأ الآخرون بالتاء ، " لا تكرمون اليتيم " لا تحسنون إليه . وقيل : لا تعطونه حقه .
قال مقاتل : كان قدامة بن مظعون يتيما في حجر أمية بن خلف وكان يدفعه عن حقه .
(كَلَّا) حرف ردع وزجر (بَلْ) حرف إضراب (لا) نافية (تُكْرِمُونَ) مضارع مرفوع والواو فاعله (الْيَتِيمَ) مفعول به والجملة مستأنفة لا محل لها.
Traslation and Transliteration:
Kalla bal la tukrimoona alyateema
Nay, but ye (for your part) honour not the orphan
İş öyle değil, hayır; siz, ne yetimi ağırlıyorsunuz.
Mais non! C'est vous plutôt, qui n'êtes pas généreux envers les orphelins;
Gewiß, nein! Sondern ihr erweist dem Waisen keineWürde,
![](/images/arrowtop.jpg) |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الفجر (Al-Fajr - The Dawn) |
ترتيبها |
89 |
عدد آياتها |
30 |
عدد كلماتها |
139 |
عدد حروفها |
573 |
معنى اسمها |
الْفَجْرُ: ضَوْءُ الصُّبْحِ، وَالمُرَادُ (بِالْفَجْرِ): وَقْتُ طُلُوعِهِ إِلَى طُلُوعِ الشَّمْسِ |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِالقَسَمِ (بِالْفَجْرِ)، وَدِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
لا يُعرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (الْفَجْرِ) |
مقاصدها |
بَيَانُ أَحْوَالِ الْإِنْسَانِ وَصِفَاتِهِ وَمَآلِهِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آيَاتِهَا |
فضلها |
لمْ يَصِحَّ حَدِيثٌ أَوْ أَثَرٌ خَاصٌّ فِي فَضْلِ السُّورَةِ، سِوَى أَنَّهَا مِنْ أَوسَاطِ المُفَصَّل |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ سُوْرَةِ (الفَجْرِ) لِمَا قَبْلَهَا مِنْ سُوْرَةِ (الغَاشِيَةِ):لَمَّا جَاءَ فِي أَوَاخِرِ (الْغاَشِيَةِ) الْأَمْرُ بِالتَّذْكِيرِ بِقَولِهِ: ﴿فَذَكِّرۡ إِنَّمَآ أَنتَ مُذَكِّرٞ ٢١﴾؛ ضَرَبَ لَهُ مَثَلًا لِلتَّذْكِيرِ بِالأَقوَامِ السَّابِقِينَ فِي أَوَائِلِ (الْفَجْرِ) فَقَالَ: ﴿أَلَمۡ تَرَ كَيۡفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ ٦﴾... الآيَاتِ |