«وزخرفاً» ذهباً، المعنى لولا خوف الكفر على المؤمن من إعطاء الكافر ما ذكر لأعطيناه ذلك لقلة خطر الدنيا عندنا وعدم حظه في الآخرة في النعيم «وإن» مخففة من الثقيلة «كل ذلك لما» بالتخفيف فما زائدة، وبالتشديد بمعنى إلا فإن نافية «متاع الحياة الدنيا» يتمتع به فيها ثم يزول «والآخرة» الجنة «عند ربك للمتقين».
وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87)
(1) إشارة لأبي عبد اللّه المصنف : أتى بلفظ «وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ» فكان ظهوره بالهوية فيها ولم يقل «وهو الذي في الأرض إله» فناب عنه الخليفة فيها ، ولو أتى بالهوية ما عبد غير اللّه في الأرض كما لم يعبد في السماء إلا هو .
وهذه شهادة من اللّه في حق المشركين ، فهو تنبيه عجيب ، فما ذكروا قط إلا الألوهية ، وما ذكروا الأشخاص ، ولكن لم يقبل اللّه منهم العذر بل قال «فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ» .
------------
(87) الفتوحات ج 3 /
310 - ج 2 /
591
( وزخرفا ) ، أي : وذهبا . قاله ابن عباس ، وقتادة ، والسدي ، وابن زيد .
ثم قال : ( وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا ) أي : إنما ذلك من الدنيا الفانية الزائلة الحقيرة عند الله [ تعالى ] أي : يعجل لهم بحسناتهم التي يعملونها في الدنيا مآكل ومشارب ، ليوافوا الآخرة وليس لهم عند الله حسنة يجزيهم بها ، كما ورد به الحديث الصحيح . [ وقد ] ورد في حديث آخر : " لو أن الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ، ما سقى منها كافرا شربة ماء " ، أسنده البغوي من رواية زكريا بن منظور ، عن أبى حازم ، عن سهل بن سعد ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكره ورواه الطبراني من طريق زمعة بن صالح ، عن أبي حازم عن سهل بن سعد عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : " لو عدلت الدنيا جناح بعوضة ، ما أعطى كافرا منها شيئا " .
ثم قال : ( والآخرة عند ربك للمتقين ) أي : هي لهم خاصة لا يشاركهم : فيها [ أحد ] غيرهم ولهذا لما قال عمر بن الخطاب لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين صعد إليه في تلك المشربة لما آلى من نسائه ، فرآه [ عمر ] على رمال حصير قد أثر بجنبه فابتدرت عيناه بالبكاء وقال : يا رسول الله هذا كسرى وقيصر فيما هما فيه وأنت صفوة الله من خلقه . وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - متكئا فجلس وقال : " أوفي شك أنت يا ابن الخطاب ؟ " ثم قال : " أولئك قوم عجلت لهم طيباتهم في حياتهم الدنيا " وفي رواية : " أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة ؟ "
وفي الصحيحين أيضا وغيرهما : أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا تشربوا في آنية الذهب والفضة ، ولا تأكلوا في صحافها ، فإنها لهم في الدنيا ولنا في الآخرة " . وإنما خولهم الله تعالى في الدنيا لحقارتها ، كما روى الترمذي وابن ماجه ، من طريق أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ، ما سقى منها كافرا شربة ماء أبدا " ، قال الترمذي : حسن صحيح .
قوله تعالى: {ولبيوتهم أبوابا وسررا} {ولبيوتهم أبوابا} أي ولجعلنا لبيوتهم. وقيل: {لبيوتهم} بدل اشتمال من قوله: {لمن يكفر بالرحمن}. {أبوابا} أي من فضة. {وسررا} كذلك؛ وهو جمع السرير. وقيل : جمع الأسرة، والأسرة جمع السرير؛ فيكون جمع الجمع. {عليها يتكئون} الاتكاء والتوكؤ : التحامل على الشيء؛ ومنه، {أتوكأ عليها}. ورجل تُكَأة؛ مثال هُمَزة؛ كثير الاتكاء. والتُّكأة أيضا : ما يتكأ عليه. واتكأ على الشيء فهو متكئ؛ والموضع متكأ. وطعنه حتى أتكأه (على أفعله) أي ألقاه على هيئة المتكئ. وتوكأت على العصا. وأصل التاء في جميع ذلك واو، ففعل به ما فعل باتزن واتعد. {وزخرفا} الزخرف هنا الذهب؛ عن ابن عباس وغيره. نظيره {أو يكون لك بيت من زخرف} [
الإسراء : 93] وقد تقدم. وقال ابن زيد : هو ما يتخذه الناس في منازلهم من الأمتعة والأثاث. وقال الحسن : النقوش؛ وأصله الزينة. يقال : زخرفت الدار؛ أي زينتها. وتزخرف فلان؛ أي تزين. وانتصب {زخرفا} على معنى وجعلنا لهم مع ذلك زخرفا. وقيل : بنزع الخافض؛ والمعنى فجعلنا لهم سقفا وأبوابا وسررا من فضة ومن ذهب؛ فلما حذف {من} قال: {وزخرفا} فنصب. {وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا} قرأ عاصم وحمزة وهشام عن ابن عامر {وإنَّ كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا} بالتشديد. الباقون بالتخفيف؛ وقد ذكر هذا. وروي عن أبي رجاء كسر اللام من {لما}؛ فـ {ما}عنده بمنزلة الذي، والعائد عليها محذوف؛ والتقدير : وإن كل ذلك للذي هو متاع الحياة الدنيا، وحذف الضمير ها هنا كحذفه في قراءة من قرأ {مثلا ما بعوضة فما فوقها}[
البقرة : 26] و{تماما على الذي أحسن} [
الأنعام : 154]. أبو الفتح : ينبغي أن يكون {كل} على هذه القراءة منصوبة؛ لأن {إن} مخففة من الثقيلة، وهي إذا خففت وبطل عملها لزمتها اللام في آخر الكلام للفرق بينها وبين {إن} النافية التي بمعنى ما؛ نحو إن زيد لقائم، ولا لام هنا سوى الجارة. {والآخرة عند ربك للمتقين} يريد الجنة لمن اتقى وخاف. وقال كعب : إني لأجد في بعض كتب الله المنزلة : لولا أن يحزن عبدي المؤمن لكللت رأس عبدي الكافر بالإكليل، ولا يتصدع ولا ينبض منه عرق بوجع. وفي صحيح الترمذي عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : [الدنيا سجن المؤمن وجنة الكافر]. وعن سهل بن سعد قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (لو كانت الدنيا تعدل عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها شربة ماء). وفي الباب عن أبي هريرة، وقال : حديث حسن غريب. وأنشدوا : فلو كانت الدنيا جزاء لمحسن ** إذاً لم يكن فيها معاش لظالم لـقد جاع فيها الأنبياء كرامة ** وقد شبعت فيها بطون البهائم وقال آخر : تمتع من الأيام إن كنــت حازما ** فإنك فيها بين ناه وآمـر إذا أبقت الدنيا على المرء دينـه ** فما فاته منها فليس بضائر فلا تزن الدنيا جناح بــعوضة ** ولا وزن رَقّ من جناح لطائر فلم يرض بالدنيا ثوابا لمحسن ** ولا رضي الدنيا عقابا لكافــر
وجعلنا لبيوتهم أبوابًا من فضة، وجعلنا لهم سررًا عليها يتكئون، وجعلنا لهم ذهبًا، وما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا، وهو متاع قليل زائل، ونعيم الآخرة مدَّخر عند ربك للمتقين ليس لغيرهم.
ولجعل لهم { زخرفا } أي: لزخرف لهم دنياهم بأنواع الزخارف، وأعطاهم ما يشتهون، ولكن منعه من ذلك رحمته بعباده خوفا عليهم من التسارع في الكفر وكثرة المعاصي بسبب حب الدنيا، ففي هذا دليل على أنه يمنع العباد بعض أمور الدنيا منعا عاما أو خاصا لمصالحهم، وأن الدنيا لا تزن عند اللّه جناح بعوضة، وأن كل هذه المذكورات متاع الحياة الدنيا، منغصة، مكدرة، فانية، وأن الآخرة عند اللّه تعالى خير للمتقين لربهم بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، لأن نعيمها تام كامل من كل وجه، وفي الجنة ما تشتهيه الأنفس وتلذ الأعين، وهم فيها خالدون، فما أشد الفرق بين الدارين".
( وزخرفا ) أي وجعلنا مع ذلك لهم زخرفا وهو الذهب ، نظيره : " أو يكون لك بيت من زخرف " ( الإسراء 93 ( وإن كل ذلك لما متاع الحياة الدنيا ) قرأ حمزة وعاصم : " لما " بالتشديد على معنى : وما كل ذلك إلا متاع الحياة الدنيا فكان : " لما " بمعنى إلا . وخففه الآخرون على معنى : وكل ذلك متاع الحياة الدنيا فيكون : " إن " للابتداء ، " وما " صلة . يريد : إن هذا كله متاع الحياة الدنيا يزول ويذهب ( والآخرة عند ربك للمتقين ) خاصة ، يعني الجنة .
أخبرنا الإمام أبو علي الحسين بن محمد القاضي ، أخبرنا أبو العباس عبد الله بن محمد بن هارون الطيسفوني ، أخبرنا أبو الحسن محمد بن أحمد الترابي ، أخبرنا أبو بكر أحمد بن محمد بن عمر بن بسطام ، أخبرنا أحمد بن سيار القرشي ، حدثنا عبد الرحمن بن يونس أبو مسلم ، حدثنا أبو بكر بن منظور ، عن أبي حازم ، عن سهل بن سعد قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " لو كانت الدنيا تزن عند الله جناح بعوضة ما سقى كافرا منها قطرة ماء " .
أخبرنا أبو بكر محمد بن عبد الله بن أبي توبة ، أخبرنا أبو طاهر محمد بن أحمد بن الحارث ، أخبرنا محمد بن يعقوب الكسائي ، أخبرنا عبد الله ، أخبرنا محمد بن إبراهيم بن عبد الله الخلال ، أخبرنا عبد الله بن المبارك ، عن [ مجالد ] بن سعيد ، عن قيس بن أبي حازم ، عن المستورد بن شداد أخي بني فهر قال : كنت في الركب الذين وقفوا مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - على السخلة الميتة ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " أترون هذه هانت على أهلها حين ألقوها " ؟ قالوا : من هوانها ألقوها ، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : " فالدنيا أهون على الله من هذه على أهلها " .
(وَزُخْرُفاً) معطوف على سررا (وَإِنْ) الواو حرف استئناف وإن نافية (كُلُّ) مبتدأ (ذلِكَ) مضاف إليه (لَمَّا) حرف حصر بمعنى إلا (مَتاعُ) خبر المبتدأ والجملة الاسمية مستأنفة (الْحَياةِ) مضاف إليه (الدُّنْيا) صفة (وَالْآخِرَةُ) الواو حالية ومبتدأ (عِنْدَ) ظرف مكان (رَبِّكَ) مضاف إليه (لِلْمُتَّقِينَ) متعلقان بمحذوف خبر والجملة حال
Traslation and Transliteration:
Wazukhrufan wain kullu thalika lamma mataAAu alhayati alddunya waalakhiratu AAinda rabbika lilmuttaqeena
And ornaments of gold. Yet all that would have been but a provision of the life of the world. And the Hereafter with your Lord would have been for those who keep from evil.
Ve onları altınlara, mücevherlere boğardık ve bütün bunlar, dünya yaşayışına ait metalardan ibaret ve ahiretse, Rabbinin katında, çekinenlerin.
ainsi que des ornements. Et tout cela ne serait que jouissance temporaire de la vie d'ici-bas, alors que l'au-delà, auprès de ton Seigneur, est pour les pieux.
sowie Zierschmuck. Und dies alles ist nur das Verbrauchsgut des diesseitigen Lebens. Doch das Jenseits bei deinem HERRN gilt den Muttaqi.
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الزخرف (Az-Zukhruf - The Ornaments of Gold) |
ترتيبها |
43 |
عدد آياتها |
89 |
عدد كلماتها |
837 |
عدد حروفها |
3508 |
معنى اسمها |
الزُّخْرُفُ: الذَّهَبُ، وَسُمِّيَتْ كُلُّ زِينَةٍ زُخْرُفًا، وَالمُرَادُ بِـ(الزُّخْرُفِ): زَخْرَفَةُ الْبَيْتِ وَزِيْنَتُهُ |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِمَعْنَى (الزُّخْرُفِ)(1)، وَدِلَالَةُ هَذَا الْاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الزُّخْرُفْ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (حَمْ الزُّخْرُف) |
مقاصدها |
بَيَانُ حَقِيقَةِ الدُّنْيَا وَمَتَاعِهَا الزَّائِلِ مُقَارَنَةً بِمَا أَعَدَّهُ اللهُ مِنْ نَعِيْمِ الآخِرَةِ لِلمُتَّقِينَ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَا يُوجَدُ سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، وَلَكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
هِيَ مِنْ ذَوَاتِ ﴿حمٓ ﴾، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ رَجُلًا طَلَبَ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ أَنْ يُقْرِئَهُ القُرْآنَ، فَقَالَ: «اقْرَأْ ثَلاثًا مِنْ ذَوَاتِ ﴿حمٓ ﴾». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الزُّخْرُفِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ الصَّفْحِ عَنِ الْكُفَارِ، فَقَالَ فِي أَوَّلِهَا: ﴿أَفَنَضۡرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكۡرَ صَفۡحًا أَن كُنتُمۡ قَوۡمٗا مُّسۡرِفِينَ ٥﴾، وَقالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿فَٱصۡفَحۡ عَنۡهُمۡ وَقُلۡ سَلَٰمٞۚ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ ٨٩﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الزُّخْرُفِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الشُّورَى): خُتِمَتِ (الشُّورَى) بِذِكْرِ الْكِتَابِ الْكَرِيمِ؛ فَقَالَ: ﴿مَا كُنتَ تَدۡرِي مَا ٱلۡكِتَٰبُ وَلَا ٱلۡإِيمَٰنُ ...٥٢﴾، وَفُتِحَتِ (الزُّخْرُفُ) بِذِكْرِهِ، فَقَالَ: ﴿حمٓ ١ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ ٢ إِنَّا جَعَلۡنَٰهُ قُرۡءَٰنًا عَرَبِيّٗا لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ ٣﴾. |