«ومن يعش» يعرض «عن ذكر الرحمن» أي القرآن «نقيض» نسبب «له شيطاناً فهو له قرين» لا يفارقه.
وَتَبارَكَ الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَما بَيْنَهُما وَعِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (85) وَلا يَمْلِكُ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ الشَّفاعَةَ إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ (86) وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ (87)
(1) إشارة لأبي عبد اللّه المصنف : أتى بلفظ «وَهُوَ الَّذِي فِي السَّماءِ إِلهٌ» فكان ظهوره بالهوية فيها ولم يقل «وهو الذي في الأرض إله» فناب عنه الخليفة فيها ، ولو أتى بالهوية ما عبد غير اللّه في الأرض كما لم يعبد في السماء إلا هو .
وهذه شهادة من اللّه في حق المشركين ، فهو تنبيه عجيب ، فما ذكروا قط إلا الألوهية ، وما ذكروا الأشخاص ، ولكن لم يقبل اللّه منهم العذر بل قال «فَأَنَّى يُؤْفَكُونَ» .
------------
(87) الفتوحات ج 3 /
310 - ج 2 /
591
يقول تعالى : ( ومن يعش ) أي : يتعامى ويتغافل ويعرض ، ( عن ذكر الرحمن ) والعشا في العين : ضعف بصرها . والمراد هاهنا عشا البصيرة ، ( نقيض له شيطانا فهو له قرين ) كقوله : ( ومن يشاقق الرسول من بعد ما تبين له الهدى ويتبع غير سبيل المؤمنين نوله ما تولى ونصله جهنم وساءت مصيرا ) [ النساء : 115 ] ، وكقوله : ( فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم ) [ الصف : 5 ] ، وكقوله : ( وقيضنا لهم قرناء فزينوا لهم ما بين أيديهم وما خلفهم وحق عليهم القول في أمم قد خلت من قبلهم من الجن والإنس إنهم كانوا خاسرين ) [ فصلت : 25 ] ; ولهذا قال هاهنا :
قوله تعالى: {ومن يعشُ عن ذكر الرحمن نقيض له شيطانا فهو له قرين} وقرأ ابن عباس وعكرمة {ومن يَعْشَ} بفتح الشين، ومعناه يعمى؛ يقال منه عشي يعشى عشا إذا عمي. ورجل أعشى وامرأة عشواء إذا كان لا يبصر؛ ومنه قول الأعشى : رأت رجــلا غائب الوافدَيـْ ** ـن مختلفَ الخلق أعشى ضريرا وقوله : أأن رأت رجلا أعشى أضر به ** ريب المنون ودهر مفند خَبِلُ الباقون بالضم؛ من عشا يعشو إذا لحقه ما لحق الأعشى. وقال الخليل : العشو هو النظر ببصر ضعيف؛ وأنشد : متى تأته تعشو إلى ضوء ناره ** تجد خير نار عندها خير موقد وقال آخر : لنعم الفتى يعشو إلى ضوء ناره ** إذا الريح هبت والمكان جديب الجوهري : والعشا مقصور مصدر الأعشى وهو الذي لا يبصر بالليل ويبصر بالنهار. والمرأة عشواء، وامرأتان عشواوان. وأعشاه الله فعشِي بالكسر يعْشَى عَشًي، وهما يعشيان، ولم يقولوا يعشوان؛ لأن الواو لما صارت في الواحد ياء لكسرة ما قبلها تركت في التثنية على حالها. وتعاشى إذا أرى من نفسه أنه أعشى. والنسبة إلى أعشى أعشوي. وإلى العشية عشوى. والعشواء : الناقة التي لا تبصر أمامها فهي تخبط بيديها كل شيء. وركب فلان العشواء إذا خبط أمره على غير بصيرة. وفلان خابط خبط عشواء. وهذه الآية تتصل بقول أول السورة: {أفنضرب عنكم الذكر صفحا} [
الزخرف : 5] أي نواصل لكم الذكر؛ فمن يعش عن ذلك الذكر بالإعراض عنه إلى أقاويل المضلين وأباطيلهم {نقيض له شيطانا} أي نسبب له شيطانا جزاء له على كفره {فهو له قرين}قيل في الدنيا، يمنعه يمنعه من الحلال، ويبعثه على الحرام، وينهاه عن الطاعة، ويأمره بالمعصية؛ وهو معنى قول ابن عباس. وقيل في الآخرة إذا قام من قبره؛ قال سعيد الجريري. وفي الخبر : أن الكافر إذا خرج من قبره يشفع بشيطان لا يزال معه حتى يدخل النار. وأن المؤمن يشفع بملك حتى يقضي الله بين خلقه؛ ذكره المهدوي. وقال القشيري : والصحيح فهو له قرين في الدنيا والآخرة. وقال أبو الهيثم والأزهري : عشوت إلى كذا أي قصدته. وعشوت عن كذا أي أعرضت عنه، فتفرق بين {إلى} و{عن}؛ مثل : ملت إليه وملت عنه. وكذا قال قتادة : يعش، يعرض؛ وهو قول الفراء. النحاس : وهو غير معروف في اللغة. وقال القرظي : يولي ظهره؛ والمعنى واحد. وقال أبو عبيدة والأخفش : تظلم عينه. وأنكر العتبي عشوت بمعنى أعرضت؛ قال : وإنما الصواب تعاشيت. والقول قول أبي الهيثم والأزهري. وكذلك قال جميع أهل المعرفة. وقرأ السلمي وابن أبي إسحاق ويعقوب وعصمة عن عاصم وعن الأعمش {يقيض} بالياء لذكر {الرحمن} أولا؛ أي يقيض له الرحمن شيطانا. الباقون بالنون. وعن ابن عباس {يقيض له شيطان فهو له قرين} أي ملازم ومصاحب. قيل: {فهو} كناية عن الشيطان؛ على ما تقدم. وقيل عن الإعراض عن القرآن؛ أي هو قرين للشيطان. {وإنهم ليصدونهم عن السبيل} أي وإن الشياطين ليصدونهم عن سبيل الهدى؛ وذكر بلفظ الجمع لأن {من} في قوله: {ومن يعش} في معنى الجمع. {ويحسبون}أي ويحسب الكفار {أنهم مهتدون} وقيل : ويحسب الكفار إن الشياطين مهتدون فيطيعونهم. قوله تعالى: {حتى إذا جاءنا} على التوحيد قرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وحفص يعني الكافر يوم القيامة. الباقون {جاءانا} على التثنية، يعني الكافر وقرينه وقد جعلا في سلسلة واحدة؛ فيقول الكافر: {يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين} أي مشرق الشتاء ومشرق الصيف، كما قال تعالى: {رب المشرقين ورب المغربين} [
الرحمن : 17] ونحوه قول مقاتل. وقراءة التوحيد وإن كان ظاهرها الإفراد فالمعنى لهما جميعا؛ لأنه قد عرف ذلك بما بعده؛ كما قال : وعين لها حدرة بدرة ** شُقت مآقيهما من أخر قال مقاتل : يتمنى الكافر أن بينهما بعد المشرق أطول يوم في السنة إلى مشرق أقصر يوم في السنة، ولذلك قال: {بعد المشرقين}. وقال الفراء : أراد المشرق والمغرب فغلب اسم أحدهما، كما يقال : القمران للشمس والقمر، والعمران لأبي بكر وعمر، والبصرتان للكوفة والبصرة، والعصران للغداة والعصر. وقال الشاعر : أخذنا بآفاق السمــاء عليكم ** لنا قمراها والنجوم الطوالع وأنشد أبو عبيدة لجرير : ما كان يرضى رسول الله فعلهم ** والعمران أبو بكر ولا عمر وأنشد سيبويه : قَدْنيَ من نصر الخُـبَيبين قَدِي يريد عبدالله ومصعبا ابني الزبير،وإنما أبو خبيب عبدالله. {فبئس القرين} أي فبئس الصاحب أنت؛ لأنه يورده إلى النار. قال أبو سعيد الخدري : إذا بعث الكافر زوج بقرينه من الشياطين فلا يفارقه حتى يصير به إلى النار.
ومن يُعْرِض عن ذكر الرحمن، وهو القرآن، فلم يَخَفْ عقابه، ولم يهتد بهدايته، نجعل له شيطانًا في الدنيا يغويه؛ جزاء له على إعراضه عن ذكر الله، فهو له ملازم ومصاحب يمنعه الحلال، ويبعثه على الحرام.
يخبر تعالى عن عقوبته البليغة، لمن أعرض عن ذكره، فقال: { وَمَنْ يَعْشُ } أي: يعرض ويصد { عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ } الذي هو القرآن العظيم، الذي هو أعظم رحمة رحم بها الرحمن عباده، فمن قبلها، فقد قبل خير المواهب، وفاز بأعظم المطالب والرغائب، ومن أعرض عنها وردها، فقد خاب وخسر خسارة لا يسعد بعدها أبدا، وقيَّض له الرحمن شيطانا مريدا، يقارنه ويصاحبه، ويعده ويمنيه، ويؤزه إلى المعاصي أزا،
قوله - عز وجل - : ( ومن يعش عن ذكر الرحمن ) أي يعرض عن ذكر الرحمن فلم يخف عقابه ، ولم يرج ثوابه . يقال : عشوت إلى النار أعشو عشوا ، إذا قصدتها مهتديا بها ، وعشوت عنها : أعرضت عنها ، كما يقول : عدلت إلى فلان ، وعدلت عنه ، وملت إليه ، وملت عنه . قال القرظي : يولي ظهره عن ذكر الرحمن وهو القرآن . قال أبو عبيدة والأخفش : يظلم بصرف بصره عنه . قال الخليل بن أحمد : أصل العشو النظر ببصر ضعيف . وقرأ ابن عباس : " ومن يعش " بفتح الشين أي يعم ، يقال عشى يعشى عشا إذا عمي فهو أعشى ، وامرأة عشواء . ( نقيض له شيطانا ) قرأ يعقوب : " يقيض " بالياء ، والباقون بالنون ، نسبب له شيطانا ونضمه إليه ونسلطه عليه . ( فهو له قرين ) لا يفارقه ، يزين له العمى ويخيل إليه أنه على الهدى .
(وَمَنْ) الواو حرف استئناف واسم شرط مبتدأ (يَعْشُ) مضارع مجزوم بحذف حرف العلة وهو فعل الشرط (عَنْ ذِكْرِ) متعلقان بالفعل (الرَّحْمنِ) مضاف إليه (نُقَيِّضْ) مضارع مجزوم لأنه جواب الشرط وجملتا الشرط والجواب خبر من (لَهُ) متعلقان بالفعل (شَيْطاناً) مفعول به (فَهُوَ) حرف عطف ومبتدأ (لَهُ) متعلقان بقرين (قَرِينٌ) خبر والجملة الاسمية معطوفة على ما قبلها
Traslation and Transliteration:
Waman yaAAshu AAan thikri alrrahmani nuqayyid lahu shaytanan fahuwa lahu qareenun
And he whose sight is dim to the remembrance of the Beneficent, We assign unto him a devil who becometh his comrade;
Ve kim, rahmanı anmadan yüz çevirirse ona bir Şeytan musallat ederiz, artık o, arkadaş olur ona.
Et quiconque s'aveugle (et s'écarte) du rappel du Tout Miséricordieux, Nous lui désignons un diable qui devient son compagnon inséparable.
Und wer die Ermahnung Des Allgnade Erweisenden ignoriert, für den bestimmen WIR einen Satan, so ist er für ihn ein Begleiter.
|
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة الزخرف (Az-Zukhruf - The Ornaments of Gold) |
ترتيبها |
43 |
عدد آياتها |
89 |
عدد كلماتها |
837 |
عدد حروفها |
3508 |
معنى اسمها |
الزُّخْرُفُ: الذَّهَبُ، وَسُمِّيَتْ كُلُّ زِينَةٍ زُخْرُفًا، وَالمُرَادُ بِـ(الزُّخْرُفِ): زَخْرَفَةُ الْبَيْتِ وَزِيْنَتُهُ |
سبب تسميتها |
انْفِرَادُ السُّورَةِ بِمَعْنَى (الزُّخْرُفِ)(1)، وَدِلَالَةُ هَذَا الْاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الزُّخْرُفْ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (حَمْ الزُّخْرُف) |
مقاصدها |
بَيَانُ حَقِيقَةِ الدُّنْيَا وَمَتَاعِهَا الزَّائِلِ مُقَارَنَةً بِمَا أَعَدَّهُ اللهُ مِنْ نَعِيْمِ الآخِرَةِ لِلمُتَّقِينَ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَا يُوجَدُ سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، وَلَكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِها سَبَبُ نُزُولٍ |
فضلها |
هِيَ مِنْ ذَوَاتِ ﴿حمٓ ﴾، فَقَدْ ثَبَتَ أَنَّ رَجُلًا طَلَبَ مِنَ النَّبِيِّ ﷺ أَنْ يُقْرِئَهُ القُرْآنَ، فَقَالَ: «اقْرَأْ ثَلاثًا مِنْ ذَوَاتِ ﴿حمٓ ﴾». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ أَبُو دَاوُد) |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الزُّخْرُفِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنْ الصَّفْحِ عَنِ الْكُفَارِ، فَقَالَ فِي أَوَّلِهَا: ﴿أَفَنَضۡرِبُ عَنكُمُ ٱلذِّكۡرَ صَفۡحًا أَن كُنتُمۡ قَوۡمٗا مُّسۡرِفِينَ ٥﴾، وَقالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿فَٱصۡفَحۡ عَنۡهُمۡ وَقُلۡ سَلَٰمٞۚ فَسَوۡفَ يَعۡلَمُونَ ٨٩﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الزُّخْرُفِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (الشُّورَى): خُتِمَتِ (الشُّورَى) بِذِكْرِ الْكِتَابِ الْكَرِيمِ؛ فَقَالَ: ﴿مَا كُنتَ تَدۡرِي مَا ٱلۡكِتَٰبُ وَلَا ٱلۡإِيمَٰنُ ...٥٢﴾، وَفُتِحَتِ (الزُّخْرُفُ) بِذِكْرِهِ، فَقَالَ: ﴿حمٓ ١ وَٱلۡكِتَٰبِ ٱلۡمُبِينِ ٢ إِنَّا جَعَلۡنَٰهُ قُرۡءَٰنًا عَرَبِيّٗا لَّعَلَّكُمۡ تَعۡقِلُونَ ٣﴾. |