المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الأنعام: [الآية 154]
![]() |
![]() |
![]() |
سورة الأنعام | ||
![]() |
![]() |
![]() |
تفسير الجلالين:
تفسير الشيخ محي الدين:
وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ (165)
«وَهُوَ الَّذِي جَعَلَكُمْ خَلائِفَ الْأَرْضِ»
[ رتبة الخلافة متوارثة ، والخليفة واحد أبدا ]
هي رتبة الخلافة التي كانت لآدم عليه السلام ، فالخلفاء نواب الحق في عباده ، وقوله تعالى : «خَلائِفَ» بالجمع ، والخليفة واحد أبدا ، فإن سر الخلافة واحد ، وهو متوارث تتوارثه هذه الأشباح ، فإن ظهرت في شخص ما ، ما دام ذلك الشخص متصفا به ، من المحال شرعا أن يوجد لذلك القبيل في ذلك الزمان بعينه في شخص آخر ، وإن ادعاه أحد فهو باطل ، ودعواه مردودة ، وهو دجال ذلك الزمان ،
فإذا فقد ذلك الشخص انتقل ذلك السر إلى شخص آخر ، فانتقل معه اسم الخليفة ، فلهذا قيل خلائف الأرض ، أي يخلف بعضنا بعضا فيها ، في مرتبة الخلافة ،
فإن آدم كانت خلافته في الأرض ، وهكذا هو كل خليفة فيها ، مع وجود التفاضل بين الخلفاء فيها ، وذلك لاختلاف الأزمان واختلاف الأحوال ، فيعطي هذا الحال والزمان من الأمر ما لا يعطيه الزمان والحال الذي كان قبله والذي يكون بعده ،
ولهذا اختلفت آيات الأنبياء باختلاف الأعصار ، فآية كل خليفة ورسول من نسبة ما هو الظاهر والغالب على ذلك الزمان وأحوال علمائه ، أي شيء كان ، من طب أو سحر أو فصاحة ، وما شاكل هذا وهو قوله : «وَرَفَعَ بَعْضَكُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ»
[ وزن الأعمال يوم القيامة بالعامل ]
ففضل بعضهم على بعض بالمراتب والزيادات التي لها شرف في العرف والعقل ، ثم يقول للخلفاء «لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ» وهاتان الصفتان لا تكونان إلا لمن بيده الحكم والأمر والنهي ، فهذا النسق يقوي أنه أراد خلافة السلطنة والملك ،
ومن حقيقة قوله تعالى : «إِنَّ رَبَّكَ سَرِيعُ الْعِقابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ» قال صلّى اللّه عليه وسلم :
[ أعوذ برضاك من سخطك وبمعافاتك من عقوبتك ] .
(7) سورة الأعراف مكيّة
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
------------
(165) الفتوحات ج 2 / 447 - كتاب التدبيرات الإلهية - الفتوحات ج 2 / 68 ، 60 ، 68 ، 401تفسير ابن كثير:
قال ابن جرير : ( ثم آتينا موسى الكتاب ) تقديره : ثم قل - يا محمد - مخبرا عنا بأنا آتينا موسى الكتاب ، بدلالة قوله : ( قل تعالوا أتل ما حرم ربكم عليكم ) .
قلت : وفي هذا نظر ، و " ثم " هاهنا إنما هي لعطف الخبر بعد الخبر ، لا للترتيب هاهنا ، كما قال الشاعر :
قل لمن ساد ثم ساد أبوه ثم قد ساد قبل ذلك جده
وهاهنا لما أخبر الله تعالى عن القرآن بقوله : ( وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه ) عطف بمدح التوراة ورسولها ، فقال : ( ثم آتينا موسى الكتاب ) وكثيرا ما يقرن سبحانه بين ذكر القرآن والتوراة ، كقوله تعالى : ( ومن قبله كتاب موسى إماما ورحمة وهذا كتاب مصدق لسانا عربيا ) [ الأحقاف : 12 ] ، وقوله في أول هذه السورة : ( قل من أنزل الكتاب الذي جاء به موسى نورا وهدى للناس تجعلونه قراطيس تبدونها وتخفون كثيرا ) [ الآية : 91 ] ، وبعدها ( وهذا كتاب أنزلناه مبارك ) الآية [ الأنعام : 92 ] ، وقال تعالى مخبرا عن المشركين : ( فلما جاءهم الحق من عندنا قالوا لولا أوتي مثل ما أوتي موسى ) قال تعالى : ( أولم يكفروا بما أوتي موسى من قبل قالوا سحران تظاهرا وقالوا إنا بكل كافرون ) [ القصص : 48 ] ، وقال تعالى مخبرا عن الجن أنهم قالوا : ( قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتابا أنزل من بعد موسى مصدقا لما بين يديه يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ) [ الأحقاف : 30 ] .
وقوله تعالى : ( تماما على الذي أحسن وتفصيلا ) أي : آتيناه الكتاب الذي أنزلناه إليه تماما كاملا جامعا لجميع ما يحتاج إليه في شريعته ، كما قال : ( وكتبنا له في الألواح من كل شيء ) الآية [ الأعراف : 145 ] .
وقوله : ( على الذي أحسن ) أي : جزاء على إحسانه في العمل ، وقيامه بأوامرنا وطاعتنا ، كقوله : ( هل جزاء الإحسان إلا الإحسان ) [ الرحمن : 60 ] ، وكقوله ( وإذ ابتلى إبراهيم ربه بكلمات فأتمهن قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين ) [ البقرة : 124 ] ، وقوله : ( وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون ) [ السجدة : 24 ] .
وقال أبو جعفر الرازي ، عن الربيع بن أنس : ( ثم آتينا موسى الكتاب تماما على الذي أحسن ) يقول : أحسن فيما أعطاه الله .
وقال قتادة : من أحسن في الدنيا تمم له ذلك في الآخرة .
واختار ابن جرير أن تقدير الكلام : ( ثم آتينا موسى الكتاب تماما ) على إحسانه . فكأنه جعل " الذي " مصدرية ، كما قيل في قوله تعالى : ( وخضتم كالذي خاضوا ) [ التوبة : 69 ] أي : كخوضهم وقال ابن رواحة :
فثبت الله ما آتاك من حسن في المرسلين ونصرا كالذي نصروا
وقال آخرون : " الذي " هاهنا بمعنى " الذين "
قال ابن جرير : وقد ذكر عن عبد الله بن مسعود : أنه كان يقرؤها : " تماما على الذين أحسنوا "
وقال ابن أبي نجيح ، عن مجاهد : ( تماما على الذي أحسن ) قال : على المؤمنين والمحسنين ، وكذا قال أبو عبيدة . قال البغوي : والمحسنون : الأنبياء والمؤمنون ، يعني : أظهرنا فضله عليهم .
قلت : كما قال تعالى : ( قال يا موسى إني اصطفيتك على الناس برسالاتي وبكلامي ) [ الأعراف : 144 ] ، ولا يلزم اصطفاؤه على محمد صلى الله عليه وسلم خاتم الأنبياء والخليل ، عليهما السلام لأدلة أخر .
قال ابن جرير : وروى أبو عمرو بن العلاء عن يحيى بن يعمر أنه كان يقرؤها " تماما على الذي أحسن " رفعا ، بتأويل : " على الذي هو أحسن " ، ثم قال : وهذه قراءة لا أستجيز القراءة بها ، وإن كان لها في العربية وجه صحيح .
وقيل : معناه : تماما على إحسان الله إليه زيادة على ما أحسن الله إليه ، حكاه ابن جرير ، والبغوي .
ولا منافاة بينه وبين القول الأول ، وبه جمع ابن جرير كما بيناه ، ولله الحمد .
وقوله : ( وتفصيلا لكل شيء وهدى ورحمة ) فيه مدح لكتابه الذي أنزله الله عليه ، ( لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون)
تفسير الطبري :
التفسير الميسّر:
تفسير السعدي
{ ثُمَّ } في هذا الموضع، ليس المراد منها الترتيب الزماني، فإن زمن موسى عليه السلام، متقدم على تلاوة الرسول محمد صلى الله عليه وسلم هذا الكتاب، وإنما المراد الترتيب الإخباري. فأخبر أنه آتى { مُوسَى الْكِتَابَ } وهو التوراة { تَمَامًا } لنعمته، وكمالا لإحسانه. { عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ } من أُمة موسى، فإن الله أنعم على المحسنين منهم بنِعَم لا تحصى. من جملتها وتمامها إنزال التوراة عليهم. فتمت عليهم نعمة الله، ووجب عليهم القيام بشكرها. { وَتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْءٍ } يحتاجون إلى تفصيله، من الحلال والحرام، والأمر والنهي، والعقائد ونحوها. { وَهُدًى وَرَحْمَةً } أي: يهديهم إلى الخير، ويعرفهم بالشر، في الأصول والفروع. { وَرَحْمَةٌ } يحصل به لهم السعادة والرحمة والخير الكثير. { لَعَلَّهُمْ } بسبب إنزالنا الكتاب والبينات عليهم { بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ يُؤْمِنُونَ } فإنه اشتمل من الأدلة القاطعة على البعث والجزاء بالأعمال، ما يوجب لهم الإيمان بلقاء ربهم والاستعداد له.
تفسير البغوي
قوله - عز وجل - : ( ثم آتينا موسى الكتاب ) فإن قيل : لم قال : " ثم آتينا " وحرف " ثم " للتعقيب وإيتاء موسى الكتاب كان قبل مجيء القرآن؟ قيل : معناه ثم أخبركم أنا آتينا موسى الكتاب ، فدخل " ثم " لتأخير الخبر لا لتأخير النزول .
( تماما على الذي أحسن ) اختلفوا فيه ، قيل : تماما على المحسنين من قومه ، فتكون " الذي " بمعنى من ، أي : على من أحسن من قومه ، وكان بينهم محسن ومسيء ، يدل عليه قراءة ابن مسعود : " على الذين أحسنوا " وقال أبو عبيدة : معناه على كل من أحسن ، أي : أتممنا فضيلة موسى بالكتاب على المحسنين ، يعني : أظهرنا فضله عليهم ، والمحسنون هم الأنبياء والمؤمنون ، وقيل : " الذي أحسن " هو موسى ، و " الذي " بمعنى ما ، أي : على ما أحسن موسى ، تقديره : آتيناه الكتاب ، يعني التوراة ، إتماما عليه للنعمة ، لإحسانه في الطاعة والعبادة ، وتبليغ الرسالة وأداء الأمر .
وقيل : الإحسان بمعنى العلم ، وأحسن بمعنى علم ، ومعناه : تماما على الذي أحسن موسى من العلم والحكمة ، أي آتيناه الكتاب زيادة على ذلك .
وقيل : معناه تماما مني على إحساني إلى موسى .
( وتفصيلا ) بيانا ( لكل شيء ) يحتاج إليه من شرائع الدين ، ( وهدى ورحمة ) هذا في صفة التوراة ، ( لعلهم بلقاء ربهم يؤمنون ) قال ابن عباس : كي يؤمنوا بالبعث ويصدقوا بالثواب والعقاب .
الإعراب:
(ثُمَّ) عاطفة (آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) فعل ماض وفاعله ومفعولاه والجملة معطوفة.
(تَماماً) مفعول لأجله منصوب أو حال.
(عَلَى الَّذِي) متعلقان بتماما، (أَحْسَنَ) فعل ماض والجملة صلة الموصول لا محل لها (وَتَفْصِيلًا) عطف على تماما (لِكُلِّ) متعلقان بتفصيلا.
(شَيْءٍ) مضاف إليه (وَهُدىً وَرَحْمَةً) عطف.
(لَعَلَّهُمْ) لعل واسمها وجملة (يُؤْمِنُونَ) خبرها (بِلِقاءِ) متعلقان بالفعل المؤخر يؤمنون وجملة لعلهم بلقاء ربهم تعليلية لا محل لها.