الفتوحات المكية

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة الصافات: [الآية 108]

سورة الصافات
وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى ٱلْءَاخِرِينَ ﴿108﴾

تفسير الجلالين:

«وتركنا» أبقينا «عليه في الآخرين» ثناءً حسنا.

تفسير الشيخ محي الدين:

وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (182)

والحمد للّه أي عواقب الثناء إذ كل ما جاءوا به إنما قصدوا به الثناء على اللّه ، فعواقب

[ إشارة : الحمد للّه ]

الثناء على اللّه بما نزه نفسه عنه وبما نزهه العباد به ، فإن الحمد العاقب ، فعواقب الثناء ترجع إلى اللّه ، وعاقب الأمر آخره «رَبِّ الْعالَمِينَ» من حيث ثبوته في ربوبيته بما يستحقه الرب من النعوت المقدسة ، وهو سيد العالم ومربيهم ومغذيهم ومصلحهم ، لا إله إلا هو العزيز الحكيم ، ومن سياق الآيات دل على أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم حمد اللّه رب العالمين عقيب نصره وظفره بخيبر ، فهو حمد نعمة - إشارة - «الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ» جاءت في أول سورة الفاتحة ، وفي وسط سورة يونس ، وفي آخر سورة الصافات ، فعمت الطرفين والواسطة .

(38) سورة ص مكيّة

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

------------

(182) الفتوحات ج 3 / 537 ، 196

تفسير ابن كثير:

وقوله : ( وفديناه بذبح عظيم ) قال سفيان الثوري ، عن جابر الجعفي ، عن أبي الطفيل ، عن علي ، رضي الله عنه : ( وفديناه بذبح عظيم ) قال : بكبش أبيض أعين أقرن ، قد ربط بسمرة - قال أبو الطفيل وجدوه مربوطا بسمرة في ثبير

وقال الثوري أيضا ، عن عبد الله بن عثمان بن خثيم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : كبش قد رعى في الجنة أربعين خريفا .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أبي ، حدثنا يوسف بن يعقوب الصفار ، حدثنا داود العطار ، عن ابن خثيم ، عن سعيد بن جبير ، عن ابن عباس قال : الصخرة التي بمنى بأصل ثبير هي الصخرة التي ذبح عليها إبراهيم فداء ابنه ، هبط عليه من ثبير كبش أعين أقرن له ثغاء ، فذبحه ، وهو الكبش الذي قربه ابن آدم فتقبل منه ، فكان مخزونا حتى فدي به إسحاق .

وروي أيضا عن سعيد بن جبير أنه قال : كان الكبش يرتع في الجنة حتى تشقق عنه ثبير ، وكان عليه عهن أحمر .

وعن الحسن البصري : أنه كان اسم كبش إبراهيم : جرير .

وقال ابن جريج : قال عبيد بن عمير : ذبحه بالمقام . وقال مجاهد : ذبحه بمنى عند المنحر . وقال هشيم ، عن سيار ، عن عكرمة ; أن ابن عباس كان أفتى الذي جعل عليه نذرا أن ينحر نفسه ، فأمره بمائة من الإبل . ثم قال بعد ذلك : لو كنت أفتيته بكبش لأجزأه أن يذبح كبشا ، فإن الله تعالى قال في كتابه : ( وفديناه بذبح عظيم ) والصحيح الذي عليه الأكثرون أنه فدي بكبش . وقال الثوري ، عن رجل ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس في قوله : ( وفديناه بذبح عظيم ) قال : وعل .

وقال محمد بن إسحاق ، عن عمرو بن عبيد ، عن الحسن أنه كان يقول : ما فدي إسماعيل إلا بتيس من الأروى ، أهبط عليه من ثبير .

وقد قال الإمام أحمد : حدثنا سفيان ، حدثنا منصور ، عن خاله مسافع ، عن صفية بنت شيبة قالت : أخبرتني امرأة من بني سليم - ولدت عامة أهل دارنا - أرسل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى عثمان بن طلحة - وقال مرة : إنها سألت عثمان : لم دعاك النبي - صلى الله عليه وسلم - ؟ قال : قال : " إني كنت رأيت قرني الكبش ، حين دخلت البيت ، فنسيت أن آمرك أن تخمرهما ، فخمرهما ، فإنه لا ينبغي أن يكون في البيت شيء يشغل المصلي " . قال سفيان : لم يزل قرنا الكبش معلقين في البيت حتى احترق البيت ، فاحترقا .

وهذا دليل مستقل على أنه إسماعيل - عليه السلام - فإن قريشا توارثوا قرني الكبش الذي فدى به إبراهيم خلفا عن سلف وجيلا بعد جيل ، إلى أن بعث الله رسوله - صلى الله عليه وسلم - .

فصل في ذكر الآثار الواردة عن السلف في أن الذبيح من هو ؟ :

ذكر من قال : هو إسحاق [ عليه السلام ] :

قال حمزة الزيات ، عن أبي ميسرة ، رحمه الله ، قال : قال يوسف - عليه السلام - للملك في وجهه : ترغب أن تأكل معي ، وأنا - والله - يوسف بن يعقوب نبي الله ، ابن إسحاق ذبيح الله ، ابن إبراهيم خليل الله .

وقال الثوري ، عن أبي سنان ، عن ابن أبي الهذيل : إن يوسف - عليه السلام - قال للملك كذلك أيضا .

وقال سفيان الثوري ، عن زيد بن أسلم ، عن عبد الله بن عبيد بن عمير ، عن أبيه قال : " قال موسى : يا رب ، يقولون : يا إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب ، فبم قالوا ذلك ؟ قال : إن إبراهيم لم يعدل بي شيء قط إلا اختارني عليه . وإن إسحاق جاد لي بالذبح ، وهو بغير ذلك أجود . وإن يعقوب كلما زدته بلاء زادني حسن ظن " .

وقال شعبة ، عن أبي إسحاق ، عن أبي الأحوص قال : افتخر رجل عند ابن مسعود فقال : أنا فلان بن فلان ، ابن الأشياخ الكرام . فقال عبد الله : ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله ، ابن إبراهيم خليل الله [ صلوات الله وسلامه عليهم ] .

وهذا صحيح إلى ابن مسعود ، وكذا روى عكرمة ، عن ابن عباس أنه إسحاق . وعن أبيه العباس ، وعلي بن أبي طالب مثل ذلك . وكذا قال عكرمة ، وسعيد بن جبير ، ومجاهد ، والشعبي ، وعبيد بن عمير ، وأبو ميسرة ، وزيد بن أسلم ، وعبد الله بن شقيق ، والزهري ، والقاسم بن أبي بزة ، ومكحول ، وعثمان بن حاضر ، والسدي ، والحسن ، وقتادة ، وأبو الهذيل ، وابن سابط . وهو اختيار ابن جرير . وتقدم روايته عن كعب الأحبار أنه إسحاق .

وهكذا روى ابن إسحاق عن عبد الله بن أبي بكر ، عن الزهري ، عن أبي سفيان بن العلاء ، بن جارية ، عن أبي هريرة ، عن كعب الأحبار ، أنه قال : هو إسحاق .

وهذه الأقوال - والله أعلم - كلها مأخوذة عن كعب الأحبار ، فإنه لما أسلم في الدولة العمرية جعل يحدث عمر ، رضي الله عنه عن كتبه ، فربما استمع له عمر - رضي الله عنه - فترخص الناس في استماع ما عنده ، ونقلوا عنه غثها وسمينها ، وليس لهذه الأمة - والله أعلم - حاجة إلى حرف واحد مما عنده . وقد حكى البغوي هذا القول بأنه إسحاق عن عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، والعباس ، ومن التابعين عن كعب الأحبار ، وسعيد بن جبير ، وقتادة ، ومسروق ، وعكرمة ، ومقاتل ، وعطاء ، والزهري ، والسدي - قال : وهو إحدى الروايتين عن ابن عباس . وقد ورد في ذلك حديث - لو ثبت لقلنا به على الرأس والعين ، ولكن لم يصح سنده - قال ابن جرير :

حدثنا أبو كريب ، حدثنا زيد بن حباب ، عن الحسن بن دينار ، عن علي بن زيد بن جدعان ، عن الحسن ، عن الأحنف بن قيس ، عن العباس بن عبد المطلب ، عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في حديث ذكره قال : هو إسحاق .

ففي إسناده ضعيفان ، وهما الحسن بن دينار البصري ، متروك . وعلي بن زيد بن جدعان منكر الحديث . وقد رواه ابن أبي حاتم ، عن أبيه ، عن مسلم بن إبراهيم ، عن حماد بن سلمة ، عن علي بن زيد بن جدعان ، به مرفوعا . . ثم قال : قد رواه مبارك بن فضالة ، عن الحسن ، عن الأحنف ، عن العباس قوله ، وهذا أشبه وأصح .

[ ذكر الآثار الواردة بأنه إسماعيل - عليه السلام - وهو الصحيح المقطوع به ] .

قد تقدمت الرواية عن ابن عباس أنه إسحاق . قال سعيد بن جبير ، وعامر الشعبي ، ويوسف بن مهران ، ومجاهد ، وعطاء ، وغير واحد ، عن ابن عباس ، هو إسماعيل - عليه السلام - .

وقال ابن جرير : حدثني يونس ، أخبرنا ابن وهب ، أخبرني عمرو بن قيس ، عن عطاء بن أبي رباح عن ابن عباس أنه قال : المفدى إسماعيل - عليه السلام - وزعمت اليهود أنه إسحاق ، وكذبت اليهود .

وقال إسرائيل ، عن ثور ، عن مجاهد ، عن ابن عمر قال : الذبيح إسماعيل .

وقال ابن أبي نجيح عن مجاهد : هو إسماعيل . وكذا قال يوسف بن مهران .

وقال الشعبي : هو إسماعيل - عليه السلام - وقد رأيت قرني الكبش في الكعبة .

وقال محمد بن إسحاق ، عن الحسن بن دينار ، وعمرو بن عبيد ، عن الحسن البصري : أنه كان لا يشك في ذلك : أن الذي أمر بذبحه من ابني إبراهيم إسماعيل .

قال ابن إسحاق : وسمعت محمد بن كعب القرظي وهو يقول : إن الذي أمر الله إبراهيم بذبحه من ابنيه إسماعيل . وإنا لنجد ذلك في كتاب الله ، وذلك أن الله حين فرغ من قصة المذبوح من ابني إبراهيم قال : ( وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين ) . يقول الله تعالى : ( فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ) ، يقول بابن وابن ابن ، فلم يكن ليأمره بذبح إسحاق وله فيه من [ الله ] الموعد بما وعده ، وما الذي أمر بذبحه إلا إسماعيل .

وقال ابن إسحاق ، عن بريدة بن سفيان بن فروة الأسلمي ، عن محمد بن كعب القرظي أنه حدثهم ; أنه ذكر ذلك لعمر بن عبد العزيز وهو خليفة إذ كان معه بالشام ، فقال له عمر : إن هذا لشيء ما كنت أنظر فيه ، وإني لأراه كما قلت . ثم أرسل إلى رجل كان عنده بالشام ، كان يهوديا فأسلم وحسن إسلامه ، وكان يرى أنه من علمائهم ، فسأله عمر بن عبد العزيز عن ذلك - قال محمد بن كعب : وأنا عند عمر بن عبد العزيز - فقال له عمر : أي ابني إبراهيم أمر بذبحه ؟ فقال : إسماعيل والله يا أمير المؤمنين ، وإن يهود لتعلم بذلك ، ولكنهم يحسدونكم معشر العرب ، على أن يكون أباكم الذي كان من أمر الله فيه ، والفضل الذي ذكره الله منه لصبره لما أمر به ، فهم يجحدون ذلك ، ويزعمون أنه إسحاق ، بكون إسحاق أبوهم ، والله أعلم أيهما كان ، وكل قد كان طاهرا طيبا مطيعا لله - عز وجل - .

وقال عبد الله بن الإمام أحمد بن حنبل ، رحمه الله : سألت أبي عن الذبيح ، من هو ؟ إسماعيل أو إسحاق ؟ فقال : إسماعيل . ذكره في كتاب الزهد .

وقال ابن أبي حاتم : وسمعت أبي يقول : الصحيح أن الذبيح إسماعيل - عليه السلام - . قال : وروي عن علي ، وابن عمر ، وأبي هريرة ، وأبي الطفيل ، وسعيد بن المسيب ، وسعيد بن جبير ، والحسن ، ومجاهد ، والشعبي ، ومحمد بن كعب القرظي ، وأبي جعفر محمد بن علي ، وأبي صالح أنهم قالوا : الذبيح إسماعيل .

وقال البغوي في تفسيره : وإليه ذهب عبد الله بن عمر ، وسعيد بن المسيب ، والسدي ، والحسن البصري ، ومجاهد ، والربيع بن أنس ، ومحمد بن كعب القرظي ، والكلبي ، وهو رواية عن ابن عباس ، وحكاه أيضا عن أبي عمرو بن العلاء .

وقد روى ابن جرير في ذلك حديثا غريبا فقال : حدثني محمد بن عمار الرازي ، حدثنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة ، حدثنا عمر بن عبد الرحيم الخطابي ، عن عبيد الله بن محمد العتبي - من ولد عتبة بن أبي سفيان - عن أبيه : حدثني عبد الله بن سعيد ، عن الصنابحي قال : كنا عند معاوية بن أبي سفيان ، فذكروا الذبيح : إسماعيل أو إسحاق ؟ فقال على الخبير سقطتم ، كنا عند رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاءه رجل فقال : يا رسول الله ، عد علي مما أفاء الله عليك يا ابن الذبيحين . فضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقيل له : يا أمير المؤمنين ، وما الذبيحان ؟ فقال : إن عبد المطلب لما أمر بحفر زمزم نذر لله إن سهل الله أمرها عليه ، ليذبحن أحد ولده ، قال : فخرج السهم على عبد الله فمنعه أخواله وقالوا : افد ابنك بمائة من الإبل . ففداه بمائة من الإبل ، وإسماعيل الثاني .

وهذا حديث غريب جدا . وقد رواه الأموي في مغازيه : حدثنا بعض أصحابنا ، أخبرنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة ، حدثنا عمر بن عبد الرحمن القرشي ، حدثنا عبيد الله بن محمد العتبي - من ولد عتبة بن أبي سفيان - حدثنا عبد الله بن سعيد ، حدثنا الصنابحي قال : حضرنا مجلس معاوية ، فتذاكر القوم إسماعيل وإسحاق ، وذكره . كذا كتبته من نسخة مغلوطة .

وإنما عول ابن جرير في اختياره أن الذبيح إسحاق على قوله تعالى : ( فبشرناه بغلام حليم ) ، فجعل هذه البشارة هي البشارة بإسحاق في قوله : ( وبشروه بغلام عليم ) [ الذاريات : 28 ] . وأجاب عن البشارة بيعقوب بأنه قد كان بلغ معه السعي ، أي العمل . ومن الممكن أنه قد كان ولد له أولاد مع يعقوب أيضا . قال : وأما القرنان اللذان كانا معلقين بالكعبة فمن الجائز أنهما نقلا من بلاد الشام . قال : وقد تقدم أن من الناس من ذهب إلى أنه ذبح إسحاق هناك . هذا ما اعتمد عليه في تفسيره ، وليس ما ذهب إليه بمذهب ولا لازم ، بل هو بعيد جدا ، والذي استدل به محمد بن كعب القرظي على أنه إسماعيل أثبت وأصح وأقوى ، والله أعلم .


تفسير الطبري :

فيه سبع عشرة مسألة: الأولى: قوله تعالى: {فلما بلغ معه السعي} أي فوهبنا له الغلام؛ فلما بلغ مع المبلغ الذي يسعى مع أبيه في أمور دنياه معينا له على أعماله {قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك}. وقال مجاهد: {فلما بلغ معه السعي} أي شب وأدرك سعيه سعي إبراهيم. وقال الفراء : كان يومئذ ابن ثلاث عشرة سنة. وقال ابن عباس : هو احتلام. قتادة : مشى مع أبيه. الحسن ومقاتل : هو سعي العقل الذي تقوم به الحجة. ابن زيد : هو السعي في العبادة. ابن عباس : صام وصلى، ألم تسمع الله عز وجل يقول: {وسعى لها سعيها}[الإسراء : 19]. واختلف العلماء في المأمور بذبحه. فقال أكثرهم : الذبيح إسحاق. وممن قال بذلك العباس بن عبدالمطلب وابنه عبدالله وهو الصحيح عنه. روى الثوري وابن جريج يرفعانه إلى ابن عباس قال : الذبيح إسحاق. وهو الصحيح عن عبدالله بن مسعود أن رجلا قال له : يا ابن الأشياخ الكرام. فقال عبدالله : ذلك يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح الله ابن إبراهيم خليل الله صلى الله عليه وسلم. وقد ""روى حماد بن زيد يرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إن الكريم ابن الكريم ابن الكريم ابن الكريم يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم صلى الله عليهم وسلم). وروى أبو الزبير عن جابر قال : الذبيح إسحاق. وذلك مروي أيضا عن علي بن أبي طالب رضي الله عنه. وعن عبدالله بن عمر : أن الذبيح إسحاق. وهو قول عمر رضي الله عنه. فهؤلاء سبعة من الصحابة. وقال به من التابعين وغيرهم علقمة والشعبي ومجاهد وسعيد بن جبير وكعب الأحبار وقتادة ومسروق وعكرمة والقاسم بن أبي بزة وعطاء ومقاتل وعبدالرحمن بن سابط والزهري والسدي وعبدالله بن أبي الهذيل ومالك بن أنس، كلهم قالوا : الذبيح إسحاق. وعليه أهل الكتابين اليهود والنصارى، واختاره غير واحد منهم النحاس والطبري وغيرهما. قال سعيد بن جبير : أرى إبراهيم ذبح إسحاق في المنام، فسار به مسيرة شهر في غداة واحدة، حتى أتى به المنحر من منى؛ فلما صرف الله عنه الذبح وأمره أن يذبح الكبش فذبحه، وسار به مسيرة شهر في روحة واحدة طويت له الأودية والجبال. وهذا القول أقوى في النقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الصحابة والتابعين. وقال آخرون : هو إسماعيل. وممن قال ذلك أبو هريرة وأبو الطفيل عامر بن واثلة. وروي ذلك عن ابن عمر وابن عباس أيضا، ومن التابعين سعيد بن المسيب والشعبي ويوسف بن مهران ومجاهد والربيع بن أنس ومحمد بن كعب القرظي والكلبي وعلقمة. وسئل أبو سعيد الضرير عن الذبيح فأنشد : إن الذبيح هديت إسماعيل ** نطق الكتاب بذاك والتنزيل شرف به خص الإله نبينا ** وأتى به التفسير والتأويل إن كنت أمته فلا تنكر له ** شرفا به قد خصه التفضيل وعن الأصمعي قال : سألت أبا عمرو بن العلاء عن الذبيح، فقال : يا أصمعي أين عزب عنك عقلك! ومتى كان إسحاق بمكة؟ وإنما كان إسماعيل بمكة، وهو الذي بنى البيت مع أبيه والمنحر بمكة. وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم : (أن الذبيح إسماعيل) والأول أكثر عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن أصحابه وعن التابعين. واحتجوا بأن الله عز وجل قد أخبر عن إبراهيم حين فارق قومه، فهاجر إلى الشام مع امرأته سارة وابن أخيه لوط فقال: {إني ذاهب إلى ربي سيهدين} أنه دعا فقال: {رب هب لي من الصالحين} فقال تعالى: {فلما اعتزلهم وما يعبدون من دون الله وهبنا له إسحاق ويعقوب} [مريم : 49]؛ ولأن الله قال: {وفديناه بذبح عظيم} فذكر أن الفداء في الغلام الحليم الذي بشره به إبراهيم وإنما بشر بإسحاق؛ لأنه قال: {وبشرناه بإسحاق}، وقال هنا {بغلام حليم} وذلك قبل أن يتزوج هاجر وقبل أن يولد له إسماعيل، وليس في القرآن أنه بشر بولد إلا إسحاق. احتج من قال إنه إسماعيل : بأن الله تعالى وصفه بالصبر دون إسحاق في قوله تعالى: {وإسماعيل وإدريس وذا الكفل كل من الصابرين} [الأنبياء : 85] وهو صبره على الذبح، ووصفه بصدق الوعد في قوله: {إنه كان صادق الوعد} [مريم : 54]؛ لأنه وعد أباه من نفسه الصبر على الذبح فوفى به؛ ولأن الله تعالى قال: {وبشرناه بإسحاق نبيا} فكيف يأمره بذبحه وقد وعده أن يكون نبيا، وأيضا فإن الله تعالى قال: {فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} [هود : 71] فكيف يؤمر بذبح إسحاق قبل إنجاز الوعد في يعقوب. وأيضا ورد في الأخبار تعليق قرن الكبش في الكعبة، فدل على أن الذبيح إسماعيل، ولو كان إسحاق لكان الذبح يقع ببيت المقدس. وهذا الاستدلال كله ليس بقاطع؛ أما قولهم : كيف يأمره بذبحه وقد وعده بأنه يكون نبيا، فإنه يحتمل أن يكون المعنى : وبشرناه بنبوته بعد أن كان من أمره ما كان؛ قال ابن عباس وسيأتي. ولعله أمر بذبح إسحاق بعد أن ولد لإسحاق يعقوب. قال : لم يرد في القرآن أن يعقوب يولد من إسحاق. وأما قولهم : ولو كان الذبيح إسحاق لكان الذبح يقع ببيت المقدس، فالجواب عنه ما قاله سعيد بن جبير على ما تقدم. وقال الزجاج : الله أعلم أيهما الذبيح. وهذا مذهب ثالث. الثانية: قوله تعالى: {قال يا بني إني أرى في المنام أني أذبحك فانظر ماذا ترى} قال مقاتل : رأى ذلك إبراهيم عليه السلام ثلاث ليال متتابعات. وقال محمد بن كعب : كانت الرسل يأتيهم الوحي من الله تعالى أيقاظا ورقودا؛ فإن الأنبياء لا تنام قلوبهم. وهذا ثابت في الخبر المرفوع، قال صلى الله عليه وسلم : (إنا معاشر الأنبياء تنام أعيننا ولا تنام قلوبنا). وقال ابن عباس : رؤيا الأنبياء وحي؛ واستدل بهذه الآية. وقال السدي : لما بشر إبراهيم بإسحاق قبل أن يولد له قال هو إذا لله ذبيح. فقيل له في منامه : قد نذرت فف بنذرك. ويقال : إن إبراهيم رأى في ليلة التروية كأن قائلا يقول : إن الله يأمرك بذبح ابنك؛ فلما أصبح روى في نفسه أي فكر أهذا الحلم من الله أم من الشيطان؟ فسمي يوم التروية. فلما كانت الليلة الثانية رأى ذلك أيضا وقيل له الوعد، فلما أصبح عرف أن ذلك من الله فسمي يوم عرفة. ثم رأى مثله في الليلة الثالثة فهم بنحره فسمي يوم النحر. وروي أنه لما ذبحه قال جبريل : الله أكبر الله أكبر. فقال الذبيح : لا إله إلا الله والله أكبر. فقال إبراهيم : الله أكبر والحمد لله؛ فبقي سنة. وقد اختلف الناس في وقوع هذا الأمر وهي: الثالثة: فقال أهل السنة : إن نفس الذبح لم يقع، وإنما وقع الأمر بالذبح قبل أن يقع الذبح، ولو وقع لم يتصور رفعه، فكان هذا من باب النسخ قبل الفعل؛ لأنه لو حصل الفراغ من امتثال الأمر بالذبح ما تحقق الفداء. وقوله تعالى: {قد صدقت الرؤيا} : أي حققت ما نبهناك عليه، وفعلت ما أمكنك ثم امتنعت لما منعناك. هذا أصح ما قيل به في هذا الباب. وقالت طائفة : ليس هذا مما ينسخ بوجه؛ لأن معنى ذبحت الشيء قطعته. واستدل على هذا بقول مجاهد : قال إسحاق لإبراهيم لا تنظر آلي فترحمني، ولكن اجعل وجهي إلى الأرض؛ فأخذ إبراهيم السكين فأمرها على حلقة فانقلبت. فقال له ما لك؟ قال : انقلبت السكين. قال اطعني بها طعنا. وقال بعضهم : كان كلما قطع جزءا التأم. وقالت طائفة : وجد حلقه نحاسا أو مغشى بنحاس، وكان كلما أراد قطعا وجد منعا. وهذا كله جائز في القدرة الإلهية. لكنه يفتقر إلى نقل صحيح، فإنه أمر لا يدرك بالنظر وإنما طريقه الخبر. ولو كان قد جرى ذلك لبينه الله تعالى تعظيما لرتبة إسماعيل وإبراهيم صلوات الله عليهما، وكان أولى بالبيان من الفداء. وقال بعضهم : إن إبراهيم ما أمر بالذبح الحقيقي الذي هو فري الأوداج وإنهار الدم، وإنما رأى أنه أضجعه للذبح فتوهم أنه أمر بالذبح الحقيقي، فلما أتى بما أمر به من الإضجاع قيل له: {قد صدقت الرؤيا} وهذا كله خارج عن المفهوم. ولا يظن بالخليل والذبيح أن يفهما من هذا الأمر ما ليس له حقيقة حتى يكون منهما التوهم. وأيضا لو صحت هذه الأشياء لما احتيج إلى الفداء. الرابعة: قوله تعالى: {فانظر ماذا ترى} قرأ أهل الكوفة غير عاصم {ماذا تُرِى} بضم التاء وكسر الراء من أرِى يُري. قال الفراء : أي فانظر ماذا ترى من صبرك وجزعك. قال الزجاج : لم يقل هذا أحد غيره، وإنما قال العلماء ماذا تشير؛ أي ما تريك نفسك من الرأي. وأنكر أبو عبيد {تُرى} وقال : إنما يكون هذا من رؤية العين خاصة. وكذلك قال أبو حاتم. النحاس : وهذا غلط، وهذا يكون من رؤية العين وغيرها وهو مشهور، يقال : أريت فلانا الصواب، وأريته رشده، وهذا ليس من رؤية العين. الباقون {ترى} مضارع رأيت. وقد روي عن الضحاك والأعمش {ترى} غير مسمى الفاعل. ولم يقل له ذلك على وجه المؤامرة في أمر الله، وإنما شاوره ليعلم صبره لأمر الله؛ أو لتقر عينه إذا رأى من ابنه طاعة في أمر الله فـ {قال ياأبت افعل ما تؤمر} أي ما تؤمر به فحذف الجار كما حذف من قوله : أمرتك الخير فافعل ما أمرت به فوصل الفعل إلى الضمير فصار تؤمره ثم حذفت الهاء؛ كقول: {وسلام على عباده الذين اصطفى} [النمل : 59] أي اصطفاهم على ما تقدم. و{ما} بمعنى الذي. {ستجدني إن شاء الله من الصابرين} قال بعض أهل الإشارة : لما استثنى وفقه الله للصبر. وقد مضى الكلام في {يا أبت} [يوسف : 4] وكذلك في {يا بني} [يوسف : 5] في {يوسف} وغيرها. الخامسة: قوله تعالى: {فلما أسلما} أي انقادا لأمر الله. وقرأ ابن مسعود وابن عباس وعلي رضوان الله عليهم {فلما سلما} أي فوضا أمرهما إلى الله. وقال ابن عباس : استسلما. وقال قتادة : أسلم أحدهما نفسه لله عز وجل وأسلم الآخر ابنه. {وتله للجبين} قال قتادة : كبه وحول وجهه إلى القبلة. وجواب {لما} محذوف عند البصريين تقديره {فلما أسلما وتله للجبين} فديناه بكبش. وقال الكوفيون : الجواب {ناديناه} والواو زائدة مقحمة؛ كقوله: {فلما ذهبوا به وأجمعوا أن يجعلوه في غيابة الجب وأوحينا {يوسف : 15] أي أوحينا. وقول: {وهم من كل حدب ينسلون} [الأنبياء : 96]. {واقترب} أي اقترب. وقوله: {حتى إذا جاءوها وفتحت أبوابها وقال} [الزمر : 73] أي قال لهم. وقال امرؤ القيس : فلما أجزنا ساحة الحي وانتحى أي انتحى، والواو زائدة. وقال أيضا : حتى إذا حملت بطونكم ** ورأيتم أبناءكم شبوا وقلبتم ظهر المجن لنا ** إن اللئيم الفاجر الخبُ أراد قلبتم. النحاس : والواو من حروف المعاني لا يجوز أن تزاد. وفي الخبر : إن الذبيح قال لإبراهيم عليه السلام حين أراد ذبحه : يا أبت أشدد رباطي حتى لا أضطرب؛ واكفف ثيابك لئلا ينتضح عليها شيء من دمي فتراه أمي فتحزن، وأسرع مر السكين على حلقى ليكون الموت أهون علي وأقذفني للوجه؛ لئلا تنظر إلى وجهي فترحمني، ولئلا أنظر إلى الشفرة فأجزع، وإذا أتيت إلى أمي فأقرئها مني السلام. فلما جر إبراهيم عليه السلام السكين ضرب الله عليه صفيحة من نحاس، فلم تعمل السكين شيئا، ثم ضرب به على جبينه وحز في قفاه فلم تعمل السكين شيئا؛ فذلك قوله تعالى: {وتله للجبين} كذلك قال ابن عباس : معناه كبه على وجهه فنودي {يا إبراهيم قد صدقت الرؤيا} فالتفت فإذا بكبش؛ ذكره المهدوي. وقد تقدمت الإشارة إلى عدم صحته، وأن المعنى لما اعتقد الوجوب وتهيأ للعمل؛ هذا بهيئة الذبح، وهذا بصورة المذبوح، أعطيا محلا للذبح فداء ولم يكن هناك مر سكين. وعلى هذا يتصور النسخ قبل الفعل على ما تقدم. والله أعلم. قال الجوهري: {وتله للجبين} أي صرعه؛ كما تقول : كبه لوجهه. الهروي : والتل الدفع والصرع؛ ومنه حديث أبي الدرداء رضي الله عنه : (وتركوك لمتلك) أي لمصرعك. وفي حديث آخر : (فجاء بناقة كوماء فتلها) أي أناخها. وفي الحديث : (بينا أنا نائم أتيت بمفاتيح خزائن الأرض فتلت في يدي) قال ابن الأنباري : أي فألقيت في يدي؛ يقال : تللت الرجل إذا ألقيته. قال ابن الأعرابي : فصبت في يدي؛ والتل الصب؛ يقال : تل يتل إذا صب، وتل يتل بالكسر إذا سقط. قلت : وفي صحيح مسلم عن سهل بن سعد الساعدي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتي بشراب فشرب منه، وعن يمينه غلام وعن يساره أشياخ؛ فقال للغلام : (أتأذن لي أن أعطي هؤلاء) فقال الغلام : لا والله، لا أوثر بنصيبي منك أحدا. قال؛ فتله رسول الله صلى الله عليه وسلم في يده؛ يريد جعله في يده. وقال بعض أهل الإشارة : إن إبراهيم ادعى محبة الله، ثم نظر إلى الولد بالمحبة، فلم يرض حبيبه محبة مشتركة؛ فقيل له : يا إبراهيم اذبح ولدك في مرضاتي، فشمر وأخذ السكين وأضجع ولده، ثم قال : اللهم تقبله مني في مرضاتك. فأوحى الله إليه : يا إبراهيم لم يكن المراد ذبح الولد، وإنما المراد أن ترد قلبك إلينا، فلما رددت قلبك بكليته إلينا رددنا ولدك إليك. وقال كعب وغيره : لما أرى إبراهيم ذبح ولده في منامه، قال الشيطان : والله لئن لم أفتن عند هذا آل إبراهيم لا أفتن منهم أحدا أبدا. فتمثل الشيطان لهم في صورة الرجل، ثم أتى أم الغلام وقال : أتدرين أين يذهب إبراهيم بابنك؟ قالت : لا. قال : إنه يذهب به ليذبحه. قالت : كلا هو أرأف به من ذلك. فقال : إنه يزعم أن ربه أمره بذلك. قالت : فإن كان ربه قد أمره بذلك فقد أحسن أن يطيع ربه. ثم أتى الغلام فقال : أتدري أين يذهب بك أبوك؟ قال : لا. قال : فإنه يذهب بك ليذبحك. قال : ولم؟ قال : زعم أن ربه أمره بذلك. قال : فليفعل ما أمره الله به، سمعا وطاعة لأمر الله. ثم جاء إبراهيم فقال : أين تريد؟ والله إني لأظن أن الشيطان قد جاءك في منامك فأمرك بذبح ابنك. فعرفه إبراهيم فقال : إليك عني يا عدو الله، فوالله لأمضين لأمر ربي. فلم يصب، الملعون منهم شيئا. وقال ابن عباس : لما أمر إبراهيم بذبح ابنه عرض له الشيطان عند جمرة العقبة فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب، ثم عرض له عند الجمرة الأخرى فرماه بسبع حصيات حتى ذهب ثم مضى إبراهيم لأمر الله تعالى. واختلف في الموضع الذي أراد ذبحه فيه فقيل : بمكة في المقام. وقيل : في المنحر بمنى عند الجمار التي رمى بها إبليس لعنه الله؛ قاله ابن عباس وابن عمر ومحمد بن كعب وسعيد بن المسيب. وحكي عن سعيد بن جبير : أنه ذبحه على الصخرة التي بأصل ثبير بمنى. وقال ابن جريج : ذبحه بالشام وهو من بيت المقدس على ميلين. والأول أكثر؛ فإنه ورد في الأخبار تعليق قرن الكبش في الكعبة، فدل على أنه ذبحه بمكة. وقال ابن عباس : فوالذي نفسي بيده لقد كان أول الإسلام، وإن رأس الكبش لمعلق بقرنيه من ميزاب الكعبة وقد يبس. أجاب من قال بأن الذبح وقع بالشام : لعل الرأس حمل من الشام إلى مكة. والله أعلم. السادسة: قوله تعالى: {إنا كذلك نجزي المحسنين} أي نجزيهم بالخلاص من الشدائد في الدنيا والآخرة. {إن هذا لهو البلاء المبين} أي النعمة الظاهرة؛ يقال : أبلاه الله إبلاء وبلاء إذا أنعم عليه. وقد يقال بلاه. قال زهير : فأبلاهما خير البلاء الذي يبلو فزعم قوم أنه جاء باللغتين. وقال آخرون : بل الثاني من بلاه يبلوه إذا اختبره، ولا يقال من الاختبار إلا بلاه يبلوه، ولا يقال من الابتلاء يبلوه. وأصل هذا كله من الاختبار أن يكون بالخير والشر؛ قال الله عز وجل: {ونبلوكم بالشر والخير فتنة} [الأنبياء : 35]. وقال أبو زيد : هذا من البلاء الذي نزل به في أن يذبح ابنه؛ قال : وهذا من البلاء المكروه. السابعة: قوله تعالى: {وفديناه بذبح عظيم} الذبح اسم المذبوح وجمعه ذبوح؛ كالطحن اسم المطحون. والذبح بالفتح المصدر. {عظيم} أي عظيم القدر ولم يرد عظيم الجثة. وإنما عظم قدره لأنه فدى به الذبيح؛ أو لأنه متقبل. قال النحاس : عظيم في اللغة يكون للكبير وللشريف. وأهل التفسير على أنه ههنا للشريف، أو المتقبل. وقال ابن عباس : هو الكبش الذي تقرب به هابيل، وكان في الجنة يرعى حتى فدى الله به إسماعيل. وعنه أيضا : أنه كبش أرسله الله من الجنة كان قد رعى في الجنة أربعين خريفا. وقال الحسن : ما فدي إسماعيل إلا بتيس من الأروى هبط عليه من ثبير، فذبحه إبراهيم فداء عن ابنه، وهذا قول علي رضي الله عنه. فلما رآه إبراهيم أخذه فذبحه وأعتق ابنه. وقال : يا بني اليوم وهبت لي. وقال أبو إسحاق الزجاج : قد قيل أنه فدي بوعل، والوعل : التيس الجبلي. وأهل التفسير على أنه فدي بكبش. الثامنة: في هذه الآية دليل على أن الأضحية بالغنم أفضل من الإبل والبقر. وهذا مذهب مالك وأصحابه. قالوا : أفضل الضحايا الفحول من الضأن، وإناث الضأن أفضل من فحل المعز، وفحول المعز خير من إناثها، وإناث المعز خير من الإبل والبقر. وحجتهم قوله سبحانه وتعالى: {وفديناه بذبح عظيم} أي ضخم الجثة سمين، وذلك كبش لا جمل ولا بقرة. وروى مجاهد وغيره عن ابن عباس أنه سأل رجل : إني نذرت أن أنحر ابني؟ فقال : يجزيك كبش سمين، ثم قرأ: {وفديناه بذبح عظيم}. وقال بعضهم : لو علم الله حيوانا أفضل من الكبش لفدى به إسحاق. وضحى رسول الله صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين. وأكثر ما ضحي به الكباش. وذكر ابن أبي شيبة عن ابن علية عن الليث عن مجاهد قال : الذبح العظيم الشاة. التاسعة: واختلفوا أيهما أفضل : الأضحية أو الصدقة بثمنها. فقال مالك وأصحابه : الضحية أفضل إلا بمنى؛ لأنه ليس موضع الأضحية؛ حكاه أبو عمر. وقال ابن المنذر : روينا عن بلال أنه قال : ما أبالي ألا أضحي إلا بديك ولأن أضعه في يتيم قد ترب فيه - هكذا قال المحدث - أحب إلي من أن أضحي به. وهذا قول الشعبي إن الصدقة أفضل. وبه قال مالك وأبو ثور. وفيه قول ثان : إن الضحية أفضل؛ هذا قول ربيعة وأبي الزناد. وبه قال أصحاب الرأي. زاد أبو عمر وأحمد بن حنبل قالوا : الضحية أفضل من الصدقة؛ لأن الضحية سنة مؤكدة كصلاة العيد. ومعلوم أن صلاة العيد أفضل من سائر النوافل. وكذلك صلوات السنن أفضل من التطوع كله. قال أبو عمر : وقد روي في فضل الضحايا آثار حسان؛ فمنها ما رواه سعيد بن داود بن أبي زَنْبَر عن مالك عن ثور بن زيد عن عكرمة عن ابن عباس قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (ما من نفقة بعد صلة الرحم أفضل عند الله من إهراق الدم) قال أبو عمر : وهو حديث غريب من حديث مالك. وعن عائشة قالت : يا أيها الناس ضحوا وطيبوا أنفسا؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول : (ما من عبد توجه بأضحيته إلى القبلة إلا كان دمها وقرنها وصوفها حسنات محضرات في ميزانه يوم القيامة فإن الدم إن وقع في التراب فإنما يقع في حرز الله حتى يوفيه صاحبه يوم القيامة) ذكره أبو عمر في كتات التمهيد. وخرج الترمذي أيضا عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهراق الدم إنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع إلى الأرض فطيبوا بها نفسا) قال : وفي الباب عن عمران بن حصين وزيد بن أرقم. وهذا حديث حسن. العاشرة: الضحية ليست بواجبة ولكنها سنة ومعروف. وقال عكرمة : كان ابن عباس يبعثني يوم الأضحى بدرهمين اشتري له لحما، ويقول : من لقيت فقل هذه أضحية ابن عباس. قال أبو عمر : ومجمل هذا وما روي عن أبي بكر وعمر أنهما لا يضحيان عند أهل العلم؛ لئلا يعتقد في المواظبة عليها أنها واجبة فرض، وكانوا أئمة يقتدي بهم من بعدهم ممن ينظر في دينه إليهم؛ لأنهم الواسطة بين النبي صلى الله عليه وسلم وبين أمته، فساغ لهم من الاجتهاد في ذلك ما لا يسوغ اليوم لغيرهم. وقد حكى الطحاوي في مختصره : وقال أبو حنيفة : الأضحية واجبة على المقيمين الواجدين من أهل الأمصار، ولا تجب على المسافر. قال : ويجب على الرجل من الأضحية على ولده الصغير مثل الذي يجب عليه من نفسه. وخالفه أبو يوسف ومحمد فقالا : ليست بواجبة ولكنها سنة غير مرخص لمن وجد السبيل إليها في تركها. قال : وبه نأخذ. قال أبو عمر : وهذا قول مالك؛ قال : لا ينبغي لأحد تركها مسافرا كان أو مقيما، فإن تركها فبئس ما صنع إلا أن يكون له عذر إلا الحاج بمنى. وقال الإمام الشافعي : هي سنة على جميع الناس وعلى الحاج بمنى وليست بواجبة. وقد احتج من أوجبها بأن النبي صلى الله عليه وسلم أمر أبا بردة بن نيار أن يعيد ضحية أخرى؛ لأن ما لم يكن فرضا لا يؤمر فيه بالإعادة. احتج آخرون بحديث أم سلمة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إذا دخل العشر وأراد أحدكم أن يضحى) قالوا : فلو كان ذلك واجبا لم يجعل ذلك إلى إرادة المضي. وهو قول أبي بكر وعمر وأبي مسعود البدري وبلال. الحادية عشرة: والذي يضحى به بإجماع المسلمين الأزواج الثمانية : وهي الضأن والمعز والإبل والبقر. قال ابن المنذر : وقد حكي عن الحسن بن صالح أنه قال : يضحى ببقرة الوحش عن سبعة، وبالظبي عن رجل. وقال الإمام الشافعي : لو نزا ثور وحشي على بقرة إنسية، أو ثور إنسي على بقرة وحشية لا يجوز شيء من هذا أضحية. وقال أصحاب الرأي : جائز؛ لأن ولدها بمنزلة أمه. وقال أبو ثور : يجوز إذا كان منسوبا إلى الأنعام. الثانية عشرة: وقد مضى في سورة {الحج} الكلام في وقت الذبح والأكل من الأضحية مستوفى. وفي صحيح مسلم عن أنس قال : (ضحى النبي صلى الله عليه وسلم بكبشين أملحين أقرنين ذبحهما بيده وسمى وكبر ووضع رجله على صفاحهما) في رواية قال : (ويقول بسم الله والله أكبر) وقد مضى في آخر {الأنعام} حديث عمران بن حصين، ومضى في {المائدة} القول في التذكية وبيانها وما يذكى به، وأن ذكاة الجنين ذكاة أمه مستوفى. وفي صحيح مسلم عن عائشة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم (أمر بكبش أقرن يطأ في سواد ويبرك في سواد وينظر في سواد فأتي به ليضحي به) فقال لها : (يا عائشة هلمي المدية) ثم قال : (اشحذيها بحجر ففعلت، ثم أخذها وأخذ الكبش فأضجعه ثم ذبحه، ثم قال : (بسم الله اللهم تقبل من محمد وآل محمد ومن أمة محمد) ثم ضحى به. وقد اختلف العلماء في هذا فكان الحسن البصري يقول في الأضحية : بسم الله والله أكبر هذا منك ولك تقبل من فلان. وقال مالك : إن فعل ذلك فحسن، وإن لم يفعل وسمى الله أجزأه. وقال الشافعي : والتسمية على الذبيحة بسم الله، فإن زاد بعد ذلك شيئا من ذكر الله، أو صلى على محمد عليه السلام لم أكرهه، أو قال اللهم تقبل مني، أو قال تقبل من فلان فلا بأس. وقال النعمان : يكره أن يذكر مع اسم الله غيره؛ يكره أن يقول : اللهم تقبل من فلان عند الذبح. وقال : لا بأس إذا كان قبل التسمية وقبل أن يضجع للذبح. وحديث عائشة يرد هذا القول. وقد تقدم أن إبراهيم عليه السلام قال لما أراد ذبح ابنه : الله أكبر والحمد لله. فبقي سنة. الثالثة عشرة: روى البَرَاء بن عازب أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل : ماذا يتقى من الضحايا؟ فأشار بيده وقال : (أربعا - وكان البراء يشير بيده ويقول يدي أقصر من يد رسول الله صلى الله عليه وسلم - العرجاء البين ظلعها والعوراء البين عورها والمريضة البين مرضها والعجفاء التي لا تنقي) لفظ مالك ولا خلاف فيه. واختلف في اليسير من ذلك. وفي الترمذي عن علي رضي الله عنه قال : أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم أن نستشرف العين والأذن وألا نضحي بمقابلة ولا مدابرة ولا شرقاء ولا خرقاء. قال : والمقابلة ما قطع طرف أذنها، والمدابرة ما قطع من جانب الأذن، والشرقاء المشقوقة، والخرقاء المثقوبة؛ قال هذا حديث حسن صحيح. وفي الموطأ عن نافع : أن عبدالله بن عمر كان يتقي من الضحايا والبدن التي لم تسنن والتي نقص من خلقها. قال مالك : وهذا أحب ما سمعت إلي. قال القتبي : لم تسنن أي لم تنبت أسنانها كأنها لم تعط أسنانا. وهذا كما يقال : فلان لم يلبن أي لم يعط لبنا، ولم يسمن أي لم يعط سمنا، ولم يعسل أي لم يعط عسلا. وهذا مثل النهي في الأضاحي عن الهتماء. قال أبو عمر : ولا بأس أن يضحى عند مالك بالشاة الهتماء إذا كان سقوط أسنانها من الكبر والهرم وكانت سمينة؛ فإن كانت ساقطة الأسنان وهي فتية لم يجز أن يضحى بها؛ لأنه عيب غير خفيف. والنقصان كله مكروه، وشرحه وتفصيله في كتب الفقه. وفي الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم : (استشرقوا ضحاياكم فإنها على الصراط مطاياكم) ذكره الزمخشري. الرابعة عشرة: ودلت الآية على أن من نذر نحر ابنه أو ذبحه أنه يفديه بكبش كما فدى به إبراهيم ابنه؛ قال ابن عباس. وعنه رواية أخرى : ينحر مائة من الإبل كما فدى بها عبدالمطلب ابنه؛ روى الروايتين عنه الشعبي. وروى عنه القاسم بن محمد : يجزيه كفارة يمين. وقال مسروق : لا شيء عليه. وقال الشافعي : هو معصية يستغفر الله منها. وقال أبو حنيفة : هي كلمة يلزمه بها في ولده ذبح شاة ولا يلزمه في غير ولده شيء. قال محمد : عليه في الحلف بنحر عبده مثل الذي عليه في الحلف بنحر ولده إذا حنث. وذكر ابن عبدالحكم عن مالك فيمن قال : أنا أنحر ولدي عند مقام إبراهيم في يمين ثم حنث فعليه هدي. قال : ومن نذر أن ينحر ابنه ولم يقل عند مقام إبراهيم ولا أراد فلا شيء عليه. قال : ومن جعل ابنه هديا أهدى عنه؛ قال القاضي ابن العربي : يلزمه شاة كما قال أبو حنيفة؛ لأن الله تعالى جعل ذبح الولد عبارة عن ذبح الشاة شرعا، فألزم الله إبراهيم ذبح الولد، وأخرجه عنه بذبح شاة. وكذلك إذا نذر العبد ذبح ولده يلزمه أن يذبح شاة؛ لأن الله تعالى قال: {ملة أبيكم إبراهيم} [الحج : 78] والإيمان التزام أصلي، والنذر التزام فرعي؛ فيجب أن يكون محمولا عليه. فإن قيل : كيف يؤمر إبراهيم بذبح الولد وهو معصية والأمر بالمعصية لا يجوز. قلنا : هذا اعتراض على كتاب الله، ولا يكون ذلك ممن يعتقد الإسلام، فكيف بمن يفتي في الحلال والحرام، وقد قال الله تعالى: {أفعل ما تؤمر} والذي يجلو الإلباس عن قلوب الناس في ذلك : أن المعاصي والطاعات ليست بأوصاف ذاتية للأعيان، وإنما الطاعات عبارة عما تعلق به الأمر من الأفعال، والمعصية عبارة عما تعلق به النهي من الأفعال، فلما تعلق الأمر بذبح الولد إسماعيل من إبراهيم صار طاعة وابتلاء، ولهذا قال الله تعالى: {إن هذا لهو البلاء المبين} في الصبر على ذبح الولد والنفس، ولما تعلق النهي بنا في ذبح أبنائنا صار معصية. فإن قيل : كيف يصير نذرا وهو معصية. قلنا : إنما يكون معصية لو كان يقصد ذبح الولد بنذره ولا ينوي الفداء؟ فإن قيل : فلو وقع ذلك وقصد المعصية ولم ينو الفداء؟ قلنا : لو قصد ذلك لم يضره في قصده ولا أثر في نذره؛ لأن نذر الولد صار عبارة عن ذبح الشاة شرعا. الخامسة عشرة: قوله تعالى: {وتركنا عليه في الآخرين} أي على إبراهيم ثناء جميلا في الأمم بعده؛ فما من أمة إلا تصلي عليه وتحبه. وقيل : هو دعاء إبراهيم عليه السلام {واجعل لي لسان صدق في الآخرين} [الشعراء. 84]. وقال عكرمة : هو السلام على إبراهيم أي سلاما منا. وقيل : سلامة له من الآفات مثل: {سلام على نوح في العالمين}[الصافات : 79] حسب ما تقدم. {كذلك نجزي المحسنين. إنه من عبادنا المؤمنين} أي من الذين أعطوا العبودية حقها حتى استحقوا الإضافة إلى الله تعالى. السادسة عشرة: قوله تعالى: {وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين} قال ابن عباس : بشر بنبوته وذهب إلى أن البشارة كانت مرتين؛ فعلى هذا الذبيح هو إسحاق بشر بنبوته جزاء على صبره ورضاه بأمر ربه واستسلامه له. {وباركنا عليه وعلى إسحاق} أي ثنينا عليهما النعمة وقيل كثرنا ولدهما؛ أي باركنا على إبراهيم وعلى أولاده، وعلى إسحاق حين أخرج أنبياء بني إسرائيل من صلبه. وقد قيل : إن الكناية في {عليه} تعود على إسماعيل وأنه هو الذبيح. قال المفضل : الصحيح الذي يدل عليه القرآن أنه إسماعيل، وذلك أنه قص قصة الذبيح، فلما قال في آخر القصة: {وفديناه بذبح عظيم} ثم قال: {سلام على إبراهيم. كذلك نجزي المحسنين} قال: {وبشرناه بإسحاق نبيا من الصالحين. وباركنا عليه} أي على إسماعيل {وعلى إسحاق} كنى عنه؛ لأنه قد تقدم ذكره. ثم قال: {ومن ذريتهما} فدل على أنها ذرية إسماعيل وإسحاق، وليس تختلف الرواة في أن إسماعيل كان أكبر من إسحاق بثلاث عشرة سنة. قلت : قد ذكرنا أولا ما يدل على أن إسحاق أكبر من إسماعيل، وأن المبشر به هو إسحاق بنص التنزيل؛ فإذا كانت البشارة بإسحاق نصا فالذبيح لا شك هو إسحاق، وبشر به إبراهيم مرتين؛ الأولى بولادته والثانية بنبوته؛ كما قال ابن عباس. ولا تكون النبوة إلا في حال الكبر و{نبيا} نصب على الحال والهاء في {عليه} عائدة إلى إبراهيم وليس لإسماعيل في الآية ذكر حتى ترجع الكناية إليه. وأما ما روي من طريق معاوية قال : سمعت رجلا يقول للنبي صلى الله عليه وسلم : يا ابن الذبيحين؛ فضحك النبي صلى الله عليه وسلم. ثم قال معاوية : إن عبدالمطلب لما حفر بئر زمزم، نذر لله إن سهل عليه أمرها ليذبحن أحد ولده لله، فسهل الله عليه أمرها، فوقع السهم على عبدالله، فمنعه أخواله بنو مخزوم؛ وقالوا : أفد ابنك؛ ففداه بمائة من الإبل وهو الذبيح، وإسماعيل هو الذبيح الثاني فلا حجة فيه؛ لأن سنده لا يثبت على ما ذكرناه في كتاب الأعلام في معرفة مولد المصطفى عليه الصلاة والسلام؛ ولأن العرب تجعل العم أبا؛ قال الله تعالى: {قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق} [البقرة : 133] وقال تعالى: {ورفع أبويه على العرش} [يوسف : 100] وهما أبوه وخالته. وكذلك ما روي عن الشاعر الفرزدق عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم لو صح إسناده فكيف وفي الفرزدق نفسه مقال. السابعة عشرة: قوله تعالى: {ومن ذريتهما محسن وظالم} لما ذكر البركة في الذرية والكثرة قال : منهم محسن ومنهم مسيء، وإن المسيء لا تنفعه بنوة النبوة؛ فاليهود والنصارى وإن كانوا من ولد إسحاق، والعرب وإن كانوا من ولد إسماعيل، فلا بد من الفرق بين المحسن والمسيء والمؤمن والكافر، وفي التنزيل: {وقالت اليهود والنصارى نحن أبناء الله وأحباؤه} [المائدة : 18] الآية؛ أي أبناء رسل الله فرأوا لأنفسهم فضلا. وقد تقدم.

التفسير الميسّر:

وأبقينا لإبراهيم ثناءً حسنًا في الأمم بعده.

تفسير السعدي

{ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ } أي: وأبقينا عليه ثناء صادقا في الآخرين، كما كان في الأولين، فكل وقت بعد إبراهيم عليه السلام، فإنه [فيه] محبوب معظم مثني عليه.


تفسير البغوي

( وتركنا عليه في الآخرين ) أي : تركنا له في الآخرين ثناء حسنا .


الإعراب:

(وَتَرَكْنا) الواو حرف عطف وماض وفاعله والجملة معطوفة على ما قبلها (عَلَيْهِ) متعلقان بمحذوف صفة للموصوف المحذوف (فِي الْآخِرِينَ) متعلقان بتركنا

---

Traslation and Transliteration:

Watarakna AAalayhi fee alakhireena

بيانات السورة

اسم السورة سورة الصافات (As-Saffat - Those who set the Ranks)
ترتيبها 37
عدد آياتها 182
عدد كلماتها 865
عدد حروفها 3790
معنى اسمها الصَّافَّاتُ: جَمْعُ (الصَّافَّةُ)، وَالمُرَادُ (بِالصَّافَّاتِ): المَلائِكَةُ تَصُفُّ لِرَبِّهَا فِي السَّمَاءِ كَصُفُوفِ المُصَليِّنَ فِي الصَّلاةِ
سبب تسميتها دِلَالَةُ هَذَا الاسْمِ عَلَى الْمَقْصِدِ الْعَامِّ لِلسُّورَةِ وَمَوضُوعَاتِهَا
أسماؤها الأخرى اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (الصَّافَّاتِ)، وَتُسَمَّى سُورَةَ (الذَّبْحِ)
مقاصدها امْتِنَانُ اللهِ تعَالَى علَى عِبَادِهِ بِنِعْمَةِ الْخَلْقِ وَالرُّسُلِ، وَرَدُّ شُبُهَاتِ المُكَذِّبِينَ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آياتِهَا
فضلها خَصَّهَا النَّبِيُّ ﷺ فِي الصَّلَوَاتِ، فَعَنْ عَبْدِ اللهِ بِن عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ: «كَانَ رَسُولُ اللهِ ﷺ يَأْمُرُنَا بِالتَّخْفِيفِ وَيَؤُمُّنَا بِالصَّافَّاتِ». (حَدِيثٌ صَحيحٌ، رَوَاهُ النَّسائِي)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (الصَّافَّاتِ) بِآخِرِهَا: تَنْزِيهُ الْخَالِقِ سُبْحَانَهُ مِنْ شُبْهَةِ الْمُشْرِكِينَ، فَقَالَ فِي أَوّلِ السُّورَةِ: ﴿ إِنَّ إِلَٰهَكُمۡ لَوَٰحِدٞ ٤﴾، وَرَدَّ عَلَيهِمْ فِي خِتَامِهَا فَقَالَ: ﴿سُبۡحَٰنَ رَبِّكَ رَبِّ ٱلۡعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ١٨٠﴾. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (الصَّافَّاتِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (يسٓ): خُتِمَتْ (يسٓ) بِسَعَةِ مُلْكِ اللهِ تَعَالَى، فَقَالَ: ﴿فَسُبۡحَٰنَ ٱلَّذِي بِيَدِهِۦ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيۡءٖ وَإِلَيۡهِ تُرۡجَعُونَ ٨٣﴾، وافتُتِحَتِ (الصَّافَّاتُ) بذَلِكَ فَقَالَ: ﴿رَّبُّ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ وَمَا بَيۡنَهُمَا وَرَبُّ ٱلۡمَشَٰرِقِ ٥﴾.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!