الفتوحات المكية

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة هود: [الآية 71]

سورة هود
وَٱمْرَأَتُهُۥ قَآئِمَةٌ فَضَحِكَتْ فَبَشَّرْنَٰهَا بِإِسْحَٰقَ وَمِن وَرَآءِ إِسْحَٰقَ يَعْقُوبَ ﴿71﴾

تفسير الجلالين:

«وامرأته» أي امرأة إبراهيم سارة «قائمة» تخدمهم «فضحكت» استبشارا بهلاكهم «فبشرناها بإسحاق ومن وراء» بعد «إسحاق يعقوب» ولده تعيش إلى أن تراه.

تفسير الشيخ محي الدين:

وَكُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ (120)

[ خصّ صلّى اللّه عليه وسلم بعلم إحياء الأموات معنى وحس ]

خصّ صلّى اللّه عليه وسلم بعلم إحياء الأموات معنى وحسا ، فحصل العلم بالحياة المعنوية وهي حياة العلوم والحياة الحسية ، وهو ما أتى في قصة إبراهيم عليه السلام تعليما وإعلاما لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، وهو قوله تعالى : «وَكُلًّا نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ» وذلك تسكين ورفق من اللّه لما يجده رسوله صلّى اللّه عليه وسلم من ردّ أمره ، فيجد لذلك عزاء في نفسه ، لما يرى من منازعة أمته إياه فيما جاء به عن اللّه ، وليري نبيه صلّى اللّه عليه وسلم ما قاست الأنبياء من أممهم فيعزي نفسه بذلك وتثبيتا لفؤاده صلّى اللّه عليه وسلم ، إن وقع منا في أمر اللّه ما وقع من هؤلاء «وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ» «وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى» لنا نحن «لِلْمُؤْمِنِينَ» لنشكر اللّه على ما أولانا من نعمه ، حيث آمنا واستسلمنا ولم نكلف نبينا أن يسأل ربه شيئا مثل ما كلّفت الأمم رسلها ، فنشكره سبحانه على هذه النعمة إذ لو شاء لألقى في قلوبنا ، ما ألقاه في قلوب الأمم قبلنا . واعلم أن جميع هذا القصص ، إنما هو قناطر وجسور موضوعة نعبر عليها إلى ذواتنا وأحوالنا المختصة بنا ، فإن فيها منفعتنا ، إذ كان اللّه نصبها معبرا ، فما أبلغ قوله تعالى «وَجاءَكَ فِي هذِهِ الْحَقُّ وَمَوْعِظَةٌ وَذِكْرى» لما فيك وما عندك بما نسيته ، فيكون هذا الذي قصصته عليك يذكرك بما فيك وما نبهتك عليه .

[سورة هود (11) : الآيات 121 إلى 123]

وَقُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنَّا عامِلُونَ (121) وَانْتَظِرُوا إِنَّا مُنْتَظِرُونَ (122) وَلِلَّهِ غَيْبُ السَّماواتِ وَالْأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (123)

لما تغرّب الأمر عند المحجوبين عن موطنه بما ادعوه فيه لأنفسهم قيل لهم :[ " وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ» ]

«وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ» لو نظرتم من نسبتم إليه هذا الفعل منكم ، إنما هو اللّه لا أنتم ، فأضاف الحق الأفعال إليه ليحصل للعبد الطمأنينة ، بأن الدعوى لا تصح فيها مع التمييز بين ما يستحقه الحق عزّ وجل وما لا يستحقه ، فإذا بلغ العبد هذا الحدّ ردّ الأمور كلها للّه ، ولما رجع الأمر كله للّه مما وقعت فيه الدعاوى الكاذبة ، لم يدل رجوعها إلى اللّه تعالى على أمر لم يكن عليه اللّه ، بل هويته هي هي في حال الدعاوى في المشاركة وفي حال رجوع الأمر إليه ، والمقام ليس إلا للتمييز والحقيقة ، ما عصى اللّه أحد ولا أطاعه بل الأمر كله للّه ، فأفعال العبد خلق للّه والعبد محلّ لذلك الخلق ، فالأصل في العالم قبول الأمر الإلهي في التكوين ، والعصيان أمر عارض له نسبي ، فإليه يرجع الأمر كله ، يعني الذي عليه العالم بأسره ، ما صح منه وما اعتل ، فلا تنظر إلى المناصب وانظر إلى الناصب الذي يعمل بحكم الموطن لا بما يقتضيه النظر العقلي ، فمن موطن الدنيا أن يعامل فيها الجليل بالإجلال في وقت ، وفي وقت يعامل الجليل بالصغار ، وفي وقت يعامل الصغير بالصغار ، وفي وقت يعامل الصغير بالجلال بخلاف موطن الآخرة ،

فإن العظيم بها يعامل بالعظمة ، والحقير بها يعامل بالحقارة ، ولو نظر الناظر لرأى في الدنيا من يقول في اللّه ما لا يليق به تعالى ومن يقول فيه ما يليق به من التنزيه والثناء ، فالناظر إذا كان عاقلا علم بعقله أن موطن الدنيا كذا يعطي ويترك عنه الجواز العقلي الذي يمكن في كل فرد فرد من أفراد العالم ،

فإن هذا الجواز في عين الشهود ليس بعلم ولا صحيح ، وليكن العاقل مع الواقع في الحال ، فإن ذلك صورة الأمر على ما

هو عليه في نفسه ، فإنّ اللّه تعالى ذكرنا بنفسه لنعلم أن المرجع إليه ، فلا نقوم في شيء نحتاج فيه إلى الاعتذار عنه أو نستحي منه عند المرجع إليه ، فهو تعالى على صراط مستقيم ، ومنه بدأ الأمر كله ولذلك جاء بالرجوع ، لأنه لا يمكن أن يكون الرجوع إلا من خروج متقدم ، والموجودات كلها والمحدثات ما خرجت إلى الوجود إلا عن اللّه ، فلهذا ترجع أحكامها إليه ولم تزل عنده ، وإنما سميت راجعة لما طرأ للخلق من رؤية الأسباب التي هي حجب على أعين الناظرين ، فلا يزالون ينظرون ويخترقون الأسباب من سبب إلى سبب حتى يبلغوا إلى السبب الأول ، وهو الحق فهذا معنى الرجوع ، ومن جهة أخرى لما كانت الأسماء والصفات كلها للّه تعالى حتى ما يزعم العبد أنها له ،

قال تعالى :" وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ " فأخذ منه جميع ما كان يزعم أنه له إلا العبادة ، فإنه لا يأخذها إذ كانت ليست بصفة له ،

فقال له تعالى :" وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ» وهو أصله الذي خلق له (وَما خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ) فالعبادة اسم حقيقي للعبد ، فهي ذاته وموطنه وحاله وعينه ونفسه وحقيقته ووجهه ، وأتى باسمه المضمر في «فَاعْبُدْهُ» لأنه إن عبدته من حيث عرفته فنفسك عبدت ، وإن عبدته من حيث لم تعرفه فنسبته إلى المرتبة الإلهية فالمرتبة عبدت ، وإن عبدته عينا من غير مظهر ولا ظاهر ولا ظهور ، بل هو هو لا أنت ، وأنت أنت لا هو ،

فهو قوله : «فَاعْبُدْهُ» فقد عبدته ، وتلك المعرفة التي ما فوقها معرفة ، فإنها معرفة لا يشهد معروفها ، «فَاعْبُدْهُ» أي تذلّل له في كل صراط يقيمك فيه ، لا تتذلل لغيره ، فإن غيره عدم ، ومن قصد العدم لم تظفر يداه بشيء ، ولا تقل أنت المدرك ، فإن الأبصار لا تدركه ، إذ لو أدرك الغيب ، ما كان غيبا ، لذلك جاء بضمير الغائب في قوله «فَاعْبُدْهُ» فاعبد ذاتا منزهة مجهولة لا تعرف منها سوى نسبتك إليها بالافتقار ، ولهذا تمم فقال : «وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ» أي اعتمد عليه «وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» من دعواكم أن الأمر إليكم ، وهو للّه ، وقطع بهذا ظهر المدّعين بالاستقامة على العبودية والتوكل ، إذا لم يكن صفتهم ولا حالهم ، فقوله تعالى «وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ» يشير به للإنسان للبراءة من نفسه ، ورد الأمر كله إلى اللّه ، فالحق سبحانه غاية الطرق ، قصدت الطرق أو لم تقصد ، فما هو غاية قصد السالك ، فإن السالك مقيد القصد (ما مِنْ دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها) وفيه إشارة إلى أنه ما في الوجود بحكم الحقيقة إلا طاهر ، فإن الاسم القدوس يصحب الموجودات ، وبه يثبت

قوله:" وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ» من تفريقكم بين اللّه وبين عباده ، ولا ينبغي أن يحال بين العبد وسيده ، ولا يدخل بين العبد والسيد إلا بخير ولهذا شرع الشفاعة وقبل العذر ، وأما النجاسة فهي أمر عرضي ، عيّنه حكم شرعي ، والطهارة أمر ذاتي ، ولما كان الوجود منه قال تعالى : «وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ» بين البدء والختم وهو الرجوع «وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ» فيهما ، فهل طلب منك ما ليس لك فيه تعمل ؟

" وَما رَبُّكَ بِغافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ " فلا بد من حقيقة هنا تعطي إضافة العمل إليك مع كونه خلقا للّه تعالى ، حيث أنتم مظاهر أسمائه الحسنى ، وبها تسعدون وتشقون ،

(وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمالَكُمْ) فأضاف العمل لك ، وجعل نفسه رقيبا عليه وشهيدا ، لا يغفل ولا ينسى ، ذلك لتقتدي أنت به فيما كلفك من الأعمال ، فلا تغفل ولا تنسى لأنك أولى بهذه الصفة لافتقارك إليه وغناه عنك ، فسلّم الأمر إليه واستسلم ، تكن موافقا لما هو الأمر عليه في نفسه ، فتستريح من تعب الدعوى بين الافتتاح والختم ، وإذا علمت هذا فارجع إليه مختارا ولا ترجع مضطرا ، فإنه لا بد من رجوعك إليه ، ولا بد أن تلقاه كارها كنت أو محبا ، فإنه يلقاك بصفتك لا يزيد عليها ، فانظر لنفسك يا ولي ،

قال صلّى اللّه عليه وسلم : [ من أحب لقاء اللّه ، أحب اللّه لقاءه ، ومن كره لقاء اللّه ، كره اللّه لقاءه ]

ولما كان لقاء اللّه لا يكون إلا بالموت ، فمن علم الموت استعجله في الحياة الدنيا ، فيموت في عين حياته عن جميع تصرفاته وحركاته وإراداته فيلقى اللّه بحكم من يلقاه محبا للقائه ، فإذا جاء الموت المعلوم في العامة وانكشف غطاء هذا الجسم ، لم يتغير عليه حال ولا زاد يقينا ، فما يذوق إلا الموتة الأولى ، وهي التي ماتها في حياته ،

قال عليّ رضي اللّه عنه : لو كشف الغطاء ما ازددت يقينا ، فمن رجع إلى اللّه هذا الرجوع سعد وما أحس بالرجوع المحتوم الاضطراري ، فإنه ما جاءه إلا وهو هناك عند اللّه ، فغاية ما يكون الموت المعلوم في حقه أن نفسه التي هي عند اللّه يحال بينها وبين تدبير هذا الجسم الذي كانت تدبره ،

فتبقى مع الحق على حالها ؛ وينقلب هذا الجسد إلى أصله ، وهو التراب الذي منه نشأت ذاته ،

فكأن دارا رحل عنها ساكنها ، فأنزله الملك في مقعد صدق عنده إلى يوم يبعثون ، ويكون حاله في بعثه كذلك لا يتغير عليه حال مع كونه مع الحق لا من حيث ما يعطيه الحق مع الأنفاس ، وهكذا في الحشر العام وفي الجنان التي هي مقره ومسكنه ، وفي النشأة

التي ينزل فيها ، وهذا الرجوع ما هو رجوع التوبة فإنّه لذلك الرجوع حدّ خاص ، وهذا رجوع عام في كل الأحوال التي يكون عليها الإنسان .

- تحقيق -المسافر ترك الحق في أهله خليفة ، شفقة عليهم وحذرا وخيفة ، وما خاف عليهم إلا منه ، لأنه ما يصدر شيء إلا عنه ، إذا كان السيد راعي الغنم ، فما جار وما ظلم ، وما ينال منها إلا ما يقوته ، وقوته ما يفوته ، قوته آثار أسمائه في عباده ، وبها عمارة بلاده ، فحراثة وزراعة ، وتجارة وبضاعة ، لذلك وصف باليدين ، وأظهر في الكون النجدين ، فالواحدة بائعة والأخرى مبتاعة ، إلى قيام الساعة ، ولكل يد طريق ، هذا هو التحقيق ، فإن حكم المشتري ما هو حكم البائع ، وهذا ما لا شك فيه من غير مانع ولا منازع ، آئبون تائبون وهو التواب وإليه المآب .

- تحقيق -قال تعالى : «وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ» سمّي رجوعا لكونه منه خرج ، وإليه يعود وفيما بين الخروج والعود ، وضعت الموازين ، ومد الصراط ووقعت الدعاوى ، وظهرت الآفات ، وكانت الرسل وجاءت الأدواء ، فمنهم المستعمل لها ، والآخذ بها والتارك لها .

(12) سورة يوسف مكيّة

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

------------

(120) الفتوحات ج 3 / 145 ، 268 ، 457 - إيجاز البيان آية 56 - كتاب الإسفار عن نتائج الأسفار

تفسير ابن كثير:

( فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ) أي : بولد لها يكون له ولد وعقب ونسل; فإن يعقوب ولد إسحاق ، كما قال في آية البقرة : ( أم كنتم شهداء إذ حضر يعقوب الموت إذ قال لبنيه ما تعبدون من بعدي قالوا نعبد إلهك وإله آبائك إبراهيم وإسماعيل وإسحاق إلها واحدا ونحن له مسلمون ) [ البقرة : 133 ] .

ومن هاهنا استدل من استدل بهذه الآية ، على أن الذبيح إنما هو إسماعيل ، وأنه يمتنع أن يكون هو إسحاق; لأنه وقعت البشارة به ، وأنه سيولد له يعقوب ، فكيف يؤمر إبراهيم بذبحه وهو طفل صغير ، ولم يولد له بعد يعقوب الموعود بوجوده . ووعد الله حق لا خلف فيه ، فيمتنع أن يؤمر بذبح هذا والحالة هذه ، فتعين أن يكون هو إسماعيل وهذا من أحسن الاستدلال وأصحه وأبينه ، ولله الحمد .


تفسير الطبري :

قوله تعالى ‏{‏ولقد جاءت رسلنا إبراهيم بالبشرى‏}‏ هذه قصة لوط عليه السلام؛ وهو ابن عم إبراهيم عليه السلام لحا، وكانت قوى لوط بنوا حي الشام، وإبراهيم ببلاد فلسطين، فلما أنزل الله الملائكة بعذاب قوم لوط مروا بإبراهيم ونزلوا عنده، وكان كل من نزل عنده يحسن قراه، وكانوا مروا ببشارة إبراهيم، فظنهم أضيافا‏.‏ ‏(‏وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل عليهم السلام‏)‏؛ قاله ابن عباس‏.‏ الضحاك‏:‏ كانوا تسعة‏.‏ السدي‏:‏ أحد عشر ملكا على صورة الغلمان الحسان الوجوه، ذو وضاءة وجمال بارع‏.‏ ‏{‏بالبشري‏}‏ قيل‏:‏ بالولد‏.‏ وقيل‏:‏ بإهلاك قوم لوط‏.‏ وقيل‏:‏ بشروه بأنهم رسل الله عز وجل، وأنه لا خوف عليه‏.‏ ‏{‏قالوا سلاما‏}‏ نصب بوقوع الفعل عليه؛ كما تقول‏:‏ قالوا خيرا‏.‏ وهذا اختيار الطبري‏.‏ وأما قوله‏ {‏سيقولون ثلاثة‏} [‏الكهف‏:‏ 22‏]‏ فالثلاثة اسم غير قول مقول‏.‏ ولو رفعا جميعا أو نصبا جميعا {‏قالوا سلاما قال سلام‏}‏ جاز في العربية‏.‏ قيل‏:‏ انتصب على المصدر‏.‏ وقيل‏{‏قالوا سلاما‏}‏ أي فاتحوه بصواب من القول‏.‏ كما قال‏ {‏وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما‏}[‏الفرقان‏:‏ 63‏]‏ أي صوابا؛ فسلاما معنى قولهم لا لفظه؛ قال، معناه ابن العربي واختاره‏.‏ قال‏:‏ ألا ترى أن الله تعالى لما أراد ذكر اللفظ قاله بعينه فقال، مخبرا عن الملائكة‏ {‏سلام عليكم بما صبرتم‏} [‏الرعد‏:‏ 24‏]‏ {‏سلام عليكم طبتم‏} [‏الزمر‏:‏ 73‏]‏ وقيل‏:‏ دعوا له؛ والمعنى سلمت سلاما‏.‏ {‏قال سلام‏}‏ في رفعه وجهان‏:‏ أحدهما‏:‏ على إضمار مبتدأ أي هو سلام، وأمري سلام‏.‏ والآخر بمعنى سلام عليكم إذا جعل بمعنى التحية؛ فأضمر الخبر‏.‏ وجاز سلام على التنكير لكثرة استعماله، فحذف الألف واللام كما حذفت من لا هم في قولك اللهم‏.‏ وقرئ "‏سلم‏"‏ قال الفراء‏:‏ السلم والسلام بمعنى؛ مثل الحل والحلال‏.‏ قوله تعالى‏ {‏فما لبث أن جاء‏ حنيذ} فيه أربع عشرة مسألة: الأولى: قوله تعالى‏ {‏فما لبث أن جاء‏}‏ {‏أن‏}‏ بمعنى حتى، قاله كبراء النحويين؛ حكاه ابن العربي‏.‏ التقدير‏:‏ فما لبث حتى جاء‏.‏ وقيل ‏{‏أن‏}‏ في موضع نصب بسقوط حرف الجر؛ التقدير‏:‏ فما لبث عن أن جاء؛ أي ما أبطأ عن مجيئه بعجل؛ فلما حذف حرف الجر بقي ‏{أن‏}‏ في محل النصب‏.‏ وفي {‏لبث‏}‏ ضمير اسم إبراهيم‏.‏ و‏{‏ما‏}‏ نافية؛ قال سيبويه‏.‏ وقال الفراء‏:‏ فما لبث مجيئه؛ أي ما أبطأ مجيئه؛ فأن في موضع رفع، ولا ضمير في ‏{‏لبث‏}‏، و‏{‏ما‏}‏ نافية؛ ويصح أن تكون {‏ما‏}‏ بمعنى الذي، وفي ‏{‏لبث‏}‏ ضمير إبراهيم و‏{‏أن جاء‏}‏ خبر ‏{‏ما‏}‏ أي فالذي لبث إبراهيم هو مجيئه بعجل حنيذ‏.‏ و‏{‏حنيذ‏}‏ مشوي‏.‏ وقيل‏:‏ هو المشوي بحر الحجارة من غير أن تمسه النار‏.‏ يقال‏:‏ حنذت الشاة أحنذها حنذا أي شويتها، وجعلت فوقها حجارة محماة لتنضجها فهي حنيذ‏.‏ وحنذت الفرس أحنذه حنذا، وهو أن تحضره شوطا أو شوطين ثم تظاهر عليه الجلال في الشمس ليعرق، فهو محنوذ وحنيذ؛ فإن لم يعرق قيل‏:‏ كبا‏.‏ وحنذ موضع قريب من المدينة‏.‏ وقيل‏:‏ الحنيذ السميط‏.‏ ابن عباس وغيره‏:‏ ‏(‏حنيذ نضيج‏.‏ وحنيذ بمعنى محنوذ‏)‏؛ وإنما جاء بعجل لأن البقر كانت أكثر أموال‏.‏ الثانية: في هذه الآية من أدب الضيف أن يعجل قراه، فيقدم الموجود الميسر في الحال، ثم يتبعه بغيره إن كان له جدة، ولا يتكلف ما يضر به‏.‏ والضيافة من مكارم الأخلاق، ومن آداب الإسلام، ومن خلق النبيين والصالحين‏.‏ وإبراهيم أول من أضاف على ما تقدم في ‏"‏البقرة‏"‏ وليست بواجبة عند عامة أهل العلم؛ لقوله صلى الله عليه وسلم ‏(‏الضيافة ثلاثة أيام وجائزته يوم وليلة فما كان وراء ذلك فهو صدقة‏)‏‏.‏ والجائزة العطية والصلة التي أصلها على الندب‏.‏ وقال صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم جاره ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليكرم ضيفه‏)‏‏.‏ وإكرام الجار ليس بواجب إجماعا، فالضيافة مثله‏.‏ والله أعلم‏.‏ وذهب الليث إلى وجوبها تمسكا بقوله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏ليلة الضيف حق‏)‏ إلى غير ذلك من الأحاديث‏.‏ وفيما أشرنا إليه كفاية، والله الموفق للهداية‏.‏ قال ابن العربي‏:‏ وقد قال قوم‏:‏ إن وجوب الضيافة كان في صدر الإسلام ثم نسخ، وهذا ضعيف؛ فإن الوجوب لم يثبت، والناسخ لم يرد؛ وذكر حديث أبي سعيد الخدري خرجه الأئمة، وفيه‏:‏ ‏(‏فاستضفناهم فأبوا أن يضيفونا فلدغ سيد ذلك الحي‏)‏ الحديث‏.‏ وقال‏:‏ هذا ظاهر في أن الضيافة لو كانت حقا للام النبي صلى الله عليه وسلم القوم الذين أبوا، ولبين لهم ذلك‏.‏ الثالثة: اختلف العلماء فيمن يخاطب بها؛ فذهب الشافعي ومحمد بن عبدالحكم إلى أن المخاطب بها أهل الحضر والبادية‏.‏ وقال مالك‏:‏ ليس على أهل الحضر ضيافة‏.‏ قال سحنون‏:‏ إنما الضيافة على أهل القرى، وأما الحضر فالفندق ينزل فيه المسافر حكى اللغتين صاحب العين وغيره‏.‏ واحتجوا بحديث ابن عمر قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏(‏الضيافة على أهل الوبر وليست على أهل المدر‏)‏‏.‏ وهذا حديث لا يصح، وإبراهيم ابن أخي عبدالرزاق متروك الحديث منسوب إلى الكذب، وهذا مما انفرد به، ونسب إلى وضعه؛ قال أبو عمر بن عبدالبر‏.‏ قال ابن العربي‏:‏ الضيافة حقيقة فرض على الكفاية، ومن الناس من قال‏:‏ إنها واجبة في القرى حيث لا طعام ولا مأوى، بخلاف الحواضر فإنها مشحونة بالمأواة والأقوات؛ ولا شك أن الضيف كريم، والضيافة كرامة؛ فإن كان غريبا فهي فريضة‏.‏ الرابعة: قال ابن العربي قال بعض علمائنا‏:‏ كانت ضيافة إبراهيم قليلة فشكرها الحبيب من الحبيب، وهذا حكم بالظن في موضع القطع، وبالقياس في موضع النقل؛ من أين علم أنه قليل‏؟‏ ‏!‏ بل قد نقل المفسرون أن الملائكة كانوا ثلاثة؛ جبريل وميكائيل وإسرافيل صلى الله عليهم وسلم؛ وعجل لثلاثة عظيم؛ فما هذا التفسير لكتاب الله بالرأي‏!‏ هذا بأمانة الله هو التفسير المذموم فاجتنبوه فقد علمتموه‏.‏ الخامسة: السنة إذا قدم للضيف الطعام أن يبادر المقدِّم إليه بالأكل؛ فإن كرامة الضيف تعجيل التقديم؛ وكرامة صاحب المنزل المبادرة بالقبول؛ فلما قبضوا أيديهم نكرهم إبراهيم؛ لأنهم خرجوا عن العادة وخالفوا السنة، وخاف أن يكون وراءهم مكروه يقصدونه‏.‏ وروي أنهم كانوا ينكتون بقداح كانت في أيديهم في اللحم ولا تصل أيديهم إلى اللحم، فلما رأى ذلك منهم {‏نكرهم وأوجس منهم خيفة‏}‏ أي أضمر‏.‏ وقيل‏:‏ أحس؛ والوجوس الدخول؛ قال الشاعر‏:‏ جاء البريد بقرطاس يخب به ** فأوجس القلب من قرطاسه جزعا ‏{‏خيفة‏}‏ خوفا؛ أي فزعا‏.‏ وكانوا إذا رأوا الضيف لا يأكل ظنوا به شرا؛ فقالت الملائكة ‏{‏لا تخف إنا أرسلنا إلى لوط‏}‏. السادسة: من أدب الطعام أن لصاحب الضيف أن ينظر في ضيفه هل يأكل أم لا‏؟‏ وذلك ينبغي أن يكون بتلفت ومسارقة لا بتحديد النظر‏.‏ روي أن أعرابيا أكل مع سليمان بن عبدالملك، فرأى سليمان في لقمة الأعرابي شعرة فقال له‏:‏ أزل الشعرة عن لقمتك‏؟‏ فقال له‏:‏ أتنظر إلي نظر من يرى الشعرة في لقمتي‏؟‏ ‏!‏ والله لا أكلت معك‏.‏ قلت‏:‏ وقد ذكر أن هذه الحكاية إنما كانت مع هشام بن عبدالملك لا مع سليمان، وأن الأعرابي خرج من عنده وهو يقول‏:‏ وللموت خير من زيارة باخل ** يلاحظ أطراف الأكيل على عمد السابعة: قوله تعالى‏ {‏فلما رأى أيديهم لا تصل إليه نكرهم‏}‏ يقول‏:‏ أنكرهم؛ تقول‏:‏ نكرتك وأنكرتك واستنكرتك إذا وجدته على غير ما عهدته؛ قال الشاعر‏:‏ وأنكرتِني وما كان الذي نكرت ** من الحوادث إلا الشيب والصلعا فجمع بين اللغتين‏.‏ ويقال‏:‏ نكرت لما تراه بعينك‏.‏ وأنكرت لما تراه بقلبك‏.‏ الثامنة: قوله تعالى‏ {‏وامرأته قائمة‏}‏ ابتداء وخبر، أي قائمة بحيث ترى الملائكة‏.‏ قيل‏:‏ كانت من وراء الستر‏.‏ وقيل‏:‏ كانت تخدم الملائكة وهو جالس‏.‏ وقال محمد بن إسحاق‏:‏ قائمة تصلي‏.‏ وفي قراءة عبدالله بن مسعود ‏"‏وامرأته قائمة وهو قاعد‏"‏‏.‏ التاسعة: قوله تعالى: {‏فضحكت‏}‏ قال مجاهد وعكرمة‏:‏ حاضت، وكانت آيسة؛ تحقيقا للبشارة؛ وأنشد على ذلك اللغويون‏:‏ وإني لآتي العرس عند طهورها ** وأهجرها يوما إذا تك ضاحكا وقال آخر‏:‏ وضحك الأرانب فوق الصفا ** كمثل دم الجوف يوم اللقا والعرب تقول‏:‏ ضحكت الأرنب إذا حاضت؛ وروي عن ابن عباس رضي الله عنهما وعكرمة؛ أخذ من قولهم‏:‏ ‏(‏ضحكت الكافورة - وهي قشرة الطلعة - إذا انشقت‏)‏‏.‏ وقد أنكر بعض اللغويين أن يكون في كلام العرب ضحكت بمعنى حاضت‏.‏ وقال الجمهور‏:‏ هو الضحك المعروف، واختلفوا فيه؛ فقيل‏:‏ هو ضحك التعجب؛ قال أبو ذؤيب‏:‏ فجاء بمزج لم ير الناس مثله ** هو الضحك إلا أنه عمل النحل وقال مقاتل‏:‏ ضحكت من خوف إبراهيم ورعدته من ثلاثة نفر، وإبراهيم في حشمه وخدمه؛ وكان إبراهيم يقوم وحده بمائة رجل‏.‏ قال‏:‏ وليس الضحك الحيض في اللغة بمستقيم‏.‏ وأنكر أبو عبيد والفراء ذلك؛ قال الفراء‏:‏ لم أسمعه من ثقة؛ وإنما هو كناية‏.‏ وروي أن الملائكة مسحت العجل، فقام من موضعه فلحق بأمه، فضحكت سارة عند ذلك فبشروها بإسحاق‏.‏ ويقال‏:‏ كان إبراهيم عليه السلام إذا أراد أن يكرم أضيافه أقام سارة تخدمهم، فذلك قوله‏ {‏وامرأته قائمة‏}‏ أي قائمة في خدمتهم‏.‏ ويقال‏ {‏قائمة‏}‏ لروع إبراهيم {‏فضحكت‏}‏ لقولهم‏ {‏لا تخف‏}‏ سرورا بالأمن‏.‏ وقال الفراء‏:‏ فيه تقديم وتأخير؛ المعنى‏:‏ فبشرناها بإسحاق فضحكت، أي ضحكت سرورا بالولد، وقد هرمت، والله أعلم أي ذلك كان‏.‏ قال النحاس فيه أقوال‏:‏ أحسنها - أنهم لما لم يأكلوا أنكرهم وخافهم؛ فلما قالوا لا تخف، وأخبروه أنهم رسل الله، فرح بذلك، فضحكت امرأته سرورا بفرحه‏.‏ وقيل‏:‏ إنها كانت قالت له‏:‏ أحسب أن هؤلاء القوم سينزل بهم عذاب فضم لوطا إليك، فلما جاءت الرسل بما قالته سرت به فضحكت؛ قال النحاس‏:‏ وهذا إن صح إسناده فهو حسن‏.‏ والضحك انكشاف الأسنان‏.‏ ويجوز أن يكون الضحك إشراق الوجه؛ تقول‏:‏ رأيت فلانا ضاحكا؛ أي مشرقا‏.‏ وأتيت على روضة تضحك؛ أي مشرقة‏.‏ وفي الحديث ‏(‏إن الله سبحانه يبعث السحاب فيضحك أحسن الضحك‏)‏‏.‏ جعل انجلاءه عن البرق ضحكا؛ وهذا كلام مستعار‏.‏ وروي عن رجل من قراء مكة يقال له محمد بن زياد الأعرابي‏.‏ ‏"‏فضحكت‏"‏ بفتح الحاء؛ قال المهدوي؛ وفتح ‏‏الحاء‏‏ من "‏فضحكت‏"‏ غير معروف‏.‏ وضَحِك يضْحَك ضَحْكا وضِحْكا وضِحِكا وضَحِكا أربع لغات‏.‏ والضَّحْكة المرة الواحدة، ومنه قول كثير‏:‏ غلقت لضحكته رقاب المال ** قاله الجوهري‏. العاشرة: روى مسلم عن سهل بن سعد قال‏:‏ دعا أبو أسيد الساعدي رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرسه، فكانت امرأته يومئذ خادمهم وهي العروس‏.‏ قال سهل‏:‏ أتدرون ما سقت رسول الله صلى الله عليه وسلم‏؟‏ أنقعت له تمرات من الليل في تور، فلما أكل سقته إياه‏.‏ وأخرجه البخاري وترجم له (1)‏‏.‏ قال علماؤنا‏:‏ فيه جواز خدمة العروس زوجها وأصحابه في عرسها‏.‏ وفيه أنه لا بأس أن يعرض الرجل أهله على صالح إخوانه، ويستخدمهن لهم‏.‏ ويحتمل أن يكون هذا قبل نزول الحجاب‏.‏ والله أعلم‏.‏ الحادية عشرة: ذكر الطبري أن إبراهيم عليه السلام لما قدم العجل قالوا‏:‏ لا نأكل طعاما إلا بثمن؛ فقال لهم: "‏ثمنه أن تذكروا الله في أوله وتحمدوه في آخره"‏ فقال جبريل لأصحابه‏:‏ بحق اتخذ الله هذا خليلا‏.‏ قال علماؤنا‏:‏ ولم يأكلوا لأن الملائكة لا تأكل‏.‏ وقد كان من الجائز كما يسر الله للملائكة أن يتشكلوا في صفة الآدمي جسدا وهيئة أن ييسر لهم أكل الطعام؛ إلا أنه في قول العلماء أرسلهم في صفة الآدمي وتكلف إبراهيم عليه السلام الضيافة حتى إذا رأى التوقف وخاف جاءته البشرى فجأة‏.‏ الثانية عشرة: ودل هذا على أن التسمية في أول الطعام، والحمد في آخره مشروع في الأمم قبلنا؛ وقد جاء في الإسرائيليات أن إبراهيم عليه السلام كان لا يأكل وحده؛ فإذا حضر طعامه أرسل يطلب من يأكل معه؛ فلقي يوما رجلا، فلما جلس معه على الطعام، قال له إبراهيم‏:‏ سم الله، قال الرجل لا أدري ما الله‏؟‏ فقال له‏:‏ فاخرج عن طعامي، فلما خرج نزل إليه جبريل فقال له‏:‏ يقول الله إنه يرزقه على كفره مدى عمره وأنت بخلت عليه بلقمة؛ فخرج إبراهيم فزعا يجر رداءه، وقال‏:‏ ارجع، فقال‏:‏ لا أرجع حتى تخبرني لم تردني لغير معنى‏؟‏ فأخبره بالأمر؛ فقال‏:‏ هذا رب كريم، آمنت؛ ودخل وسمى الله وأكل مؤمنا‏.‏ الثالثة عشرة: قوله تعالى‏ {‏فبشرناها بإسحاق‏}‏ لما ولد لإبراهيم إسماعيل من هاجر تمنت سارة أن يكون لها ابن، وأيست لكبر سنها، فبشرت بولد يكون نبيا ويلد نبيا، فكان هذا بشارة لها بأن ترى ولد ولدها‏. الرابعة عشرة: ‏{‏ومن وراء إسحاق يعقوب‏}‏ قرأ حمزة وعبدالله بن عامر ‏"‏يعقوب‏"‏ بالنصب‏.‏ ورفع الباقون؛ فالرفع على معنى‏:‏ ويحدث لها من وراء إسحاق يعقوب‏.‏ ويجوز أن يرتفع بالفعل الذي يعمل في ‏"‏من‏"‏ كأن المعنى‏:‏ وثبت لها من وراء إسحاق يعقوب‏.‏ ويجوز أن يرتفع بالابتداء، ويكون في موضع الحال؛ أي بشروها بإسحاق مقابلا له يعقوب‏.‏ والنصب على معنى‏:‏ ووهبنا لها من وراء إسحاق يعقوب‏.‏ وأجاز الكسائي والأخفش وأبو حاتم أن يكون ‏"‏يعقوب‏"‏ في موضع جر على معنى‏:‏ وبشرناها من وراء إسحاق بيعقوب‏.‏ قال الفراء‏:‏ ولا يجوز الخفض إلا بإعادة الحرف الخافض؛ قال سيبويه ولو قلت‏:‏ مررت بزيد أول من أمس وأمس عمرو كان قبيحا خبيثا؛ لأنك فرقت بين المجرور وما يشركه وهو الواو، كما فرقت بين الجار والمجرور؛ لأن الجار لا يفصل بينه وبين المجرور، ولا بينه وبين الواو‏.

التفسير الميسّر:

وامرأة إبراهيم -سارة- كانت قائمة من وراء الستر تسمع الكلام، فضحكت تعجبًا مما سمعت، فبشرناها على ألسنة الملائكة بأنها ستلد مِن زوجها إبراهيم ولدًا يسمى إسحاق، وسيعيش ولدها، وسيكون لها بعد إسحاق حفيد منه، وهو يعقوب.

تفسير السعدي

وامرأة إبراهيم { قَائِمَةٌ } تخدم أضيافه { فَضَحِكَتْ } حين سمعت بحالهم، وما أرسلوا به، تعجبا.

{ فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ } فتعجبت من ذلك.


تفسير البغوي

وامرأته ) سارة بنت هاران بن أحور وهي ابنة عم إبراهيم . ( قائمة ) من وراء الستر تسمع كلامهم . وقيل : كانت قائمة تخدم الرسل ، وإبراهيم جالس معهم . ( فضحكت ) قال مجاهد وعكرمة : ضحكت أي : حاضت في الوقت ، تقول العرب : ضحكت الأرنب ، أي : حاضت . والأكثرون على أن المراد منه الضحك المعروف .

واختلفوا في سبب ضحكها ، قيل : ضحكت لزوال الخوف عنها وعن إبراهيم حين قالوا : لا تخف . وقال السدي : لما قرب إبراهيم الطعام إليهم فلم يأكلوا خاف إبراهيم وظنهم لصوصا فقال لهم : ألا تأكلون؟ قالوا : إنا لا نأكل طعاما إلا بثمن ، فقال إبراهيم : فإن له ثمنا ، قالوا : وما ثمنه؟ قال : تذكرون اسم الله على أوله وتحمدونه على آخره ، فنظر جبريل إلى ميكائيل وقال : حق لهذا أن يتخذه ربه خليلا . فلما رأى إبراهيم وسارة أيديهم لا تصل إليه ضحكت سارة ، وقالت : يا عجبا لأضيافنا إنا نخدمهم بأنفسنا تكرمة لهم وهم لا يأكلون طعامنا . وقال قتادة : ضحكت من غفلة قوم لوط وقرب العذاب منهم .

وقال مقاتل والكلبي : ضحكت من خوف إبراهيم من ثلاثة في بيته وهو فيما بين خدمه وحشمه .

وقال : ضحكت سرورا بالبشارة .

وقال ابن عباس ووهب : ضحكت تعجبا من أن يكون لها ولد على كبر سنها وسن زوجها .

وعلى هذا القول تكون الآية على التقديم والتأخير ، تقديره : وامرأته قائمة فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ، فضحكت ، وقالت : يا ويلتا أألد وأنا عجوز؟

قوله تعالى : ( فبشرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق ) أي : من بعد إسحاق ، ( يعقوب ) أراد به والد الولد فبشرت أنها تعيش حتى ترى ولد ولدها قرأ ابن عامر وحمزة وحفص : " يعقوب " بنصب الباء ، أي : من وراء إسحاق يعقوب . وقيل : بإضمار فعل ، أي : ووهبنا له من وراء يعقوب . وقرأ الباقون بالرفع على حذف حرف الصفة . وقيل : ومن بعد إسحاق يحدث يعقوب ، فلما بشرت بالولد ضحكت فصكت وجهها ، أي : ضربت وجهها تعجبا .


الإعراب:

(وَ امْرَأَتُهُ) الواو استئنافية ومبتدأ والهاء مضاف إليه (قائِمَةٌ) خبر والجملة مستأنفة (فَضَحِكَتْ) الفاء عاطفة وماض والتاء للتأنيث والفاعل مستتر والجملة معطوفة (فَبَشَّرْناها) الفاء عاطفة وماض وفاعله ومفعوله والجملة معطوفة (بِإِسْحاقَ) الباء حرف جر واسحق مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف ومتعلقان ببشرناها (وَ مِنْ وَراءِ) متعلقان بخبر مقدم محذوف (إِسْحاقَ) مضاف إليه مجرور بالفتحة لأنه ممنوع من الصرف (يَعْقُوبَ) مبتدأ مؤخر، وفي قراءة النصب مفعول به لفعل محذوف والجملة معطوفة

---

Traslation and Transliteration:

Waimraatuhu qaimatun fadahikat fabashsharnaha biishaqa wamin warai ishaqa yaAAqooba

بيانات السورة

اسم السورة سورة هود (Hud - Hud)
ترتيبها 11
عدد آياتها 123
عدد كلماتها 1947
عدد حروفها 7633
معنى اسمها (هُودٌ عليه السلام): هُوَ نَبِيُّ اللهِ هُودُ بنُ شَالِح، يَرْجِعُ نَسَبُهُ إِلَى سَامِ بنِ نُوحٍ عليه السلام، أَرسَلَهُ اللهُ تَعَالَى إِلَى قَومِ عَادٍ فِي مَوْضِعِ الأَحْقَافِ مِنْ بِلَادِ اليَمَنِ
سبب تسميتها تَفصِيلُ قِصَّةِ هُودٍ عليه السلام فِي هَذِهِ السُّورَةِ دُونَ غَيرِهَا مِنْ سُوَرِ القُرآنِ الكريم
أسماؤها الأخرى لا يُعرَفُ للسُّورَةِ اسمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (هود عليه السلام)
مقاصدها بَيَانُ مُهِمَّةِ الرُّسُلِ فِي تَقْرِيرِ عَقِيدَةِ التَّوحِيدِ وَالبَعْثِ، وَمَوقِفِ أَقْوَامِهِمْ مِنْهُمْ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، ولَكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آيَاتِها سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها فِيهَا مَوْعِظَةٌ شَدِيْدَةٌ عَنِ العَذَابِ وَأَهْوَالِ يَوِمِ القِيَامَةِ، فَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: يَا رَسُولَ اللهِ قَدْ شِبْتَ، قَالَ: «شَيَّبَتْنِي (هُودٌ) و(الْوَاقِعَةُ) و(الْمُرْسَلَاتُ) و(عَمَّ يَتَسَاءَلُونَ) و(إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ)». (حَدِيْثٌ صَحِيْحٌ، رَواهُ التِّرمِذِيّ). هِيَ مِنْ ذَوَاتِ ﴿الٓر﴾، فَفِي الحَدِيثِ الطَّوِيْلِ أَنَّ رَجُلًا أَتَى رَسُولَ اللهِ ﷺ فَقَالَ: أَقرِئْنِي يَا رَسُولَ اللهِ، فَقَالَ: «اقرَأْ ثَلاثًا مِنْ ذَوَاتِ ﴿الٓر﴾». (حَدِيثٌ صَحِيحٌ، رَواهُ أَبُو دَاوُود)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (هُودٍ عليه السلام) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنِ اسْمِ اللهِ الخَبِيرِ وَمُقْتَضَاهُ، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ١﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿وَمَا رَبُّكَ بِغَٰفِلٍ عَمَّا تَعۡمَلُونَ ١٢٣﴾. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (هُودٍ عليه السلام) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (يُونُسَ عليه السلام): اخْتُتِمَتْ سُورَةُ (يُونُسَ عليه السلام) بِاسْمِ اللهِ الحَكِيمِ فَقَالَ: ﴿ۚ وَهُوَ خَيۡرُ ٱلۡحَٰكِمِينَ ١٠٩﴾، وافْتُتِحَتْ سُورَةُ (هود عليه السلام) بِاسْمِ اللهِ الحَكِيمِ فَقَالَ: ﴿مِن لَّدُنۡ حَكِيمٍ خَبِيرٍ ١﴾.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!