«ألم ترَ» تعلم «أن الله أنزل من السماء ماءً فأخرجنا» فيه التفات عن الغيبة «به ثمرات مختلفا ألوانها» كأخضر وأحمر وأصفر وغيرها «ومن الجبال جدد» جمع جدة، طريق في الجبل وغيره «بيض وحمر» وصفر «مختلف ألوانها» بالشدة والضعف «وغرابيب سود» عطف على جدد، أي صخور شديدة السواد، يقال كثيرا: أسود غربيب، وقليلا: غربيب أسود.
قُلْ رَأَيْتُمْ شُرَكاءَكُمُ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ أَرُونِي ما ذا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ أَمْ لَهُمْ شِرْكٌ فِي السَّماواتِ أَمْ آتَيْناهُمْ كِتاباً فَهُمْ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْهُ بَلْ إِنْ يَعِدُ الظَّالِمُونَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً إِلاَّ غُرُوراً ( (40إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولا وَلَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كانَ حَلِيماً غَفُوراً (41) وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلاَّ نُفُوراً (42)
«فَلَمَّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ» يعني دعاء الحق على لسان الرسول صلّى اللّه عليه وسلم «ما زادَهُمْ إِلَّا نُفُوراً» .
------------
(42) الفتوحات ج 3 /
226
يقول تعالى منبها على كمال قدرته في خلقه الأشياء المتنوعة المختلفة من الشيء الواحد ، وهو الماء الذي ينزله من السماء ، يخرج به ثمرات مختلفا ألوانها ، من أصفر وأحمر وأخضر وأبيض ، إلى غير ذلك من ألوان الثمار ، كما هو المشاهد من تنوع ألوانها وطعومها وروائحها ، كما قال تعالى في الآية الأخرى : ( وفي الأرض قطع متجاورات وجنات من أعناب وزرع ونخيل صنوان وغير صنوان يسقى بماء واحد ونفضل بعضها على بعض في الأكل إن في ذلك لآيات لقوم يعقلون ) [ الرعد : 4 ] .
وقوله تبارك وتعالى : ( ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها ) أي : وخلق الجبال كذلك مختلفة الألوان ، كما هو المشاهد أيضا من بيض وحمر ، وفي بعضها طرائق - وهي : الجدد ، جمع جدة - مختلفة الألوان أيضا .
قال ابن عباس ، رضي الله عنهما : الجدد : الطرائق . وكذا قال أبو مالك ، والحسن ، وقتادة ، والسدي .
ومنها ( وغرابيب سود ) ، قال عكرمة : الغرابيب : الجبال الطوال السود . وكذا قال أبو مالك ، وعطاء الخراساني وقتادة .
وقال ابن جرير : والعرب إذا وصفوا الأسود بكثرة السواد ، قالوا : أسود غربيب .
ولهذا قال بعض المفسرين في هذه الآية : هذا من المقدم والمؤخر في قوله تعالى : ( وغرابيب سود ) أي : سود غرابيب . وفيما قاله نظر .
قوله تعالى: {ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها} هذه الرؤية رؤية القلب والعلم؛ أي ألم ينته علمك ورأيت بقلبك أن الله أنزل؛ فـ "أن" واسمها وخبرها سدت مسد مفعولي الرؤية. {فأخرجنا به ثمرات} هو من باب تلوين الخطاب. {مختلفا ألوانها} نصبت "مختلفا" نعتا لـ "ثمرات. "ألوانها" رفع بمختلف، وصلح أن يكون نعتا لـ"ثمرات" لما دعا عليه من ذكره. ويجوز في غير القرآن رفعه؛ ومثله رأيت رجلا خارجا أبوه. "به" أي بالماء وهو واحد، والثمرات مختلفة. {ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها} الجدد جمع جدة، وهي الطرائق المختلفة الألوان، وإن كان الجميع حجرا أو ترابا. قال الأخفش : ولو كان جمع جديد لقال : جدد (بقسم الجيم والدال) نحو سرير وسرر. وقال زهير : كأنه أسفع الخدين ذو جدد ** طاو ويرتفع بعد الصيف عريانا وقيل : إن الجدد القطع، مأخوذ من جددت الشيء إذا قطعته؛ حكاه ابن بحر قال الجوهري : والجدة الخطة التي في ظهر الحمار تخالف لونه. والجدة الطريقة، والجمع جدد؛ قال تعالى: {ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها} أي طرائق تخالف لون الجبل. ومنه قولهم : ركب فلان جدة من الأمر؛ إذا رأى فيه رأيا. وكساء مجدد : فيه خطوط مختلفة. الزمخشري : وقرأ الزهري: "جدد" بالضم جمع جديدة، هي الجدة؛ يقال : جديدة وجدد وجدائد كسفينة وسفن وسفائن. وقد فسر بها قول أبي ذؤيب : جون السراة له جدائد أربع وروي عنه "جدد" بفتحتين، وهو الطريق الواضح المسفر، وضعه موضع الطرائق والخطوط الواضحة المنفصل بعضها من بعض. "ومن الناس والدواب" وقرئ: "والدواب" مخففا. ونظير هذا التخفيف قراءة من قرأ: "ولا الضألين" لأن كل واحد منهما فر من التقاء الساكنين، فحرك ذلك أولهما، وحذف هذا آخرهما؛ قاله الزمخشري. {والأنعام مختلف ألوانه} أي فيهم الأحمر والأبيض والأسود وغير ذلك، وكل ذلك دليل على صانع مختار. وقال: {مختلف ألوانه} فذكر الضمير مراعاة لـ "من"؛ قاله المؤرج. وقال أبو بكر بن عياش : إنما ذكر الكناية لأجل أنها مردودة إلى "ما" مضمرة؛ مجازه : ومن الناس ومن الدواب ومن الأنعام ما هو مختلف ألوانه، أي أبيض وأحمر وأسود. {وغرابيب سود} قال أبو عبيدة : الغربيب الشديد السواد؛ ففي الكلام تقديم وتأخير، والمعنى : ومن الجبال سود غرابيب. والعرب تقول للشديد السواد الذي لونه كلون الغراب : أسود غربيب. قال الجوهري : وتقول هذا أسود غربيب؛ أي شديد السواد. وإذا قلت : غرابيب سود، تجعل السود بدلا من غرابيب لأن توكيد الألوان لا يتقدم. وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم : (إن الله يبغض الشيخ الغربيب) يعني الذي يخضب بالسواد. قال امرؤ القيس : العين طامحة واليد سابحة ** والرجل لافحة والوجه غربيب وقال آخر يصف كرما : ومن تعاجيب خلق الله غاطية ** يعصر منها ملاحي وغربيب قوله تعالى: {كذلك} هنا تمام الكلام؛ أي كذلك تختلف أحوال العباد في الخشية، {إنما يخشى الله من عباده العلماء} يعني بالعلماء الذين يخافون قدرته؛ فمن علم أنه عز وجل قدير أيقن بمعاقبته على المعصية، كما روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {إنما يخشى الله من عباده العلماء} قال : الذين علموا أن الله على كل شيء قدير. وقال الربيع بن أنس من لم يخش الله تعالى فليس بعالم. وقال مجاهد : إنما العالم من خشي الله عز وجل. وعن ابن مسعود : كفى بخشية الله تعالى علما وبالاغترار جهلا. وقيل لسعد بن إبراهيم : من أفقه أهل المدينة؟ قال أتقاهم لربه عز وجل. وعن مجاهد قال : إنما الفقيه من يخاف الله عز وجل. وعن علي رضي الله عنه قال : إن الفقيه حق الفقيه من لم يقنط الناس من رحمة الله، ولم يرخص لهم في معاصي الله تعالى، ولم يؤمنهم من عذاب الله، ولم يدع القرآن رغبة عنه إلى غيره؛ إنه لا خير في عبادة لا علم فيها، ولا علم لا فقه فيه، ولا قراءة لا تدبر فيها. وأسند الدارمي أبو محمد عن مكحول قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (إن فضل العالم على العابد كفضلي على أدناكم - ثم تلا هذه الآية - إنما يخشى الله من عباده العلماء. إن الله وملائكته وأهل سمواته وأهل أرضيه والنون في البحر يصلون على الذين يعلمون الناس الخير) الخبر مرسل. قال الدارمي : وحدثني أبو النعمان حدثنا حماد بن زيد عن يزيد بن حازم قال حدثني عمي جرير بن زيد أنه سمع تبيعا يحدث عن كعب قال : إني لأجد نعت قوم يتعلمون لغير العمل، ويتفقهون لغير العبادة، ويطلبون الدنيا بعمل الآخرة، ويلبسون جلود الضأن، قلوبهم أمر من الصبر؛ فبي يغترون، وإياي يخادعون، فبي حلفت لأتيحن لهم فتنة تذر الحليم فيهم حيران. خرجه الترمذي مرفوعا من حديث أبي الدرداء وقد كتبناه في مقدمة الكتاب. الزمخشري : فإن قلت : فما وجه قراءة من قرأ {إنما يخشى اللهُ} بالرفع {من عباده العلماءَ} بالنصب، وهو عمر بن عبد العزيز. وتحكى عن أبي حنيفة. قلت : الخشية في هذه القراءة استعارة، والمعنى : إنما يجلهم ويعظمهم كما يجل المهيب المخشي من الرجال بين الناس من بين جميع عباده. {إن الله عزيز غفور} تعليل لوجوب الخشية، لدلاله على عقوبة العصاة وقهرهم، وإثابة أهل الطاعة والعفو عنهم. والمعاقب والمثيب حقه أن يخشى.
ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء، فسقينا به أشجارًا في الأرض، فأخرجنا من تلك الأشجار ثمرات مختلفًا ألوانها، منها الأحمر ومنها الأسود والأصفر وغير ذلك؟ وخَلَقْنا من الجبال طرائق بيضًا وحمرًا مختلفًا ألوانها، وخلقنا من الجبال جبالا شديدة السواد.
يذكر تعالى خلقه للأشياء المتضادات، التي أصلها واحد، ومادتها واحدة، وفيها من التفاوت والفرق ما هو مشاهد معروف، ليدل العباد على كمال قدرته وبديع حكمته.
فمن ذلك: أن اللّه تعالى أنزل من السماء ماء، فأخرج به من الثمرات المختلفات، والنباتات المتنوعات، ما هو مشاهد للناظرين، والماء واحد، والأرض واحدة.
ومن ذلك: الجبال التي جعلها اللّه أوتادا للأرض، تجدها جبالا مشتبكة، بل جبلا واحدا، وفيها ألوان متعددة، فيها جدد بيض، أي: طرائق بيض، وفيها طرائق صفر وحمر، وفيها غرابيب سود، أي: شديدة السواد جدا.
( ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا ألوانها ومن الجبال جدد ) طرق وخطط ، واحدتها جدة ، مثل : مدة ومدد ( بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود ) يعني : سود غرابيب على التقديم والتأخير ، يقال : أسود غربيب ، أي : شديد السواد تشبيها بلون الغراب ، أي : طرائق سود .
(أَلَمْ) الهمزة للاستفهام ولم جازمة (تَرَ) مضارع مجزوم بحذف حرف العلة وفاعله مستتر والجملة مستأنفة (أَنَّ اللَّهَ) أن ولفظ الجلالة واسمها وأن واسمها وخبرها سدت مسد مفعولي تر (أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً) ماض وماء مفعوله وفاعله مستتر والجار والمجرور متعلقان بالفعل أنزل والجملة خبر أن (فَأَخْرَجْنا) الفاء عاطفة وماض وفاعله والجملة معطوفة (بِهِ) متعلقان بالفعل قبلهما (ثَمَراتٍ) مفعول به منصوب بالكسرة لأنه جمع مؤنث سالم (مُخْتَلِفاً) صفة لثمرات منصوب مثلها (أَلْوانُها) فاعل لمختلف (وَمِنَ الْجِبالِ) متعلقان بمحذوف خبر مقدم (جُدَدٌ) مبتدأ مؤخر والجملة معطوفة (بِيضٌ) صفة لجدد والجدد جمع جدة وهو الطريق في الجبل (وَحُمْرٌ) معطوف على بيض (مُخْتَلِفٌ) صفة ثانية لجدد (أَلْوانُها) فاعل لمختلف (وَغَرابِيبُ سُودٌ) معطوف على ما قبله وسود بدل من غرابيب وهي الصخور الشديدة السواد.
Traslation and Transliteration:
Alam tara anna Allaha anzala mina alssamai maan faakhrajna bihi thamaratin mukhtalifan alwanuha wamina aljibali judadun beedun wahumrun mukhtalifun alwanuha wagharabeebu soodun
Hast thou not seen that Allah causeth water to fall from the sky, and We produce therewith fruit of divers hues; and among the hills are streaks white and red, of divers hues, and (others) raven-black;
Görmez misin ki şüphe yok, Allah, gökten yağmur yağdırır da o sayede renkleri çeşitçeşit meyveler bitirir ve dağlarda da beyaz, kırmızı, çeşitli renklerde ve kapkara yollar meydana getirir.
N'as-tu pas vu que, du ciel, Allah fait descendre l'eau? Puis Nous en faisons sortir des fruits de couleurs différentes. Et dans les montagnes, il y a des sillons blancs et rouges, de couleurs différentes, et des roches excessivement noires.
Hast du etwa nicht gesehen, daß ALLAH vom Himmel Wasser fallen ließ, dann brachten WIR damit Früchte hervor, deren Farben vielfältig sind, auch in den Felsenbergen weiße und rote Streifen, deren Farben vielfältig sind, sowie rabenschwarz?!
 |
بيانات السورة |
اسم السورة |
سورة فاطر (Fatir - Originator) |
ترتيبها |
35 |
عدد آياتها |
45 |
عدد كلماتها |
780 |
عدد حروفها |
3159 |
معنى اسمها |
الفَطْرُ: الشَّقُّ، وَفَطَرَ اللهُ الخَلْق؛ أَيْ: خَلَقَهُم، وَابْتَدَأَ صَنْعَةَ الأَشْيَاءِ، وَالمُرَادُ (بِفَاطِرٍ): اللهُ خَالِقُ السّمَاوَاتِ والأَرْضِ |
سبب تسميتها |
ذَكَرَتِ السُّورَةُ نِعَمًا كَثِيرَةً، كَانَ مِن أَعْظَمِهَا خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ؛ لِذَلِكَ سُمِّيَت بِـ(فَاطِرٍ) |
أسماؤها الأخرى |
اشتُهِرَتْ بِسُورَةِ (فَاطِرٍ)، وتُسَمَّى سُورَةَ (المَلائِكَة) |
مقاصدها |
التَّذْكِيرُ بِنِعَمِ اللهِ تَعَالَى، وَانْقِسَامِ النَّاسِ بَينَ مُؤْمِنٍ بِالخَالِقِ المُنْعِمِ أَو كَافِرٍ بِهِ |
أسباب نزولها |
سُورَةٌ مَكِّيَّةٌ، لَمْ تَصِحَّ رِوَايَةٌ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا أَو فِي نُزُولِ بَعْضِ آياتِهَا |
فضلها |
لَم يَصِحَّ حَدِيثٌ أَو أَثَرٌ خَاصٌّ فِي فَضلِ السُّورَةِ، سِوَى أَنـَّهَا مِنَ المَثَانِي |
مناسبتها |
مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (فَاطِرٍ) بِآخِرِهَا: التّأَكِيدُ عَلَى سَعَةِ عِلْمِ اللهِ تَعَالَى، فَقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿ٱلۡحَمۡدُ لِلَّهِ فَاطِرِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِ ...١﴾، وَقَالَ فِي خَاتِمَتِهَا: ﴿... وَمَا كَانَ ٱللَّهُ لِيُعۡجِزَهُۥ مِن شَيۡءٖ فِي ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَلَا فِي ٱلۡأَرۡضِۚ ...٤٤﴾.
مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (فَاطِرٍ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (سَبَأ): اختُتِمَتْ (سَبَأٌ) بِسُوءِ خُلُقِ الكَافِرِيْنَ، فَقَالَ: ﴿إِنَّهُمۡ كَانُواْ فِي شَكّٖ مُّرِيبِۭ ٥٤﴾، وَافْتُتِحَتْ (فَاطِرٌ) بِذِكْرِ سُوءِ خُلُقِهِم، فَقَالَ: ﴿وَإِن يُكَذِّبُوكَ فَقَدۡ كُذِّبَتۡ رُسُلٞ مِّن قَبۡلِكَۚ وَإِلَى ٱللَّهِ تُرۡجَعُ ٱلۡأُمُورُ٤﴾. |