الفتوحات المكية

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة النور: [الآية 11]

سورة النور
إِنَّ ٱلَّذِينَ جَآءُو بِٱلْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ ۚ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم ۖ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ ۚ لِكُلِّ ٱمْرِئٍ مِّنْهُم مَّا ٱكْتَسَبَ مِنَ ٱلْإِثْمِ ۚ وَٱلَّذِى تَوَلَّىٰ كِبْرَهُۥ مِنْهُمْ لَهُۥ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴿11﴾

تفسير الجلالين:

(إن الذين جاءوا بالإفك) أسوأ الكذب على عائشة رضي الله عنها، أم المؤمنين بقذفها (عصبة منكم) جماعة من المؤمنين قالت: حسان بن ثابت، وعبد الله بن أبي، ومسطح، وحمنة بنت جحش (لا تحسبوه) أيها المؤمنون غير العصبة (شرا لكم بل هو خير لكم) يأجركم الله به، ويظهر براءة عائشة ومن جاء معها منه وهو صفوان، فإنها قالت: " كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في غزوة بعدما أنزل الحجاب، ففرغ منها ورجع ودنا من المدينة، وآذن بالرحيل ليلة فمشيت وقضيت شأني وأقبلت إلى الرحل فإذا عقدي انقطع ـ هو بكسر المهملة: القلادة ـ فرجعت ألتمسه، وحملوا هودجي ـ هو ما يركب فيه ـ على بعيري يحسبونني فيه، وكانت النساء خفافا إنما يأكلن العلقة ـ هو بضم المهملة وسكون اللام من الطعام: أي القليل ـ ووجدت عقدي وجئت بعدما ساروا فجلست في المنزل الذي كنت فيه، وظننت أن القوم سيفقدونني فيرجعون إلي فغلبتني عيناي فنمت وكان صفوان قد عرس من وراء الجيش فأدلج ـ هما بتشديد الراء والدال أي نزل من آخر الليل للاستراحة ـ فسار منه فأصبح في منزله فرأى سواد إنسان نائم ـ أي شخصه ـ فعرفني حين رآني، وكان يراني قبل الحجاب، فاستيقظت باست

تفسير الشيخ محي الدين:

وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)


أمر اللّه العبد إذا دخل بيتا خاليا من كل أحد أن يسلم على نفسه في قوله تعالى : «فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ» فيكون العبد هنا مترجما عن الحق في سلامه ، لأنه قال : «تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً» فجعل الحق العبد رسولا من عنده إلى نفس العبد بهذه التحية المباركة لما فيها من زوائد الخير «طَيِّبَةً» لأنها طيبة الأعراف بسريانها من نفس الرحمن ، فأمرنا اللّه تعالى بالسلام علينا ، وهذا يدلك على أن الإنسان ينبغي أن يكون في صلاته أجنبيا عن نفسه بربه حتى يصح له أن يسلم عليه بكلام ربه في قوله : (السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين) فإنه قال : «تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً» فهو سلام اللّه على عبده وأنت ترجمانه إليك

[- إشارة -المئوف لا حرج عليه ]

-إشارة -المئوف لا حرج عليه ، والعالم كله مئوف لا حرج عليه لمن فتح اللّه عين بصيرته ، ولهذا قلنا : مآل العالم إلى الرحمة وإن سكنوا النار وكانوا من أهلها «لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ» وما ثمّ إلا هؤلاء ، فما ثمّ إلا مئوف ، فقد رفع اللّه الحرج بالعرج العاثر فيه ، فإنه ما ثمّ سواه ولا أنت ، والمريض المائل إليه ، لأنه ما ثمّ موجود يمال إليه إلا هو ، والأعمى عن غيره لا عنه ، لأنه لا يتمكن العمى عنه وما ثمّ إلا هو ، فالعالم كله أعمى أعرج مريض .

------------

(61) الفتوحات ج 1 / 429 - ج 2 / 126 -ح 4 / 435

تفسير ابن كثير:

هذه العشر الآيات كلها نزلت في شأن عائشة أم المؤمنين ، رضي الله عنها ، حين رماها أهل الإفك والبهتان من المنافقين بما قالوه من الكذب البحت والفرية التي غار الله تعالى لها ولنبيه ، صلوات الله وسلامه عليه ، فأنزل [ الله عز وجل ] براءتها صيانة لعرض الرسول ، عليه أفضل الصلاة والسلام فقال : ( إن الذين جاءوا بالإفك عصبة ) أي : جماعة منكم ، يعني : ما هو واحد ولا اثنان بل جماعة ، فكان المقدم في هذه اللعنة عبد الله بن أبي بن سلول رأس المنافقين ، فإنه كان يجمعه ويستوشيه ، حتى دخل ذلك في أذهان بعض المسلمين ، فتكلموا به ، وجوزه آخرون منهم ، وبقي الأمر كذلك قريبا من شهر ، حتى نزل القرآن ، وسياق ذلك في الأحاديث الصحيحة .

وقال الإمام أحمد : حدثنا عبد الرزاق ، حدثنا معمر ، عن الزهري قال : أخبرني سعيد بن المسيب ، وعروة بن الزبير ، وعلقمة بن وقاص ، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود ، عن حديث عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ، حين قال لها أهل الإفك ما قالوا ، فبرأها الله ، وكلهم قد حدثني بطائفة من حديثها ، وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأثبت اقتصاصا ، وقد وعيت عن كل واحد منهم الحديث الذي حدثني ، وبعض حديثهم يصدق بعضا : ذكروا أن عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد أن يخرج سفرا أقرع بين نسائه ، فأيتهن خرج سهمها خرج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم معه ، قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها ، فخرج فيها سهمي ، وخرجت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وذلك بعدما أنزل الحجاب ، فأنا أحمل في هودجي وأنزل فيه مسيرنا ، حتى إذا فرغ رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوه وقفل ودنونا من المدينة ، آذن ليلة بالرحيل ، فقمت حين آذنوا بالرحيل ، فمشيت حتى جاوزت الجيش ، فلما قضيت شأني أقبلت إلى الرحل فلمست صدري ، فإذا عقد من جزع ظفار قد انقطع ، فرجعت فالتمست عقدي ، فحبسني ابتغاؤه . وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي فحملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب - وهم يحسبون أني فيه - قالت : وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلهن ولم يغشهن اللحم ، إنما يأكلن العلقة من الطعام . فلم يستنكر القوم ثقل الهودج حين رحلوه ورفعوه ، وكنت جارية حديثة السن ، فبعثوا الجمل وساروا ، ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش ، فجئت منازلهم وليس بها داع ولا مجيب ، فتيممت منزلي الذي كنت فيه ، وظننت أن القوم سيفقدوني فيرجعون إلي . فبينا أنا جالسة في منزلي ، غلبتني عيني فنمت - وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني قد عرس من وراء الجيش - فادلج فأصبح عند منزلي ، فرأى سواد إنسان نائم ، فأتاني فعرفني حين رآني . وقد كان يراني قبل أن يضرب علي الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني ، فخمرت وجهي بجلبابي ، والله ما كلمني كلمة ، ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه ، حتى أناخ راحلته ، فوطئ على يدها فركبتها ، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش بعدما نزلوا موغرين في نحر الظهيرة . فهلك من هلك في شأني ، وكان الذي تولى كبره عبد الله بن أبي بن سلول . فقدمت المدينة فاشتكيت حين قدمنا شهرا ، والناس يفيضون في قول أهل الإفك ، ولا أشعر بشيء من ذلك ، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله صلى الله عليه وسلم اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي ، إنما يدخل رسول الله صلى الله عليه وسلم فيسلم ، ثم يقول : " كيف تيكم؟ " فذلك يريبني ولا أشعر بالشر ، حتى خرجت بعدما نقهت وخرجت معي أم مسطح قبل المناصع - وهو متبرزنا - ولا نخرج إلا ليلا إلى ليل ، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا ، وأمرنا أمر العرب الأول في التنزه ، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها في بيوتنا . فانطلقت أنا وأم مسطح - وهي ابنة أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف ، وأمها ابنة صخر بن عامر ، خالة أبي بكرالصديق ، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب - فأقبلت أنا وابنة أبي رهم قبل بيتي حين فرغنا من شأننا ، فعثرت أم مسطح في مرطها فقالت : " تعس مسطح " . فقلت لها : بئسما قلت ، تسبين رجلا [ قد ] شهد بدرا؟ قالت : أي هنتاه ، ألم تسمعي ما قال؟ قلت : وماذا قال؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك ، فازددت مرضا إلى مرضي . فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ، ثم قال : " كيف تيكم؟ " قلت : أتأذن لي أن آتي أبوي؟ - قالت : وأنا حينئذ أريد أن أتيقن الخبر من قبلهما - فأذن لي رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فجئت أبوي فقلت لأمي : يا أمتاه ، ما يتحدث الناس؟ فقالت : أي بنية هوني عليك ، فوالله لقلما كانت امرأة قط وضيئة ، عند رجل يحبها ، ولها ضرائر إلا أكثرن عليها . قالت : فقلت : سبحان الله أوقد تحدث الناس بهذا؟ قالت : فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت ، لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم ، ثم أصبحت أبكي . فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم عليا وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي ، يستشيرهما في فراق أهله ، قالت : فأما أسامة بن زيد فأشار على رسول الله صلى الله عليه وسلم بالذي يعلم من براءة أهله ، وبالذي يعلم في نفسه له من الود ، فقال : يا رسول الله ، هم أهلك ، ولا نعلم إلا خيرا . وأما علي بن أبي طالب فقال : لم يضيق الله عليك ، والنساء سواها كثير ، وإن تسأل الجارية تصدقك الخبر . قالت : فدعا رسول الله صلى الله عليه وسلم بريرة ، فقال : " أي بريرة ، هل رأيت من شيء يريبك من عائشة؟ " فقالت له بريرة : والذي بعثك بالحق إن رأيت عليها أمرا قط أغمصه عليها ، أكثر من أنها جارية حديثة السن ، تنام عن عجين أهلها ، فتأتي الداجن فتأكله ، فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستعذر من عبد الله بن أبي بن سلول . قالت : فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو على المنبر : " يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني أذاه في أهل بيتي ، فوالله ما علمت على أهلي إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا ، وما كان يدخل على أهلي إلا معي " . فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : أنا أعذرك منه يا رسول الله ، إن كان من الأوس ضربنا عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج ، أمرتنا ففعلنا أمرك . قالت : فقام سعد بن عبادة - وهو سيد الخزرج ، وكان رجلا صالحا ، ولكن احتملته الحمية - فقال لسعد بن معاذ : لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله . فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد بن معاذ - فقال لسعد بن عبادة : كذبت! لعمر الله لنقتلنه ، فإنك منافق تجادل عن المنافقين . فتثاور الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم [ قائم على المنبر . فلم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم ] يخفضهم حتى سكتوا وسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قالت : وبكيت يومي ذلك ، لا يرقأ لي دمع ، ولا أكتحل بنوم ، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدي . قالت : فبينما هما جالسان عندي وأنا أبكي ، استأذنت علي امرأة من الأنصار ، فأذنت لها ، فجلست تبكي معي ، فبينا نحن على ذلك إذ دخل علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فسلم ثم جلس - قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل [ لي ] ما قيل ، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني شيء - قالت : فتشهد رسول الله صلى الله عليه وسلم حين جلس ، ثم قال : أما بعد يا عائشة ، فإنه قد بلغني عنك كذا وكذا ، فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله ثم توبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف بذنب ثم تاب ، تاب الله عليه . قالت : فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم مقالته قلص دمعي حتى ما أحس منه قطرة ، فقلت لأبي : أجب عني رسول الله صلى الله عليه وسلم . فقال : والله ما أدري ما أقول للرسول . فقلت لأمي : أجيبي عني رسول الله . فقالت : والله ما أدري ما أقول لرسول الله . قالت : فقلت - وأنا جارية حديثة السن ، لا أحفظ كثيرا من القرآن - : [ إني ] والله لقد عرفت أنكم قد سمعتم بهذا ، حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به ، ولئن قلت لكم إني بريئة - والله يعلم أني بريئة - لا تصدقوني [ بذلك . ولئن اعترفت لكم بأمر والله عز وجل يعلم أني بريئة تصدقوني ] ، وإني والله ما أجد لي ولكم مثلا إلا كما قال أبو يوسف : ( فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ) [ يوسف : 18 ] . قالت : ثم تحولت فاضطجعت على فراشي ، قالت : وأنا والله حينئذ أعلم أني بريئة ، وأن الله مبرئي ببراءتي ، ولكن والله ما كنت أظن أن ينزل في شأني وحي يتلى ، ولشأني كان أحقر في نفسي من أن يتكلم الله في بأمر يتلى . ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم رؤيا يبرئني الله بها . قالت : فوالله ما رام رسول الله صلى الله عليه وسلم من مجلسه ، ولا خرج من أهل البيت أحد ، حتى أنزل الله على نبيه ، فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء عند الوحي ، حتى إنه لينحدر منه مثل الجمان من العرق في اليوم الشات ، من ثقل القول الذي أنزل عليه . قالت : فلما سري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يضحك ، كان أول كلمة تكلم بها أن قال : " أبشري يا عائشة ، أما الله فقد برأك . فقالت لي أمي : قومي إليه . فقلت : والله لا أقوم إليه ولا أحمد إلا الله عز وجل ، هو الذي أنزل براءتي وأنزل الله عز وجل : ( إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ) عشر آيات . فأنزل الله هذه الآيات في براءتي قالت : فقال أبو بكر ، رضي الله عنه - وكان ينفق على مسطح لقرابته منه وفقره - : والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة . فأنزل الله عز وجل : ( ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة ) إلى قوله ( ألا تحبون أن يغفر الله لكم ) [ النور : 22 ] فقال أبو بكر : والله إني لأحب أن يغفر الله لي ، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه . وقال : لا أنزعها منه أبدا .

قالت عائشة : وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم سأل زينب بنت جحش - زوج النبي صلى الله عليه وسلم - ، عن أمري : يا زينب ، ما علمت ، أو ما رأيت [ أو ما بلغك ] ؟ فقالت يا رسول الله ، أحمي سمعي وبصري ، والله ما علمت إلا خيرا . قالت عائشة : وهي التي كانت تساميني من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ، فعصمها الله تعالى بالورع . وطفقت أختهاحمنة بنت جحش تحارب لها ، فهلكت فيمن هلك .

قال ابن شهاب : فهذا ما انتهى إلينا من أمر هؤلاء الرهط .

أخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما ، من حديث الزهري . وهكذا رواه ابن إسحاق ، عن الزهري كذلك ، قال : وحدثني يحيى بن عباد بن عبد الله بن الزبير ، عن أبيه ، عن عائشة . وحدثني عبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم الأنصاري ، عن عمرة ، عن عائشة بنحو ما تقدم ، والله أعلم .

ثم قال البخاري : وقال أبو أسامة ، عن هشام بن عروة قال : أخبرني أبي ، عن عائشة رضي الله عنها ، قالت : لما ذكر من شأني الذي ذكر وما علمت به ، قام رسول الله صلى الله عليه وسلم في خطيبا ، فتشهد فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ، ثم قال : " أما بعد ، أشيروا علي في أناس أبنوا أهلي ، وايم الله ما علمت على أهلي من سوء ، وأبنوهم بمن والله ما علمت عليه من سوء قط ، ولا يدخل بيتي قط إلا وأنا حاضر ، ولا غبت في سفر إلا غاب معي " . فقام سعد بن معاذ الأنصاري فقال : ائذن يا رسول الله أن نضرب أعناقهم ، فقام رجل من الخزرج - وكانت أم حسان [ بن ثابت ] من رهط ذلك الرجل - فقال : كذبت ، أما والله لو كانوا من الأوس ما أحببت أن تضرب أعناقهم . حتى كاد أن يكون بين الأوس والخزرج شر في المسجد ، وما علمت . فلما كان مساء ذلك اليوم ، خرجت لبعض حاجتي ومعي أم مسطح ، فعثرت فقالت : تعس مسطح ، فقلت : أي أم ، أتسبين ابنك؟ وسكتت ، ثم عثرت الثانية فقالت : تعس مسطح . فقلت لها : أي أم ، تسبين ابنك؟ ثم عثرت الثالثة فقالت : تعس مسطح . فانتهرتها فقالت : والله ما أسبه إلا فيك ، فقلت : في أي شأني؟ قالت : فبقرت لي الحديث . فقلت : وقد كان هذا؟ قالت : نعم والله . فرجعت إلى بيتي كأن الذي خرجت له لا أجد منه قليلا ولا كثيرا ، ووعكت ، وقلت لرسول الله صلى الله عليه وسلم : أرسلني إلى بيت أبي . فأرسل معي الغلام ، فدخلت الدار ، فوجدت أم رومان في السفل ، وأبا بكر فوق البيت يقرأ ، فقالت [ لي ] أمي : ما جاء بك يا بنية؟ فأخبرتها ، وذكرت لها الحديث ، وإذا هو لم يبلغ منها مثل ما بلغ مني ، [ فقالت : يا بنية ، خفضي عليك الشأن; فإنه - والله - لقلما كانت امرأة حسناء ، عند رجل يحبها ، لها ضرائر إلا حسدنها ، وقيل فيها وإذا هو لم يبلغ منها ما بلغ مني ، فقلت : وقد علم به أبي؟ قالت : نعم . قلت : ورسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت : نعم ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم ] . فاستعبرت وبكيت ، فسمع أبو بكر صوتي ، وهو فوق البيت يقرأ ، فنزل فقال لأمي : ما شأنها؟ قالت : بلغها الذي ذكر من شأنها . ففاضت عيناه وقال : أقسمت عليك - أي بنية - إلا رجعت إلى بيتك فرجعت ، ولقد جاء رسول الله صلى الله عليه وسلم بيتي ، فسأل عني خادمي فقالت : لا والله ما علمت عليها عيبا ، إلا أنها كانت ترقد حتى تدخل الشاة فتأكل خميرها - أو : عجينها - وانتهرها بعض أصحابه فقال : اصدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى أسقطوا لها به ، فقالت : سبحان الله . والله ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر . وبلغ الأمر ذلك الرجل الذي قيل له ، فقال : سبحان الله . والله ما كشفت كنف أنثى قط - قالت عائشة : فقتل شهيدا في سبيل الله - قالت : وأصبح أبواي عندي ، فلم يزالا حتى دخل علي رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد صلى العصر ، ثم دخل وقد اكتنفني أبواي ، عن يميني وعن شمالي ، فحمد الله وأثنى عليه ، ثم قال : " أما بعد يا عائشة ، إن كنت قارفت سوءا أو ظلمت فتوبي إلى الله ، فإن الله يقبل التوبة عن عباده " . قالت : وقد جاءت امرأة من الأنصار ، فهي جالسة بالباب ، فقلت : ألا تستحي من هذه المرأة أن تذكر شيئا؟ فوعظ رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فالتفت إلى أبي ، فقلت له : أجبه . قال : فماذا أقول؟ فالتفت إلى أمي فقلت : أجيبيه . قالت : أقول ماذا؟ فلما لم يجيباه ، تشهدت فحمدت الله وأثنيت عليه بما هو أهله ، ثم قلت : أما بعد ، فوالله لئن قلت لكم إني لم أفعل - والله عز وجل يشهد إني لصادقة - ما ذاك بنافعي عندكم ، لقد تكلمتم به ، وأشربته قلوبكم ، وإن قلت : إني قد فعلت - والله يعلم أني لم أفعل - لتقولن : قد باءت به على نفسها ، وإني - والله - ما أجد لي ولكم مثلا - والتمست اسم يعقوب فلم أقدر عليه - إلا أبا يوسف حين قال : ( فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون ) [ يوسف : 18 ] ، وأنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم من ساعته ، فسكتنا ، فرفع عنه وإني لأتبين السرور في وجهه ، وهو يمسح جبينه ويقول : " أبشري يا عائشة ، فقد أنزل الله براءتك " قالت : وكنت أشد ما كنت غضبا ، فقال لي أبواي : قومي [ إليه ] فقلت : لا والله لا أقوم إليه ولا أحمده ولا أحمدكما ، ولكن أحمد الله الذي أنزل براءتي ، لقد سمعتموه فما أنكرتموه ولا غيرتموه ، وكانت عائشة تقول : أما زينب بنت جحش فقد عصمها الله بدينها ، فلم تقل إلا خيرا . وأما أختها حمنة بنت جحش ، فهلكت فيمن هلك . وكان الذي يتكلم به مسطح وحسان بن ثابت . وأما المنافق عبد الله بن أبي بن سلول فهو الذي [ كان ] يستوشيه ويجمعه ، وهو الذي تولى كبره منهم هو وحمنة . قالت : وحلف أبو بكر ألا ينفع مسطحا بنافعة أبدا ، فأنزل الله : ( ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة ) إلى آخر الآية ، يعني : أبا بكر ، ( والسعة أن يؤتوا أولي القربى والمساكين ) يعني : مسطحا ، إلى قوله : ( ألا تحبون أن يغفر الله لكم والله غفور رحيم ) [ النور : 22 ] . فقال أبو بكر : بلى والله يا ربنا ، إنا لنحب أن تغفر لنا وعاد له بما كان يصنع .

هكذا رواه البخاري من هذا الوجه معلقا بصيغة الجزم عن أبي أسامة حماد بن أسامة [ أحد الأئمة الثقات . وقد رواه ابن جرير في تفسيره ، عن سفيان بن وكيع ، عن أبي أسامة ] به مطولا مثله أو نحوه . ورواه ابن أبي حاتم عن أبي سعيد الأشج ، عن أبي أسامة ، ببعضه .

وقال الإمام أحمد : حدثنا هشيم ، أخبرنا عمر بن أبي سلمة ، عن أبيه ، عن عائشة ، رضي الله عنها ، قالت : لما نزل عذري من السماء ، جاءني النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرني بذلك ، فقلت : نحمد الله لا نحمدك .

وقال الإمام أحمد : حدثني ابن أبي عدي ، عن محمد بن إسحاق ، عن عبد الله بن أبي بكر ، عن عمرة ، عن عائشة قالت : لما نزل عذري قام رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك ، وتلا القرآن ، فلما نزل أمر برجلين وامرأة فضربوا حدهم .

وأخرجه أهل السنن الأربعة ، وقال الترمذي : هذا حديث حسن . ووقع عند أبي داود تسميتهم : حسان بن ثابت ، ومسطح بن أثاثة ، وحمنة بنت جحش .

فهذه طرق متعددة ، عن أم المؤمنين عائشة ، رضي الله عنها ، في المسانيد والصحاح والسنن وغيرها .

وقد روي من حديث أمها أم رومان ، رضي الله عنها ، فقال الإمام أحمد :

حدثنا علي بن عاصم ، أخبرنا حصين ، عن أبي وائل ، عن مسروق ، عن أم رومان قالت : بينا أنا عند عائشة ، إذ دخلت عليها امرأة من الأنصار فقالت : فعل الله - بابنها - وفعل . فقالت عائشة : ولم؟ قالت : إنه كان فيمن حدث الحديث . قالت عائشة : وأي حديث؟ قالت : كذا وكذا . قالت : وقد بلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت : نعم ، وبلغ أبا بكر؟ قالت : نعم ، فخرت عائشة ، رضي الله عنها ، مغشيا عليها ، فما أفاقت إلا وعليها حمى بنافض . قالت : فقمت فدثرتها ، قالت : وجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " ما شأن هذه؟ " قلت : يا رسول الله ، أخذتها حمى بنافض . قال : فلعله في حديث تحدث به " . قالت : فاستوت له عائشة قاعدة فقالت : والله لئن حلفت لكم لا تصدقوني ، ولئن اعتذرت إليكم لا تعذروني ، فمثلي ومثلكم كمثل يعقوب وبنيه ( والله المستعان على ما تصفون ) [ يوسف : 18 ] قالت : وخرج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فأنزل الله عذرها ، فرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم معه أبو بكر ، [ فدخل فقال : " يا عائشة ، إن الله تعالى قد أنزل عذرك " . فقالت : بحمد الله لا بحمدك . فقال لها أبو بكر : تقولين هذا لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت : نعم . قالت : فكان فيمن حدث هذا الحديث رجل كان يعولهأبو بكر ] فحلف أبو بكر ألا يصله ، فأنزل الله : ( ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة ) إلى آخر الآية [ النور : 22 ] ، قال أبو بكر : بلى ، فوصله .

تفرد به البخاري دون مسلم ، من طريق حصين وقد رواه البخاري ، عن موسى بن إسماعيل ، عن أبي عوانة - وعن محمد بن سلام - ، عن محمد بن فضيل ، كلاهما عن حصين ، به وفي لفظ أبي عوانة : حدثتني أم رومان . وهذا صريح في سماع مسروق منها ، وقد أنكر ذلك جماعة من الحفاظ ، منهم الخطيب البغدادي ، وذلك لما ذكره أهل التاريخ أنها ماتت في زمن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال الخطيب : وقد كان مسروق يرسله فيقول : " سئلت أم رومان " ، ويسوقه ، فلعل بعضهم كتب " سئلت " بألف ، فاعتقد الراوي أنها " سألت " ، فظنه متصلا . قال الخطيب : " وقد رواه البخاري كذلك ، ولم تظهر له علته " . كذا قال ، والله أعلم .

فقوله : ( إن الذين جاءوا بالإفك ) أي : بالكذب والبهت والافتراء ، ( عصبة ) أي : جماعة منكم ، ( لا تحسبوه شرا لكم ) أي : يا آل أبي بكر ( بل هو خير لكم ) أي : في الدنيا والآخرة ، لسان صدق في الدنيا ورفعة منازل في الآخرة ، وإظهار شرف لهم باعتناء الله بعائشة أم المؤمنين ، حيث أنزل الله تعالى براءتها في القرآن العظيم الذي ( لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد ) [ فصلت : 42 ] ولهذا لما دخل عليها ابن عباس ، رضي الله عنه وهي في سياق الموت ، قال لها : أبشري فإنك زوجة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وكان يحبك ، ولم يتزوج بكرا غيرك ، وأنزل براءتك من السماء .

وقال ابن جرير في تفسيره : حدثني محمد بن عثمان الواسطي ، حدثنا جعفر بن عون ، عن المعلى بن عرفان ، عن محمد بن عبد الله بن جحش قال : تفاخرت عائشة وزينب ، رضي الله عنهما ، فقالت زينب : أنا التي نزل تزويجي [ من السماء ] قال : وقالت عائشة : أنا التي نزل عذري في كتابه ، حين حملني ابن المعطل على الراحلة . فقالت لها زينب : يا عائشة ، ما قلت حين ركبتيها؟ قالت : قلت : حسبي الله ونعم الوكيل . قالت : قلت كلمة المؤمنين .

وقوله : ( لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم ) أي : لكل من تكلم في هذه القضية ورمى أم المؤمنين عائشة ، رضي الله عنها ، بشيء من الفاحشة ، نصيب عظيم من العذاب .

( والذي تولى كبره ) قيل : ابتدأ به . وقيل : الذي كان يجمعه ويستوشيه ويذيعه ويشيعه ، ( له عذاب عظيم ) أي : على ذلك .

ثم الأكثرون على أن المراد بذلك إنما هو عبد الله بن أبي بن سلول - قبحه الله ولعنه - وهو الذي تقدم النص عليه في الحديث ، وقال ذلك مجاهد وغير واحد .

وقيل : بل المراد به حسان بن ثابت ، وهو قول غريب ، ولولا أنه وقع في صحيح البخاري ما قد يدل على ذلك لما كان لإيراده كبير فائدة ، فإنه من الصحابة الذين كان لهم فضائل ومناقب ومآثر ، وأحسن محاسنه أنه كان يذب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم [ بشعره ] ، وهو الذي قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : " هاجهم وجبريل معك "

وقال الأعمش ، عن أبي الضحى ، عن مسروق قال : كنت عند عائشة ، رضي الله عنها ، فدخل حسان بن ثابت ، فأمرت فألقي له وسادة ، فلما خرج قلت لعائشة : ما تصنعين بهذا؟ يعني : يدخل عليك - وفي رواية قيل لها : أتأذنين لهذا يدخل عليك ، وقد قال الله : ( والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ) ؟ قالت : وأي عذاب أشد من العمى - وكان قد ذهب بصره - لعل الله أن يجعل ذلك هو العذاب العظيم . ثم قالت : إنه كان ينافح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم .

وفي رواية أنه أنشدها عندما دخل عليها [ شعرا ] يمتدحها به ، فقال :

حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل

فقالت : أما أنت فلست كذلك . وفي رواية : لكنك لست كذلك .

وقال ابن جرير : حدثنا الحسن بن قزعة ، حدثنا سلمة بن علقمة ، حدثنا داود ، عن عامر ، عن عائشة أنها قالت : ما سمعت بشيء أحسن من شعر حسان ، ولا تمثلت به إلا رجوت له الجنة ، قوله لأبي سفيان - يعني ابن [ الحارث ] بن عبد المطلب - :

هجوت محمدا فأجبت عنه وعند الله في ذاك الجزاء

فإن أبي ووالده وعرضي لعرض محمد منكم وقاء

أتشتمه ، ولست له بكفء؟ فشركما لخيركما الفداء

لساني صارم لا عيب فيه وبحري لا تكدره الدلاء

فقيل : يا أم المؤمنين ، أليس هذا لغوا؟ قالت : لا إنما اللغو ما قيل عند النساء . قيل : أليس الله يقول ( والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ) ، قالت : أليس قد أصابه [ عذاب ] عظيم؟ [ أليس ] قد ذهب بصره وكنع بالسيف؟ تعني : الضربة التي ضربه إياها صفوان بن المعطل [ السلمي ] ، حين بلغه عنه أنه يتكلم في ذلك ، فعلاه بالسيف ، وكاد أن يقتله .


تفسير الطبري :

فيه ثمان وعشرون مسألة: الأولى: قوله {إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم}{عصبة}خبر {إن}. ويجوز نصبها على الحال، ويكون الخبر {لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم}. وسبب نزولها ما رواه الأئمة من حديث الإفك الطويل في قصة عائشة رضوان الله عليها، وهو خبر صحيح مشهور، أغنى اشتهاره عن ذكره، وسيأتي مختصرا. وأخرجه البخاري تعليقا، وحديثه أتم. قال : وقال أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة، وأخرجه أيضا عن محمد بن كثير عن أخيه سليمان من حديث مسروق عن أم رومان أم عائشة أنها قالت : لما رميت عائشة خرت مغشيا عليها. وعن موسى بن إسماعيل من حديث أبي وائل قال : حدثني مسروق بن الأجدع قال حدثتني أم رومان وهي أم عائشة قالت : بينا أنا قاعدة أنا وعائشة إذ ولجت امرأة من الأنصار فقالت : فعل الله بفلان وفعل بفلان فقالت أم رومان : وما ذاك؟ قالت ابني فيمن حدّث الحديث قالت : وما ذاك؟ قالت كذا وكذا. قالت عائشة : سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قالت نعم. قالت : وأبو بكر؟ قالت نعم فخرت مغشيا عليها فما أفاقت إلا وعليها حمى بنافض فطرحت عليها ثيابها فغطيتها فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فقال : (ما شأن هذه؟) فقلت : يا رسول الله، أخذتها الحمى بنافض. قال : (فلعل في حديث تُحُدث به) قالت نعم. فقعدت عائشة فقالت : والله، لئن حلفت لا تصدقوني ولئن قلت لا تعذروني مثلي ومثلكم كيعقوب وبنيه والله المستعان على ما تصفون. قالت : وانصرف ولم يقل شيئا فأنزل الله عذرها. قالت : بحمد الله لا بحمد أحد ولا بحمدك. قال أبو عبدالله الحميدي : كان بعض من لقينا من الحفاظ البغداديين يقول الإرسال في هذا الحديث أبين واستدل على ذلك بأن أم رومان توفيت في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومسروق لم يشاهد النبي صلى الله عليه وسلم بلا خلاف. وللبخاري من حديث عبيدالله بن عبدالله بن أبي مليكة أن عائشة كانت تقرأ {إذ تلقونه بألسنتكم}وتقول : الولق الكذب. قال ابن أبي مليكة : وكانت أعلم بذلك من غيرها لأنه نزل فيها. قال البخاري : وقال معمر بن راشد عن الزهري : كان حديث الإفك في غزوة المريسيع. قال ابن إسحاق : وذلك سنة ست. وقال موسى بن عقبة : سنة أربع. وأخرج البخاري من حديث معمر عن الزهري قال : قال لي الوليد بن عبدالملك : أبلغك أن عليا كان فيمن قذف؟ قال : قلت لا، ولكن قد أخبرني رجلان من قومك أبو سلمة بن عبدالرحمن وأبو بكر بن عبدالرحمن بن الحارث بن هشام أن عائشة قالت لهما : كان عليٌّ مُسَلًّما في شأنها. وأخرجه أبو بكر الإسماعيلي في كتابه المخرج على الصحيح من وجه آخر من حديث معمر عن الزهري، وفيه : قال كنت عند الوليد بن عبدالملك فقال : الذي تولى كبره منهم علي بن أبي طالب؟ فقلت لا، حدثني سعيد بن المسيب وعروة وعلقمة وعبيدالله بن عبدالله بن عتبة كلهم يقول سمعت عائشة تقول : والذي تولى كبره عبدالله بن أبي. وأخرج البخاري أيضا من حديث الزهري عن عروة عن عائشة : والذي تولى كبره منهم عبدالله بن أبي. الثانية: قوله تعالى: قوله {بالإفك}الإفك الكذب. والعصبة ثلاثة رجال؛ قال ابن عباس. وعنه أيضا من الثلاثة إلى العشرة. ابن عيينة : أربعون رجلا. مجاهد : من عشرة إلى خمسة عشر. وأصلها في اللغة وكلام العرب الجماعة الذين يتعصب بعضهم لبعض. والخير حقيقته ما زاد نفعه على ضره. والشر ما زاد ضره على نفعه. وإن خيرا لا شر فيه هو الجنة. وشرا لا خير فيه هو جهنم. فأما البلاء النازل على الأولياء فهو خير؛ لأن ضرره من الألم قليل في الدنيا، وخيره هو الثواب الكثير في الأخرى. فنبه الله تعالى عائشة وأهلها وصفوان، إذ الخطاب لهم في قوله {لا تحسبوه شرا لكم بل هو خير لكم}؛ لرجحان النفع والخير على جانب الشر. الثالثة: لما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم بعائشة معه في غزوة بني المصطلق وهي غزوة المريسيع، وقفل ودنا من المدينة آذن ليلة بالرحيل قامت حين آذنوا بالرحيل فمشت حتى جاوزت الجيش، فلما فرغت من شأنها أقبلت إلى الرحل فلمست صدرها فإذا عقد من جزع ظفار قد انقطع، فرجعت فالتمسته فحبسها ابتغاؤه، فوجدته وانصرفت فلما لم تجد أحدا، وكانت شابة قليلة اللحم، فرفع الرجال هودجها ولم يشعروا بزوالها منه؛ فلما لم تجد أحدا اضطجعت في مكانها رجاء أن تفتقد فيرجع إليها، فنامت في الموضع ولم يوقظها إلا قول صفوان بن المعطل : إنا لله وإنا إليه راجعون؛ وذلك أنه كان تخلف وراء الجيش لحفظ الساقة. وقيل : إنها استيقظت لاسترجاعه، ونزل عن ناقته وتنحى عنها حتى ركبت عائشة، وأخذ يقودها حتى بلغ بها الجيش في نحر الظهيرة؛ فوقع أهل الإفك في مقالتهم، وكان الذي يجتمع إليه فيه ويستوشيه ويشعله عبدالله بن أبي بن سلول المنافق، وهو الذي رأى صفوان آخذا بزمام ناقة عائشة فقال : والله ما نجت منه ولا نجا منها، وقال : امرأة نبيكم باتت مع رجل. وكان من قالته حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش. هذا اختصار الحديث، وهو بكماله وإتقانه في البخاري ومسلم، وهو في مسلم أكمل. ولما بلغ صفوان قول حسان في الإفك جاء فضربه بالسيف ضربة على رأسه وقال : تلق ذباب السيف عني فإنني ** غلام إذا هوجيت ليس بشاعر فأخذ جماعة حسان ولببوه وجاؤوا به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأهدر رسول الله صلى الله عليه وسلم جرح حسان واستوهبه إياه. وهذا يدل على أن حسان ممن تولى الكبر؛ على ما يأتي والله أعلم. وكان صفوان هذا صاحبَ ساقة رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزواته لشجاعته، وكان من خيار الصحابة. وقيل : كان حصورا لا يأتي النساء؛ ذكره ابن إسحاق من طريق عائشة. وقيل : كان له ابنان؛ يدل على ذلك حديثه المروي مع امرأته، وقول النبي صلى الله عليه وسلم في ابنيه : (لهما أشبه به من الغراب بالغراب). وقوله في الحديث : والله ما كشف كنف أنثى قط؛ يريد بزنى. وقتل شهيدا رضي الله عنه في غزوة أرمينية سنة تسع عشرة في زمان عمر، وقيل : ببلاد الروم سنة ثمان وخمسين في زمان معاوية. الرابعة: قوله {لكل امرئ منهم ما اكتسب من الإثم}يعني ممن تكلم بالإفك. ولم يسم من أهل الإفك إلا حسان ومسطح وحمنة وعبدالله؛ وجهل الغير؛ قاله عروة بن الزبير، وقد سأله عن ذلك عبدالملك بن مروان، وقال : إلا أنهم كانوا عصبة؛ كما قال الله تعالى. وفي مصحف حفصة {عصبة أربعة}. الخامسة: قوله {والذي تولى كبره منهم}وقرأ حميد الأعرج ويعقوب {كُبره}بضم الكاف. قال الفراء : وهو وجه جيد؛ لأن العرب تقول : فلان تولى عظم كذا وكذا؛ أي أكبره. روي عن عائشة أنه حسان، وأنها قالت حين عمي : لعل العذاب العظيم الذي أوعده الله به ذهاب بصره؛ رواه عنها مسروق. وروي عنها أنه عبدالله بن أبي؛ وهو الصحيح، وقال ابن عباس. وحكى أبو عمر بن عبدالبر أن عائشة برأت حسان من الفرية، وقالت : إنه لم يقل شيئا. وقد أنكر حسان أن يكون قال شيئا من ذلك في قوله : حصان رزان ما تزن بريبة ** وتصبح غرثى من لحوم الغوافل حليلة خير الناس دينا ومنصبا ** نبي الهدى والمكرمات الفواضل عقيلة حي من لؤي بن غالب ** كرام المساعي مجدها غير زائل مهذبة قد طيب الله خيمها ** وطهرها من كل شين وباطل فإن كان ما بلغت أني قلته ** فلا رفعت سوطي إلي أناملي فكيف وودي ما حييت ونصرتي ** لآل رسول الله زين المحافل له رتب عال على الناس فضلها ** تقاصر عنها سورة المتطاول وقد روي أنه لما أنشدها : حصان رزان؛ قالت له : لست كذلك؛ تريد أنك وقعت في الغوافل. وهذا تعارض، ويمكن الجمع بأن يقال : إن حسانا لم يقل ذلك نصا وتصريحا، ويكون عرض بذلك وأومأ إليه فنسب ذلك إليه؛ والله أعلم. السادسة: وقد اختلف الناس فيه هل خاض في الإفك أم لا، وهل جلد الحد أم لا؛ فالله أعلم أي ذلك كان فروى محمد بن إسحاق وغيره"" أن النبي صلى الله عليه وسلم جلد في الإفك رجلين وامرأة : مسطحا وحسان وحمنة، وذكره الترمذي وذكر القشيري عن ابن عباس قال : جلد رسول الله صلى الله عليه وسلم ابن أبي ثمانين جلدة، وله في الآخرة عذاب النار. قال القشيري : والذي ثبت في الأخبار أنه ضرب ابن أبي وضرب حسان وحمنة، وأما مسطح فلم يثبت عنه قذف صريح، ولكنه كان يسمع ويشيع من غير تصريح. قال الماوردي وغيره : اختلفوا هل حد النبي صلى الله عليه وسلم أصحاب الإفك؛ على قولين : أحدهما أنه لم يحد أحدا من أصحاب الإفك لأن الحدود إنما تقام بإقرار أو ببينة، ولم يتعبده الله أن يقيمها بإخباره عنها؛ كما لم يتعبده بقتل المنافقين، وقد أخبره بكفرهم. قلت : وهذا فاسد مخالف لنص القرآن؛ فإن الله عز وجل يقول{والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء}أي على صدق قولهم{فاجلدوهم ثمانين جلدة}. والقول الثاني : أن النبي صلى الله عليه وسلم حد أهل الإفك عبدالله بن أبي ومسطح بن أثاثة وحسان بن ثابت وحمنة بنت جحش؛ وفي ذلك قال شاعر من المسلمين : لقد ذاق حسان الذي كان أهله ** وحمنة إذ قالوا هجيرا ومسطح وابن سلول ذاق في الحد خزية ** كما خاض في إفك من القول يفصح تعاطوا برجم الغيب زوج نبيهم ** وسخطة ذي العرش الكريم فأبرحوا وآذوا رسول الله فيها فجلدوا ** مخازي تبقى عمموها وفضحوا فصب عليهم محصدات كأنها ** شآبيب قطر من ذرى المزن تسفح قلت : المشهور من الأخبار والمعروف عند العلماء أن الذي حد حسان ومسطح وحمنة، ولم يسمع بحد لعبدالله بن أبي. ""روى أبو داود عن عائشة رضي الله عنها"" قالت : لما نزل عذري قام النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك، وتلا القرآن؛ فلما نزل من المنبر أمر بالرجلين والمرأة فضربوا حدهم، وسماهم : حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش. وفي كتاب الطحاوي {ثمانين ثمانين}. قال علماؤنا. وإنما لم يحد عبدالله بن أبي لأن الله تعالى قد أعد له في الآخرة عذابا عظيما؛ فلو حد في الدنيا لكان ذلك نقصا من عذابه في الآخرة وتخفيفا عنه مع أن الله تعالى قد شهد ببراءة عائشة رضي الله عنها وبكذب كل من رماها؛ فقد حصلت فائدة الحد، إذ مقصوده إظهار كذب القاذف وبراءة المقذوف؛ كما قال الله {فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون}. وإنما حد هؤلاء المسلمون ليكفر عنهم إثم ما صدر عنهم من القذف حتى لا يبقى عليهم تبعة من ذلك في الآخرة، وقد قال صلى الله عليه وسلم في الحدود (إنها كفارة لمن أقيمت عليه)؛ كما في حديث عبادة بن الصامت. ويحتمل أن يقال : إنما ترك حد ابن أبي استئلافا لقومه واحتراما لابنه، وإطفاء لثائرة الفتنة المتوقعة من ذلك، وقد كان ظهر مبادئها من سعد بن عبادة ومن قومه؛ كما في صحيح مسلم. والله أعلم. السابعة: قوله {لولا إذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيرا}هذا عتاب من الله سبحانه وتعالى للمؤمنين في ظنهم حين قال أصحاب الإفك ما قالوا. قال ابن زيد : ظن المؤمنون أن المؤمن لا يفجر بأمه؛ قال المهدوي. و{لولا}بمعنى هلا. وقيل : المعنى أنه كان ينبغي أن يقيس فضلاء المؤمنين والمؤمنات الأمر على أنفسهم؛ فإن كان ذلك يبعد فيهم فذلك في عائشة وصفوان أبعد. وروي أن هذا النظر السديد وقع من أبي أيوب الأنصاري وامرأته؛ وذلك أنه دخل عليها فقالت له : يا أبا أيوب أسمعت ما قيل فقال نعم وذلك الكذب أكنت أنت يا أم أيوب تفعلين ذلك قالت : لا والله قال : فعائشة والله أفضل منك؛ قالت أم أيوب نعم. فهذا الفعل ونحوه هو الذي عاتب الله تعالى عليه المؤمنين إذ لم يفعله جميعهم. الثامنة: قوله {بأنفسهم}قال النحاس : معنى {بأنفسهم}بإخوانهم. فأوجب الله على المسلمين إذا سمعوا رجلا يقذف أحدا ويذكره بقبيح لا يعرفونه به أن ينكروا عليه ويكذبوه وتواعد من ترك ذلك ومن نقله. قلت : ولأجل هذا قال العلماء : إن الآية أصل في أن درجة الإيمان التي حازها الإنسان؛ ومنزلة الصلاح التي حلها المؤمن، ولبسة العفاف التي يستتر بها المسلم لا يزيلها عنه خبر محتمل وإن شاع إذا كان أصله فاسدا أو مجهولا. التاسعة: قوله {لولا جاؤوا عليه بأربعة شهداء}هذا توبيخ لأهل الإفك. و{لولا}بمعنى هلا؛ أي هلا جاؤوا بأربعة شهداء على ما زعموا من الافتراء. وهذا رد على الحكم الأول وإحالة على الآية السابقة في آية القذف. العاشرة: قوله {فإذ لم يأتوا بالشهداء فأولئك عند الله هم الكاذبون}أي هم في حكم الله كاذبون. وقد يعجز الرجل عن إقامة البينة وهو صادق في قذفه، ولكنه في حكم الشرع وظاهر الأمر كاذب لا في علم الله تعالى؛ وهو سبحانه إنما رتب الحدود على حكمه الذي شرعه في الدنيا لا على مقتضى علمه الذي تعلق بالإنسان على ما هو عليه، فإنما يبني على ذلك حكم الآخرة. قلت : ومما يقوي هذا المعنى ويعضده ما خرجه البخاري عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه قال : أيها الناس إن الوحي قد انقطع وإنما نأخذكم الآن بما ظهر لنا من أعمالكم، فمن أظهر لنا خيرا أمناه وقربناه؛ وليس لنا من سريرته شيء الله يحاسبه في سريرته، ومن أظهر لنا سوءا لم نؤمنه ولم نصدقه، وإن قال إن سريرته حسنة. وأجمع العلماء أن أحكام الدنيا على الظاهر، وأن السرائر إلى الله عز وجل. الحادية عشرة: قوله {ولولا فضل الله عليكم ورحمته}{فضل}رفع بالابتداء عند سيبويه، والخبر محذوف لا تظهره العرب. وحذف جواب {لولا}لأنه قد ذكر مثله بعد؛ قال الله عز وجل {ولولا فضل الله عليكم ورحمته لمسكم}أي بسبب ما قلتم في عائشة عذاب عظيم في الدنيا والآخرة. وهذا عتاب من الله تعالى بليغ، ولكنه برحمته ستر عليكم في الدنيا ويرحم في الآخرة من أتاه تائبا والإفاضة : الأخذ في الحديث؛ وهو الذي وقع عليه العتاب؛ يقال : أفاض القوم في الحديث أي أخذوا فيه. الثانية عشرة: قوله {إذ تلقَّونه بألسنتكم}قراءة محمد بن السميقع بضم التاء وسكون اللام وضم القاف؛ من الإلقاء، وهذه قراءة بينة. وقرأ أبي وابن مسعود {إذ تتلقونه}من التلقي، بتاءين. وقرأ جمهور السبعة بحرف التاء الواحدة وإظهار الذال دون إدغام؛ وهذا أيضا من التلقي. وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي بإدغام الذال في التاء. وقرأ ابن كثير بإظهار الذال وإدغام التاء في التاء؛ وهذه قراءة قلقة؛ لأنها تقتضي اجتماع ساكنين، وليست كالإدغام في قراءة من قرأ {فلا تناجوا. ولا تنابزوا}لأن دونه الألف الساكنة، وكونها حرف لين حسنت هنالك ما لا تحسن مع سكون الذال. وقرأ ابن يعمر وعائشة رضي الله عنهما - وهم أعلم الناس بهذا الأمر - {إذ تلقَّونه}بفتح التاء وكسر اللام وضم القاف؛ ومعنى هذه القراءة من قول العرب : ولق الرجل يلق ولقا إذا كذب واستمر عليه؛ فجاؤوا بالمتعدي شاهدا على غير المتعدي. قال ابن عطية : وعندي أنه أراد إذ تلقون فيه؛ فحذف حرف الجر فاتصل الضمير. وقال الخليل وأبو عمرو : أصل الولق الإسراع؛ يقال : جاءت الإبل تلق؛ أي تسرع. قال : لما رأوا جيشا عليهم قد طرق ** جاؤوا بأسراب من الشأم ولق إن الحصين زلق وزملق ** جاءت به عنس من الشأم تلق يقال : رجل زلق وزملق؛ مثال هُدَبِد، وزمالق وزملق (بتشديد الميم) وهو الذي ينزل قبل أن يجامع؛ قال الراجز : إن الحصين زلق وزملق والولق أيضا أخف الطعن. وقد ولقه يلقه ولقا. يقال : ولقه بالسيف ولقات، أي ضربات؛ فهو مشترك. الثالثة عشرة: قوله {وتقولون بأفواهكم ما}مبالغة وإلزام وتأكيد. والضمير في {تحسبونه}عائد على الحديث والخوض فيه والإذاعة له. و{هينا}أي شيئا يسيرا لا يلحقكم فيه إثم. {وهو عند الله}في الوزر {عظيم}. وهذا مثل قوله عليه السلام في حديث القبرين : (إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير) أي بالنسبة إليكم. الرابعة عشرة: قوله {ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم، يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين، ويبين الله لكم الآيات والله عليم حكيم}عتاب لجميع المؤمنين أي كان ينبغي عليكم أن تنكروه ولا يتعاطاه بعضكم من بعض على جهة الحكاية والنقل، وأن تنزهوا الله تعالى عن أن يقع هذا من زوج نبيه عليه الصلاة والسلام. وأن تحكموا على هذه المقالة بأنها بهتان؛ وحقيقة البهتان أن يقال في الإنسان ما ليس فيه، والغيبة أن يقال في الإنسان ما فيه. وهذا المعنى قد جاء في صحيح الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم. ثم وعظهم تعالى في العودة إلى مثل هذه الحالة. و{أن}مفعول من أجله، بتقدير : كراهية أن ونحوه. الخامسة عشرة: {إن كنتم مؤمنين}توقيف وتوكيد؛ كما تقول : ينبغي لك أن تفعل كذا وكذا إن كنت رجلا. السادسة عشرة: قوله {يعظكم الله أن تعودوا لمثله}يعني في عائشة؛ لأن مثله لا يكون إلا نظير القول المقول عنه بعينه، أو فيمن كان في مرتبته من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم؛ لما في ذلك من إذاية رسول الله صلى الله عليه وسلم في عرضه وأهله؛ وذلك كفر من فاعله. السابعة عشرة: قال هشام بن عمار سمعت مالكا يقول : من سب أبا بكر وعمر أدب، ومن سب عائشة قتل لأن الله تعالى يقول{يعظكم الله أن تعودوا لمثله أبدا إن كنتم مؤمنين} فمن سب عائشة فقد خالف القرآن، ومن خالف القرآن قتل. قال ابن العربي : قال أصحاب الشافعي من سب عائشة رضي الله عنها أدب كما في سائر المؤمنين، وليس قوله {إن كنتم مؤمنين}في عائشة لأن ذلك كفر، وإنما هو كما قال عليه السلام : (لا يؤمن من لا يأمن جاره بوائقه). ولو كان سلب الإيمان في سب من سب عائشة حقيقة لكان سلبه في قوله : (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن) حقيقة. قلنا : ليس كما زعمتم؛ فإن أهل الإفك رموا عائشة المطهرة بالفاحشة فبرأها الله تعالى فكل من سبها بما برأها الله منه مكذب لله، ومن كذب الله فهو كافر؛ فهذا طريق قول مالك، وهي سبيل لائحة لأهل البصائر. ولو أن رجلا سب عائشة بغير ما برأها الله منه لكان جزاؤه الأدب. الثامنة عشرة: قوله {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة}أي تفشو؛ يقال : شاع الشيء شيوعا وشيعا وشيعانا وشيوعه؛ أي ظهر وتفرق. {في الذين آمنوا}أي في المحصنين والمحصنات. والمراد بهذا اللفظ العام عائشة وصفوان رضي الله عنهما. والفاحشة : الفعل القبيح المفرط القبح. وقيل : الفاحشة في هذه الآية القول السيء. {لهم عذاب أليم في الدنيا}أي الحد. وفي الآخرة عذاب النار؛ أي للمنافقين، فهو مخصوص. وقد بينا أن الحد للمؤمنين كفارة. وقال الطبري : معناه إن مات مصرا غير تائب. التاسعة عشرة: قوله {والله يعلم}أي يعلم مقدار عظم هذا الذنب والمجازاة عليه ويعلم كل شيء. {وأنتم لا تعلمون}روي من حديث أبي الدرداء أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (أيما رجل شد عضد امرئ من الناس في خصومة لا علم له بها فهو في سخط الله حتى ينزع عنها. وأيما رجل قال بشفاعته دون حد من حدود الله أن يقام فقد عاند الله حقا وأقدم على سخطه وعليه لعنة الله تتابع إلى يوم القيامة. وأيما رجل أشاع على رجل مسلم كلمة وهو منها بريء يرى أن يشينه بها في الدنيا كان حقا على الله تعالى أن يرميه بها في النار - ثم تلا مصداقه من كتاب الله {إن الذين يحبون أن تشيع الفاحشة في الذين آمنوا}الآية. الموفية عشرين: قوله {يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان}يعني مسالكه ومذاهبه؛ المعنى : لا تسلكوا الطريق الذي يدعوكم إليها الشيطان. وواحد الخطوات خطوة هو ما بين القدمين. والخطوة بالفتح المصدر؛ يقال : خطوت خطوة، وجمعها خطوات. وتخطى إلينا فلان؛ ومنه الحديث أنه رأى رجلا يتخطى رقاب الناس يوم الجمعة. وقرأ الجمهور {خطوات}بضم الطاء. وسكنها عاصم والأعمش. وقرأ الجمهور {ما زكى}بتخفيف الكاف؛ أي ما اهتدى ولا أسلم ولا عرف رشدا. وقيل {ما زكى}أي ما صلح؛ يقال : زكا يزكو زكاء؛ أي صلح. وشددها الحسن وأبو حيوة؛ أي أن تزكيته لكم وتطهيره وهدايته إنما هي بفضله لا بأعمالكم. وقال الكسائي{يا أيها الذين آمنوا لا تتبعوا خطوات الشيطان}معترض، وقوله {ما زكى منكم من أحد أبدا}جواب لقوله أولا وثانيا {ولولا فضل الله عليكم}. الحادية والعشرون: قوله {ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة}الآية. المشهور من الروايات أن هذه الآية نزلت في قصة أبي بكر بن أبي قحافة رضي الله عنه ومسطح بن أثاثة. وذلك أنه كان ابن بنت خالته وكان من المهاجرين البدريين المساكين. وهو مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب بن عبد مناف. وقيل : اسمه عوف، ومسطح لقب. وكان أبو بكر رضي الله عنه ينفق عليه لمسكنته وقرابته؛ فلما وقع أمر الإفك وقال فيه مسطح ما قال، حلف أبو بكر ألا ينفق عليه ولا ينفعه بنافعة أبدا، فجاء مسطح فاعتذر وقال : إنما كنت أغشى مجالس حسان فأسمع ولا أقول. فقال له أبو بكر : لقد ضحكت وشاركت فيما قيل؛ ومر على يمينه، فنزلت الآية. وقال الضحاك وابن عباس : إن جماعة من المؤمنين قطعوا منافعهم عن كل من قال في الإفك وقالوا : والله لا نصل من تكلم في شأن عائشة؛ فنزلت الآية في جميعهم. والأول أصح؛ غير أن الآية تتناول الأمة إلى يوم القيامة بألا يغتاظ ذو فضل وسعة فيحلف ألا ينفع في هذه صفته غابر الدهر. روي في الصحيح أن الله تبارك وتعالى لما أنزل{إن الذين جاؤوا بالإفك عصبة منكم}العشر آيات، قال أبو بكر وكان ينفق على مسطح لقرابته وفقره : والله لا أنفق عليه شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة؛ فأنزل الله {ولا يأتل أولوا الفضل منكم والسعة}إلى قوله {ألا تحبون أن يغفر الله لكم}. قال عبدالله بن المبارك : هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى؛ فقال أبو بكر : والله إني لأحب أن يغفر الله لي؛ فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه وقال : لا أنزعها منه أبدا. الثانية والعشرون: في هذه الآية دليل على أن القذف وإن كان كبيرا لا يحبط الأعمال؛ لأن الله تعالى وصف مسطحا بعد قوله بالهجرة والإيمان؛ وكذلك سائر الكبائر؛ ولا يحبط الأعمال غير الشرك بالله، قال الله {لئن أشركت ليحبطن عملك}[الزمر: 65]. الثالثة والعشرون: من حلف على شيء لا يفعله فرأى فعله أولى منه أتاه وكفر عن يمينه، أو كفر عن يمينه وأتاه؛ كما تقدم في .المائدة . ورأى الفقهاء أن من حلف ألا يفعل سنة من السنن أو مندوبا وأبّد ذلك أنها جُرحة في شهادته؛ ذكره الباجي في المنتقى. الرابعة والعشرون: قوله {ولا يأتل أولوا الفضل}{ولا يأتل}معناه يحلف؛ وزنها يفتعل، من الألية وهي اليمين؛ ومنه قوله {للذين يؤلون من نسائهم}وقد تقدم في -البقرة -. وقالت فرقة : معناه يقصر؛ من قولك : ألوت في كذا إذا قصرت فيه؛ ومنه قوله {لا يألونكم خبالا}[آل عمران: 118]. الخامسة والعشرون: قوله {ألا تحبون أن يغفر الله لكم}تمثيل وحجة أي كما تحبون عفو الله عن ذنوبكم فكذلك اغفروا لمن دونكم؛ وينظر إلى هذا المعنى قوله عليه السلام : (من لا يرحم لا يرحم). السادسة والعشرون: قال بعض العلماء : هذه أرجى آية في كتاب الله تعالى، من حيث لطف الله بالقذفة العصاة بهذا اللفظ. وقيل. أرجى آية في كتاب الله عز وجل قوله {وبشر المؤمنين بأن لهم من الله فضلا كبيرا}[الأحزاب: 47] . وقد قال تعالى في آية أخرى {والذين آمنوا وعملوا الصالحات في روضات الجنات لهم ما يشاؤون عند ربهم ذلك هو الفضل الكبير}[الشورى: 22]؛ فشرح الفضل الكبير في هذه الآية، وبشر به المؤمنين في تلك. ومن آيات الرجاء قوله {قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم}[الزمر: 53] وقوله {الله لطيف بعباده}[الشورى :19]. وقال بعضهم : أرجى آية في كتاب الله عز وجل {ولسوف يعطيك ربك فترضى}[الضحى: 5]؛ وذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يرضى ببقاء أحد من أمته في النار. السابعة والعشرون: قوله {أن تؤتوا}أي ألا يؤتوا، فحذف {لا}؛ كقول القائل : فقلت يمين الله أبرح قاعدا ذكره الزجاج. وعلى قول أبي عبيدة لا حاجة إلى إضمار {لا}. {وليعفو}من عفا الربع أي درس فهو محو الذنب حتى يعفو كما يعفو أثر الربع.

التفسير الميسّر:

إن الذين جاؤوا بأشنع الكذب، وهو اتهام أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها بالفاحشة، جماعة منتسبون إليكم - معشر المسلمين- لا تحسبوا قولهم شرًّا لكم، بل هو خير لكم، لما تضمن ذلك مِن تبرئة أم المؤمنين ونزاهتها والتنويه بذكرها، ورفع الدرجات، وتكفير السيئات، وتمحيص المؤمنين. لكل فرد تكلم بالإفك جزاء فعله من الذنب، والذي تحمَّل معظمه، وهو عبد الله بن أُبيِّ ابن سلول كبير المنافقين- لعنه الله- له عذاب عظيم في الآخرة، وهو الخلود في الدرك الأسفل من النار.

تفسير السعدي

لما ذكر فيما تقدم، تعظيم الرمي بالزنا عموما، صار ذلك كأنه مقدمة لهذه القصة، التي وقعت على أشرف النساء، أم المؤمنين رضي الله عنها، وهذه الآيات، نزلت في قصة الإفك المشهورة، الثابتة في الصحاح والسنن والمسانيد.

وحاصلها أن النبي صلى الله عليه وسلم، في بعض غزواته، ومعه زوجته عائشة الصديقة بنت الصديق، فانقطع عقدها فانحبست في طلبه ورحلوا جملها وهودجها، فلم يفقدوها، ثم استقل الجيش راحلا، وجاءت مكانهم، وعلمت أنهم إذا فقدوها، رجعوا إليها فاستمروا في مسيرهم، وكان صفوان بن المعطل السلمي، من أفاضل الصحابة رضي الله عنه، قد عرس في أخريات القوم ونام، فرأى عائشة رضي الله عنها فعرفها، فأناخ راحلته، فركبتها من دون أن يكلمها أو تكلمه، ثم جاء يقود بها بعد ما نزل الجيش في الظهيرة، فلما رأى بعض المنافقين الذين في صحبة النبي صلى الله عليه وسلم، في ذلك السفر مجيء صفوان بها في هذه الحال، أشاع ما أشاع، ووشى الحديث، وتلقفته الألسن، حتى اغتر بذلك بعض المؤمنين، وصاروا يتناقلون هذا الكلام، وانحبس الوحي مدة طويلة عن الرسول صلى الله عليه وسلم. وبلغ الخبر عائشة بعد ذلك بمدة، فحزنت حزنا شديدا، فأنزل الله تعالى براءتها في هذه الآيات، ووعظ الله المؤمنين، وأعظم ذلك، ووصاهم بالوصايا النافعة. فقوله تعالى: { إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ } أي: الكذب الشنيع، وهو رمي أم المؤمنين { عُصْبَةٌ مِنْكُمْ } أي: جماعة منتسبون إليكم يا معشر المؤمنين، منهم المؤمن الصادق [في إيمانه ولكنه اغتر بترويج المنافقين] ومنهم المنافق.

{ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ } لما تضمن ذلك تبرئة أم المؤمنين ونزاهتها، والتنويه بذكرها، حتى تناول عموم المدح سائر زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، ولما تضمن من بيان الآيات المضطر إليها العباد، التي ما زال العمل بها إلى يوم القيامة، فكل هذا خير عظيم، لولا مقالة أهل الإفك لم يحصل ذلك، وإذا أراد الله أمرا جعل له سببا، ولذلك جعل الخطاب عاما مع المؤمنين كلهم، وأخبر أن قدح بعضهم ببعض كقدح في أنفسهم، ففيه أن المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم، واجتماعهم على مصالحهم، كالجسد الواحد، والمؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا، فكما أنه يكره أن يقدح أحد في عرضه، فليكره من كل أحد، أن يقدح في أخيه المؤمن، الذي بمنزلة نفسه، وما لم يصل العبد إلى هذه الحالة، فإنه من نقص إيمانه وعدم نصحه.

{ لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الْإِثْمِ } وهذا وعيد للذين جاءوا بالإفك، وأنهم سيعاقبون على ما قالوا من ذلك، وقد حد النبي صلى الله عليه وسلم منهم جماعة، { وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ } أي: معظم الإفك، وهو المنافق الخبيث، عبد الله بن أبي بن سلول -لعنه الله- { لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ } ألا وهو الخلود في الدرك الأسفل من النار.


تفسير البغوي

قوله - عز وجل - : ( إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم ) الآيات سبب نزول هذه الآية ما أخبرنا عبد الواحد المليحي أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي أخبرنا محمد بن يوسف أخبرنا محمد بن إسماعيل أخبرنا عبد العزيز بن عبد الله أخبرنا إبراهيم بن سعد عن صالح عن ابن شهاب قال : حدثني عروة بن الزبير وسعيد بن المسيب وعلقمة بن وقاص وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود عن عائشة رضي الله عنها زوج النبي - صلى الله عليه وسلم - حين قال لها أهل الإفك ما قالوا وكلهم حدثني طائفة من حديثها وبعضهم كان أوعى لحديثها من بعض وأثبت له اقتصاصا وقد وعيت عن كل رجل منهم الحديث الذي حدثني عن عائشة وبعض حديثهم يصدق بعضا .

قالوا : قالت عائشة : كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا أراد سفرا أقرع بين أزواجه وأيهن خرج سهمها خرج بها النبي - صلى الله عليه وسلم - معه قالت عائشة : فأقرع بيننا في غزوة غزاها فخرج فيها سهمي فخرجت مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بعدما أنزل الحجاب فكنت أحمل في هودج وأنزل فيه فسرنا حتى إذا فرغ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من غزوته تلك وقفل ودنونا من المدينة قافلين آذن ليلة بالرحيل فقمت حين آذنوا بالرحيل فمشيت حتى جاوزت الجيش فلما قضيت شأني أقبلت إلى رحلي فلمست صدري فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع ، فرجعت فالتمست عقدي فحبسني ابتغاؤه . قالت : وأقبل الرهط الذين كانوا يرحلون بي فاحتملوا هودجي فرحلوه على بعيري الذي كنت أركب عليه وهم يحسبون أني فيه وكان النساء إذ ذاك خفافا لم يهبلن ولم يغشهن اللحم إنما يأكلن العلقة من الطعام ، فلم يستنكر القوم خفة الهودج حين رفعوه وحملوه ، وكنت جارية حديثة السن فبعثوا الجمل وساروا ، ووجدت عقدي بعدما استمر الجيش ، فجئت منازلهم وليس بها منهم داع ولا مجيب فتيممت منزلي الذي كنت به وظننت أنهم سيفقدونني فيرجعون إلي فبينما أنا جالسة في منزلي غلبتني عيني فنمت ، وكان صفوان بن المعطل السلمي ثم الذكواني من وراء الجيش فأصبح عند منزلي فرأى سواد إنسان نائم فعرفني حين رآني وكان رآني قبل الحجاب ، فاستيقظت باسترجاعه حين عرفني ، فخمرت وجهي بجلبابي ، ووالله ما تكلمنا بكلمة ولا سمعت منه كلمة غير استرجاعه ، وهوى حتى أناخ راحلته فوطئ على يدها ، فقمت إليها فركبتها ، فانطلق يقود بي الراحلة حتى أتينا الجيش موغرين في نحر الظهيرة وهم نزول .

قالت : فهلك من هلك ، وكان الذي تولى كبر الإفك عبد الله بن أبي ابن سلول ، قال عروة أخبرت أنه كان يشاع ويتحدث به عنده فيقره ويستمعه ويستوشيه .

وقال عروة أيضا : لم يسم من أهل الإفك أيضا إلا حسان بن ثابت ومسطح بن أثاثة وحمنة بنت جحش في ناس آخرين لا علم لي بهم غير أنهم عصبة ، كما قال الله تعالى ( والذي تولى كبره ) قال : عبد الله بن أبي ابن سلول

قال عروة : كانت عائشة تكره أن يسب عندها حسان وتقول : إنه الذي قال :

فإن أبي ووالدتي وعرضي لعرض محمد منكم وقاء

قالت عائشة : فقدمنا المدينة ، فاشتكيت حين قدمت شهرا ، والناس يفيضون في قول أصحاب الإفك لا أشعر بشيء من ذلك ، وهو يريبني في وجعي أني لا أعرف من رسول الله - صلى الله عليه وسلم - اللطف الذي كنت أرى منه حين أشتكي ، إنما يدخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيسلم ثم يقول كيف تيكم ؟ ثم ينصرف ، فذلك يريبني ولا أشعر بالشر حتى خرجت حين نقهت ، فخرجت مع أم مسطح قبل المناصع وكان متبرزنا ، وكنا لا نخرج إلا ليلا إلى ليل ، وذلك قبل أن نتخذ الكنف قريبا من بيوتنا ، وأمرنا أمر العرب الأول في التبرز قبل الغائط ، وكنا نتأذى بالكنف أن نتخذها عند بيوتنا .

قالت : فانطلقت أنا وأم مسطح - وهي ابنة أبي رهم بن المطلب بن عبد مناف وأمها بنت صخر بن عامر خالة أبي بكر الصديق ، وابنها مسطح بن أثاثة بن عباد بن المطلب ، فأقبلت أنا وأم مسطح قبل بيتي حين فرغنا من شأننا ، فعثرت أم مسطح في مرطها ، فقالت : تعس مسطح ، فقلت لها : بئس ما قلت أتسبين رجلا شهد بدرا ؟ فقالت : أي هنتاه أولم تسمعي ما قال ؟ قالت فقلت : ما قال ؟ فأخبرتني بقول أهل الإفك ، قالت فازددت مرضا على مرضي ، فلما رجعت إلى بيتي دخل علي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، ثم قال : كيف تيكم ؟ فقلت له : أتأذن لي أن آتي أبوي ؟ قالت : وأنا أريد أن أستيقن الخبر من قبلهما ، قالت : فأذن لي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقلت لأمي : يا أمتاه ماذا يتحدث الناس ؟ فقالت : يا بنية هوني عليك فوالله لقل ما كانت امرأة قط رضية عند رجل يحبها لها ضرائر إلا أكثرن عليها . قالت فقلت : سبحان الله أولقد تحدث الناس بهذا ؟ قالت : فبكيت تلك الليلة حتى أصبحت لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل [ بنوم ] ، ثم أصبحت أبكي .

قالت : ودعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي يسألهما ويستشيرهما في فراق أهله ، فأما أسامة فأشار على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالذي يعلم من براءة أهله وبالذي يعلم لهم في نفسه ، فقال أسامة : أهلك ولا نعلم إلا خيرا ، وأما علي فقال : يا رسول الله لم يضيق الله عليك والنساء سواها كثير ، وسل الجارية تصدقك ، قالت : فدعا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بريرة ، فقال : أي بريرة هل رأيت من شيء يريبك ؟ قالت له بريرة : والذي بعثك بالحق ما رأيت عليها أمرا قط أغمضه أكثر من أنها جارية حديثة السن ، تنام عن عجين أهلها فتأتي الداجن فتأكله .

قالت : فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - [ من يومه ] فاستعذر من عبد الله بن أبي وهو على المنبر ، فقال : يا معشر المسلمين من يعذرني من رجل قد بلغني عنه أذاه في أهلي ، والله ما علمت على أهلي إلا خيرا ، ولقد ذكروا رجلا ما علمت عليه إلا خيرا وما يدخل على أهلي إلا معي ، قالت : فقام سعد بن معاذ أخو بني عبد الأشهل ، فقال أنا يا رسول الله أعذرك فإن كان من الأوس ضربت عنقه ، وإن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا أمرك ، قالت : وقام رجل من الخزرج وكانت أم حسان بنت عمه من فخذه وهو سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج ، قالت : وكان قبل ذلك رجلا صالحا ولكن احتملته الحمية فقال لسعد : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على قتله ، ولو كان من رهطك ما أحببت أن يقتل ، فقام أسيد بن حضير وهو ابن عم سعد فقال لسعد بن عبادة : كذبت لعمر الله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين ، قالت : فثار الحيان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم على المنبر ، قالت : فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخفضهم حتى سكتوا وسكت .

قالت : فبكيت يومي ذلك كله لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم [ قالت وأصبح أبواي عندي ، وقد بكيت ليلتين ويوما لا أكتحل بنوم ] ولا يرقأ لي دمع حتى إني لأظن أن البكاء فالق كبدي فبينا أبواي جالسان عندي ، وأنا أبكي فاستأذنت علي امرأة من الأنصار فأذنت لها ، فجلست تبكي معي .

قالت : فبينا نحن على ذلك دخل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - علينا فسلم ثم جلس ، قالت : ولم يجلس عندي منذ قيل ما قيل قبلها ، وقد لبث شهرا لا يوحى إليه في شأني بشيء ، قالت : فتشهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين جلس ثم قال : أما بعد يا عائشة فإنه بلغني عنك كذا وكذا فإن كنت بريئة فسيبرئك الله ، وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه ، فإن العبد إذا اعترف ثم تاب تاب الله عليه .

قالت : فلما قضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مقالته فاض دمعي حتى ما أحس منه قطرة ، فقلت لأبي أجب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قال ، فقال أبي : والله ما أدري ما أقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقلت لأمي : أجيبي رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيما قال ، فقالت أمي : والله ما أدري ما أقول لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فقلت وأنا جارية حديثة السن لا أقرأ من القرآن كثيرا : إني والله لقد علمت لقد سمعتم هذا الحديث حتى استقر في أنفسكم وصدقتم به ، فلئن قلت لكم إني بريئة لا تصدقوني ، ولئن اعترفت لكم بأمر والله يعلم أني منه بريئة لتصدقني ، فوالله لا أجد لي ولكم مثلا إلا قول أبي يوسف حين قال : " فصبر جميل والله المستعان على ما تصفون " ( يوسف - 18 ) ثم تحولت واضطجعت على فراشي وأنا أعلم والله يعلم أني حينئذ بريئة ، وأن الله مبرئي ببراءتي ، ولكن والله ما كنت أظن أن الله منزل في شأني وحيا يتلى ، لشأني في نفسي كان أحقر من أن يتكلم الله في بأمر ، ولكن كنت أرجو أن يرى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في النوم رؤيا يبرئني الله بها ، فوالله ما رام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مجلسه ولا خرج أحد من أهل البيت حتى أنزل عليه الوحي فأخذه ما كان يأخذه من البرحاء حتى إنه ليتحدر منه العرق مثل الجمان ، وهو في يوم شات ، من ثقل القول الذي أنزل عليه ، قالت : فسري عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يضحك فكانت أول كلمة تكلم بها أن قال : يا عائشة أما والله فقد برأك الله ، قالت : فقالت لي أمي : قومي إليه فقلت : والله لا أقوم إليه فإني لا أحمد إلا الله ، قالت : وأنزل الله تعالى : " إن الذين جاءوا بالإفك عصبة منكم " العشر الآيات ، فلما أنزل الله في براءتي قال أبو بكر الصديق ، وكان ينفق على مسطح بن أثاثة لقرابته منه وفقره : والله لا أنفق على مسطح شيئا أبدا بعد الذي قال لعائشة ما قال ، فأنزل الله : ( ولا يأتل أولو الفضل منكم والسعة ) إلى قوله ( غفور رحيم ) قال أبو بكر الصديق : بلى والله إني لأحب أن يغفر الله لي ، فرجع إلى مسطح النفقة التي كان ينفق عليه ، وقال : والله لا أنزعها منه أبدا .

قالت عائشة : وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - سأل زينب بنت جحش عن أمري فقال لزينب : ماذا علمت أو رأيت ؟ فقالت : يا رسول الله أحمي سمعي وبصري ، والله ما علمت إلا خيرا ، قالت عائشة وهي التي تساميني من أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - فعصمها الله بالورع ، قالت : وطفقت أختها حمنة تحارب لها فهلكت فيمن هلك .

قال ابن شهاب : فهذا الذي بلغني من حديث هؤلاء الرهط ، قالت عائشة : والله إن الرجل الذي قيل له ما قيل ليقول : سبحان الله فوالذي نفسي بيده ما كشفت عن كنف أنثى قط . قالت : ثم قتل بعد ذلك في سبيل الله .

ورواه محمد بن إسماعيل عن يحيى بن بكير ، أخبرنا الليث عن يونس عن ابن شهاب بإسناد مثله ، وقال : وإن كنت ألممت بذنب فاستغفري الله وتوبي إليه فإن العبد إذا اعترف بذنبه ثم تاب تاب الله عليه ، إلى قوله : فهلكت فيمن هلك من أصحاب الإفك .

ورواه أبو أسامة عن هشام بن عروة عن أبيه عن عائشة قالت : ولقد جاء رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيتي فسأل عني خادمتي ، فقالت : لا والله ما علمت عليها عيبا إلا أنها كانت ترقد حتى تدخل الشاة فتأكل خميرها أو عجينها ، فانتهرها بعض أصحابه ، فقال : اصدقي رسول الله حتى أسقطوا لهابه ، فقالت : سبحان الله والله ما علمت عليها إلا ما يعلم الصائغ على تبر الذهب الأحمر ، وفيه قالت : وأنزل على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فرفع عنه وإني لأتبين السرور في وجهه وهو يمسح جبينه ويقول : أبشري يا عائشة فقد أنزل الله براءتك فقال لي أبواي : قومي إليه فقلت : لا والله لا أقوم إليه ولا أحمده ولا أحمد أحدا ولكن أحمد الله الذي برأني لقد سمعتموه فما أنكرتموه ولا غيرتموه .

أما تفسير قوله : ( إن الذين جاءوا بالإفك ) بالكذب ، والإفك : أسوأ الكذب ، سمي إفكا لكونه مصروفا عن الحق ، من قولهم : أفك الشيء إذا قلبه عن وجهه ، وذلك أن عائشة كانت تستحق الثناء لما كانت عليه من الحصانة والشرف فمن رماها بالسوء قلب الأمر عن وجهه ، ( عصبة منكم ) أي : جماعة منهم عبد الله بن أبي ابن سلول ، ومسطح بن أثاثة ، وحسان بن ثابت ، وحمنة بنت جحش ، زوجة طلحة بن عبيد الله ، وغيرهم ، ( لا تحسبوه شرا لكم ) يا عائشة ويا صفوان ، وقيل : هو خطاب لعائشة ولأبويها وللنبي - صلى الله عليه وسلم - ولصفوان ، يعني : لا تحسبوا الإفك شرا لكم ، ( بل هو خير لكم ) لأن الله يأجركم على ذلك ويظهر براءتكم .

( لكل امرئ منهم ) يعني من العصبة الكاذبة ( ما اكتسب من الإثم ) أي : جزاء ما اجترح من الذنب على قدر ما خاض فيه ، ( والذي تولى كبره ) أي : تحمل معظمه فبدأ بالخوض فيه ، قرأ يعقوب " كبره " بضم الكاف ، وقرأ العامة بالكسر ، قال الكسائي : هما لغتان . قال الضحاك : قام بإشاعة الحديث ، وهو عبد الله بن أبي ابن سلول .

وروى الزهري عن عروة عن عائشة ( والذي تولى كبره منهم ) قالت : عبد الله بن أبي ابن سلول ، والعذاب الأليم هو النار في الآخرة .

وقد روى ابن أبي مليكة عن عروة عن عائشة في حديث الإفك قالت : ثم ركبت وأخذ صفوان بالزمام فمررنا بملأ من المنافقين ، وكانت عادتهم أن ينزلوا منتبذين من الناس ، فقال عبد الله بن أبي ، رئيسهم : من هذه ؟ قالوا : عائشة قال : والله ما نجت منه وما نجا منها ، وقال : امرأة نبيكم باتت مع رجل حتى أصبحت ثم جاء يقود بها . وشرع في ذلك أيضا حسان ، ومسطح ، وحمنة ، فهم الذين تولوا كبره .

وقال قوم : هو حسان بن ثابت . أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا بشر بن خالد ، أخبرنا محمد بن جعفر عن شعبة عن سليمان عن أبي الضحى عن مسروق قال : دخلت على عائشة وعندها حسان بن ثابت ينشد شعرا يشبب بأبيات له ، وقال :

حصان رزان ما تزن بريبة وتصبح غرثى من لحوم الغوافل

فقالت له عائشة : لكنك لست كذلك ، قال مسروق فقلت لها : لم تأذنين له أن يدخل عليك وقد قال الله تعالى : ( والذي تولى كبره منهم له عذاب عظيم ) قالت : وأي عذاب أشد من العمى ، وقالت : إنه كان ينافح أو يهاجي عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .

ويروى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أمر بالذين رموا عائشة فجلدوا الحد جميعا ثمانين ثمانين .


الإعراب:

(إِنَّ الَّذِينَ) إن واسمها والجملة مستأنفة.

(جاؤُ) ماض وفاعله والجملة صلة (بِالْإِفْكِ) متعلقان بجاءوا والإفك الكذب (عُصْبَةٌ) خبر إن (مِنْكُمْ) متعلقان بصفة محذوفة لعصبة (لا تَحْسَبُوهُ) لا ناهية ومضارع مجزوم بحذف النون والواو فاعله والهاء مفعوله الأول (شَرًّا) مفعول به ثان (لَكُمْ) متعلقان بشرا (بَلْ) حرف إضراب (هُوَ خَيْرٌ) مبتدأ وخبر والجملة استئنافية (لَكُمْ) متعلقان بخير (لِكُلِّ) متعلقان بمحذوف خبر مقدم (امْرِئٍ) مضاف إليه (مِنْهُمْ) متعلقان بمحذوف صفة لامرئ (مَا) اسم موصول مبتدأ مؤخر والجملة مستأنفة (اكْتَسَبَ) ماض فاعله مستتر ولجملة صلة (مِنَ الْإِثْمِ) متعلقان باكتسب (وَالَّذِي) الواو استئنافية واسم الموصول مبتدأ (تَوَلَّى كِبْرَهُ) ماض ومفعوله والفاعل مستتر والهاء مضاف اليه (مِنْهُمْ) متعلقان بتولي.

(لَهُ) متعلقان بخبر مقدم (عَذابٌ) مبتدأ مؤخر (عَظِيمٌ) صفة لعذاب والجملة خبر الذي.

---

Traslation and Transliteration:

Inna allatheena jaoo bialifki AAusbatun minkum la tahsaboohu sharran lakum bal huwa khayrun lakum likulli imriin minhum ma iktasaba mina alithmi waallathee tawalla kibrahu minhum lahu AAathabun AAatheemun

بيانات السورة

اسم السورة سورة النور (An-Nur - The Light)
ترتيبها 24
عدد آياتها 64
عدد كلماتها 1317
عدد حروفها 5596
معنى اسمها النُّورُ: الضَّوْءُ الْمَعْرُوفُ، وَالمُرَادُ (بِالنُّورِ): نُورُ هِدَايَةِ اللهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ
سبب تسميتها عِظَمُ ضَرْبِ الْمَثَلِ بِنُورِ هِدَايَةِ اللهِ لِلْخَلْقِ فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿۞ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ ...٣٥﴾
أسماؤها الأخرى لا يُعرَفُ للسُّورَةِ اسْمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (النُّورِ)
مقاصدها إِظْهَارُ هِدَايَةِ اللهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ فِي شُؤُونِ الْمَرْأَةِ وَالأُسْرَةِ وَالمُجْتَمَعِ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، وَلَكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِهَا سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: «تَعَلَّمُوا سُورَةَ بَرَاءَةَ، وعَلِّمُوا نِسَاءَكُمْ سُورَةَ النُّورِ». (أَثَرٌ صَحِيحٌ، سُنَنَ سَعِيدِ بِن مَنصُوْر)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (النُّورِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنِ العُقُوبَاتِ وَالتَّحْذِيرُ مِنْ عَدَمِ إِقَامَتِهَا، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖۖ ...٢﴾، وَقَالَ فِي آخِرِهَا: ﴿فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ ...٦٣﴾. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (النُّورِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (المُؤْمِنُونَ): لَمَّا خُتَمَتِ (المُؤْمِنُونَ) بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ فِي قَولِهِ: ﴿وَقُل رَّبِّ ٱغۡفِرۡ وَٱرۡحَمۡ وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلرَّٰحِمِينَ ١١٨﴾ افْتُتِحَتِ (النُّورُ) بِالدِّلَالَةِ عَلَيهِمَا بِفَرْضِ العُقُوبَاتِ لِتَطْهِيرِ أَهْلِ المَعَاصِي، فَقَالَ ﴿ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖۖ ...٢﴾... الآيَاتِ.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!