الفتوحات المكية

المكتبة الأكبرية: القرآن الكريم: سورة النور: [الآية 10]

سورة النور
وَلَوْلَا فَضْلُ ٱللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُۥ وَأَنَّ ٱللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ﴿10﴾

تفسير الجلالين:

«ولولا فضل الله عليكم ورحمته» بالستر في ذلك «وأن الله تواب» بقبوله التوبة في ذلك وغيره «حكيم» فيما حكم به في ذلك وغيره ليبين الحق في ذلك وعاجل بالعقوبة من يستحقها.

تفسير الشيخ محي الدين:

وَإِذا بَلَغَ الْأَطْفالُ مِنْكُمُ الْحُلُمَ فَلْيَسْتَأْذِنُوا كَمَا اسْتَأْذَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آياتِهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ (59) وَالْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاَّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَأَنْ يَسْتَعْفِفْنَ خَيْرٌ لَهُنَّ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ (60) لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوانِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَواتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمامِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّاتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوالِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خالاتِكُمْ أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ أَوْ صَدِيقِكُمْ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ (61)


أمر اللّه العبد إذا دخل بيتا خاليا من كل أحد أن يسلم على نفسه في قوله تعالى : «فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ» فيكون العبد هنا مترجما عن الحق في سلامه ، لأنه قال : «تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً» فجعل الحق العبد رسولا من عنده إلى نفس العبد بهذه التحية المباركة لما فيها من زوائد الخير «طَيِّبَةً» لأنها طيبة الأعراف بسريانها من نفس الرحمن ، فأمرنا اللّه تعالى بالسلام علينا ، وهذا يدلك على أن الإنسان ينبغي أن يكون في صلاته أجنبيا عن نفسه بربه حتى يصح له أن يسلم عليه بكلام ربه في قوله : (السلام علينا وعلى عباد اللّه الصالحين) فإنه قال : «تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً» فهو سلام اللّه على عبده وأنت ترجمانه إليك

[- إشارة -المئوف لا حرج عليه ]

-إشارة -المئوف لا حرج عليه ، والعالم كله مئوف لا حرج عليه لمن فتح اللّه عين بصيرته ، ولهذا قلنا : مآل العالم إلى الرحمة وإن سكنوا النار وكانوا من أهلها «لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَلا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ» وما ثمّ إلا هؤلاء ، فما ثمّ إلا مئوف ، فقد رفع اللّه الحرج بالعرج العاثر فيه ، فإنه ما ثمّ سواه ولا أنت ، والمريض المائل إليه ، لأنه ما ثمّ موجود يمال إليه إلا هو ، والأعمى عن غيره لا عنه ، لأنه لا يتمكن العمى عنه وما ثمّ إلا هو ، فالعالم كله أعمى أعرج مريض .

------------

(61) الفتوحات ج 1 / 429 - ج 2 / 126 -ح 4 / 435

تفسير ابن كثير:

فقال : ( ولولا فضل الله عليكم ورحمته ) أي : لحرجتم ولشق عليكم كثير من أموركم ، ( وأن الله تواب ) [ أي ] : على عباده - وإن كان ذلك بعد الحلف والأيمان المغلظة - ( حكيم ) فيما يشرعه ويأمر به وفيما ينهى عنه .

وقد وردت الأحاديث بمقتضى العمل بهذه الآية ، وذكر سبب نزولها ، وفيمن نزلت فيه من الصحابة ، فقال الإمام أحمد :

حدثنا يزيد ، أخبرنا عباد بن منصور ، عن عكرمة ، عن ابن عباس قال : لما نزلت : ( والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم ثمانين جلدة ولا تقبلوا لهم شهادة أبدا ) ، قال سعد بن عبادة - وهو سيد الأنصار - : هكذا أنزلت يا رسول الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " : يا معشر الأنصار ألا تسمعون ما يقول سيدكم؟ " قالوا : يا رسول الله ، لا تلمه فإنه رجل غيور ، والله ما تزوج امرأة قط [ إلا بكرا ، وما طلق امرأة له قط ] فاجترأ رجل منا أن يتزوجها ، من شدة غيرته . فقال سعد : والله - يا رسول الله - إني لأعلم أنها حق وأنها من الله ، ولكني قد تعجبت أني لو وجدت لكاعا قد تفخذها رجل ، لم يكن لي أن أهيجه ولا أحركه حتى آتي بأربعة شهداء ، فوالله لا آتي بهم حتى يقضي حاجته . قال : فما لبثوا إلا يسيرا حتى جاء هلال بن أمية - وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم - فجاء من أرضه عشاء ، فوجد عند أهله رجلا فرأى بعينيه ، وسمع بأذنيه ، فلم يهجه حتى أصبح ، فغدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله إني جئت أهلي عشاء ، فوجدت عندها رجلا فرأيت بعيني ، وسمعت بأذني . فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به ، واشتد عليه ، واجتمعت الأنصار فقالوا : قد ابتلينا بما قال سعد بن عبادة ، الآن يضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم هلال بن أمية ، ويبطل شهادته في المسلمين . فقال هلال : والله إني لأرجو أن يجعل الله لي منها مخرجا . وقال هلال : يا رسول الله ، إني قد أرى ما اشتد عليك مما جئت به ، والله يعلم إني لصادق . فوالله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد أن يأمر بضربه ، إذ أنزل الله على رسول الله صلى الله عليه وسلم الوحي - وكان إذا نزل عليه الوحي عرفوا ذلك ، في تربد وجهه . يعني : فأمسكوا عنه حتى فرغ من الوحي - فنزلت : ( والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم فشهادة أحدهم ) الآية ، فسري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : " أبشر يا هلال ، قد جعل الله لك فرجا ومخرجا " . فقال هلال : قد كنت أرجو ذلك من ربي ، عز وجل . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أرسلوا إليها " . فأرسلوا إليها ، فجاءت ، فتلاها رسول الله صلى الله عليه وسلم عليهما ، وذكرهما وأخبرهما أن عذاب الآخرة أشد من عذاب الدنيا . فقال هلال : والله - يا رسول الله - لقد صدقت عليها . فقالت : كذب . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لاعنوا بينهما " . فقيل لهلال : اشهد . فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ، فلما كان في الخامسة قيل له : يا هلال ، اتق الله ، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب . فقال : والله لا يعذبني الله عليها ، كما لم يجلدني عليها . فشهد في الخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين . ثم قيل [ لها : اشهدي أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ، فلما كانت الخامسة قيل ] لها : اتقي الله ، فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، وإن هذه الموجبة التي توجب عليك العذاب . فتلكأت ساعة ، ثم قالت : والله لا أفضح قومي فشهدت في الخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين . ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما ، وقضى ألا يدعى ولدها لأب ولا يرمى ولدها ، ومن رماها أو رمى ولدها فعليه الحد ، وقضى ألا [ بيت لها عليه ولا ] قوت لها ، من أجل أنهما يتفرقان من غير طلاق ، ولا متوفى عنها . وقال : " إن جاءت به أصيهب أريسح حمش الساقين فهو لهلال ، وإن جاءت به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الأليتين ، فهو الذي رميت به " فجاءت به أورق جعدا جماليا خدلج الساقين سابغ الأليتين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لولا الأيمان لكان لي ولها شأن " .

قال عكرمة : فكان بعد ذلك أميرا على مصر ، وكان يدعى لأمه ولا يدعى لأب .

ورواه أبو داود عن الحسن بن علي ، عن يزيد بن هارون ، به نحوه مختصرا .

ولهذا الحديث شواهد كثيرة في الصحاح وغيرها من وجوه كثيرة . فمنها ما قال البخاري : حدثني محمد بن بشار ، حدثنا ابن أبي عدي ، عن هشام بن حسان ، حدثني عكرمة ، عن ابن عباس; أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " البينة أو حد في ظهرك " فقال : يا رسول الله ، إذا رأى أحدنا على امرأته رجلا ينطلق يلتمس البينة؟ فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول : " البينة وإلا حد في ظهرك " . فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق ، ولينزلن الله ما يبرئ ظهري من الحد . فنزل جبريل ، وأنزل عليه : ( والذين يرمون أزواجهم ) ، فقرأ حتى بلغ : ( إن كان من الصادقين ) فانصرف النبي صلى الله عليه وسلم فأرسل إليهما ، فجاء هلال فشهد ، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول : " الله يشهد أن أحدكما كاذب ، فهل منكما تائب " ؟ ثم قامت فشهدت ، فلما كانت عند الخامسة وقفوها وقالوا : إنها موجبة . قال ابن عباس : فتلكأت ونكصت حتى ظننا أنها ترجع ، ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم . فمضت ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " أبصروها ، فإن جاءت به أكحل العينين ، سابغ الأليتين ، خدلج الساقين ، فهو لشريك بن سحماء " . فجاءت به كذلك ، فقال النبي صلى الله عليه وسلم : " لولا ما مضى من كتاب الله ، لكان لي ولها شأن " .

انفرد به البخاري من هذا الوجه وقد رواه من غير وجه ، عن ابن عباس وغيره .

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا أحمد بن منصور الزيادي حدثنا يونس بن محمد ، حدثنا صالح - وهو ابن عمر - حدثنا عاصم - يعني : ابن كليب - ، عن أبيه ، حدثني ابن عباس قال : جاء رجل إلى رسول الله ، فرمى امرأته برجل ، فكره ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فلم يزل يردده حتى أنزل الله : ( والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء [ إلا أنفسهم ] ) [ فقرأ ] حتى فرغ من الآيتين ، فأرسل إليهما فدعاهما ، فقال : " إن الله ، عز وجل ، قد أنزل فيكما " . فدعا الرجل فقرأ عليه ، فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين . ثم أمر به فأمسك على فيه فوعظه ، فقال له : " كل شيء أهون عليه من لعنة الله " . ثم أرسله فقال : ( لعنت الله عليه إن كان من الكاذبين ) ثم دعاها بها ، فقرأ عليها ، فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ، ثم أمر بها فأمسك على فيها فوعظها ، وقال : " ويحك . كل شيء أهون من غضب الله " . ثم أرسلها ، فقالت : ( غضب الله عليها إن كان من الصادقين ) فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أما والله لأقضين بينكما قضاء فصلا " . قال : فولدت ، فما رأيت مولودا بالمدينة أكثر غاشية منه ، فقال : " إن جاءت به لكذا وكذا فهو كذا ، وإن جاءت به لكذا وكذا فهو لكذا " . فجاءت به يشبه الذي قذفت به .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن سعيد ، حدثنا عبد الملك بن أبي سليمان قال : سمعت سعيد بن جبير قال : سئلت عن المتلاعنين أيفرق بينهما - في إمارة ابن الزبير؟ فما دريت ما أقول ، فقمت من مكاني إلى منزل ابن عمر فقلت : أبا عبد الرحمن ، المتلاعنان أيفرق بينهما؟ فقال : سبحان الله ، إن أول من سأل عن ذلك فلان بن فلان فقال : يا رسول الله ، أرأيت الرجل يرى امرأته على فاحشة فإن تكلم تكلم بأمر عظيم ، وإن سكت سكت على مثل ذلك . فسكت فلم يجبه ، فلما كان بعد ذلك أتاه فقال : الذي سألتك عنه قد ابتليت به . فأنزل الله عز وجل هذه الآيات في سورة النور : ( والذين يرمون أزواجهم ) حتى بلغ : ( أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ) . فبدأ بالرجل فوعظه وذكره ، وأخبره أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، فقال : والذي بعثك بالحق ما كذبتك . ثم ثنى بالمرأة فوعظها وذكرها ، وأخبرها أن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة ، فقالت : والذي بعثك بالحق إنه لكاذب . قال : فبدأ بالرجل ، فشهد أربع شهادات بالله إنه لمن الصادقين ، والخامسة أن لعنة الله عليه إن كان من الكاذبين . ثم ثنى بالمرأة فشهدت أربع شهادات بالله إنه لمن الكاذبين ، والخامسة أن غضب الله عليها إن كان من الصادقين ، ثم فرق بينهما .

رواه النسائي في التفسير ، من حديث عبد الملك بن أبي سليمان ، به وأخرجاه في الصحيحين من حديث سعيد بن جبير ، عن ابن عباس .

وقال الإمام أحمد : حدثنا يحيى بن حماد ، حدثنا أبو عوانة ، عن الأعمش ، عن إبراهيم ، عن علقمة ، عن عبد الله قال : كنا جلوسا عشية الجمعة في المسجد ، فقال رجل من الأنصار : أحدنا إذا رأى مع امرأته رجلا فقتله قتلتموه ، وإن تكلم جلدتموه ، وإن سكت سكت عن غيظ؟ والله لئن أصبحت صالحا لأسألن رسول الله صلى الله عليه وسلم . قال : فسأله . فقال : يا رسول الله ، إن أحدنا إذا رأى مع امرأته رجلا فقتله قتلتموه ، وإن تكلم جلدتموه ، وإن سكت سكت على غيظ؟ اللهم احكم . قال : فأنزل آية اللعان ، فكان ذلك الرجل أول من ابتلي به .

انفرد بإخراجه مسلم ، فرواه من طرق ، عن سليمان بن مهران الأعمش ، به .

وقال الإمام أحمد أيضا : حدثنا أبو كامل : حدثنا إبراهيم بن سعد ، حدثنا ابن شهاب ، عن سهل بن سعد ، قال : جاء عويمر إلى عاصم بن عدي فقال : سل رسول الله صلى الله عليه وسلم : أرأيت رجلا وجد رجلا مع امرأته فقتله ، أيقتل به أم كيف يصنع؟ فسأل عاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فعاب رسول الله صلى الله عليه وسلم المسائل . قال : فلقيه عويمر فقال : ما صنعت؟ قال : ما صنعت! إنك لم تأتني بخير; سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فعاب المسائل فقال عويمر : والله لآتين رسول الله صلى الله عليه وسلم فلأسألنه . فأتاه فوجده قد أنزل عليه فيهما . قال : فدعا بهما فلاعن بينهما . قال عويمر : لئن انطلقت بها يا رسول الله لقد كذبت عليها . قال : ففارقها قبل أن يأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم فصارت سنة المتلاعنين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أبصروها ، فإن جاءت به أسحم أدعج العينين عظيم الأليتين ، فلا أراه إلا قد صدق ، وإن جاءت به أحيمر كأنه وحرة فلا أراه إلا كاذبا " . فجاءت به على النعت المكروه .

أخرجاه في الصحيحين وبقية الجماعة إلا الترمذي ، من طرق ، عن الزهري ، به .

وقال الحافظ أبو بكر البزار : حدثنا إسحاق بن الضيف ، حدثنا النضر بن شميل ، حدثنا يونس بن أبي إسحاق ، عن أبيه ، عن زيد بن يثيع ، عن حذيفة ، رضي الله عنه ، قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : " لو رأيت مع أم رومان رجلا ما كنت فاعلا به؟ قال : كنت والله فاعلا به شرا . قال : " فأنت يا عمر؟ " . قال : كنت والله فاعلا كنت أقول : لعن الله الأعجز ، وإنه خبيث . قال : فنزلت : ( والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم )

ثم قال : لا نعلم أحدا أسنده إلا النضر بن شميل ، عن يونس بن أبي إسحاق ، ثم رواه من حديث الثوري عن أبي إسحاق ، عن زيد بن يثيع مرسلا فالله أعلم .

وقال الحافظ أبو يعلى : حدثنا مسلم بن أبي مسلم الجرمي ، حدثنا مخلد بن الحسين ، عن هشام ، عن ابن سيرين ، عن أنس بن مالك ، رضي الله عنه ، قال : لأول لعان كان في الإسلام أن شريك بن سحماء قذفه هلال بن أمية بامرأته ، فرفعه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " أربعة شهود وإلا فحد في ظهرك " ، فقال : يا رسول الله ، إن الله يعلم إني لصادق ، ولينزلن الله عليك ما يبرئ به ظهري من الجلد . فأنزل الله آية اللعان : ( والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم ) إلى آخر الآية . قال : فدعاه النبي صلى الله عليه وسلم فقال : " اشهد بالله إنك لمن الصادقين فيما رميتها به من الزنى " فشهد بذلك أربع شهادات ، ثم قال له في الخامسة : " ولعنة الله عليك إن كنت من الكاذبين فيما رميتها به من الزنى " ، ففعل . ثم دعاها رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : " قومي فاشهدي بالله إنه لمن الكاذبين فيما رماك به من الزنى " . فشهدت بذلك أربع شهادات ، ثم قال لها في الخامسة : " وغضب الله عليك إن كان من الصادقين فيما رماك به من الزنى " ، فقالت : فلما كانت الرابعة أو الخامسة سكتت سكتة ، حتى ظنوا أنها ستعترف ، ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم . فمضت على القول ، ففرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما ، وقال : " انظروه ، فإن جاءت به جعدا حمش الساقين ، فهو لشريك بن سحماء ، وإن جاءت به أبيض سبطا قضيء العينين فهو لهلال بن أمية " . فجاءت به آدم جعدا حمش الساقين ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لولا ما نزل فيهما من كتاب الله ، لكان لي ولها شأن " .


تفسير الطبري :

فيه ثلاثون مسألة: الأولى:قوله {ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم}{أنفسهم}بالرفع على البدل. ويجوز النصب على الاستثناء، وعلى خبر {يكن}. {فشهادة أحدهم أربع شهادات}بالرفع قراءة الكوفيين على الابتداء والخبر؛ أي فشهادة أحدهم التي تزيل عنه حد القذف أربع شهادات. وقرأ أهل المدينة وأبو عمرو {أربع}بالنصب؛ لأن معنى {فشهادة}أن يشهد؛ والتقدير : فعليهم أن يشهد أحدهم أربع شهادات، أو فالأمر أن يشهد أحدهم أربع شهادات؛ ولا خلاف في الثاني أنه منصوب بالشهادة. {والخامسة}رفع بالابتداء. والخبر {أن}وصلتها؛ ومعنى المخففة كمعنى المثقلة لأن معناها أنه. وقرأ أبو عبدالرحمن وطلحة وعاصم في رواية حفص {والخامسة}بالنصب، بمعنى وتشهد الشهادة الخامسة. الباقون بالرفع على الابتداء، والخبر في {أن لعنة الله عليه}؛ أي والشهادة الخامسة قول لعنة الله عليه. الثانية: في سبب نزولها، وهو ما رواه أبو داود عن ابن عباس أن هلال بن أمية قذف امرأته عند النبي صلى الله عليه وسلم بشريك بن سحماء؛ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (البينة أو حد في ظهرك) قال : يا رسول الله، إذا رأى أحدنا رجلا على امرأته يلتمس البينة فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول : (البينة وإلا حد في ظهرك) فقال هلال : والذي بعثك بالحق إني لصادق، ولينزلن الله في أمري ما يبرئ ظهري من الحد؛ فنزلت {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم}فقرأ حتى بلغ {من الصادقين }الحديث بكماله. وقيل : لما نزلت الآية المتقدمة في الذين يرمون المحصنات وتناول ظاهرها الأزواج وغيرهم قال سعد بن معاذ : يا رسول الله، إن وجدت مع امرأتي رجلا أمهله حتى آتي بأربعة والله لأضربنه بالسيف غير مصفح عنه. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أتعجبون من غيرة سعد لأنا أغير منه والله أغير مني). وفي ألفاظ سعد روايات مختلفة، هذا نحو معناها. ثم جاء من بعد ذلك هلال بن أمية الواقفي فرمى زوجته بشريك بن سحماء البلوي على ما ذكرنا، وعزم النبي صلى الله عليه وسلم على ضربه حد القذف؛ فنزلت هذه الآية عند ذلك، فجمعهما رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد وتلاعنا، فتلكأت المرأة عند الخامسة لما وعظت وقيل إنها موجبة؛ ثم قالت : لا أفضح قومي سائر اليوم؛ فالتعنت وفرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بينهما، وولدت غلاما كأنه جمل أورق - على النعت المكروه - ثم كان الغلام بعد ذلك أميرا بمصر، وهو لا يعرف لنفسه أبا. وجاء أيضا عويمر العجلاني فرمى امرأته ولاعن. والمشهور أن نازلة هلال كانت قبل، وأنها سبب الآية. وقيل : نازلة عويمر بن أشقر كانت قبل؛ وهو حديث صحيح مشهور خرجه الأئمة قال أبو عبدالله بن أبي صفرة : الصحيح أن القاذف لزوجه عويمر، وهلال بن أمية خطأ. قال الطبري يستنكر قوله في الحديث هلال بن أمية : وإنما القاذف عويمر بن زيد بن الجد بن العجلاني، شهد أحدا مع النبي صلى الله عليه وسلم، رماها بشريك بن السحماء، والسحماء أمه؛ قيل لها ذلك لسوادها، وهو ابن عبدة بن الجد بن العجلاني؛ كذلك كان يقول أهل الأخبار. وقيل : قرأ النبي صلى الله عليه وسلم على الناس في الخطبة يوم الجمعة {والذين يرمون المحصنات}فقال عاصم بن عدي الأنصاري : جعلني الله فداك لو أن رجلا منا وجد على بطن امرأته رجلا؛ فتكلم فأخبر بما جرى جلد ثمانين، وسماه المسلمون فاسقا فلا تقبل شهادته؛ فكيف لأحدنا عند ذلك بأربعة شهداء، وإلى أن يلتمس أربعة شهود فقد فرغ الرجل من حاجته فقال عليه السلام : (كذلك أنزلت يا عاصم بن عدي). فخرج عاصم سامعا مطيعا؛ فاستقبله هلال بن أمية يسترجع؛ فقال : ما وراءك؟ فقال : شر وجدت شريك بن السحماء على بطن امرأتي خولة يزني بها؛ وخولة هذه بنت عاصم بن عدي، كذا في هذا الطريق أن الذي وجد مع امرأته شريكا هو هلال بن أمية، والصحيح خلافه حسبما تقدم بيانه. قال الكلبي : والأظهر أن الذي وجد مع امرأته شريكا عويمر العجلاني؛ لكثرة ما روي أن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن بين العجلاني وامرأته. واتفقوا على أن هذا الزاني هو شريك بن عبدة وأمه السحماء، وكان عويمر وخولة بنت قيس وشريك بني عم عاصم، وكانت هذه القصة في شعبان سنة تسع من الهجرة، منصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم من تبوك إلى المدينة؛ قال الطبري. و""روى الدارقطني عن عبدالله بن جعفر"" قال : حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم حين لاعن بين عويمر العجلاني وامرأته، مرجع رسول الله صلى الله عليه وسلم من غزوة تبوك، وأنكر حملها الذي في بطنها وقال هو لابن السحماء؛ فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم : (هات امرأتك فقد نزل القرآن فيكما)؛ فلاعن بينهما بعد العصر عند المنبر على خمل. في طريقه الواقدي عن الضحاك بن عثمان عن عمران بن أبي أنس قال : سمعت عبدالله بن جعفر يقول...... فذكره. الثالثة: قوله {والذين يرمون أزواجهم}عام في كل رمي، سواء قال : زنيت أو يا زانية أو رأيتها تزني، أو هذا الولد ليس مني؛ فإن الآية مشتملة عليه. ويجب اللعان إن لم يأت بأربعة شهداء؛ وهذا قول جمهور العلماء وعامة الفقهاء وجماعة أهل الحديث. وقد روي عن مالك مثل ذلك. وكان مالك يقول : لا يلاعن إلا أن يقول : رأيتك تزني؛ أو ينفي حملا أو ولدا منها. وقول أبي الزناد ويحيى بن سعيد والبتي مثل قول مالك : إن الملاعنة لا تجب بالقذف وإنما تجب بالرؤية أو نفي الحمل مع دعوى الاستبراء؛ هذا هو المشهور عند مالك، وقاله ابن القاسم. والصحيح. الأول لعموم قوله {والذين يرمون أزواجهم}. قال ابن العربي : وظاهر القرآن يكفي لإيجاب اللعان بمجرد القذف من غير رؤية؛ فلتعولوا عليه، لا سيما وفي الحديث الصحيح : أرأيت رجلا وجد مع امرأته رجلا؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم : (فاذهب فأت بها) ولم يكلفه ذكر الرؤية. وأجمعوا أن الأعمى يلاعن إذا قذف امرأته. ولو كانت الرؤية من شرط اللعان ما لاعن الأعمى؛ قاله ابن عمر رضي الله عنهم. وقد ذكر ابن القصار عن مالك أن لعان الأعمى لا يصح إلا أن يقول : لمست فرجه في فرجها. والحجة لمالك ومن اتبعه ما رواه أبو داود عن ابن عباس رضي الله عنهما قال : جاء هلال بن أمية وهو أحد الثلاثة الذين تيب عليهم، فجاء من أرضه عشاء فوجد عند أهله رجلا، فرأى بعينه وسمع بأذنه فلم يهجه حتى أصبح، ثم غدا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : يا رسول الله، إني جئت أهلي عشاء فوجدت عندهم رجلا، فرأيت بعيني وسمعت بأذني فكره رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جاء به واشتد عليه؛ فنزلت {والذين يرمون أزواجهم ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم}الآية؛ وذكر الحديث. وهو نص على أن الملاعنة التي قضى فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما كانت في الرؤية، فلا يجب أن يتعدى ذلك. ومن قذف امرأته ولم يذكر رؤية حد؛ لعموم قوله {والذين يرون المحصنات}. الرابعة: إذا نفى الحمل فإنه يلتعن؛ لأنه أقوى من الرؤية ولا بد من ذكر عدم الوطء والاستبراء بعده. واختلف علماؤنا في الاستبراء؛ فقال المغيرة ومالك أحد قوليهما : يجزى في ذلك حيضة. وقال مالك أيضا : لا ينفيه إلا بثلاث حيض. والصحيح الأول؛ لأن براءة الرحم من الشغل يقع بها كما في استبراء الأمة، وإنما راعينا الثلاث حيض في العدد لحكم آخر يأتي بيانه في الطلاق إن شاء الله تعالى. وحكى اللخمي عن مالك أنه قال مرة : لا يُنفى الولد بالاستبراء؛ لأن الحيض يأتي على الحمل. وبه قال أشهب في كتاب ابن المواز، وقاله المغيرة. وقال : لا ينفى الولد إلا بخمس سنين لأنه أكثر مدة الحمل على ما تقدم. الخامسة: اللعان عندنا يكون في كل زوجين حرين كانا أو عبدين، مؤمنين أو كافرين، فاسقين أو عدلين. وبه قال الشافعي. ولا لعان بين الرجل وأمته، ولا بينه وبين أم ولده. وقيل : لا ينتفي ولد الأمة عنه إلا بيمين واحدة؛ بخلاف اللعان. وقد قيل : إنه إذا نفى ولد أم الولد لاعن. والأول تحصيل مذهب مالك وهو الصواب. وقال أبو حنيفة : لا يصح اللعان إلا من زوجين حرين مسلمين؛ وذلك لأن اللعان عنده شهادة، وعندنا وعند الشافعي يمين، فكل من صحت يمينه صح قذفه ولعانه. واتفقوا على أنه لا بد أن يكونا مكلفين. وفي قوله {وجد مع امرأته رجلا}. دليل على أن الملاعنة تجب على كل زوجين؛ لأنه لم يخص رجلا من رجل ولا امرأه من امرأة، ونزلت آية اللعان على هذا الجواب فقال {والذين يرمون أزواجهم}ولم يخص زوجا من زوج. وإلى هذا ذهب مالك وأهل المدينة؛ وهو قول الشافعي وأحمد وإسحاق وأبي عبيد وأبي ثور. وأيضا فإن اللعان يوجب فسخ النكاح فأشبه الطلاق؛ فكل من يجوز طلاقه يجوز لعانه. واللعان أيمان لا شهادات؛ قال الله تعالى وهو أصدق القائلين {لشهادتنا أحق من شهادتهما} [النساء: 107] أي أيماننا. وقال {إذا جاءك المنافقون قالوا نشهد إنك لرسول الله } [المنافقون:1]. ثم قال {اتخذوا أيمانهم جنة}[المجادلة: 16]. وقال عليه السلام : (لولا الأيمان لكان لي ولها شأن). وأما ما احتج به الثوري وأبو حنيفة فهي حجج لا تقوم على ساق؛ منها حديث عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عبدالله بن عمرو قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (أربعة ليس بينهم لعان ليس بين الحر والأمة لعان وليس بين الحرة والعبد لعان وليس بين المسلم واليهودية لعان وليس بين المسلم والنصرانية لعان). أخرجه الدارقطني من طرق ضعفها كلها. وروي عن الأوزاعي وابن جريج وهما إمامان عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده قوله، ولم يرفعه إلى النبي صلى الله عليه وسلم. واحتجوا من جهة النظر أن الأزواج لما استثنوا من جملة الشهداء بقول{ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم}وجب ألا يلاعن إلا من تجوز شهادته. وأيضا فلو كانت يمينا ما ردت، والحكمة في ترديدها قيامها في الأعداد مقام الشهود في الزنى. قلنا : هذا يبطل بيمين القسامة فإنها تكرر وليست بشهادة إجماعا؛ والحكمة في تكرارها التغليظ في الفروج والدماء. قال ابن العربي : والفيصل في أنها يمين لا شهادة أن الزوج يحلف لنفسه في إثبات دعواه وتخليصه من العذاب، وكيف يجوز لأحد أن يدعي في الشريعة أن شاهدا يشهد لنفسه بما يوجب حكما على غيره هذا بعيد في الأصل معدوم في النظر. السادسة: واختلف العلماء في ملاعنة الأخرس؛ فقال مالك والشافعي : يلاعن؛ لأنه ممن يصح طلاقه وظهاره وإيلاؤه، إذا فهم ذلك عنه. وقال أبو حنيفة : لا يلاعن؛ لأنه ليس من أهل الشهادة، ولأنه قد ينطق بلسانه فينكر اللعان، فلا يمكننا إقامة الحد عليه. وقد تقدم هذا المعنى في سورة [مريم] والدليل عليه، والحمد لله. السابعة: قال ابن العربي : رأى أبو حنيفة عموم الآية فقال : إن الرجل إذا قذف زوجته بالزنى قبل أن يتزوجها فإنه يلاعن؛ ونسي أن ذلك قد تضمنه قوله {والذين يرمون المحصنات}وهذا رماها محصنة غير زوجة؛ وإنما يكون اللعان في قذف يلحق فيه النسب، وهذا قذف لا يلحق فيه نسب فلا يوجب لعانا، كما لو قذف أجنبية. الثامنة: إذا قذفها بعد الطلاق نظرت؛ فإن كان هنالك نسب يريد أن ينفيه أو حمل يتبرأ منه لاعن وإلا لم يلاعن. وقال عثمان البتي : لا يلاعن بحال لأنها ليست بزوجة. وقال أبو حنيفة : لا يلاعن في الوجهين؛ لأنها ليست بزوجة. وهذا ينتقض عليه بالقذف قبل الزوجية كما ذكرناه آنفا، بل هذا أولى؛ لأن النكاح قد تقدم وهو يري الانتفاء من النسب وتبرئته من ولد يلحق به فلا بد من اللعان. وإذا لم يكن هنالك حمل يرجى ولا نسب يخاف تعلقه لم يكن للعان فائدة فلم يحكم به وكان قذفا مطلقا داخلا تحت عموم قوله {والذين يرمون المحصنات}الآية، فوجب عليه الحد وبطل ما قال البتي لظهور فساده. التاسعة: لا ملاعنة بين الرجل وزوجته بعد انقضاء العدة إلا في مسألة واحدة، وهي أن يكون الرجل غائبا فتأتي امرأته بولد في مغيبه وهو لا يعلم فيطلقها فتنقضي عدتها، ثم يقدم فينفيه فله أن يلاعنها ها هنا بعد العدة. وكذلك لو قدم بعد وفاتها ونفي الولد لاعن لنفسه وهي ميتة بعد مدة من العدة، ويرثها لأنها ماتت قبل وقوع الفرقة بينهما. العاشرة: إذا انتفى من الحمل ووقع ذلك بشرطه لاعن قبل الوضع؛ وبه قال الشافعي. وقال أبو حنيفة : لا يلاعن إلا بعد أن تضع، لأنه يحتمل أن يكون ريحا أو داء من الأدواء. ودليلنا النص الصريح بأن النبي صلى الله عليه وسلم لاعن قبل الوضع، وقال : (إن جاءت به كذا فهو لأبيه وإن جاءت به كذا فهو لفلان) فجاءت به على النعت المكروه. الحادية عشرة: إذا قذف بالوطء في الدبر [لزوجه] لاعن. وقال أبو حنيفة : لا يلاعن؛ وبناه على أصله في أن اللواط لا يوجب الحد. وهذا فاسد؛ لأن الرمي به فيه معرة وقد دخل تحت عموم قوله {والذين يرمون أزواجهم}وقد تقدم في الأعراف والمؤمنون أنه يجب به الحد. الثانية عشرة: قال ابن العربي : من غريب أمر هذا الرجل أنه قال إذا قذف زوجته وأمها بالزنى : إنه إن حد للأم سقط حد البنت، وإن لاعن للبنت لم يسقط حد الأم؛ وهذا لا وجه له، وما رأيت لهم فيه شيئا يحكى، وهذا باطل جدا؛ فإنه خص عموم الآية في البنت وهي زوجة بحد الأم من غير أثر ولا أصل قاسه عليه. الثالثة عشرة: إذا قذف زوجته ثم زنت قبل التعانه فلا حد ولا لعان. وبهذا قال أبو حنيفة والشافعي وأكثر أهل العلم. وقال الثوري والمزني : لا يسقط الحد عن القاذف، وزنى المقذوف بعد أن قذف لا يقدح في حصانته المتقدمة ولا يرفعها؛ لأن الاعتبار الحصانة والعفة في حال القذف لا بعده. كما لو قذف مسلما فارتد المقذوف بعد القذف وقبل أن يحد القاذف لم يسقط الحد عنه. وأيضا فإن الحدود كلها معتبرة بوقت الوجوب لا وقت الإقامة. ودليلنا هو أنه قد ظهر قبل استيفاء اللعان والحد معنى لو كان موجودا في الابتداء منع صحة اللعان ووجوب الحد فكذلك إذا طرأ في الثاني؛ كما إذا شهد شاهدان ظاهرهما العدالة فلم يحكم الحاكم بشهادتهما حتى ظهر فسقهما بأن زنيا أو شربا خمرا فلم يجز للحاكم أن يحكم بشهادتهما تلك. وأيضا فإن الحكم بالعفة والإحصان يؤخذ من طريق الظاهر لا من حيث القطع واليقين، وقد قال عليه السلام : (ظهر المؤمن حمى)؛ فلا يحد القاذف إلا بدليل قاطع، وبالله التوفيق. الرابعة عشرة: من قذف امرأته وهي كبيرة لا تحمل تلاعنا؛ هو لدفع الحد، وهي لدرء العذاب. فإن كانت صغيرة لا تحمل لاعن هو لدفع الحد ولم تلاعن هي لأنها لو أقرت لم يلزمها شيء. وقال ابن الماجشون : لا حد على قاذف من لم تبلغ. قال اللخمي : فعلى هذا لا لعان على زوج الصغيرة التي لا تحمل. الخامسة عشرة: إذا شهد أربعة على امرأة بالزنى أحدهم زوجها فإن الزوج يلاعن وتحد الشهود الثلاثة؛ وهو أحد قولي الشافعي. والقول الثاني أنهم لا يحدون. وقال أبو حنيفة : إذا شهد الزوج والثلاثة ابتداء قبلت شهادتهم وحدت المرأة. ودليلنا قوله {والذين يرمون المحصنات}الآية. فأخبر أن من قذف محصنا ولم يأت بأربعة شهداء حد؛ فظاهره يقتضي أن يأتي بأربعة شهداء سوى الرامي، والزوج رام لزوجته فخرج عن أن يكون أحد الشهود، والله أعلم. السادسة عشرة: إذا ظهر بامرأته حمل فترك أن ينفيه لم يكن له نفيه بعد سكوته. وقال شريح ومجاهد : له أن ينفيه أبدا. وهذا خطأ؛ لأن سكوته بعد العلم به رضى به؛ كما لو أقر به ثم ينفيه فإنه لا يقبل منه، والله أعلم. السابعة عشرة: فإن أخر ذلك إلى أن وضعت وقال : رجوت أن يكون ريحا يفش أو تسقطه فأستريح من القذف؛ فهل لنفيه بعد وضعه مدة ما فإذا تجاوزها لم يكن له ذلك؛ فقد اختلف في ذلك، فنحن نقول : إذا لم يكن له عذر في سكوته حتى مضت ثلاثة أيام فهو راض به ليس له نفيه؛ وبهذا قال الشافعي. وقال أيضا : متى أمكنه نفيه على ما جرت به العادة تمكنه من الحاكم فلم يفعل لم يكن له نفيه من بعد ذلك. وقال أبو حنيفة : لا أعتبر مدة. وقال أبو يوسف ومحمد : يعتبر فيه أربعون يوما، مدة النفاس. قال ابن القصار : والدليل لقولنا هو أن نفي ولده محرم عليه، واستلحاق ولد ليس منه محرم عليه، فلا بد أن يوسع عليه لكي ينظر فيه ويفكر، هل يجوز له نفيه أو لا. وإنما جعلنا الحد ثلاثة لأنه أول حد الكثرة وآخر حد القلة، وقد جعلت ثلاثة أيام يختبر بها حال المصراة؛ فكذلك ينبغي أن يكون هنا. وأما أبو يوسف ومحمد فليس اعتبارهم بأولى من اعتبار مدة الولادة والرضاع؛ إذ لا شاهد لهم في الشريعة، وقد ذكرنا نحن شاهدا في الشريعة من مدة المصراة. الثامنة عشرة: قال ابن القصار : إذا قالت امرأة لزوجها أو لأجنبي يا زانيه - بالهاء - وكذلك الأجنبي لأجنبي، فلست أعرف فيه نصا لأصحابنا، ولكنه عندي يكون قذفا وعلى قائله الحد، وقد زاد حرفا، وبه قال الشافعي ومحمد بن الحسن. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف : لا يكون قذفا. واتفقوا أنه إذا قال لامرأته يا زان أنه قذف. والدليل على أنه يكون في الرجل قذفا هو أن الخطاب إذا فهم منه معناه ثبت حكمه، سواء كان بلفظ أعجمي أو عربي. ألا ترى أنه إذا قال للمرأة زنيت بفتح التاء كان قذفا؛ لأن معناه يفهم منه، ولأبي حنيفة وأبي يوسف أنه لما جاز أن يخاطب المؤنث بخطاب المذكر لقوله {وقال نسوة}صلح أن يكون قول يا زان للمؤنث قذفا. ولما لم يجز أن يؤنث فعل المذكر إذا تقدم عليه لم يكن لخطابه بالمؤنث حكم، والله أعلم. التاسعةعشرة: يلاعن في النكاح الفاسد زوجته لأنها صارت فراشا ويلحق النسب فيه فجرى اللعان عليه. الموفية عشرين: اختلفوا في الزوج إذا أبى من الالتعان؛ فقال أبو حنيفة : لا حد عليه؛ لأن الله تعالى جعل على الأجنبي الحد وعلى الزوج اللعان، فلما لم ينتقل اللعان إلى الأجنبي لم ينتقل الحد إلى الزوج، ويسجن أبدا حتى يلاعن لأن الحدود لا تؤخر قياسا. وقال مالك والشافعي وجمهور الفقهاء : إن لم يلتعن الزوج حد؛ لأن اللعان له براءة كالشهود للأجنبي، فإن لم يأت الأجنبي بأربعة شهداء حد، فكذلك الزوج إن لم يلتعن. وفي حديث العجلاني ما يدل على هذا؛ لقوله : إن سكت سكت على غيظ وإن قتلتُ قُتلت وإن نطقتُ جُلدت. الحادية والعشرون: واختلفوا أيضا هل للزوج أن يلاعن مع شهوده؛ فقال مالك والشافعي : يلاعن كان له شهود أو لم يكن؛ لأن الشهود ليس لهم عمل في غير درء الحد، وأما رفع الفراش ونفي الولد فلا بد فيه من اللعان. وقال أبو حنيفة وأصحابه : إنما جعل اللعان للزوج إذا لم يكن له شهود غير نفسه؛ لقوله {ولم يكن لهم شهداء إلا أنفسهم}. الثانية والعشرون: البداءة في اللعان بما بدأ الله به، وهو الزوج؛ وفائدته درء الحد عنه ونفي النسب منه؛ لقوله عليه السلام : (البينة وإلا حد في ظهرك). ولو بدئ بالمرأة قبله لم يجز لأنه عكس ما رتبه الله تعالى. وقال أبو حنيفة : يجزى. وهذا باطل؛ لأنه خلاف القرآن، وليس له أصل يرده إليه ولا معنى يقوى به، بل المعنى لنا؛ لأن المرأة إذا بدأت باللعان فتنفي ما لم يثبت وهذا لا وجه له. الثالثة والعشرون: وكيفية اللعان أن يقول الحاكم للملاعن : قل أشهد بالله لرأيتها تزني ورأيت فرج الزاني في فرجها كالمرود في المكحلة وما وطئتها بعد رؤيتي. وإن شئت فلت : لقد زنت وما وطئتها بعد زناها. يردد ما شاء من هذين اللفظين أربع مرات، فإن نكل عن هذه الأيمان أو عن شيء منها حد. وإذا نفى حملا قال : أشهد بالله لقد استبرأتها وما وطئتها بعد، وما هذا الحمل مني، ويشير إليه؛ فيحلف بذلك أربع مرات ويقول في كل يمين منها : وإني لمن الصادقين في قولي هذا عليها. ثم يقول في الخامسة : علي لعنة الله إن كنت من الكاذبين، وإن شاء قال : إن كنت كاذبا فيما ذكرت عنها. فإذا قال ذلك سقط عنه الحد وانتفى عنه الولد. فإذا فرغ الرجل من التعانه قامت المرأة بعده فحلفت بالله أربعة أيمان، تقول فيها : أشهد بالله إنه لكاذب أو إنه لمن الكاذبين فيما ادعاه علي وذكر عني. وإن كانت حاملا قالت : وإن حملي هذا منه. ثم تقول في الخامسة : وعلي غضب الله إن كان صادقا، أو إن كان من الصادقين في قول ذلك. ومن أوجب اللعان بالقذف يقول في كل شهادة من الأربع : أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به فلانة من الزنى. ويقول في الخامسة : علي لعنة الله إن كنت كاذبا فيما رميت به من الزنى. وتقول هي : أشهد بالله إنه لكاذب فيما رماني به من الزنى. وتقول في الخامسة : علي غضب الله إن كان صادقا فيما رماني به من الزنى. وقال الشافعي : يقول الملاعن أشهد بالله إني لمن الصادقين فيما رميت به زوجي فلانة بنت فلان، ويشير إليها إن كانت حاضرة، يقول ذلك أربع مرات، ثم يوعظه الإمام ويذكره الله تعالى ويقول : إني أخاف إن لم تكن صدقت أن تبوء بلعنة الله؛ فإن رآه يريد أن يمضي على ذلك أمر من يضع يده على فيه، ويقول : إن قولك وعلي لعنة الله إن كنت من الكاذبين موجبا؛ فإن أبى تركه يقول ذلك : لعنة الله علي إن كنت من الكاذبين فيما رميت به فلانة من الزنى. احتج بما رواه أبو داود عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمر رجلا حيث أمر المتلاعنين أن يضع يده على فيه عند الخامسة يقول : إنها موجبة. الرابعة والعشرون: اختلف العلماء في حكم من قذف امرأته برجل سماه، هل يحد أم لا؛ فقال مالك : عليه اللعان لزوجته، وحد للمرمي. وبه قال أبو حنيفة؛ لأنه قاذف لمن لم يكن له ضرورة إلى قذفه. وقال الشافعي : لا حد عليه؛ لأن الله عز وجل لم يجعل على من رمى زوجته بالزنى إلا حدا واحدا بقول {والذين يرمون أزواجهم}، ولم يفرق بين من ذكر رجلا بعينه وبين من لم يذكر؛ وقد رمى العجلاني زوجته بشريك وكذلك هلال بن أمية؛ فلم يحد واحد منهما. قال ابن العربي : وظاهر القرآن لنا؛ لأن الله تعالى وضع الحد في قذف الأجنبي والزوجة مطلقين، ثم خص حد الزوجة بالخلاص باللعان وبقي الأجنبي على مطلق الآية. وإنما لم يحد العجلاني لشريك ولا هلال لأنه لم يطلبه؛ وحد القذف لا يقيمه الإمام إلا بعد المطالبة إجماعا منا ومنه. الخامسة والعشرون: إذا فرغ المتلاعنان من تلاعنهما جميعا تفرقا وخرج كل واحد منهما على باب من المسجد الجامع غير الباب الذي يخرج منه صاحبه، ولو خرجا من باب واحد لم يضر ذلك لعانهما. ولا خلاف في أنه لا يكن اللعان إلا في مسجد جامع تجمع فيه الجمعة بحضرة السلطان أو من يقوم مقامه من الحكام. وقد استحب جماعة من أهل العلم أن يكون اللعان في الجامع بعد العصر. وتلتعن النصرانية من زوجها المسلم في الموضع الذي تعظمه من كنيستها مثل ما تلتعن به المسلمة. السادسة والعشرون: قال مالك وأصحابه : وبتمام اللعان تقع الفرقة بين المتلاعنين، فلا يجتمعان أبدا ولا يتوارثان، ولا يحل له مراجعتها أبدا لا قبل زوج ولا بعده؛ وهو قول الليث بن سعد وزفر بن الهذيل والأوزاعي. وقال أبو حنيفة وأبو يوسف ومحمد بن الحسن : لا تقع الفرقة بعد فراغهما من اللعان حتى يفرق الحاكم بينهما؛ وهو قول الثوري؛ لقول ابن عمر : فرق رسول الله صلى الله عليه وسلم بين المتلاعنين؛ فأضاف الفرقة إليه، ولقوله عليه السلام : (لا سبيل لك عليها). وقال الشافعي : إذا أكمل الزوج الشهادة والالتعان فقد زال فراش امرأته، التعنت أو لم تلتعن. قال : وأما التعان المرأة فإنما هو لدرء الحد عنها لا غير؛ وليس لالتعانها في زوال الفراش معنى. ولما كان لعان الزوج ينفي الولد ويسقط الحد رفع الفراش. وكان عثمان البتي لا يرى التلاعن ينقص شيئا من عصمة الزوجين حتى يطلق. وهذا قول لم يتقدمه إليه أحد من الصحابة؛ على أن البتي قد استحب للملاعن أن يطلق بعد اللعان، ولم يستحسنه قبل ذلك؛ فدل على أن اللعان عنده قد أحدث حكما. وبقول عثمان قال جابر بن زيد فيما ذكره الطبري، وحكاه اللخمي عن محمد بن أبي صفرة. ومشهور المذهب أن نفس تمام اللعان بينهما فرقة. واحتج أهل هذه المقالة بأنه ليس في كتاب الله تعالى إذا لاعن أو لاعنت يجب وقوع الفرقة، وبقول عويمر : كذبت عليها إن أمسكتها؛ فطلقها ثلاثا، قال : ولم ينكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك عليه ولم يقل له لم قلت هذا، وأنت لا تحتاج إليه؛ لأن باللعان قد طلقت. والحجة لمالك في المشهور ومن وافقه قوله عليه السلام : (لا سبيل لك عليها). وهذا إعلام منه أن تمام اللعان رفع سبيله عنها وليس تفريقه بينهما باستئناف حكم وإنما كان تنفيذا لما أوجب الله تعالى بينهما من المباعدة، وهو معنى اللعان في اللغة. السابعة والعشرون: ذهب الجمهور من العلماء أن المتلاعنين لا يتناكحان أبدا، فإن أكذب نفسه جلد الحد ولحق به الولد، ولم ترجع إليه أبدا. وعلى هذا السنة التي لا شك فيها ولا اختلاف. وذكر ابن المنذر عن عطاء أن الملاعن إذا أكذب نفسه بعد اللعان لم يحد، وقال : قد تفرقا بلعنة من الله. وقال أبو حنيفة ومحمد : إذا أكذب نفسه جلد الحد ولحق به الولد، وكان خاطبا من الخطاب إن شاء؛ وهو قول سعيد بن المسيب والحسن وسعيد بن جبير وعبدالعزيز بن أبي سلمة، وقالوا : يعود النكاح حلالا كما لحق به الولد؛ لأنه لا فرق بين شيء من ذلك. وحجة الجماعة قوله عليه السلام : (لا سبيل لك عليها)؛ ولم يقل إلا أن تكذب نفسك. و""روى ابن إسحاق وجماعة عن الزهري"" قال : فمضت السنة أنهما إذا تلاعنا فرق بينهما فلا يجتمعان أبدا. ورواه الدارقطني، ورواه مرفوعا من حديث سعيد بن جبير عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : (المتلاعنان إذا افترقا لا يجتمعان أبدا). وروي عن علي وعبدالله قالا : مضت السنة ألا يجتمع المتلاعنان. عن علي : أبدا. الثامنة والعشرون: اللعان يفتقر إلى أربعة أشياء : عدد الألفاظ : وهو أربع شهادات على ما تقدم. والمكان : وهو أن يقصد به أشرف البقاع بالبلدان، إن كان بمكة فعند الركن والمقام، وإن كان بالمدينة فعند المنبر، وإن كان ببيت المقدس فعند الصخرة، وإن كان في سائر البلدان ففي مساجدها، وإن كانا كافرين بعث بهما إلى الموضع الذي يعتقدان تعظيمه، إن كانا يهوديين فالكنيسة، وإن كانا مجوسيين ففي بيت النار، وإن كانا لا دين لهما مثل الوثنيين فإنه يلاعن بينهما في مجلس حكمه. والوقت : وذلك بعد صلاة العصر. وجمع الناس : وذلك أن يكون هناك أربعة أنفس فصاعدا؛ فاللفظ وجمع الناس مشروطان، والزمان والمكان مستحبان. التاسعة والعشرون: من قال : إن الفراق لا يقع إلا بتمام التعانهما، فعليه لو مات أحدهما قبل تمامه ورثه الآخر. ومن قال : لا يقع إلا بتفريق الإمام فمات أحدهما قبل ذلك وتمام اللعان ورثه الآخر. وعلى قول الشافعي : إن مات أحدهما قبل أن تلتعن المرأة لم يتوارثا. الموفية ثلاثين: قال ابن القصار : تفريق اللعان عندنا ليس بفسخ؛ وهو مذهب المدونة : فإن اللعان حكم تفريق الطلاق، ويعطى لغير المدخول بها نصف الصداق. وفي مختصر ابن الجلاب : لا شيء لها؛ وهذا على أن تفريق اللعان فسخ.

التفسير الميسّر:

ولولا تفضُّل الله عليكم ورحمته- أيها المؤمنون- بهذا التشريع للأزواج والزوجات، لأحلَّ بالكاذب من المتلاعنين ما دعا به على نفسه، وأن الله تواب لمن تاب مِن عباده، حكيم في شرعه وتدبيره.

تفسير السعدي

{ وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ ْ} وجواب الشرط محذوف، يدل عليه سياق الكلام أي: لأحل بأحد المتلاعنين الكاذب منهما، ما دعا به على نفسه، ومن رحمته وفضله، ثبوت هذا الحكم الخاص بالزوجين، لشدة الحاجة إليه، وأن بين لكم شدة الزنا وفظاعته، وفظاعة القذف به، وأن شرع التوبة من هذه الكبائر وغيرها.


تفسير البغوي

قوله : ( ولولا فضل الله عليكم ورحمته وأن الله تواب حكيم ) جواب لولا محذوف ، يعني لعاجلكم بالعقوبة ، ولكنه ستر عليكم ودفع عنكم الحد باللعان ، وإن الله تواب يعود على من يرجع عن المعاصي بالرحمة ، حكيم فيما فرض من الحدود .


الإعراب:

(عَلَيْكُمْ) متعلقان بفضل (وَرَحْمَتُهُ) معطوف على فضل والهاء مضاف إليه.

(وَأَنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ حَكِيمٌ) الواو عاطفة وأن واسمها وخبراها والجملة معطوفة

---

Traslation and Transliteration:

Walawla fadlu Allahi AAalaykum warahmatuhu waanna Allaha tawwabun hakeemun

بيانات السورة

اسم السورة سورة النور (An-Nur - The Light)
ترتيبها 24
عدد آياتها 64
عدد كلماتها 1317
عدد حروفها 5596
معنى اسمها النُّورُ: الضَّوْءُ الْمَعْرُوفُ، وَالمُرَادُ (بِالنُّورِ): نُورُ هِدَايَةِ اللهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ
سبب تسميتها عِظَمُ ضَرْبِ الْمَثَلِ بِنُورِ هِدَايَةِ اللهِ لِلْخَلْقِ فِي قَولِهِ تَعَالَى: ﴿۞ٱللَّهُ نُورُ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلۡأَرۡضِۚ ...٣٥﴾
أسماؤها الأخرى لا يُعرَفُ للسُّورَةِ اسْمٌ آخَرُ سِوَى سُورَةِ (النُّورِ)
مقاصدها إِظْهَارُ هِدَايَةِ اللهِ تَعَالَى لِعِبَادِهِ فِي شُؤُونِ الْمَرْأَةِ وَالأُسْرَةِ وَالمُجْتَمَعِ
أسباب نزولها سُورَةٌ مَدَنيَّةٌ، لَمْ يُنقَل سَبَبٌ لِنـُزُوْلِهَا جُملَةً وَاحِدَةً، وَلَكِنْ صَحَّ لِبَعضِ آياتِهَا سَبَبُ نُزُولٍ
فضلها قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه: «تَعَلَّمُوا سُورَةَ بَرَاءَةَ، وعَلِّمُوا نِسَاءَكُمْ سُورَةَ النُّورِ». (أَثَرٌ صَحِيحٌ، سُنَنَ سَعِيدِ بِن مَنصُوْر)
مناسبتها مُنَاسَبَةُ أَوَّلِ سُورَةِ (النُّورِ) بِآخِرِهَا: الحَدِيثُ عَنِ العُقُوبَاتِ وَالتَّحْذِيرُ مِنْ عَدَمِ إِقَامَتِهَا، فقَالَ فِي فَاتِحَتِهَا: ﴿ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖۖ ...٢﴾، وَقَالَ فِي آخِرِهَا: ﴿فَلۡيَحۡذَرِ ٱلَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنۡ أَمۡرِهِۦٓ ...٦٣﴾. مُنَاسَبَةُ سُورَةِ (النُّورِ) لِمَا قَبلَهَا مِنْ سُورَةِ (المُؤْمِنُونَ): لَمَّا خُتَمَتِ (المُؤْمِنُونَ) بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ فِي قَولِهِ: ﴿وَقُل رَّبِّ ٱغۡفِرۡ وَٱرۡحَمۡ وَأَنتَ خَيۡرُ ٱلرَّٰحِمِينَ ١١٨﴾ افْتُتِحَتِ (النُّورُ) بِالدِّلَالَةِ عَلَيهِمَا بِفَرْضِ العُقُوبَاتِ لِتَطْهِيرِ أَهْلِ المَعَاصِي، فَقَالَ ﴿ٱلزَّانِيَةُ وَٱلزَّانِي فَٱجۡلِدُواْ كُلَّ وَٰحِدٖ مِّنۡهُمَا مِاْئَةَ جَلۡدَةٖۖ ...٢﴾... الآيَاتِ.
اختر الًجزء:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
اختر السورة:
1 - ﴿الفاتحة﴾
2 - ﴿البقرة﴾
3 - ﴿آل عمران﴾
4 - ﴿النساء﴾
5 - ﴿المائدة﴾
6 - ﴿الأنعام﴾
7 - ﴿الأعراف﴾
8 - ﴿الأنفال﴾
9 - ﴿التوبة﴾
10 - ﴿يونس﴾
11 - ﴿هود﴾
12 - ﴿يوسف﴾
13 - ﴿الرعد﴾
14 - ﴿إبراهيم﴾
15 - ﴿الحجر﴾
16 - ﴿النحل﴾
17 - ﴿الإسراء﴾
18 - ﴿الكهف﴾
19 - ﴿مريم﴾
20 - ﴿طه﴾
21 - ﴿الأنبياء﴾
22 - ﴿الحج﴾
23 - ﴿المؤمنون﴾
24 - ﴿النور﴾
25 - ﴿الفرقان﴾
26 - ﴿الشعراء﴾
27 - ﴿النمل﴾
28 - ﴿القصص﴾
29 - ﴿العنكبوت﴾
30 - ﴿الروم﴾
31 - ﴿لقمان﴾
32 - ﴿السجدة﴾
33 - ﴿الأحزاب﴾
34 - ﴿سبأ﴾
35 - ﴿فاطر﴾
36 - ﴿يس﴾
37 - ﴿الصافات﴾
38 - ﴿ص﴾
39 - ﴿الزمر﴾
40 - ﴿غافر﴾
41 - ﴿فصلت﴾
42 - ﴿الشورى﴾
43 - ﴿الزخرف﴾
44 - ﴿الدخان﴾
45 - ﴿الجاثية﴾
46 - ﴿الأحقاف﴾
47 - ﴿محمد﴾
48 - ﴿الفتح﴾
49 - ﴿الحجرات﴾
50 - ﴿ق﴾
51 - ﴿الذاريات﴾
52 - ﴿الطور﴾
53 - ﴿النجم﴾
54 - ﴿القمر﴾
55 - ﴿الرحمن﴾
56 - ﴿الواقعة﴾
57 - ﴿الحديد﴾
58 - ﴿المجادلة﴾
59 - ﴿الحشر﴾
60 - ﴿الممتحنة﴾
61 - ﴿الصف﴾
62 - ﴿الجمعة﴾
63 - ﴿المنافقون﴾
64 - ﴿التغابن﴾
65 - ﴿الطلاق﴾
66 - ﴿التحريم﴾
67 - ﴿الملك﴾
68 - ﴿القلم﴾
69 - ﴿الحاقة﴾
70 - ﴿المعارج﴾
71 - ﴿نوح﴾
72 - ﴿الجن﴾
73 - ﴿المزمل﴾
74 - ﴿المدثر﴾
75 - ﴿القيامة﴾
76 - ﴿الإنسان﴾
77 - ﴿المرسلات﴾
78 - ﴿النبأ﴾
79 - ﴿النازعات﴾
80 - ﴿عبس﴾
81 - ﴿التكوير﴾
82 - ﴿الانفطار﴾
83 - ﴿المطففين﴾
84 - ﴿الانشقاق﴾
85 - ﴿البروج﴾
86 - ﴿الطارق﴾
87 - ﴿الأعلى﴾
88 - ﴿الغاشية﴾
89 - ﴿الفجر﴾
90 - ﴿البلد﴾
91 - ﴿الشمس﴾
92 - ﴿الليل﴾
93 - ﴿الضحى﴾
94 - ﴿الشرح﴾
95 - ﴿التين﴾
96 - ﴿العلق﴾
97 - ﴿القدر﴾
98 - ﴿البينة﴾
99 - ﴿الزلزلة﴾
100 - ﴿العاديات﴾
101 - ﴿القارعة﴾
102 - ﴿التكاثر﴾
103 - ﴿العصر﴾
104 - ﴿الهمزة﴾
105 - ﴿الفيل﴾
106 - ﴿قريش﴾
107 - ﴿الماعون﴾
108 - ﴿الكوثر﴾
109 - ﴿الكافرون﴾
110 - ﴿النصر﴾
111 - ﴿المسد﴾
112 - ﴿الإخلاص﴾
113 - ﴿الفلق﴾
114 - ﴿الناس﴾
اختر الًصفحة:
1
2
3
4
5
6
7
8
9
10
11
12
13
14
15
16
17
18
19
20
21
22
23
24
25
26
27
28
29
30
31
32
33
34
35
36
37
38
39
40
41
42
43
44
45
46
47
48
49
50
51
52
53
54
55
56
57
58
59
60
61
62
63
64
65
66
67
68
69
70
71
72
73
74
75
76
77
78
79
80
81
82
83
84
85
86
87
88
89
90
91
92
93
94
95
96
97
98
99
100
101
102
103
104
105
106
107
108
109
110
111
112
113
114
115
116
117
118
119
120
121
122
123
124
125
126
127
128
129
130
131
132
133
134
135
136
137
138
139
140
141
142
143
144
145
146
147
148
149
150
151
152
153
154
155
156
157
158
159
160
161
162
163
164
165
166
167
168
169
170
171
172
173
174
175
176
177
178
179
180
181
182
183
184
185
186
187
188
189
190
191
192
193
194
195
196
197
198
199
200
201
202
203
204
205
206
207
208
209
210
211
212
213
214
215
216
217
218
219
220
221
222
223
224
225
226
227
228
229
230
231
232
233
234
235
236
237
238
239
240
241
242
243
244
245
246
247
248
249
250
251
252
253
254
255
256
257
258
259
260
261
262
263
264
265
266
267
268
269
270
271
272
273
274
275
276
277
278
279
280
281
282
283
284
285
286
287
288
289
290
291
292
293
294
295
296
297
298
299
300
301
302
303
304
305
306
307
308
309
310
311
312
313
314
315
316
317
318
319
320
321
322
323
324
325
326
327
328
329
330
331
332
333
334
335
336
337
338
339
340
341
342
343
344
345
346
347
348
349
350
351
352
353
354
355
356
357
358
359
360
361
362
363
364
365
366
367
368
369
370
371
372
373
374
375
376
377
378
379
380
381
382
383
384
385
386
387
388
389
390
391
392
393
394
395
396
397
398
399
400
401
402
403
404
405
406
407
408
409
410
411
412
413
414
415
416
417
418
419
420
421
422
423
424
425
426
427
428
429
430
431
432
433
434
435
436
437
438
439
440
441
442
443
444
445
446
447
448
449
450
451
452
453
454
455
456
457
458
459
460
461
462
463
464
465
466
467
468
469
470
471
472
473
474
475
476
477
478
479
480
481
482
483
484
485
486
487
488
489
490
491
492
493
494
495
496
497
498
499
500
501
502
503
504
505
506
507
508
509
510
511
512
513
514
515
516
517
518
519
520
521
522
523
524
525
526
527
528
529
530
531
532
533
534
535
536
537
538
539
540
541
542
543
544
545
546
547
548
549
550
551
552
553
554
555
556
557
558
559
560
561
562
563
564
565
566
567
568
569
570
571
572
573
574
575
576
577
578
579
580
581
582
583
584
585
586
587
588
589
590
591
592
593
594
595
596
597
598
599
600
601
602
603
604


يرجى ملاحظة أن بعض المحتويات تتم ترجمتها بشكل شبه تلقائي!