«ففهمناها» أي الحكومة «سليمان» وحكمهما باجتهاد ورجع داود إلى سليمان وقيل بوحي والثاني ناسخ للأول «وكلا» منهما «آتينا» ه «حكماً» نبوة «وعلماً» بأمور الدين «وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير» كذلك سخرا للتسبيح معه لأمره به إذا وجد فترة لينشط له «وكنا فاعلين» تسخير تسبيحهما معه، وإن كان عجباً عندكم: أي مجاوبته للسيد داود.
فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ آذَنْتُكُمْ عَلى سَواءٍ وَإِنْ أَدْرِي قَرِيبٌ أَمْ بَعِيدٌ ما تُوعَدُونَ (109) إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَيَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ (110) وَإِنْ أَدْرِي لَعَلَّهُ فِتْنَةٌ لَكُمْ وَمَتاعٌ إِلى حِينٍ (111) قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ (112 (
[ "قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ " ]
«قالَ رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ» أي الحق الذي شرعت لنا ليثبت صدقي عند من أرسلتني إليهم فيما أرسلتني به ، فجاء بلفظ يدل على أنه وقع فقال تعالى مخبرا «قالَ» وهو عند العامة ما وقع ، فإنه يوم القيامة ، وما أخبر اللّه إلا بالواقع ، فلا بد أن يكون ثم حضرة إلهية فيها وقوع الأشياء دائما ، لا يتقيد بالماضي فيقال قد وقعت ، ولا بالمستقبل فيقال تقع ، ولكن
متعلقها الحال الدائم ، والحال له الوجود ، ومن هذه الحضرة الإلهية عنها تقع الإخبارات بالماضي والمستقبل ، والألف واللام في الحق للحق المعهود الذي بعث به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلم ، أي بما شرعت لي وأرسلتني به ، فإن اللّه لا يعاملنا إلا بما شرع لنا لا بغير ذلك ، ألا تراه قد أمر نبيه صلّى اللّه عليه وسلم أن يسأله يوم القيامة أن يحكم بالحق الذي بعثه به بين عباده وبيده ، فقال تعالى آمرا «قل» يا محمد ، وهي قراءة «رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ» أي فليكن حكمك في الأمم يوم القيامة بما شرعت لهم وبعثتنا به إليهم .
فإن ذلك مما يراد ، فإنك ما أرسلتنا إلا بما تريد حتى يثبت صدقنا عندهم ، وتقوم الحجة عليهم إذا حكم الحق في كل أمة بما أرسل به نبيه إليهم ، وبهذا تكون للّه الحجة البالغة ، فما حكم إلا بما شرع وأمر عبده أن يسأله تعالى في ذلك حتى يكون حكمه فيه عن سؤال عبده ، كما كان حكم العبد بما قيده من الشرع عن أمر ربه ، وأكثر من هذا التنزل الإلهي إلى العباد ما يكون ، وهل يحكم اللّه إلا بالحق ، فجعل الحق نفسه في هذه الآية مأمورا لنبيه عليه السلام ، فإن لفظة احكم أمر ، وأمره سبحانه أن يقول له ذلك ، فإن اللّه ما يعامل العبد بأمر إلا قد عامل به نفسه ، فأوجب على نفسه كما أوجب عليك ، ودخل لك تحت العهد كما أدخلك تحت العهد ، فما أمرك بشيء إلّا وقد جعل على نفسه مثل ذلك ، هذا لتكون له الحجة البالغة ، ووفى بكل ما أوجبه على نفسه ، وطلب منك الوفاء بما أوجبه عليك ،
أليس هذا من لطفه ؟ أليس هذا من كرمه ؟
ألا تراه تعالى لما قال لنبيه داود «فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوىقال تعالى جبرا لقلب خلفائه «قل» يا محمد «رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ» فيحكم بنفسه تعالى بالحق الذي بعث به رسله ليصدقهم عند عبيده فعلا بحكمه ، كما صدقهم في حال احتجابه بما أيدهم به من الآيات ، ولما كان الأصل في الحكم المشروع غلبة الظنّ ،
فإن الحاكم لا يحكم إلا بشهادة الشاهد ، وهو ليس قاطعا فيما شهد به من ذلك ، فما اختلف العلماء في حكم الحاكم بين الخصمين بغلبة الظن ، واختلفوا في حكمه بعلمه ، فكانت غلبة الظن في هذا النوع أصلا متفقا عليه ويرجع إليه ،
وكان العلم في ذلك مختلفا فيه ، والحق تعالى وإن لم يكن عنده إلا العلم فإنه يحكم بالشهود ، ولذلك جاء «قل رب احكم بالحق» أي بما شرعت لي وأرسلتني به ، فمع علمه تعالى يقيم على خلقه يوم القيامة الشهود ، فلا يعاقبهم إلا بعد إقامة البينة عليهم مع علمه ، وبهذا قال من قال : إنه ليس للحاكم أن يحكم بعلمه ، أما في العالم فللتهمة بما له
من الغرض ، وأما في جانب الحق فلإقامة الحجة على المحكوم عليه ، حتى لا يأخذه في الآخرة إلا بما شرع له من الحكم في الدنيا على لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلم ، ولهذا يقول الرسول لربه عن أمر ربه" رَبِّ احْكُمْ بِالْحَقِّ "
يعني بالحق الذي بعثتني به وشرعت لي أن أحكم به فيهم «وَرَبُّنَا الرَّحْمنُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ» لولا ما هو الرحمن ما اجترأ العبد أن يقول رب احكم بالحق ، فإنه تعالى ما يحكم إلا بالحق
- الوجه الثاني -جعل اللّه في الوجود كتابين ، كتابا سماه أمّا ، فيه ما كان قبل إيجاده وما يكون ، كتبه بحكم الاسم المقيت ، فهو كتاب ذو قدر معلوم فيه بعض أعيان الممكنات وما يتكون عنها ،
وكتابا آخر ليس فيه سوى ما يتكون عن المكلفين خاصة ، فلا تزال الكتابة فيه ما دام التكليف ، وبه تقوم الحجة للّه على المكلفين ، وبه يطالبهم لا بالأم ، وهذا هو الإمام الحق المبين الذي يحكم به الحق تعالى الذي أخبرنا اللّه في كتابه أنه أمر نبيه أن يقول لربه «احْكُمْ بِالْحَقِّ» ، يريد هذا الكتاب ،
وهو كتاب الإحصاء فلا يغادر صغيرة ولا كبيرة إلا أحصاها ، وكل صغير وكبير مستطر ، وهو منصوص عليه في الأم .
(22) سورة الحج مدنيّة
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ
------------
(
112) الفتوحات ج 2 /
52 ،
92 - ج 4 /
235 - ج 2 /
92 - ج 1 /
579">
579 - ج 4 /
235 - ج 1 /
579">
579 - ج 3 /
364 ، 76 ،
364 -ح 4 / 26 - ج 1 /
597 - ج 3 /
476 - ج 4 /
54 - ج 3 /
112
وقوله : ( ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما ) قال ابن أبي حاتم :
حدثنا أبي ، حدثنا موسى بن إسماعيل ، حدثنا حماد ، عن حميد; أن إياس بن معاوية لما استقضى أتاه الحسن فبكى ، قال ما يبكيك؟ قال يا أبا سعيد ، بلغني أن القضاة : رجل اجتهد فأخطأ ، فهو في النار ، ورجل مال به الهوى فهو في النار ، ورجل اجتهد فأصاب فهو في الجنة . فقال الحسن البصري : إن فيما قص الله من نبأ داود وسليمان - عليهما السلام - والأنبياء حكما يرد قول هؤلاء الناس عن قولهم ، قال الله تعالى : ( وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نفشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين ) فأثنى الله على سليمان ولم يذم داود . ثم قال - يعني : الحسن - : إن الله اتخذ على الحكماء ثلاثا : لا يشترون به ثمنا قليلا ولا يتبعون فيه الهوى ، ولا يخشون فيه أحدا ، ثم تلا ( يا داود إنا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ] ) وقال : ( فلا تخشوا الناس واخشون ) [ المائدة : 44 ] ، وقال ( ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ) [ المائدة : 44 ] .
قلت : أما الأنبياء ، عليهم السلام ، فكلهم معصومون مؤيدون من الله عز وجل . وهذا مما لا خلاف فيه بين العلماء المحققين من السلف والخلف ، وأما من سواهم فقد ثبت في صحيح البخاري ، عن عمرو بن العاص أنه قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران ، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر " فهذا الحديث يرد نصا ما توهمه " إياس " من أن القاضي إذا اجتهد فأخطأ فهو في النار ، والله أعلم .
وفي السنن : " القضاة ثلاثة : قاض في الجنة ، وقاضيان في النار : رجل علم الحق وقضى به فهو في الجنة ، ورجل حكم بين الناس على جهل فهو في النار ، ورجل علم الحق وقضى بخلافه ، فهو في النار .
وقريب من هذه القصة المذكورة في القرآن ما رواه الإمام أحمد في مسنده ، حيث قال : حدثنا علي بن حفص ، أخبرنا ورقاء عن أبي الزناد ، عن الأعرج ، عن أبي هريرة قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " بينما امرأتان معهما ابنان لهما ، جاء الذئب فأخذ أحد الابنين ، فتحاكمتا إلى داود ، فقضى به للكبرى ، فخرجتا . فدعاهما سليمان فقال : هاتوا السكين أشقه بينهما ، فقالت الصغرى : يرحمك الله هو ابنها ، لا تشقه ، فقضى به للصغرى " .
وأخرجه البخاري ومسلم في صحيحيهما وبوب عليه النسائي في كتاب القضاء : ( باب الحاكم يوهم خلاف الحكم ليستعلم الحق ) .
وهكذا القصة التي أوردها الحافظ أبو القاسم ابن عساكر في ترجمة " سليمان عليه السلام " من تاريخه ، من طريق الحسن بن سفيان ، عن صفوان بن صالح ، عن الوليد بن مسلم ، عن سعيد بن بشر ، عن قتادة ، عن مجاهد ، عن ابن عباس - فذكر قصة مطولة ملخصها - : أن امرأة حسناء في زمان بني إسرائيل ، راودها عن نفسها أربعة من رؤسائهم ، فامتنعت على كل منهم ، فاتفقوا فيما بينهم عليها ، فشهدوا عليها عند داود ، عليه السلام ، أنها مكنت من نفسها كلبا لها ، قد عودته ذلك منها ، فأمر برجمها . فلما كان عشية ذلك اليوم ، جلس سليمان ، واجتمع معه ولدان مثله ، فانتصب حاكما وتزيا أربعة منهم بزي أولئك ، وآخر بزي المرأة ، وشهدوا عليها بأنها مكنت من نفسها كلبا ، فقال سليمان : فرقوا بينهم . فقال لأولهم : ما كان لون الكلب؟ فقال : أسود . فعزله ، واستدعى الآخر فسأله عن لونه ، فقال : أحمر . وقال الآخر : أغبش . وقال الآخر : أبيض . فأمر بقتلهم ، فحكي ذلك لداود ، فاستدعى من فوره بأولئك الأربعة ، فسألهم متفرقين عن لون ذلك الكلب ، فاختلفوا عليه ، فأمر بقتلهم .
وقوله : ( وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير وكنا فاعلين ) : وذلك لطيب صوته بتلاوة كتابه الزبور ، وكان إذا ترنم به تقف الطير في الهواء ، فتجاوبه ، وترد عليه الجبال تأويبا; ولهذا لما مر النبي صلى الله عليه وسلم على أبي موسى الأشعري ، وهو يتلو القرآن من الليل ، وكان له صوت طيب [ جدا ] . فوقف واستمع لقراءته ، وقال : " لقد أوتي هذا مزامير آل داود " . قال يا رسول الله ، لو علمت أنك تسمع لحبرته لك تحبيرا .
وقال أبو عثمان النهدي : ما سمعت صوت صنج ولا بربط ولا مزمار مثل صوت أبي موسى رضي الله عنه ، ومع هذا قال : لقد أوتي مزمارا من مزامير آل داود .
فيه ست وعشرون مسألة: الأولى: قوله تعالى {وداود وسليمان إذ يحكمان} أي واذكرهما إذ يحكمان، ولم يرد بقوله {إذ يحكمان} الاجتماع في الحكم وإن جمعهما في القول؛ فإن حكمين على حكم واحد لا يجوز. وإنما حكم كل واحد منهما انفراده؛ وكان سليمان الفاهم لها بتفهيم الله تعالى إياه. {في الحرث} اختلف فيه على قولين : فقيل : كان زرعا؛ قال قتادة. وقيل : كرما نبت عنا قيده؛ قال ابن مسعود وشريح. و{الحرث} يقال فيهما، وهو في الزرع أبعد من الاستعارة. الثانية: {إذ نفشت فيه غنم القوم} أي رعت فيه ليلا؛ والنفش الرعي بالليل. يقال : نفشت بالليل، وهملت بالنهار، إذا رعت بلا راع. وأنفشها صاحبها. وإبل نفاش. وفي حديث عبدالله بن عمرو : الحبة في الجنة مثل كرش البعير يبيت نافشا؛ أي راعيا؛ حكاه الهروي. وقال ابن سيده : لا يقال الهمل في الغنم وإنما هو في الإبل. الثالثة: {وكنا لحكمهم شاهدين} دليل على أن أقل الجمع اثنان. وقيل : المراد الحاكمان والمحكوم عليه؛ فلذلك قال {لحكمهم}. الرابعة: قوله تعالى {ففهمناها سليمان} أي فهمناه القضية والحكومة، فكنى عنها إذ سبق ما يدل عليها. وفضل حكم سليمان حكم أبيه في أنه أحرز أن يبقي كل واحد منهما على متاعه، وتبقي نفسه طيبة بذلك؛ وذلك أن داود عليه السلام رأى أن يدفع الغنم إلى صاحب الحرث. وقالت فرقة : بل دفع الغنم إلى صاحب الحرث، والحرث إلى صاحب الغنم. قال ابن عطية : فيشبه على القول الواحد أنه رأى الغنم تقاوم الغلة التي أفسدت. وعلى القول الثاني رآها تقاوم الحرث والغلة؛ فلما خرج الخصمان على سليمان وكان يجلس على الباب الذي يخرج منه الخصوم، وكانوا يدخلون إلى داود من باب أخر فقال : بم قضى بينكما نبي الله داود؟ فقالا : قضى بالغنم لصاحب الحرث. فقال لعل الحكم غير هذا انصرفا معي. فأتى أباه فقال : يا نبي الله إنك حكمت بكذا وكذا وإني رأيت ما هو أرفق بالجميع. قال : وما هو؟ قال : ينبغي أن تدفع الغنم إلى صاحب الحرث فينتفع بألبانها وسمونها وأصوافها، وتدفع الحرث إلى صاحب الغنم ليقوم عليه، فإذا عاد الزرع إلى حال التي أصابته الغنم في السنة المقبلة، رد كل واحد منهما ماله إلى صاحبه. فقال داود : وفقت يا بني لا يقطع الله فهمك. وقضى بما قضى به سليمان؛ قال معناه ابن مسعود ومجاهد وغيرهما. قال الكلبي : قوم داود الغنم والكرم الذي أفسدته الغنم فكانت القيمتان سواء، فدفع الغنم إلى صاحب الكرم. وهكذا قال النحاس؛ قال : إنما قضى بالغنم لصاحب الحرث؛ لأن ثمنها كان قريبا منه. وأما في حكم سليمان فقد قيل : كانت قيمة ما نال من الغنم وقيمة ما أفسدت الغنم سواء أيضا. الخامسة: قوله تعالى {وكلا آتينا حكما وعلما} تأول قوم أن داود عليه السلام لم يخطئ في هذه النازلة، بل فيها أوتي الحكم والعلم. وحملوا قوله {ففهمناها سليمان} على أنه فضيلة له على داود وفضيلته راجعة إلى داود، والوالد تسره زيادة ولده عليه. وقالت فرقة : بل لأنه لم يصب العين المطلوبة في هذه النازلة، وإنما مدحه الله بأن له حكما وعلما يرجع إليه في غير هذه النازلة. وأما في هذه فأصاب سليمان وأخطأ داود عليهما الصلاة والسلام، ولا يمتنع وجود الغلط والخطأ من الأنبياء كوجوده من غيرهم، لكن لا يقرون عليه، وإن أقر عليه غيرهم. ولما هدم الوليد كنيسة دمشق كتب إليه ملك الروم : إنك هدمت الكنيسة التي رأى أبوك تركها، فإن كنت مصيبا فقد أخطأ أبوك، وإن كان أبوك مصيبا فقد أخطأت أنت؛ فأجابه الوليد {وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نقشت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين. ففهمناها سليمان وكلا آتينا حكما وعلما}. وقال قوم : كان داود وسليمان - عليهما السلام - نبيين يقضيان بما يوحى إليهما، فحكم داود بوحي، وحكم سليمان بوحي نسخ الله به حكم داود، وعلى هذا {ففهمناها سليمان} أي بطريق الوحي الناسخ لما أوحى إلى داود، وأمر سليمان أن يبلغ ذلك داود؛ ولهذا قال {وكلا آتينا حكما وعلما}. هذا قول جماعة من العلماء ومنها ابن فورك. وقال الجمهور : إن حكمهما كان باجتهاد وهي : السادسة: واختلف العلماء في جواز الاجتهاد على الأنبياء فمنعه قوم، وجوزه المحققون؛ لأنه ليس فيه استحالة عقلية؛ لأنه دليل شرعي فلا إحالة أن يستدل به الأنبياء، كما لو قال له الله سبحانه وتعالى : إذا غلب على ظنك كذا فاقطع بأن ما غلب على ظنك هو حكمي فبلغه الأمة؛ فهذا غير مستحيل في العقل. فإن قيل : إنما يكون دليلا إذا عدم النص وهم لا يعدمونه. قلنا : إذا لم ينزل الملك فقد عدم النص عندهم، وصاروا في البحث كغيرهم من المجتهدين عن معاني النصوص التي عندهم. والفرق بينهم وبين غيرهم من المجتهدين أنهم معصومون عن الخطأ، وعن الغلط، وعن التقصير في اجتهادهم، وغيرهم ليس كذلك. كما ذهب الجمهور في أن جميع الأنبياء صلوات الله عليهم معصومون عن الخطأ والغلط في اجتهادهم. وذهب أبو علي بن أبي هريرة من أصحاب الشافعي إلى أن نبينا صلى الله عليه وسلم مخصوص منهم في جواز الخطأ عليهم، وفرق بينه وبين غيره من الأنبياء أنه لم يكن بعده يستدرك غلطه، ولذلك عصمه الله تعالى منه، وقد بعث بعد غيره من الأنبياء من يستدرك غلطة. وقد قيل : إنه على العموم في جميع الأنبياء، وأن نبينا وغيره من الأنبياء صلوات الله عليهم في تجويز الخطأ على سواء إلا أنهم لا يقرون على إمضائه، فلم يعتبر فيه استدراك من بعدهم من الأنبياء. هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سألته امرأة عن العدة فقال لها : (اعتدي حيث شئت) ثم قال لها : (امكثي في بيتك حتى يبلغ الكتاب أجله). وقال له رجل : أرأيت إن قتلت صبرا محتسبا أيحجزني عن الجنة شيء؟ فقال : (لا) ثم دعاه فقال : (إلا الدين كذا أخبرني جبريل عليه السلام). السابعة: قال الحسن : لولا هذه الآية لرأيت القضاة هلكوا، ولكنه تعالى أثنى على سليمان بصوابه، وعذر داود باجتهاده. وقد اختلف الناس في المجتهدين في الفروع إذا اختلفوا؛ فقالت فرقة : الحق في طرف واحد عند الله، قد نصب على ذلك أدلة، وحمل المجتهدين على البحث عنها، والنظر فيها، فمن صادف العين المطلوبة في المسألة فهو المصيب على الإطلاق، وله أجران في الاجتهاد وأجر في الإصابة، ومن لم يصادفها فهو مصيب في اجتهاده مخطئ في أنه لم يصب العين فله أجر وهو غير معذور. هذا سليمان قد صادف العين المطلوبة، وهي التي فهم. ورأت فرقة أن العالم المخطئ لا إثم في خطئه وإن كان غير معذور. وقالت فرقة : الحق في طرف واحد ولم ينصب الله تعالى عليه دلائل [بل] وكل الأمر إلى نظر المجتهدين فمن أصابه أصاب ومن أخطأ فهو معذور مأجور متعبد بإصابته العين بل تعبدنا بالاجتهاد فقط. وقال جمهور أهل السنة وهو المحفوظ عن مالك وأصحابه رضي الله عنهم : إن الحق في مسائل الفروع في الطرفين، وكل مجتهد مصيب، والمطلوب إنما هو الأفضل في ظنه، وكل مجتهد قد أداه نظره إلى الأفضل في ظنه؛ والدليل على هذه المقالة أن الصحابة فمن بعدهم قرر بعضهم خلاف بعض، ولم ير أحد منهم أن يقع الانحمال على قوله دون قول مخالفه. ومنه رد مالك رحمه الله للمنصور أبي جعفر عن حمل الناس [الموطأ]؛ فإذا قال عالم في أمر حلال فذلك هو الحق فيما يختص بذلك العالم عند الله تعالى وبكل من أخذ بقوله، وكذا في العكس. قالوا : وإن كان سليمان عليه السلام فهم القضية المثلى والتي أرجح فالأولى ليست بخطأ، وعلى هذا يحملون قول عليه السلام : (إذا اجتهد العالم فأخطأ) أي فأخطأ الأفضل. الثامنة: روى مسلم وغيره عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (إذا حكم الحاكم فاجتهد ثم أصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد ثم أخطأ فله أجر) هكذا لفظ الحديث في كتاب مسلم (إذا حكم فاجتهد) فبدأ بالحكم قبل الاجتهاد، والأمر بالعكس؛ فإن الاجتهاد مقدم لي الحكم، فلا يجوز الحكم قبل الاجتهاد بالإجماع. وإنما معنى هذا الحديث : إذا أراد أن يحكم، كما قال {فإذا قرأت القرآن فاستعذ}[
النحل : 98] فعند ذلك أراد أن يجتهد في النازلة. ويفيد هذا صحة ما قال الأصوليون : إن المجتهد يجب عليه أن يجدد نظرا عند وقوع النازلة، ولا يعتمد على اجتهاده المتقدم لإمكان أن يظهر له ثانيا خلاف ما ظهر له أولا، اللهم إن يكون ذاكرا لأركان اجتهاده، مائلا إليه، فلا يحتاج إلى استئناف نظر في أمارة أخرى. التاسعة: إنما يكون الأجر للحاكم المخطئ إذا كان عالما بالاجتهاد والسنن والقياس، وقضاء من مضي؛ لأن اجتهاده عبادة ولا يؤجر على الخطأ بل يوضع عنه الإثم فقط، فأما من لم يكن محلا للاجتهاد فهو متكلف لا يعذر بالخطأ في الحكم، بل يخاف عليه أعظم الوزر. يدل على ذلك حديثه الآخر؛ رواه أبو داود : (القضاة ثلاثة) الحديث. قال ابن المنذر : إنما يؤجر على اجتهاده في طلب الصواب لا على الخطأ، ومما يؤيد هذا قوله تعالى {ففهمناها سليمان} الآية. قال الحسن : أثنى على سليمان ولم يذم داود. العاشرة: ذكر أبو التمام المالكي أن مذهب مالك أن الحق في واحد من أقاويل المجتهدين، وليس ذلك في أقاويل المختلفين، وبه قال أكثر الفقهاء. قال : وحكى ابن القاسم أنه سأل مالكا عن اختلاف الصحابة، فقال : مخطئ ومصيب، وليس الحق في جميع أقاويلهم. وهذا القول قيل : هو المشهور عن مالك وإليه ذهب محمد بن الحسين. واحتج من قال هذا بحديث عبدالله بن عمرو؛ قالوا : وهو نص على أن في المجتهدين وفي الحاكمين مخطئا ومصيبا؛ قالوا : والقول بأن كل مجتهد مصيب يؤدي إلى كون الشيء حلالا حراما، وواجبا ندبا. واحتج أهل المقالة الأولى بحديث ابن عمر. قال : نادى فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم انصرف من الأحزاب (ألا لا يصلين أحد العصر إلا في بني قريظة) فتخوف ناس فوت الوقت فصلوا دون بني قريظة، وقال الآخرون : لا نصلي إلا حيث أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن فاتنا الوقت، قال : فما عنف واحدا من الفريقين؛ قالوا : فلو كان أحد الفريقين مخطئا لعينه النبي صلى الله عليه وسلم. ويمكن أن يقال : لعله إنما سكت عن تعيين المخطئين لأنه غير آثم بل مأجور، فاستغنى عن تعيينه. والله أعلم. ومسألة الاجتهاد طويلة متشعبة؛ وهذه النبذة التي ذكرناها كافية في معنى الآية، والله الموفق للهداية. الحادية عشرة: ويتعلق بالآية فصل آخر : وهو رجوع الحاكم بعد قضائه من اجتهاده إلى اجتهاد آخر أرجح من الأول؛ فإن داود عليه السلام فعل ذلك. وقد اختلف في ذلك علماؤنا رحمهم الله تعالى؛ فقال عبدالملك ومطرف في {الواضحة} : ذلك له ما دام في ولايته؛ فأما إن كانت ولاية أخرى فليس له ذلك، وهو بمنزلة غيره من القضاة. وهذا هو ظاهر قول مالك رحمه الله في [المدونة]. وقال سحنون في رجوعه من اجتهاد فيه قول إلى غيره مما رآه أصوب ليس له ذلك؛ وقال ابن عبدالحكم. قالا : ويستأنف الحكم بما قوي عنده. قال سحنون : إلا أن يكون نسي الأقوى عنده في ذلك الوقت، أو وهم فحكم بغيره فله نقضه؛ وأما وإن حكم بحكم هو الأقوى عنده في ذلك الوقت ثم قوى عنده غيره بعد ذلك فلا سبيل إلى نقض الأول؛ قاله سحنون في كتاب ابنه. وقال أشهب في كتاب ابن المواز : إن كان رجوعه إلى الأصوب في مال فله نقض الأول، وإن كان في طلاق أو نكاح أو عتق فليس له نقضه. قلت : رجوع القاضي عما حكم القاضي إذا يتبين له أن الحق في غيره ما دام في ولايته أولى. وهكذا في رسالة عمر إلى أبي موسى. رضي الله عنهما؛ رواها الدارقطني، وقد ذكرناها في [الأعراف] ولم يفصل؛ وهي الحجة لظاهر قول مالك. ولم يختلف العلماء أن القاضي إذا قضى تجوزا وبخلاف أهل العلم فهو مردود، إن كان على وجه الاجتهاد؛ فأما أن يتعقب قاض حكم قاض آخر فلا يجوز ذلك له لأن فيه مضرة عظمى من جهة نقض الأحكام، وتبديل الحلال بالحرام، وعدم ضبط قوانين الإسلام، ويتعرض أحد من العلماء لنقض ما رواه الآخر، وإنما كان يحكم بما ظهر له. الثانية عشرة: قال بعض الناس : إن داود عليه السلام لم يكن أنفذ الحكم وظهر له ما قال غيره. وقال آخرون لم يكن حكما وإنما كانت فتيا. قلت : وهكذا تؤول فيما رواه أبو هريرة عنه عليه السلام أنه قال : بينما امرأتان معهما ابناهما جاء الذئب فذهب بابن إحداهما، فقالت هذه لصاحبتها : إنما ذهب بابنك أنت. وقالت الأخرى : إنما ذهب بابنك؛ فتحاكمتا إلى داود، فقضى به للكبرى؛ فخرجتا على سليمان بن داود عليهما السلام فأخبرتاه؛ فقال : ائتوني بالسكين أشفه بينكما؛ فقالت الصغرى : لا - يرحمك الله - هو ابنها؛ فقضى به للصغرى؛ قال أبو هريرة : إن سمعت بالسكين قط إلا يومئذ، ما كنا نقول إلا المدية؛ أخرجه مسلم. فأما القول بأن ذلك من داود فتيا فهو ضعيف؛ لأنه كان النبي - صلى الله عليه وسلم - وفتياه حكم. وأما القول الآخر فيبعد؛ لأنه تعالى قال {إذ يحكمان في الحرث} فبين أن كل واحد منهما كان قد حكم. وكذا قول في الحديث : فقضى به للكبرى؛ يدل على إنفاذ القضاء وإنجازه. ولقد أبعد من قال : إنه كان من شرع داود أن يحكم به للكبرى من حيث هي كبرى؛ لأن الكبر والصغر طرد محض عند الدعاوى كالطول والقصر والسواد والبياض وذلك لا يوجب ترجيح أحد المتداعيين حتى يحكم له أو عليه لأجل ذلك. وهو مما يقطع به من فهم ما جاءت به الشرائع. والذي ينبغي أن يقال : إن داود عليه السلام إنما قضى به للكبرى لسبب اقتضى عنده ترجيح قولها. ولم يذكر في الحديث تعيينه إذ لم تدع حاجة إليه، فيمكن أن الولد كان بيدها، وعلم عجز الأخرى عن إقامة البينة، فقضى به لها إبقاء لما كان على ما كان. وهذا التأويل أحسن ما قيل في هذا الحديث. وهو الذي تشهد له قاعدة الدعاوي الشرعية التي يبعد اختلاف الشرائع فيها. لا يقال : فإن كان داود قضى بسبب شرعي فكيف ساغ لسليمان نقض حكمه؛ فالجواب : أن سليمان عليه السلام لم يتعرض لحكم أبيه بالنقض، وإنما احتال حيلة لطيفة ظهر له بسببها صدق الصغرى؛ وهي أنه لما قال : هات السكين أشقه بينكما، قالت الصغرى : لا؛ فظهر له من قرينة الشفقة في الصغرى، وعدم ذلك في الكبرى، مع ما عساه انضاف إلى ذلك من القرائن ما حصل له العلم بصدقها فحكم لها. ولعله كان ممن سوغ له أن يحكم بعلمه. وقد ترجم النسائي على هذا الحديث {حكم الحاكم بعلمه}. وترجم له أيضا {السعة للحاكم أن يقول للشيء الذي لا يفعله أفعل ليستبين الحق}. وترجم له أيضا {نقض الحاكم لا يحكم به غيره ممن هو مثله أو أجل منه}. ولعل الكبرى اعترفت بأن الولد للصغرى عندما رأت من سليمان الحزم والجد في ذلك، فقضى بالولد للصغرى؛ ويكون هذا كما إذا حكم الحاكم باليمين، فلما مضى ليحلف حضر من استخرج من المنكر ما أوجب إقراره، فإنه يحكم عليه بذلك الإقرار قبل اليمين وبعدها، ولا يكون ذلك من باب نقض الحكم الأول، لكن من باب تبدل الأحكام بحسب تبدل الأسباب. والله أعلم. وفي هذا الحديث من الفقه أن الأنبياء سوغ لهم الحكم بالاجتهاد؛ وقد ذكرناه. وفيه من الفقه استعمال الحكام الحيل التي تستخرج بها الحقوق، وذلك يكون عن قوة الذكاء والفطنة، وممارسة أحوال الخلق؛ وقد يكون في أهل التقوى فراسة دينية، وتوسمات نورية، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء. وفيه الحجة لمن يقول : إن الأم تستلحق؛ وليس مشهور مذهب مالك، وليس هذا موضع ذكره. وعلى الجملة فقضاء سليمان في هذه القصة تضمنها مدحه تعالى له بقوله {ففهمناها سليمان}. الثالثة عشرة: قد تقدم القول في الحرث والحكم في هذه الواقعة في شرعنا : أن على أصحاب الحوائط حفظ حيطانهم وزروعهم بالنهار، ثم الضمان في المثل بالمثليات، وبالقيمة في ذوات القيم. والأصل في هذه المسألة في شرعنا ما حكم به نبينا صلى الله عليه وسلم في ناقة البراء بن عازب. رواه مالك عن ابن شهاب عن حرام بن سعد بن محيصة : أن ناقة للبراء دخلت حائط رجل فأفسدت فيه، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الحوائط حفظها بالليل، وأن ما أفسدت المواشي بالليل ضامن على أهلها. هكذا رواه جميع الرواة مرسلا. وكذلك رواه أصحاب ابن شهاب عن ابن شهاب، إلا ابن عيينة فإنه رواه عن الزهري عن سعيد وحرام بن سعد بن محيصة : أن ناقة؛ فذكر مثله بمعناه. ورواه ابن أبي ذئب عن ابن شهاب أنه بلغه أن ناقة البراء دخلت حائط قوم؛ مثل حديث مالك سواء، إلا أنه لم يذكر حرام بن سعد بن محيصة ولا غيره. قال أبو عمر : لم يصنع ابن أبي ذئب شيئا؛ إلا أنه أفسد إسناده. ورواه عبدالرزاق عن معمر عن الزهري عن حرام بن محيصة عن أبيه عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولم يتابع عبدالرزاق على ذلك وأنكروا عليه قوله عن أبيه. ورواه ابن جريج عن ابن شهاب قال : حدثني أبو أمامة بن سهل بن حنيف أن ناقة دخلت في حائط قوم فأفسدت؛ فجعل الحديث لابن شهاب عن أبي أمامة، ولم يذكر أن الناقة كانت للبراء. وجائز أن يكون الحديث عن ابن شهاب عن ابن محيصة، وعن سعيد بن المسيب، وعن أبي أمامة - والله أعلم - فحدث به عمن شاء منهم على ما حضره وكلهم ثقات. قال أبو عمر : وهذا الحديث وإن كان مرسلا فهو حديث مشهور أرسله الأئمة، وحدث به الثقات، واستعمله فقهاء الحجاز وتلقوه بالقبول، وجرى في المدينة العمل به، وحسبك باستعمال أهل المدينة وسائر أهل الحجاز لهذا الحديث. الرابعة عشرة: ذهب مالك وجمهور الأئمة إلى القول بحديث البراء، وذهب أبو حنيفة وأصحابه وجماعة من الكوفيين إلى أن هذا الحكم منسوخ، وأن البهائم إذا أفسدت زرعا في ليل أو نهار أنه لا يلزم صاحبها شيء، وأدخل فسادها في عموم قوله صلى الله عليه وسلم : (جرح العجماء جبار) فقاس جميع أعمالها على جرحها. ويقال : أنه ما تقدم أبا حنيفة أحد بهذا القول، ولا حجة له ولا لمن اتبعه في حديث العجماء، وكونه ناسخا لحديث البراء ومعارضا له؛ فإن النسخ شروطه معدومة، والتعاوض إنما يصح إذا لم يمكن استعماله أحدهما إلا بنفي الآخر، وحديث (العجماء جرحها جبار) عموم متفق عليه، ثم خص منه الزرع والحوائط بحديث البراء؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم لو جاء عنه في حديث واحد : العجماء جرحها جبار نهارا لا ليلا وفي الزرع والحوائط والحرث، لم يكن هذا مستحيلا من القول؛ فكيف يجوز أن يقال في هذا متعارض؟ ! وإنما هذا من باب العموم والخصوص على ما هو مذكور في الأصول. الخامسة عشرة: إن قيل : ما الحكمة في تفريق الشارع بين الليل والنهار، وقد قال الليث بن سعد : يضمن أرباب المواشي بالليل والنهار كل ما أفسدت، ولا يضمن أكثر من قيمة الماشية؟ قلنا : الفرق بينهما واضح وذلك أن أهل المواشي لهم ضرورة إلى إرسال مواشيهم ترعى بالنهار، والأغلب عندهم أن من عنده زرع يتعاهده بالنهار ويحفظه عمن أراده، فجعل حفظ ذلك بالنهار على أهل الزروع؛ لأنه وقت التصرف في المعاش، كما قال الله سبحانه وتعالى {وجعلنا النهار معاشا}[النبأ : 11] فإذا جاء الليل فقد جاء الوقت الذي يرجع كل شيء إلى موضعه وسكنه؛ كما قال الله تعالى {من إله غير الله يأتيكم بليل تسكنون فيه}[
القصص : 72] وقال {وجعل الليل سكنا}[
الأنعام : 96] ويرد أهل المواشي مواشيهم إلى مواضعهم ليحفظوها، فإذا فرط صاحب الماشية في ردها إلى منزله، وفرط في ضبطها وحبسها عن الانتشار بالليل حتى أتلفت شيئا فعليه ضمان ذلك، فجرى الحكم الأوفق الأسمح، وكان ذلك أرفق بالفريقين، وأسهل على الطائفتين، وأحفظ للمالين، وقد وضح الصبح لذي عينين، ولكن لسليم الحاستين؛ وأما قول الليث : لا يضمن أكثر من قيمة المال فقد قال أبو عمر : لا أعلم من أين قال هذا الليث بن سعد، إلا أن يجعله قياسا على العبد الجاني لا يفتك بأكثر من قيمته ولا يلزم سيده في جنايته أكثر من قيمته، وهذا ضعيف الوجه؛ كما قال في [التمهيد] وفي [الاستذكار] فخالف الحديث في (العجماء جرحها جبار) وخالف ناقة البراء، وقد تقدمه إلى ذلك طائفة من العلماء منهم عطاء. قال ابن جريج قلت لعطاء : الحرث الماشية ليلا أو نهارا؟ قال : يضمن صاحبها ويغرم. قلت : كان عليه حظرا أو لم يكن؟ قال نعم! يغرم. قلت : ما يغرم؟ قال : قيمة ما أكل حماره ودابته وماشيته. وقال معمر عن ابن شبرمة : يقوم الزرع على حاله التي أصيب عليها دراهم. وروي عن عمر بن الخطاب وعمر بن عبدالعزيز رضي الله عنهما : يضمن رب الماشية ليلا أو نهارا، من طرق لا تصح. السادسة عشرة: قال مالك : ويقوم الزرع الذي أفسدت المواشي بالليل على الرجاء والخوف. قال : والحوائط التي تحرس والتي لا تحرس، والمحظر عليها وغير المحظر سواء، يغرم أهلها ما أصابت بالليل بالغا ما بلغ، وإن كان أكثر من قيمتها. قال : وإن انفلتت دابة بالليل فوطئت على رجل نائم لم يغرم صاحبها شيئا، وإنما هذا في الحائط والزرع والحرث؛ ذكره عنه ابن عبدالحكم. وقال ابن القاسم : ما أفسدت الماشية بالليل فهو في مال ربها، وإن كان أضعاف ثمنها؛ لأن الجناية من قبله إذ لم يربطها، وليست الماشية كالعبيد؛ حكاه سحنون وأصبغ وأبو زيد عن ابن القاسم. السابعة عشرة: ولا يستأني بالزرع أن ينبت أولا ينبت كما يفعل في سن الصغير. وقال عيسى عن ابن القاسم : قيمته لو حل بيعه. وقال أشهب وابن نافع في المجموعة عنه : وإن لم يبد صلاحه. ابن العربي : والأول أقوى لأنها صفته فتقوم كما يقوم كل متلف على صفته. الثامنة عشرة: لو لم يقض للمفسد له بشيء حتى نبت وانجبر فإن كان فيه قبل ذلك منفعة رعي أو شيء ضمن تلك المنفعة، وإن لم تكن فيه منفعة فلا ضمان. وقال أصبغ : يضمن؛ لأن التلف قد تحقق والجبر ليس من جهته فلا يعتد له به. التاسعة عشرة: وقع في كتاب ابن سحنون أن الحديث إنما جاء في أمثال المدينة التي هي حيطان محدقة، وأما البلاد التي هي زروع متصلة غير محظرة، وبساتين كذلك، فيضمن أرباب النعم ما أفسدت من ليل أو نهار؛ كأنه ذهب إلى أن ترك تثقيف الحيوان في مثل هذه البلاد تعد؛ لأنها ولا بد تفسد. وهذا جنوب إلى قول الليث. الموفية عشرين: قال أصبغ في المدينة : ليس لأهل المواشي أن يخرجوا مواشيهم إلى قرى الزرع بغير ذواد؛ فركب العلماء على هذا أن البقعة لا تخلو أن تكون بقعة زرع، أو بقعة سرح، فإن كانت بقعة زرع فلا تدخلها ماشية إلا ماشية تجتاح، وعلى أربابها حفظها، وما أفسدت فصاحبها ضامن ليلا أو نهارا؛ وإن كانت بقعة سرح فعلى صاحب الذي حرثه فيها حفظه، ولا شيء على أرباب المواشي. الحاديةوالعشرون: المواشي على قسمين : ضواري وحريسة وعليهما قسمها مالك. فالضواري هي المعتادة للزرع والثمار، فقال مالك : تغرب وتباع في بلد لا زرع فيه؛ رواه ابن القاسم في الكتاب وغيره. قال ابن حبيب : وإن كره ذلك ربها، وكذلك قال مالك في الدابة التي ضريت في إفساد الزرع : تغرب وتباع. وأما ما يستطاع الاحتراس منه فلا يؤمر صاحبه بإخراجه. الثانية والعشرون: قال أصبغ : النحل والحمام والإوز والدجاج كالماشية، لا يمنع صاحبها من اتخاذها وإن [ضريت]، وعلى أهل القرية حفظ زروعهم. قال ابن العربي : وهذه رواية ضعيفة لا يلتفت إليها من أراد أن يجد ما ينتفع به مما لا يضر بغيره مكن منه، وأما انتفاعه بما يتخذه بإضراره بأحد فلا سبيل إليه. قال عليه السلام : (لا ضرر ولا ضرار) وهذه الضواري عن ابن القاسم في المدينة لا ضمان على أربابها إلا بعد التقدم ابن العربي : وأرى الضمان عليهم قبل التقدم إذا كانت ضواري. الثالثة والعشرون: ذكر عبدالرزاق عن معمر عن قتادة عن الشعبي أن شاة وقعت في غزل حائك فاختصموا إلى شريح، فقال الشعبي : انظروه فإنه سيسألهم ليلا وقعت فيه أو نهارا؛ ففعل. ثم قال : إن كان بالليل ضمن، وإن كان بالنهار لم يضمن، ثم قرأ شريح {إذ نفشت فيه غنم القوم} قال : والنفش بالليل والهمل بالنهار. قلت : ومن هذا الباب قوله صلى الله عليه وسلم (العجماء جرحها جبار) الحديث. وقال ابن شهاب : والجبار الهدر، والعجماء البهيمة، قال علماؤنا : ظاهر قوله : (العجماء جرحها جبار) أن ما انفردت البهيمة بإتلافه لم يكن فيه شيء، وهذا مجمع عليه. فلو كان معها قائد أو سائق أو راكب فحملها أحدهم على شيء فأتلفته لزمه حكم المتلف؛ فإن كانت جناية مضمونة بالقصاص وكان الحمل عمدا كان فيه القصاص ولا يختلف فيه؛ لأن الدابة كالآلة. وإن كان عن غير قصد كانت فيه الدية على العاقلة. وفي الأموال الغرامة في مال الجاني. الرابعة والعشرون: واختلفوا فيمن أصابته برجلها أو ذنبها، فلم يضمن مالك والليث والأوزاعي صاحبها، وضمنه الشافعي وابن أبي ليلى وابن شبرمة. واختلفوا في الضارية فجمهورهم أنها كغيرها، ومالك وبعض أصحابه يضمنونه. الخامسة والعشرون: روى سفيان بن حسين عن الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (الرجل جبار) قال الدارقطني : لم يروه غير سفيان بن حسين ولم يتابع عليه، وخالفه الحفاظ عن الزهري منهم مالك وابن عيينة ويونس ومعمر وابن جريج والزبيدي وعقيل وليث بن سعد، وغيرهم كلهم رووه عن الزهري فقالوا : (العجماء جبار والبئر جبار والمعدن جبار) ولم يذكروا الرجل وهو الصواب. وكذلك روى أبو صالح السمان، وعبدالرحمن الأعرج، ومحمد بن سيرين، ومحمد بن زياد وغيرهم عن أبي هريرة، ولم يذكروا فيه (والرجل جبار) وهو المحفوظ عن أبي هريرة. السادسة والعشرون: قوله : (والبئر جبار) قد روى موضعه (والنار) قال الدارقطني : حدثنا حمزة بن القاسم الهاشمي حدثنا حنبل بن إسحاق قال سمعت أبا عبدالله أحمد بن حنبل يقول في حديث عبدالرزاق : حديث أبي هريرة (والنار جبار) ليس بشيء لم يكن في الكتاب باطل ليس هو بصحيح. حدثنا محمد بن مخلد حدثنا إسحاق بن إبراهيم بن هانئ قال سمعت أحمد بن حنبل يقول : أهل اليمن يكتبون النار النير ويكتبون البير؛ يعني مثل ذلك. وإنما لقن عبدالرزاق (النار جبار). وقال الرمادي : قال عبدالرزاق قال معمر لا أراه إلا وهما. قال أبو عمر : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال : (النار جبار) وقال يحيي بن معين : أصله البئر ولكن معمرا صحفه قال أبو عمر : لم يأت ابن معين على قوله هذا بدليل، وليس هكذا ترد أحاديث الثقات. ذكر وكيع عن عبدالعزيز بن حصين عن يحي بن يحي الغساني قال : أحرق رجل سافي قراح له فخرجت شررة من نار حتى أحرقت شيئا لجاره. قال : فكتب فيه إلى عمر بن عبدالعزيز رضي الله عنه ابن حصين فكتب إلي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : (العجماء جبار) وأرى أن النار جبار. وقد روي (والسائمة جبار) بدل العجماء فهذا ما ورد في ألفاظ هذا الحديث ولكل معنى لفظ صحيح مذكور في شرح الحديث وكتب الفقه. قوله تعالى{وسخرنا مع داود الجبال يسبحن} قال وهب : كان داود يمر بالجبال مسبحا والجبال تجاوبه بالتسبيح، وكذلك الطير. وقيل كان داود إذا وجد فترة أمر الجبال فسبحت حتى يشتاق؛ ولهذا قال {وسخرنا} أي جعلناها بحيث تطيعه إذا أمرها بالتسبيح. وقيل : إن سيرها معه تسبيحها، والتسبيح مأخوذ من السباحة؛ دليله قوله تعالى {يا جبال أوبي معه}[سبأ : 10]. وقال قتادة {يسبحن} يصلين معه إذا صلى، والتسبيح الصلاة. وكل محتمل. وذلك فعل الله تعالى بها؛ ذلك لأن الجبال لا تعقل فتسبيحها دلالة على تنزيه الله تعالى عن صفات العاجزين والمحدثين.
فَفَهَّمنا سليمان مراعاة مصلحة الطرفين مع العدل، فحكم على صاحب الغنم بإصلاح الزرع التالف في فترة يستفيد فيها صاحب الزرع بمنافع الغنم من لبن وصوف ونحوهما، ثم تعود الغنم إلى صاحبها والزرع إلى صاحبه؛ لمساواة قيمة ما تلف من الزرع لمنفعة الغنم، وكلا من داود وسليمان أعطيناه حكمًا وعلمًا، ومننَّا على داود بتطويع الجبال تسبِّح معه إذا سبَّح، وكذلك الطير تسبِّح، وكنا فاعلين ذلك.
{ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ } أي: فهمناه هذه القضية، ولا يدل ذلك، أن داود لم يفهمه الله في غيرها، ولهذا خصها بالذكر بدليل قوله: { وَكُلَا } من داود وسليمان { آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا } وهذا دليل على أن الحاكم قد يصيب الحق والصواب وقد يخطئ ذلك، وليس بمعلوم إذا أخطأ مع بذل اجتهاده.
ثم ذكر ما خص به كلا منهما فقال: { وَسَخَّرْنَا مَعَ دَاوُدَ الْجِبَالَ يُسَبِّحْنَ وَالطَّيْرَ } وذلك أنه كان من أعبد الناس وأكثرهم لله ذكرا وتسبيحا وتمجيدا، وكان قد أعطاه [الله] من حسن الصوت ورقته ورخامته، ما لم يؤته أحدا من الخلق، فكان إذا سبح وأثنى على الله، جاوبته الجبال الصم والطيور البهم، وهذا فضل الله عليه وإحسانه فلهذا قال: { وَكُنَّا فَاعِلِينَ }
قوله عز وجل : ( ففهمناها سليمان ) أي علمناه القضية وألهمناها سليمان ، ( وكلا ) يعني داود وسليمان ، ( آتينا حكما وعلما ) قال الحسن : لولا هذه الآية لرأيت الحكام قد هلكوا ولكن الله حمد هذا بصوابه وأثنى على هذا باجتهاده . واختلف العلماء في أن حكم داود كان بالاجتهاد أم بالنص وكذلك حكم سليمان .
فقال بعضهم فعلا بالاجتهاد وقالوا يجوز الاجتهاد للأنبياء ليدركوا ثواب المجتهدين إلا أن داود أخطأ وأصاب سليمان . وقالوا يجوز الخطأ على الأنبياء إلا أنهم لا يقرون عليه فأما العلماء فلهم الاجتهاد في الحوادث إذا لم يجدوا فيها نص كتاب أو سنة وإذا أخطأوا فلا إثم عليهم [ فإنه موضوع عنهم ] لما أخبرنا عبد الوهاب بن محمد الخطيب ، أخبرنا عبد العزيز بن أحمد الخلال ، أخبرنا أبو العباس الأصم ، أخبرنا الربيع بن سليمان أخبرنا الشافعي أخبرنا عبد العزيز بن محمد ، عن يزيد بن عبد الله بن الهادي ، عن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن بشر ابن سعيد ، عن أبي عن قيس مولى عمرو بن العاص ، عن عمرو بن العاص أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول " إذا حكم الحاكم فاجتهد فأصاب فله أجران وإذا حكم فاجتهد فأخطأ فله أجر " .
وقال قوم إن داود وسليمان حكما بالوحي وكان حكم سليمان ناسخا لحكم داود ، وهذا القائل يقول لا يجوز للأنبياء الحكم بالاجتهاد لأنهم مستغنون عن الاجتهاد بالوحي وقالوا لا يجوز الخطأ على الأنبياء واحتج من ذهب إلى أن كل مجتهد مصيب بظاهر الآية وبالخبر حيث وعد الثواب للمجتهد على الخطأ وهو قول أصحاب الرأي وذهب جماعة إلى أنه ليس كل مجتهد مصيبا بل إذا اختلف اجتهاد مجتهدين في حادثة كان الحق مع واحد لا بعينه ولو كان كل واحد مصيبا لم يكن للتقسيم معنى وقوله عليه السلام : " وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر " ، لم يرد به أنه يؤجر على الخطأ بل يؤجر على اجتهاده في طلب الحق لأن اجتهاده عبادة والإثم في الخطأ عنه موضوع إذا لم يأل جهده .
أخبرنا عبد الواحد المليحي ، أخبرنا أحمد بن عبد الله النعيمي ، أخبرنا محمد بن يوسف ، أخبرنا محمد بن إسماعيل ، أخبرنا أبو اليمان ، أخبرنا شعيب ، عن الزهري ، أخبرنا أبو الزناد ، عن عبد الرحمن الأعرج أنه سمع أبا هريرة أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال كانت امرأتان معهما ابناهما فجاء الذئب فذهب بابن إحداهما فقالت صاحبتها إنما ذهب بابنك وقالت الأخرى إنما ذهب بابنك فتحاكمتا إلى داود فقضى به للكبرى فخرجتا على سليمان وأخبرتاه فقال ائتوني بالسكين أشقه بينهما فقالت الصغرى لا تفعل يرحمك الله فهو ابنها فقضى به للصغرى " .
قوله عز وجل ( وسخرنا مع داود الجبال يسبحن والطير ) أي وسخرنا الجبال والطير يسبحن مع داود إذا سبح قال ابن عباس : كان يفهم تسبيح الحجر والشجر قال وهب : كانت الجبال تجاوبه بالتسبيح وكذلك الطير وقال قتادة : يسبحن أي يصلين معه إذا صلى وقيل : كان داود إذا فتر يسمعه الله تسبيح الجبال والطير لينشط في التسبيح ويشتاق إليه ( وكنا فاعلين ) يعني ما ذكر من التفهيم وإيتاء الحكم والتسخير
(فَفَهَّمْناها سُلَيْمانَ) الفاء عاطفة وماض وفاعله ومفعولاه والجملة معطوفة على ما سبق (وَكُلًّا) الواو عاطفة ومفعول به أول لآتينا (آتَيْنا) فعل ماض وفاعله (حُكْماً) مفعول به ثان لآتينا (وَعِلْماً) معطوف على حكما والجملة معطوفة على ما سبق (وَسَخَّرْنا) الواو استئنافية وماض وفاعله والجملة مستأنفة (مَعَ) ظرف متعلق بسخرنا (داوُدَ) مضاف إليه ممنوع من الصرف (الْجِبالَ) مفعول به لسخرنا (يُسَبِّحْنَ) مضارع مبني على السكون لا تصاله بنون النسوة والنون فاعل والجملة حال من الجبال (وَالطَّيْرَ) معطوف على الجبال أو مفعول معه (وَكُنَّا) كان واسمها (فاعِلِينَ) خبر والجملة معطوفة.
Traslation and Transliteration:
Fafahhamnaha sulaymana wakullan atayna hukman waAAilman wasakhkharna maAAa dawooda aljibala yusabbihna waalttayra wakunna faAAileena
And We made Solomon to understand (the case); and unto each of them We gave judgment and knowledge. And we subdued the hills and the birds to hymn (His) praise along with David. We were the doers (thereof).
O hükmü, biz anlatmıştık Süleyman'a ve hepsine de peygamberlik ve bilgi vermiştik ve beraberce Tanrıyı tenzih etmek için dağları ve kuşları, Davud'a ram ettik ve bunları yaptık, gücümüz yeter yapmaya.
Nous la fîmes comprendre à Salomon. Et à chacun Nous donnâmes la faculté de juger et le savoir. Et Nous asservîmes les montagnes à exalter Notre Gloire en compagnie de David, ainsi que les oiseaux. Et c'est Nous qui sommes le Faiseur.
Dann machten WIR sie (die Angelegenheit) Sulaiman klar. Und beiden ließen WIRWeisheit und Wissen zuteil werden. Und WIR machten mit Dawud die Felsenberge gratis fügbar, sie lobpreisen sowie die Vögel. Und WIR taten es wirklich.