﴿فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمٰا﴾ [البقرة:102] أي من المعلمين ﴿مٰا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ زَوْجِهِ﴾ [البقرة:102] و اللّٰه قد كره ذلك و قد ذمه و ندب إلى الألفة و انتظام الشمل و لما علم سبحانه أن الافتراق لا بد منه لكل مجموع مؤلف لحقيقة خفيت عن أكثر الناس شرع الطلاق رحمة بعباده ليكونوا مأجورين في أفعالهم محمودين غير مذمومين إرغاما للشياطين و مع هذا «فقد ورد في الخبر النبوي أنه صلى اللّٰه عليه و سلم قال ما خلق اللّٰه حلالا أبغض إليه من الطلاق» لأنه رجوع إلى العدم إذ كان بائتلاف الطبائع ظهر وجود التركيب و بعدم الائتلاف كان العدم فكانت الأسماء الإلهية معطلة التأثير فمن أجل هذه الرائحة كره الفرقة بين الزوجين فعدم عين الاجتماع أي هذه الحالة ارتفعت بافتراق هذين الزوجين و إن بقيت أعيانهما و إن كان الاجتماع و الافتراق و الحركة و السكون الحاصل من ذلك راجع إلى نسب معقولة لا أعيان موجودة كما يراه بعضهم و بهذا النور الخاص بهذا المنزل يندفع جميع ما ذكرناه من الشرور و ما لم نذكره مما ينطلق عليه اسم شر بالإضافة إلى ما قررناه من الكمال و الملاءمة و غير ذلك و هذا القدر من السحر الذي يعطي التفرقة هو الذي يدفعه سبب وجود هذا النور في هذا المنزل خاصة و عند الخروج من هذه السدف و الظلم بالإدلاج فيها حتى يطلع لك الصباح و تشرق الأنوار و ذلك عالم الآخرة حيث كان حينئذ تحمد مسعاك و ما فاتك بذلك السهر في سيرك من لذة النوم و الاضطجاع و السكون فوضعوا لذلك لفظا مطابقا و هو قولهم عند الصباح يحمد القوم السري و الصباح عبارة عن هذا النور و من حصل له هذا النور كان الناس فيه بين غابط و حاسد فالغابط من طلب من اللّٰه أن يكون له مثل ما حصل لهذا من هذه الحال من غير إن يسلب ذلك عن صاحبه و الحاسد من يطلب زوال هذا الأمر من صاحبه و لا يتعرض في طلبه لنيله جملة واحدة فإن طلب مع طلب إزالته من ذلك نيله فبه يقع الاشتراك بين الغابط و الحاسد و ما يقع به الاشتراك غير ما يقع به الامتياز فطلب نيل ذلك محمود و هو الغبط و طلب إزالته مذموم و هو الحسد فلذلك فصلنا فيه هذا التفصيل و إن كان الشرع قد أطلق لفظ الحسد في موضع الغبط «فقال صلى اللّٰه عليه و سلم لا حسد إلا في اثنتين رجل آتاه اللّٰه مالا فسلطه على هلكته في الحق فهو ينفق منه و يفرقه يمينا و شمالا»
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية