فقد نبهتك على دقائق صدقة السر و الإعلان في نفوس القوم مع الخلاف الذي بين علماء الرسوم في الصدقة المكتوبة و صدقة التطوع و هو مشهور لا يحتاج إلى ذكره لشهرته من أجل طلب الاختصار و الاقتصاد و في صدقة الإعلان ورد من سن سنة حسنة الحديث و أما الكامل من أهل اللّٰه فهو الذي يعطي بالحالتين ليجمع بين المقامين و يحصل النتيجتين و ينظر بالعينين و يسلك النجدين و يعطي باليدين فيعلن في وقت في الموضع الذي يرى أن الحق رجح فيه الإعلان و يسر بها في وقت الموضع الذي يرى أن الحق رجح فيه الأسرار و هذا هو الأولى بالكمل من أهل اللّٰه في طريق اللّٰه تعالى
(وصل في فصل صدقة التطوع)
[صدقة التطوع و الإيجاب على النفس]
صدقة التطوع عبودية اختيار مشوبة بسيادة و إن لم تكن هكذا فما هي صدقة تطوع فإنه أوجبها على نفسه إيجاب الحق الرحمة على نفسه لمن تاب و أصلح من العاملين السوء بجهالة فهذه مثلها ربوبية مشوبة يحكم عليه بها فإن اللّٰه تعالى لا يجب عليه شيء بإيجاب غيره فهو الموجب على نفسه الذي أوجبه من حيث ما هو موجب فمن أعطى من هذا الوجوب من هذه المنزلة ثم نفرض أن هذه المرتبة الإلهية إذا فعلت مثل هذا و نفرض لها ثوابا مناسبا على هذا الفعل فنعطيه بعينه لمن أعطى بهذا الوجوب من هذه المنزلة و هم أفراد من العارفين بصدقة التطوع فإن الحق من ذلك المقام يثيبه إذا كان هذا مشربه و هذه مسألة ذوقية مشهودة للقوم و لكن ما رأيت أحدا نبه عليها قبلي إلا إن كان و ما وصل إلي فإنه لا بد لأهل اللّٰه المتحققين بهذا المقام من إدراك هذا و لكن قد لا يجريه اللّٰه على ألسنتهم أو تتعذر على بعضهم العبارة عن ذلك و قد ذكرناها في كتابنا هذا في غير هذا الموضع بأبسط من هذا القول و أوضح من هذه العبارة
[صدقة التطوع أعلى من صدقة الفرض]
و بهذا الاعتبار تعلو صدقة التطوع على صدقة الفرض ابتداء فإن هذا التطوع أيضا قد يكون واجبا بإيجاب اللّٰه إذ أوجبه العبد على نفسه كالنذر فإن اللّٰه أوجبه بإيجاب العبد و غير النذر قد يلحق بهذا الباب «قال الأعرابي في صحيح الحديث» «يا رسول اللّٰه في الزكاة هل على غيرها قال لا إلا أن تطوع» فيحتمل إن اللّٰه يوجب عليه ذلك إذا تطوع به فيلحقه بدرجة القرض فيكون في الثواب على السواء مع زيادة أجر التطوع في ذلك فيعلو على الفرض الأصلي بهذا القدر و اللّٰه يقول ﴿لاٰ تُبْطِلُوا أَعْمٰالَكُمْ﴾ [محمد:33] فنهي و النهي يعم العمل به بخلاف الأمر فالشروع في الشرع ملزم و هو الأظهر فسوى في النهي بين المفروض و غير المفروض و
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية