[مرابض الغنم و معاطن الإبل]
ثم «إن رسول اللّٰه صلى اللّٰه عليه و سلم أمرنا بالصلاة في مرابض الغنم» و الصلاة قربة إلى اللّٰه و أماكنها مساجد اللّٰه فمرابض الغنم من مساجد اللّٰه فلها درجة القربة و الإبل ليست لها هذه المرتبة و إن كانت أعظم خلقا و لهذا جعلناها للأجسام أ لا ترى أنه من أسمائها البدنة و الجسم يسمى البدن و البدن من عالم الطبيعة و الطبيعة بينها و بين اللّٰه درجتان من العالم و هما النفس و العقل فهي في ثالث درجة من القربة فهي بعيدة عن القرب الإلهي «أ لا ترى النبي صلى اللّٰه عليه و سلم نهى عن الصلاة في معاطن الإبل» و علل ذلك بكونها شياطين و الشيطنة البعد يقال ركية شطون إذا كانت بعيدة القعر و الصلاة قرب من اللّٰه و البعد يناقض القرب فنهي عن الصلاة في معاطن الإبل لما فيها من البعد
[الجسم الطبيعي و الروح]
و كذلك الجسم الطبيعي أين هو من درجة القربة التي للروح و هو العقل فإنه الموجود الأول و هو المنفوخ منه في قوله ﴿وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي﴾ [الحجر:29] فلهذا جعلنا الروح بمنزلة الكبش و الجسم بمنزلة الإبل
[البقر في مقابلة النفوس]
و أما كون البقر في مقابلة النفوس و هي دون الغنم في الرتبة و فوق الإبل كالنفس فوق الجسم و دون العقل الذي هو الروح الإلهي و ذلك أن بنى إسرائيل لما قتلوا نفسا و تدافعوا فيها أمرهم اللّٰه أن يذبحوا بقرة و يضربوا الميت ببعضها فيحيا بإذن اللّٰه فلما حيي به نفس الميت عرفنا إن بينها و بين النفس نسبة فجعلناها للنفس
[زرع العقل و النفس و الجوارح]
ثم إن الروح الذي هو العقل يظهر عنه مما زرع اللّٰه فيه من العلوم و الحكم و الأسرار ما لا يعلمه إلا اللّٰه و هذه العلوم كلها منها ما يتعلق بالكون و منها ما يتعلق بالله و هو بمنزلة الزكاة من الحنطة لأنها أرفع الحبوب و إن النفس يظهر عنها مما زرع اللّٰه فيها من الخواطر و الشهوات ما لا يعلمه إلا اللّٰه تعالى فهذا نباتها و هو بمنزلة التمر و زكاة اللّٰه منها الخاطر الأول و من الشهوات الشهوة التي تكون لأجل اللّٰه و إنما قرناها بالتمر لأن النخلة هي عمتنا فهي من العقل بمنزلة النخلة من آدم فإنها خلقت من بقية طينته و أما الجوارح فزرع اللّٰه فيها الأعمال كلها فأنبتت الأعمال و حظ الزكاة منها الأعمال المشروعة التي يرى اللّٰه فيها
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية