The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة رجال من أهل الورع قد تحققوا بمنزل نَفَس الرحمن

مؤيدا عنده لما نطقت به الكتب المنزلة وجاء على ألسنة الرسل عليهم السلام فكان يطلقها إيمانا حاكيا من غير تحقيق لمعانيها ولا يزيد عليها والآن يطلق في نفسه عليه تعالى ذلك علما محققا من أجل ذلك الأمر الذي تجلى له فيكون بحسب ما يعطيه ذلك الأمر ويعرف معنى ما يطلقه وما حقيقة ذلك‏

[حيرة أهل الله وحيرة أهل النظر]

فيتخيل في أول تجل أنه قد بلغ المقصود وحاز الأمر وأنه ليس وراء ذلك شي‏ء يطلب سوى دوام ذلك فيقوم له تجل آخر بحكم آخر ما هو ذلك الأول والمتجلي واحد لا يشك فيه فيكون حكمه فيه حكم الأول ثم تتوالى عليه التجليات باختلاف أحكامها فيه فيعلم عند ذلك أن الأمر ما له نهاية يوقف عندها ويعلم أن الإنية الإلهية ما أدركها وأن الهوية لا يصح أن تتجلى له وأنها روح كل تجل فيزيد حيرة لكن فيها لذة وهي أعظم من حيرة أصحاب الأفكار بما لا يتقارب فإن أصحاب الأفكار ما برحوا بأفكارهم في الأكوان فلهم أن يحاروا ويعجزوا وهؤلاء ارتفعوا عن الأكوان وما بقي لهم شهود إلا فيه فهو مشهودهم والأمر بهذه المثابة فكانت حيرتهم باختلاف التجليات أشد من حيرة النظار في معارضات الدلالات عليه‏

فقوله صلى الله عليه وسلم أو قول من يقول من هذا المقام زدني فيك تحيرا

طلب لتوالي التجليات عليه فهذا الفرق بين حيرة أهل الله وحيرة أهل النظر فصاحب العقل ينشد

وفي كل شي‏ء له آية *** تدل على أنه واحد

وصاحب التجلي ينشد قولنا في ذلك *** وفي كل شي‏ء له آية

تدل على أنه عينه‏

فبينهما ما بين كلمتيهما

[شطحات الصوفية وموقف الفقهاء وأولى الأمر منها]

فما في الوجود إلا الله ولا يعرف الله إلا الله ومن هذه الحقيقة قال من قال أنا الله كأبي يزيد وسبحاني كغيره من رجال الله المتقدمين وهي من بعض تخريجات أقوالهم رضي الله عنهم فمن وصل إلى الحيرة من الفريقين فقد وصل غير أن أصحابنا اليوم يجدون غاية الألم حيث لا يقدرون يرسلون ما ينبغي أن يرسل عليه سبحانه كما أرسلت الأنبياء عليهم السلام فما أعظم تلك التجليات وإنما منعهم أن يطلقوا عليه ما أطلقت الكتب المنزلة والرسل عليهم السلام عدم إنصاف السامعين من الفقهاء وأولي الأمر لما يسارعون إليه في تكفير من يأتي بمثل ما جاءت به الأنبياء عليهم السلام في جنب الله وتركوا معنى قوله تعالى لَقَدْ كانَ لَكُمْ في رَسُولِ الله أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ كما قال له صلى الله عليه وسلم ربه عز وجل عند ذكره الأنبياء والرسل عليهم السلام أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى الله فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ فأغلق الفقهاء هذا الباب من أجل المدعين الكاذبين في دعواهم ونعم ما فعلوا وما على الصادقين في هذا من ضرر لأن الكلام والعبارة عن مثل هذا ما هو ضربة لازب وفي ما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في ذلك كفاية لهم فيوردونها يستريحون إليها من تعجب وفرح وضحك وتبشش ونزول ومعية ومحبة وشوق وما أشبه ذلك مما لو انفرد بالعبارة عنه الولي كفر وربما قتل وأكثر علماء الرسوم عدموا علم ذلك ذوقا وشربا فأنكروا مثل هذا من العارفين حسدا من عند أنفسهم إذ لو استحال إطلاق مثل هذا على الله تعالى ما أطلقه على نفسه ولا أطلقته رسله عليهم السلام عليه ومنعهم الحسد أن يعلموا أن ذلك رد على كتاب الله وتحجير على رحمة الله أن تنال بعض عباد الله وأكثر العامة تابعون للفقهاء في هذا الإنكار تقليدا لهم لا بل بحمد الله أقل العامة وأما الملوك فالغالب عليهم عدم الوصول إلى مشاهدة هذه الحقائق لشغلهم بما دفعوا إليه فساعدوا علماء الرسوم فيما ذهبوا إليه إلا القليل منهم فإنهم اتهموا علماء الرسوم في ذلك لما رأوه من انكبابهم على حطام الدنيا وهم في غنى عنه وحب الجاه والرئاسة وتمشية أغراض الملوك فيما لا يجوز وبقي العلماء بالله تحت ذل العجز والحصر معهم كرسول كذبه قومه وما آمن به واحد منهم ولم يزل رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس حتى نزل والله يَعْصِمُكَ من النَّاسِ فانظر ما يقاسيه في نفسه العالم بالله فسبحان من أعمى بصائرهم حيث أسلموا وسلموا وآمنوا بما به كفروا فالله يجعلنا ممن عرف الرجال بالحق لا ممن عرف الحق بالرجال والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

(الباب الحادي والخمسون في معرفة رجال من أهل الورع قد تحققوا بمنزل نفس الرحمن)

يا من تحقق بالنفس *** إن الكلام لفي القبس‏

وكذا الهبات من العلوم *** لدى المحقق في البلس‏

لله قوم ما لهم *** في نفس نفسهم نفس‏

وهم الذين هموهم *** أهل المشاهد في الغلس‏

شفهم الخلائف في الغيوب *** وفي الشهادة كالعسس‏

أعلى الإله مقامهم *** في سورة تتلى عبس‏

فيها لطائف سرهم *** فابحث ولا تك تختلس‏

من كان ذا علم بها *** في حاله لم يبتئس‏

[الورع في المكاسب على أشد ما يكون من عزائم الشريعة]

اعلم أيدك الله بروح القدس أن رجال هذا الباب هم الزهاد الذين كان الورع سبب زهدهم وذلك أن القوم تورعوا في المكاسب على أشد ما يكون من عزائم الشريعة فكلما حاك له في نفوسهم شي‏ء تركوه عملا على‏

قوله صلى الله عليه وسلم دع ما يريبك إلى ما لا يريبك‏

وقوله استفت قلبك‏

وقال بعضهم ما رأيت أسهل علي من الورع كل ما حاك له في نفسي شي‏ء تركته إلى أن جعل الله لهم علامات يعرفون بها الحلال من الحرام في المطاعم وغيرها إلى أن ارتقوا عن العلامات إلى خرق العوائد عندهم في الشي‏ء المتورع فيه فيستعملونه فيظن من لا علم له بذلك أنه أتى حراما وليس كذلك فاتسع عليهم ذلك الضيق والحرج وقد ذقنا هذا من نفوسنا وزال عنهم ما كانوا يجدونه في نفوسهم من البحث والتفتيش عن ذلك وهذه العلامة وهذا الحال التي ارتقوا إليها لا تكون أبدا إلا من نفس الرحمن رحمهم بذلك الرحمن لما رآهم فيه من التعب والضيق والحرج وتهمة الناس في مكاسبهم وما يؤديهم إليه هذا الفعل من سوء الظن بعباد الله فنفس الرحمن عنهم بما جعل لهم من العلامات في الشي‏ء وفي حق قوم بالمقام الذي ارتقوا إليه الذي ذكرناه فيأكلون طيبا ويستعملون طيبا فالطيبات للطيبين والطيبون للطيبات واستراحوا إذ كانوا على بينة من ربهم في مطاعمهم ومشاربهم وأداهم التحقق بالورع إلى الزهد في الكسب إذ كان مبني اكتسابهم الورع ليأكلوا مما يعلمون أن ذلك حلال لهم استعماله ثم عملوا على ذلك الورع في المنطق من أجل الغيبة والكلام فيما يخوض الإنسان فيه من الفضول فرأوا أن السبب الموجب لذلك مجالسة الناس ومعاشرتهم وربما قدروا على مسك نفوسهم عن الكلام بما لا ينبغي‏

[العزلة والانقطاع عن الناس‏]

لكن بعضهم أو أكثرهم عجز أن يمنع الناس بحضوره عن الكلام بالفضول وما لا يعنيهم فأداهم أيضا هذا الحرج إلى الزهد في الناس فآثروا العزلة والانقطاع عن الناس باتخاذ الخلوات وغلق بابهم عن قصد الناس إليهم وآخرون بالسياحة في الجبال والشعاب والسواحل وبطون الأودية فنفس الله عنهم من اسمه الرحمن بوجوه مختلفة من الأنس به أعطاهم ذلك نفس الرحمن فأسمعهم أذكار الأحجار وخرير المياه وهبوب الرياح ومناطق الطير وتسبيح كل أمة من المخلوقات ومحادثتهم معه وسلامهم عليه فآنس بهم من وحشته وعاد في جماعة وخلق ما لهم كلام إلا في تسبيح أو تعظيم أو ذكر آلاء إلهية أو تعريف بما ينبغي وهو جليس لهم ويسمع جوارحه وكل جزء فيه يكلمه بما أنعم الله عليه به فتغمره النعم فيزيد في العبادة ومنهم من ينفس عنه بالأنس بالوحوش رأينا ذلك فتغدو عليه وتروح مستأنسة به وتكلمه بما يزيده حرصا على عبادة ربه‏

[الروحانيون من الجان ومخالطتهم أهل العزلة]

ومنهم من يجالسه الروحانيون من الجان ولكن هو دون الجماعة في الرتبة إذا لم يكن له حال سوى هذا لأنهم قريب من الأنس في الفضول والكيس من الناس من يهرب منهم كما يهرب من الناس فإن مجالستهم رديئة جدا قليل أن تنتج خيرا لأن أصلهم نار والنار كثيرة الحركة ومن كثرت حركته كان الفضول أسرع إليه في كل شي‏ء فهم أشد فتنة على جليسهم من الناس فإنهم قد اجتمعوا مع الناس في كشف عورات الناس التي ينبغي للعاقل أن لا يطلع عليها غير أن الإنس لا تؤثر مجالسة الإنسان إياهم تكبرا ومجالسة الجن ليست كذلك فإنهم بالطبع يؤثرون في جليسهم التكبر على الناس وعلى كل عبد لله وكل عبد لله رأى لنفسه شفوفا على غيره تكبرا فإنه يمقته الله في نفسه من حيث لا يشعر وهذا من المكر الخفي وعين مقت الله إياه هو ما يجده من التكبر على من ليس له مثل هذا ويتخيل أنه في الحاصل وهو في الفائت ثم اعلم أن الجان هم أجهل العالم الطبيعي بالله ويتخيل جليسهم بما يخبرونه به من حوادث الأكوان وما يجري في العالم مما



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!