The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة إنما كان كذا لكذا وهو إثبات العلة والسّبب

ما ورد وقوع ذلك ولا عدم وقوعه لا على لسان نبي ولا في كتاب منزل وإن غلط في ذلك جماعة فإنهم لم يستندوا فيه إلى تعريف إلهي وإنما يحتجون بالخبر وليس في الخبر ما يدل على إن غير الإنسان الكامل ما خلق على الصورة ويمكن صحة ذلك ويمكن عدم صحته‏

(وصل سر إلهي) [الطبيعة بين النفس الكلية والمادة الأولى‏]

الطبيعة بين النفس والهباء وهو رأى الإمام أبي حامد ولا يمكن أن تكون مرتبتها إلا هنالك فكل جسم قبل الهباء إلى آخر موجود من الأجسام فهو طبيعي وكل ما تولد من الأجسام الطبيعية من الأمور والقوي والأرواح الجزئية والملائكة والأنوار فللطبيعة فيها حكم إلهي قد جعله الله تعالى وقدره فحكم الطبيعة من الهباء إلى ما دونه وحكم النفس الكلية من الطبيعة فما دونها وما فوق النفس فلا حكم للطبيعة ولا للنفس فيه وفيما ذكرناه خلاف كثير بين أصحاب النظر من غير طريقنا من الحكماء فإن المتكلم لا حظ له في هذا العلم من كونه متكلما بخلاف الحكيم فإن الحكيم عبارة عمن جمع العلم الإلهي والطبيعي والرياضي والمنطقي وما ثم إلا هذه الأربع المراتب من العلوم‏

[العلم النظري والعلم الوهبي‏]

وتختلف الطريق في تحصيلها بين الفكر والوهب وهو الفيض الإلهي وعليه طريقة أصحابنا ليس لهم في الفكر دخول لما يتطرق إليه من الفساد والصحة فيه مظنونة فلا يوثق بما يعطيه وأعني بأصحابنا أصحاب القلوب والمشاهدات والمكاشفات لا العباد ولا الزهاد ولا مطلق الصوفية إلا أهل الحقائق والتحقيق منهم ولهذا يقال في علوم النبوة والولاية إنها وراء طور العقل ليس للعقل فيها دخول بفكر لكن له القبول خاصة عند السليم العقل الذي لم يغلب عليه شبهة خيالية فكرية يكون من ذلك فساد نظره وعلوم الأسرار كثيرة والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

(الباب الثامن والأربعون في معرفة إنما كان كذا لكذا وهو إثبات العلة والسبب)

إنما كان هكذا لكذا *** علم من حاز رتبة الحكم‏

لا تعلل وجود خالقنا *** فيكن سيركم إلى العدم‏

وهو الأول الذي ما له *** أول في الحدوث والقدم‏

[السبب الموجب لوجود العالم‏]

أول مسألة من هذا الباب ما السبب الموجب لوجود العالم حتى يقال فيه إنما وجد العالم لكذا وذلك الأمر المتوقف عليه صحة وجوده إما أن تكون علة فتطلب معلولها لذاتها وإذا كان هذا فهل يصح أن يكون للمعلول علتان فما زاد أو لا يصح وذلك في النظر العقلي لا في الوضعيات وإذا تعددت العلل فهل تعددها يرجع إلى أعيان وجودية أو هل هي نسب لأمر واحد وثم أمور يتوقف صحة وجودها على شرط يتقدمها أو شروط ويجمع ذلك كله اسم السبب وللشرط حكم وللعلة حكم فهل العالم في افتقاره إلى السبب الموجب لوجوده افتقار المعلول إلى العلة أو افتقار المشروط إلى الشرط وأيهما كان لم يكن الآخر فإن العلة تطلب المعلول لذاتها والشرط لا يطلب المشروط لذاته فالعلم مشروط بالحياة ولا يلزم من وجود الحياة وجود العلم وليس كون العالم عالما كذلك فإن العلم علة في كون العالم عالما فلو ارتفع العلم ارتفع كونه عالما فهو من هذا الوجه يشبه الشرط إذ لو ارتفعت الحياة ارتفع العلم ولو ارتفع كونه عالما ارتفع العلم فتميز عن الشرط إذ لو ارتفع العلم لم يلزم ارتفاع الحياة فهاتان مرتبتان معقولتان قد تميزتا تسمى الواحدة علة وتسمى الأخرى شرطا

[نسبة العالم في وجوده إلى الحق‏]

فهل نسبة العالم في وجوده إلى الحق نسبة المعلول أو نسبة المشروط محال أن تكون نسبة المشروط على المذهبين فإنا لا نقول في المشروط يكون ولا بد وإنما نقول إذا كان فلا بد من وجود شرطه المصحح لوجوده ونقول في العالم على مذهب المتكلم الأشعري إنه لا بد من كونه لأن العلم سبق بكونه ومحال وقوع خلاف المعلوم وهذا لا يقال في المشروط وعلى مذهب المخالف وهم الحكماء فلا بد من كونه لأن الله اقتضى وجود العالم لذاته فلا بد من كونه ما دام موصوفا بذاته بخلاف الشرط فلا فرق إذن بين المتكلم الأشعري والحكيم في وجوب وجود العالم بالغير فلنسم تعلق العلم بكون العالم أزلا علة كما يسمى الحكيم الذات علة ولا فرق ولا يلزم مساوقة المعلول علته في جميع المراتب فالعلة متقدمة على معلولها بالمرتبة بلا شك سواء كان ذلك سبق العلم أو ذات الحق ولا يعقل بين الواجب الوجود لنفسه وبين الممكن بون زماني ولا تقدير زماني لأن كلامنا في أول موجود ممكن والزمان من جملة الممكنات فإن كان أمرا وجوديا فالحكم فيه كسائر

الحكم في الممكنات وإن لم يكن أمرا وجوديا وكان نسبة فحدثت النسبة بحدوث الموجود المعلول حدوثا عقليا لا حدوثا وجوديا وإذا لم يعقل بين الحق والخلق بون زماني فلم يبق إلا الرتبة فلا يصح أن يكون أبدا الخلق في رتبة الحق كما لا يصح أن يكون المعلول في رتبة العلة من حيث ما هو معلول عنها فالذي هرب منه المتكلم في زعمه وشنع به على الحكيم القائل بالعلة يلزمه في سبق العلم بكون المعلوم لأن سبق العلم يطلب كون المعلوم لذاته ولا بد ولا يعقل بينهما بون مقدر فهذا قد نبهناك على بعض ما ينبغي في هذه المسألة

[العالم أبدا، ممكن: والحق، أبدا، واجب‏]

فالعالم لم يبرح في رتبة إمكانه سواء كان معدوما أو موجودا والحق تعالى لم يبرح في مرتبة وجوب وجوده لنفسه سواء كان العالم أو لم يكن فلو دخل العالم في الوجوب النفسي لزم قدم العالم ومساوقته في هذه الرتبة لواجب الوجود لنفسه وهو الله ولم يدخل بل بقي على إمكانه وافتقاره إلى موجدة وسببه وهو الله تعالى فلم يبق معقول البينية بين الحق والخلق إلا التمييز بالصفة النفسية فبهذا نفرق بين الحق والخلق فافهم‏

[نفي تعدد العلة التامة للمعلولات العقلية]

وأما قولنا هل يكون في العقل للأمر المعلول علتان فلا يصح أن يكون للمعلول العقلي علتان بل إن كان معلولا فعن علة واحدة لأنه لا فائدة للعلة إلا أن يكون لها أثر في المعلول وأما إن اتفق أن يكون من شرط المعلول أن يكون على صفة بها يقبل أن يكون معلولا لهذه العلة ولا يمكن أن يكون هذا علة لذلك المعلول نفسه إلا أن يكون ذلك المعلول بتلك الصفة النفسية فلا بد منها ولا يلزم من هذا أن تكون تلك الصفة النفسية علة له فإنها صفة نفسية والشي‏ء لا يكون علة لنفسه فإنه يؤدي إلى أن تكون العلة عين المعلول فيكون الشي‏ء متقدما على نفسه بالرتبة وهذا محال فكون الشي‏ء علة لنفسه محال فإن العالم لو لم يكن في نفسه على صفة يقبل الاتصاف بالوجود والعدم على السواء لم يصح أن يكون معلولا لعلته المرجحة له أحد الجائزين بالنظر إلى نفسه فإن المحال لا يقبل صفة الإيجاد فلا يكون الحق علة له فبطل أن يكون كونه ممكنا علة له وبطل أن يكون للشي‏ء علتان فإن الأثر للعلة في المعلول إنما كان وجوده فما حكم العلة الأخرى فيه إن كان وجوده فقد حصل من إحداهما فلم يبق للآخر أثر فإن قيل باجتماعهما كان المعلول عن ذلك الاجتماع فكان عنهما قلنا فكل واحد منهما إذا انفرد لا يكون علة ولا يصح عليه اسم العلية وقد صح فبطل أن يكون كونه علة متوقفا على أمر آخر فإن قال وما المانع أن تكون العلة بالاجتماع قلنا إنما يكون الشي‏ء علة لنفسه لهذا المعلول عنه لا لغيره فيكون معلولا لذلك الغير لأن ذلك الغير كسبه العلية وكل مكتسب لا يكون صفة نفسية ولو قلنا باجتماعهما كان علة فلا يخلو ذلك الاجتماع أن يكون أمرا زائدا على نفس كل واحد منهما أو هو عينهما لا جائز أن يكون عينهما فإنا نعقل عين كل واحد منهما ولا اجتماع فلا بد أن يكون زائدا فذلك الزائد لا بد أن يكون وجودا أو عدما أو لا وجودا ولا عدما أو وجودا وعدما معا فهذا القسم الرابع محال بالبديهة ومحال أن يكون وجودا للتسلسل اللازم له بما يلزمه من ملزومه أو الدور فيكون علة لمن هو معلول له وهذا محال ومحال أن يكون عدما لأن العدم نفي محض ولا يتصف النفي المحض بالأثر ومحال أن يكون لا وجود ولا عدم كالنسب إذ لا حقيقة للنسب في الوجود فإنها أمور إضافية تحدث ولا يكون ما يحدث علة لما هو عنه حادث فبطل إن يكون للشي‏ء علتان في العقل‏

[جواز تعدد العلة في المعلولات الوضعية]

وأما في الوضعيات فقد يعتبر الشرع أمورا تكون بالمجموع سببا في ترتيب الحكم هذا لا يمنع فإذ قد علمت هذا فهو أدل دليل على توحيد الله تعالى كونه علة في وجود العالم غير أن إطلاق هذا اللفظ عليه لم يرد به الشرع فلا نطلقه عليه ولا ندعوه به فهذا توحيد ذاتي ينتفي معه الشريك بلا شك قال الله عز وجل لَوْ كانَ فِيهِما آلِهَةٌ إِلَّا الله لَفَسَدَتا ومعنى هذا لم يوجدا يعني العالم العلوي وهو السماء والسفلي وهو الأرض فحقق هذه المسألة في ذهنك فإنها نافعة في نفي الشريك ونفي التحديد عن الله تعالى فلا حد لذاته ولا شريك له في ملكه لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ‏

[العالم معلول علم الله لا معلول عين الله‏]

إنما عللوا الذي *** عللوه لكونه‏

هو معلول علمه *** ليس معلول عينه‏

فانظروا ما نصصته *** فهو من سر بينه‏

فصل الأمر نفسه *** عن سواه ببينة

في سر محقق *** إنني سر عونه‏

فلبست الرداء من *** طلبي عين صوته‏

(مسألة أخرى)

[الرابطة الوجودية بين الحق والخلق‏]

إنما كان كذا لكذا إنما انقسم العالم إلى شقي وسعيد للأسماء الإلهية فإن الرتبة الإلهية تطلب لذاتها إن يكون في العالم بلاء وعافية ولا يلزم من ذلك دوام شي‏ء من ذلك إلا أن يشاء الله فقد كان ولا عالم وهو مسمى بهذه الأسماء فالأمر في هذا مثل الشرط والمشروط ما هو مثل العلة والمعلول فلا يصح المشروط ما لم يصح وجود الشرط وقد يكون الشرط وإن لم يقع المشروط فلما رأينا البلاء والعافية قلنا لا بد لهما من شرط وهو كون الحق إلها يسمى بالمبلي والمعذب والمنعم وكما إن كل ممكن قابل لأحد الحكمين أعني الضدين هو قابل أيضا لانتفاء أحد الضدين فالعالم كله ممكن فجائز أن ينتفي عنه أحد الحكمين فلا يلزم الخلود في الدار الآخرة في العذاب ولا في النعيم بل ذلك كله ممكن‏

[الخلود، في الدار الآخرة، في العذاب وفي النعيم‏]

فإن ورد الخبر الإلهي الذي يفيد العلم بالنص الذي لا يحتمل التأويل بخلود العالم في أحد الحكمين أو بوقوع كل حكم في جزء من العالم معين وخلود ذلك الجزء فيه إلى ما لا يتناهى قبلناه وقلنا به وما ورد من الشارع أن العالم الذي هو في جهنم الذين هم أهلها ولا يخرجون منها أن بقاءهم فيها لوجود العذاب فكما ارتفع حكم العذاب عن ممكن ما وهم أهل الجنة كذلك يجوز أن يرتفع عن أهل النار وجود العذاب مع كونهم في النار لقوله وما هُمْ بِخارِجِينَ من النَّارِ وقال سبقت رحمتي غضبي‏

ولا يلزم من وجود الشرط وجود المشروط فيكون الله إلها بجميع أسمائه ولا عذاب في العالم ولا ألم لأنه ليس ارتفاعه عن ممكن ما بأولى من ارتفاعه عن جميع الممكنات فلم يبق بأيدينا من طريق العقل دليل على وجود العذاب دائما ولا غيره فليس إلا النصوص المتواترة أو الكشف الذي لا يدخله شبهة فليس للعقل رده إذا ورد من الصادق النص الصريح أو الكشف الواضح‏

(مسألة أخرى من هذا الباب) [خلق آدم على الصورة وباليدين‏]

إنما صحت الصورة لآدم لخلقه باليدين فاجتمع فيه حقائق العالم بأسره والعالم يطلب الأسماء الإلهية فقد اجتمع فيه الأسماء الإلهية ولهذا خص آدم عليه السلام بعلم الأسماء كلها التي لها توجه إلى العالم ولم يكن ذلك العلم أعطاه الله للملائكة وهم العالم الأعلى الأشرف قال الله عز وجل وعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ولم يقل بعضها وقال عَرَضَهُمْ ولم يقل عرضها فدل على أنه عرض المسمين لا الأسماء وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم إني أسألك بكل اسم سميت به نفسك أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم غيبك‏

فإن كان هذا الدعاء دعا به قبل نزول سورة البقرة عليه فلا معارضة بين الخبر والآية عند من يقول بأن الأسماء هنا هي الأسماء الإلهية فإنه صلى الله عليه وسلم لم يكن له علم بما خص الله به آدم على الملائكة كما قال صلى الله عليه وسلم ما أَدْرِي ما يُفْعَلُ بِي ولا بِكُمْ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا ما يُوحى‏ به إِلَيَّ وإن كان دعا به بعد نزول سورة البقرة فيكون يريد قوله كلها الأسماء الإلهية التي تطلب الآثار في العالم وما تعبد به من أسماء التنزيه والتقديس وكذلك‏

قوله صلى الله عليه وسلم في حديث الشفاعة فأحمد ربي بمحامد يعلمنيها الله لا أعلمها الآن‏

مع‏

قوله في حديث الضربة فعلمت علم الأولين والآخرين‏

ومن علم الأولين علم الأسماء التي علمها الله آدم وربما يكون من علم الآخرين علم هذه المحامد التي يحمد بها ربه يوم القيامة

(مسألة أخرى من هذا الباب)

[الخلافة الإلهية]

إنما كانت الخلافة لآدم عليه السلام دون غيره من أجناس العالم لكون الله تعالى خلقه على صورته فالخليفة لا بد أن يظهر فيما استخلف عليه بصورة مستخلفه وإلا فليس بخليفة له فيهم فأعطاه الأمر والنهي وسماه بالخليفة وجعل البيعة له بالسمع والطاعة في المنشط والمكره والعسر واليسر وأمر الله سبحانه عباده بالطاعة لله ولرسوله والطاعة لأولي الأمر منهم فجمع رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرسالة والخلافة كداود عليه السلام فإن الله نص على خلافته عن الله بقوله تعالى فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وأجمل خلافة آدم عليه السلام‏

[الفرقان بين الرسول والخليفة]

وما كل رسول خليفة فمن أمر ونهى وعاقب وعفا وأمر الله بطاعته وجمعت له هذه الصفات كان خليفة ومن بلغ أمر الله ونهيه ولم يكن له من نفسه إذن من الله تعالى أن يأمر وينهى فهو رسول يبلغ رسالات ربه وبهذا بان لك الفرقان بين الرسول والخليفة

[طاعة الله وطاعة الرسول وأولى الأمر]

ولهذا جاء بالألف واللام في‏

قوله تعالى من يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ الله وقال عز وجل يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا الله أي فيما أمركم به على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم مما قال فيه صلى الله عليه وسلم إِنَّ الله يَأْمُرُكُمْ وهو كل أمر جاء في كتاب الله تعالى ثم قال وأَطِيعُوا الرَّسُولَ ففصل أمر طاعة الله من طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم فلو كان يعني بذلك ما بلغ إلينا من أمر الله تعالى لم تكن ثم فائدة زائدة فلا بد أن يوليه رتبة الأمر والنهي فيأمر وينهى فنحن مأمورون بطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الله بأمره وقال تعالى من يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ الله وطاعتنا له فيما أمر به صلى الله عليه وسلم ونهى عنه مما لم يقل هو من عند الله فيكون قرآنا قال الله عز وجل وما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا فأضاف النهي إليه صلى الله عليه وسلم فأتى بالألف واللام في الرسول يريد بهما التعريف والعهد أي الرسول الذي استخلفناه عنا فجعلنا له أن يأمر وينهى زائدا على تبليغ أمرنا ونهينا إلى عبادنا ثم قال تعالى في الآية عينها وأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ أي إذا ولي عليكم خليفة عن رسولي أو وليتموه من عندكم كما شرع لكم فاسمعوا له وأطيعوا ولو كان عبدا حبشيا مجدع الأطراف فإن في طاعتكم إياه طاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم ولهذا لم يستأنف في أولي الأمر أطيعوا واكتفى بقوله أَطِيعُوا الرَّسُولَ ولم يكتف بقوله أَطِيعُوا الله عن قوله أَطِيعُوا الرَّسُولَ ففصل لكونه تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ واستأنف القول بقوله وأَطِيعُوا الرَّسُولَ‏

[ليس لأولى الأمر تشريع الشرائع: إنما ذلك لرسل الله‏]

فهذا دليل على أنه تعالى قد شرع له صلى الله عليه وسلم أن يأمر وينهى وليس لأولي الأمر أن يشرعوا شريعة إنما لهم الأمر والنهي فيما هو مباح لهم ولنا فإذا أمرونا بمباح أو نهونا عن مباح وأطعناهم في ذلك أجرنا في ذلك أجر من أطاع الله فيما أوجبه عليه من أمر ونهي وهذا من كرم الله بنا ولا يشعر بذلك أهل الغفلة منا

(مسألة أخرى من هذا الباب)

[الحق لم يقيده الفوق عن التحت ولا التحت عن الفوق‏]

إنما أمرت الملائكة والخلق أجمعون بالسجود وجعل معه القربة فقال واسْجُدْ واقْتَرِبْ وقال صلى الله عليه وسلم أقرب ما يكون العبد من الله في سجوده‏

ليعلموا أن الحق في نسبة الفوق إليه من قوله وهُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ ويَخافُونَ رَبَّهُمْ من فَوْقِهِمْ كنسبة التحت إليه فإن السجود طلب السفل بوجهه كما إن القيام يطلب الفوق إذا رفع وجهه بالدعاء ويديه وقد جعل الله السجود حالة القرب من الله فلم يقيده سبحانه الفوق عن التحت ولا التحت عن الفوق فإنه خالق الفوق والتحت كما لم يقيده الاستواء على العرش عن النزول إلى السماء الدنيا ولم يقيده النزول إلى السماء الدنيا عن الاستواء على العرش كما لم يقيده سبحانه الاستواء والنزول عن أن يكون معنا أينما كنا كما قال تعالى وهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ بالمعنى الذي يليق به وعلى الوجه الذي أراده كما

قال أيضا ما وسعني أرضي ولا سمائي ووسعني قلب عبدي‏

كما قال عنه هود عليه السلام ما من دَابَّةٍ إِلَّا هُوَ آخِذٌ بِناصِيَتِها وقال تعالى أيضا في حق الميت ونَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ ولكِنْ لا تُبْصِرُونَ فنسب القرب إليه من الميت وقال أيضا عز وجل ونَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ من حَبْلِ الْوَرِيدِ يعني الإنسان مع قوله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ وهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ

(مسألة دورية من هذا الباب وهذه صورتها)

إنما قلنا اختلفت الشرائع لاختلاف النسب الإلهية لأنه لو كانت النسبة الإلهية لتحليل أمر ما في الشرع كالنسبة لتحريم ذلك الأمر عينه في الشرع لما صح تغيير الحكم وقد ثبت تغيير الحكم ولما صح أيضا قوله تعالى لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً ومِنْهاجاً وقد صح أن لكل أمة شرعة ومنهاجا جاءها بذلك نبيها ورسولها فنسخ وأثبت فعلمنا بالقطع أن نسبته تعالى فيما شرعه إلى محمد صلى الله عليه وسلم خلاف نسبته إلى نبي آخر وإلا لو كانت النسبة واحدة من كل وجه وهي الموجبة للتشريع الخاص لكان الشرع واحدا من كل وجه‏

[إنما اختلفت النسب الإلهية لاختلاف الأحوال‏]

فإن قيل فلم اختلفت النسب الإلهية قلنا لاختلاف الأحوال فمن حاله المرض يدعو يا معافي ويا شافي ومن حاله الجوع يقول يا رزاق ومن حاله الغرق يقول يا مغيث فاختلفت النسب لاختلاف الأحوال وهو قوله كُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ وسَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ وقوله صلى الله عليه وسلم لما وصف ربه تعالى بيده الميزان يخفض ويرفع‏

فلحالة الوزن قيل فيه الخافض الرافع فظهرت هذه النسب فهكذا في اختلاف أحوال الخلق‏

[إنما اختلفت الأحوال لاختلاف الزمان‏]

وقولنا إنما اختلفت الأحوال لاختلاف الأزمان فإن اختلاف أحوال الخلق سببها اختلاف الأزمان عليها فحالها في زمان الربيع يخالف حالها في زمان الصيف وحالها في زمان الصيف يخالف حالها في زمان الخريف وحالها في زمان الخريف يخالف حالها في زمان الشتاء وحالها في زمان الشتاء يخالف حالها في زمان الربيع يقول بعض العلماء بما تفعله الأزمان في الأجسام الطبيعية تعرضوا لهواء زمان الربيع فإنه يفعل في أبدانكم ما يفعل في أشجاركم وتحفظوا من هواء زمان الخريف فإنه يفعل في أبدانكم كما يفعل في أشجاركم وقد نص الله تعالى على إننا من جملة نبات الأرض فقال والله أَنْبَتَكُمْ من الْأَرْضِ نَباتاً أراد فنبتم نباتا لأن مصدر أنبتكم إنما هو إنباتا كما قال في نسبة التكوين إلى نفس المأمور به فقال تعالى إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْ‏ءٍ إِذا أَرَدْناهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ فجعل التكوين إليه كذلك نسب ظهور النبات إلى النبات فافهم فلذلك قلنا إنما اختلفت الأحوال لاختلاف الأزمان‏

[إنما اختلفت الأزمان لاختلاف الحركات‏]

وأما قولنا إنما اختلفت الأزمان لاختلاف الحركات فأعني بالحركات الحركات الفلكية فإنه باختلاف الحركات الفلكية حدث زمان الليل والنهار وتعينت السنون والشهور والفصول وهذه المعبر عنها بالأزمان وقولنا اختلفت الحركات لاختلاف التوجهات أريد بذلك توجه الحق عليها بالإيجاد لقوله تعالى إِنَّما قَوْلُنا لِشَيْ‏ءٍ إِذا أَرَدْناهُ فلو كان التوجه‏



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!