The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منازلة التواضع الكبريائى

البأس من الكفار إن الايمان لا يرفع نزول البأس بهم مع قبول الله إيمانهم في الدار الآخرة فيلقونه ولا ذنب لهم فإنهم ربما لو عاشوا بعد ذلك اكتسبوا أوزارا

أيها الخلق المسوي *** كم تنادي كم تلوي‏

فلتبادر قبل يوم *** ود فيه لو تسوي‏

بهم الأرض رجال *** كغثاء كان أحوى‏

خلق الرحمن خلقا *** مثل ما قال فسوى‏

ثم أعطاه اقتدارا *** فسطا فكان أقوى‏

قال كن لكل شي‏ء *** لم يكن وكان بلوى‏

وإذا كان الحق يقول عن نفسه إنه خَلَقَ فَسَوَّى وقَدَّرَ فَهَدى‏ فما لك لا تسبح اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى جعلنا الله ممن قيده الحق به ورزقه الوقوف عند حدوده ومراسمه في الآخرة والأولى فانظر يا أخي ما أعطت عناية هذه المعية الإلهية في قوله وهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ فهو معنا بهويته وهو معنا بأسمائه فهل ترى عين العارف كونا من الأكوان وعينا من الأعيان لا يكون الحق معه فالله يغفر للجميع بالواحد فكيف لا يغفر للواحد بالجميع فما من إنسان إلا وجميع أجزائه مسبحة بحمد الله ولا قوة من قواه إلا وهي ناطقة بالثناء على الله حتى النفس الناطقة المكلفة من حيث خلقها وعينها كسائر جسدها الذي هو ملكها مسبحة أيضا لله فما عصى وخالف الأمر واحد من هذه الجملة المعبر عنها بالإنسان أ فترى الله لا يقبل طاعة هذه الجملة في معصية ذلك الواحد هيهات وأين الكرم إلا هنا يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ فيقول كرمك فهذا تنبيه من الله لعبده أن يقول كرمك كما يفعله الحاكم المؤمن العالم إذ يقول للسارق والزاني قل لا زنيت أو قل لا سرقت أو قل لا لعلمه أنه إذا اعترف أقام عليه حدا فربما يكون الزاني يدهش بين يدي الحاكم فينبهه ليقول بهذه المقالة لا فيدرأ عنه الحد بذلك والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب السابع والثمانون وثلاثمائة في معرفة منازل التواضع الكبريائي»

من هاله ما هو من جنسه *** فهو جهول ضل عن نفسه‏

لو أنه يعرف أوصافه *** ما هاله ما هو من جنسه‏

وكل ما في الجود فيه فمن *** دجى الليالي وسنا شمسه‏

وكل ما في الكون فيه فمن *** نزوله الأدنى ومن قدسه‏

وانظر فأنت الأمر فأثبت على *** علم ولا تنظر إلى حدسه‏

[إن الله نزل نفسه منزلة عباده‏]

قال تبارك وتعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ وقال وما قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِهِ وقال تعالى سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وقال ولَهُ الْكِبْرِياءُ في السَّماواتِ والْأَرْضِ وهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وقال فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ ومع هذا كله‏

فهو القائل في الصحيح من الأخبار عنه مرضت فلم تعدني وجعت فلم تطعمني وظمأت فلم تسقني‏

يقول مثل هذا القول لعبده فأنزل نفسه هنا منزلة عباده وأين ذلك الكبرياء من هذا النزول وثبت في الصحيح أن الله يعجب من الشاب ليست له صبوة

وثبت أن الله أفرح بتوبة عبده من فرح صاحب الناقة التي عليها طعامه وشرابه إذا وجدها بعد ما ضلت وهو في فلاة من الأرض منقطعة وأيقن بالموت ففرح بها فالله أفرح بتوبة عبده من هذا بناقته‏

وثبت عنه أنه تعالى يتبشبش للذي يأتي المسجد كما يتبشبش أهل الغائب بغائبهم إذا ورد عليهم‏

وأين هذا كله من قوله تعالى سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ وما قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِهِ فأين هذا النزول من هذه الرفعة فهذا هو التواضع الكبريائي وكل حق وقول صدق وحكم صحيح لمن كشف الله عن بصيرته من علماء عباده فأراه الحق حقا وأراه الباطل باطلا وهنا تعلقت الرؤية بالمعدوم فإن الباطل عدم وإذا كان العبد يتصف برؤية المعدوم فالحق أولى بهذه الصفة أنه يرانا في حال عدمنا رؤية عين وبصر لا رؤية علم وأما قوله لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ فهو على الصحيح من الفهم معنى‏

قوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إن الله خلق آدم على صورته‏

في بعض وجوه محتملات هذا الخبر وقوله تعالى لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ في أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ فما ذاك إلا لخلقه على صورة الحق وإنما رده إلى أسفل سافلين ليجمع له كمال الصورة بالأوصاف كما ذكر عن نفسه أنه عليه فإن اتصافه بنفي المثل عن نفسه من اتصافه بالحد والمقدار

من استواء ونزول واستعطاف وتلطف في خطاب وغضب ورضاء وكلها نعوت المخلوق فلو لم يصف نفسه بنعوتنا ما عرفناه ولو لم ينزه نفسه عن نعوتنا ما عرفناه فهو المعروف في الحالين والموصوف بالصفتين ولهذا خلق من كل شي‏ء زوجين ليكون لأحد الزوجين العلو وهو الذكر ولأحد الزوجين السفل وهو الأنثى ليظهر من بينهما إذا اجتمعا بقاء أعيان ذلك النوع وجعل ذلك في كل نوع نوع ليعلمنا أن الأمر في وجودنا على هذا النحو فنحن بينه وبين معقولية الطبيعة التي أنشأ منها الأجسام الطبيعية وأنشأ من نسبة توجهه عليها الأرواح المدبرة وكل ما سوى الله لا بد أن يكون مركبا من راكب ومركوب ليصح افتقار الراكب إلى المركوب وافتقار المركوب إلى الراكب لينفرد سبحانه بالغنى كما وصف نفسه فهو غني لنفسه ونحن أغنياء به في عين افتقارنا إليه فما لا نستغني عنه فكل ما سوى الله مدبر ومدبر لهذا المدبر فالمدبر اسم فاعل بما هو مدبر يجد ذلك قوة في ذاته يفتقر إلى مدبر يظهر فيه تدبيره ولا مدبر اسم مفعول بما هو مدبر يجد ذلك حالة في ذاته يفتقر بها إلى من يدبر ذاته لصلاح عينه وبقائه ففقر كل واحد إلى الآخر فقر ذاتي وإنما يتصف بالغنى عنه لكونه لا يفتقر إلا إلى مدبر لا إلى هذا المدبر بعينه كما إن المدبر يتصف بالغنى لكونه لا يفتقر إلا إلى مدبر لا إلى هذا المدبر بعينه فكل واحد منهما غني عن الآخر عينه لا عن التدبير منه وفيه فغني كل واحد ليس على الإطلاق وغناء الحق مطلق بالنظر إلى ذاته والخلق مفتقر على الإطلاق بالنظر أيضا إلى ذاته فتميز الحق من الخلق ولهذا كفر من قال إِنَّ الله فَقِيرٌ ونَحْنُ أَغْنِياءُ فهذا التمييز لا يرتفع أبدا لأنه تميز ذاتي في الموصوف به من حق وخلق فما ثم إلا شيئيتان شيئية حق وشيئية خلق فليس كمثل الخلق في افتقاره شي‏ء لأنه ما ثم إلا الحق والحق لا يوصف بالافتقار فما هو مثل الخلق فليس مثل الخلق شي‏ء وليس كمثل الحق في غناه شي‏ء لأنه ما ثم إلا الخلق والخلق لا يتصف بالغنى لذاته فما هو مثل الحق فليس مثل الحق شي‏ء لأنه كما قلنا ما ثم شي‏ء إلا الخلق والحق فالخلق من حيث عينه ذات واحدة في كثير والحق من حيث ذاته وعينه ذات واحدة لها أسماء كثيرة ونسب فمن لم يعلم قوله تعالى لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ على ما قررناه فلا علم له بهذه الآية فإنه جاء بالكاف ثم نفى المثلية عن نفسه بزيادة الكاف للتأكيد في النفي ثم نفى المثلية عن العالم بجعل الكاف صفة فعلق النفي بالمماثل في النفي أي انتفت عن الخلق المثلية لأنه ما ثم إلا حق لا يماثل وانتفت عن الحق المثلية لأنه ما ثم إلا خلق لا يماثل‏

فهكذا تفهم المعاني *** إذا جاءنا النور بالبيان‏

فليس في أكون غير فرد *** حق وإن شئتم اثنتان‏

وكل عين لها انفراد *** بذاتها لا ترى بثاني‏

وقد أتى في الصلاة حكم *** منه بتقسيمه المثاني‏

فميز الخلق عنه فيها *** لأجل ذا لاحت اثنتان‏

فقال بيني وبين عبدي *** فمن رآه فقد رآني‏

فلست غير إله ولا هو *** لوحدتي في الوجود ثاني‏

ترجم عنه لسان خلق *** بما ذكرنا من البيان‏

وأما قوله وما قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِهِ وهو الذي أنطقهم بما نطقوا به فيه فإنه يقول عن المشهود عليهم إنهم قالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا الله الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ فما من شي‏ء ينطق إلا والله أنطقه واختلف المنطوق به فثم نطق أي منطوق به يتعلق به مديح وثم منطوق به يتعلق به دم وثم منطوق به يتعلق به تجوز لتواطئ جعله الله في العالم وثم منطوق به على ما هو المدلول عليه في نفسه فهو إخبار عن حقيقة وما ثم إلا ما ذكرناه فنطق المدح شهادة أولي العلم بتوحيد الله ونطق الذم قول القائل إِنَّ الله فَقِيرٌ ويَدُ الله مَغْلُولَةٌ يريد البخل ونطق بالحقيقة والله خَلَقَكُمْ ونطق بالتجوز للتواطئ وما تَعْمَلُونَ والآية واحدة فأما قوله وما قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِهِ لكونهم ليسوا مثله فما عرفوه ومن جهل أمره لا يقدر قدره فهم ليسوا له بمثل ولا هو مثل لهم فوصفوه بنفوسهم وبما هم عليه ولا يتمكن‏

لهم إلا ذلك لأنهم‏

يريدون الوصف الثبوتي ولا يكون إلا بالتشبيه ومن جعل مثل لمن لا يقبل المثل فما قدره حق قدره أي ما أنزله المنزلة التي يستحقها فذمهم بالجهل حيث تعرضوا لما ليس لهم به علم من نفوسهم فلو قالوا فيه بما أنزله إليهم لم يتعلق بهم ذم من قبل الحق في ذلك لأن الحاكي لا ينسب إليه ما حكاه فلا يتعلق به ذم في ذلك ولا مدح فعلم الخلق بالله لا يدرك بقياس وإنما يدرك بالبقاء السمع لخطاب الحق إما بنفسه وإما بلسان المترجم عنه وهو الرسول مع الشهود الذي لا يسعه معه غير ما سمعه من الخطاب كما قال إِنَّ في ذلِكَ إشارة لما تقدم لَذِكْرى‏ لِمَنْ كانَ لَهُ قَلْبٌ فأحال على النظر الفكري بتقلب الأحوال عليه أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وهُوَ شَهِيدٌ وما عدا هذين الصنفين فلا طريق لهم إلى العلم بما يستحقه الحق أن يضاف إليه وما يستحقه الخلق أن يضاف إليهم فمن عرف نفسه فإنه لا يماثله الحق ومن عرف ربه فإنه لا يماثله الخلق إذ معرفتكم بجزء واحد من العالم من كونه دليلا عين معرفتك بالعالم كله فلهذا أنزلنا العالم منزلة الواحد فنفينا عنه المثلية إذ ما ثم في الوجود إلا الحق والحق ما هو مثل للعالم وإن كان العالم يماثل بعضه بعضا كما تحكم في الأسماء الإلهية في الغافر والغفور والغفار وأمثال هذا بأنها أمثال وإن تميزت بمراتب كالعالم فإن فيه أمثالا وإن تميزت بالأعيان والمراتب ولهذا ما نزلت هذه الآيات إلا في مقابلة قول كان منهم ورد ذلك في الخبر النبوي وأما في القرآن فقوله وما قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قالُوا ما أَنْزَلَ الله عَلى‏ بَشَرٍ من شَيْ‏ءٍ مع إقرارهم أن التوراة نزلت على موسى عليه السلام من عند الله فكذبوا على الله فاسودت وجوههم أي ذواتهم فلا نور لهم يكشفون به الأشياء بل هم عمي فهم لا يبصرون وأما قوله سُبْحانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا

يَصِفُونَ وسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ فهذه آية ما نزل عند العارفين أشكل منها لما فيها من التداخل فدخل تحت قوله تَعالى‏ في تنزيه نفسه عَمَّا يَصِفُونَ ما يصفه به عباده مما تعطيهم أدلتهم في زعمهم بالنظر الفكري كل على حياله وكل واحد يدعي التنزيه لخالقه في ذلك فأما الفيلسوف فنفى عنه العلم بمفردات العالم الواقعة في الحس منهم فلا يعلم عندهم أن زيد بن عمرو حرك أصبعه عند الزوال مثلا ولا إن عليه في هذا الوقت ثوبا معينا لكن يعلم أن في العالم من هو بهذه الصفة مطلقا من غير تعيين لأن حصول هذا العلم على التعيين إنما هو للحس والله منزه عن الحواس فقد اندرج عندهم هذا العلم بهذا الجزء في العلم الكل الذي هو أن في العالم من هو بهذه المثابة وقد حصل المقصود عندهم وفاتهم بذلك علم كبير فإن صاحب هذه الحركة المعينة من الشخص المعين يجوز أن تقوم بغيره فبأي شي‏ء تقوم الحجة لله على تعيين هذا العبد حتى قرره عليها في الآخرة أو حرمه ما ينبغي له في الدنيا أو لم يتحرك بتلك الحركة وإن كان من أصل صاحب هذا النظر إنكار الآخرة المحسوسة وإنكار الوهب في الدنيا والجزاء الصاحب هذه الحركة على التعيين وإن من مذهبه أن تلك الحركة هي المانعة لذاتها أن يحصل لهذا المتحرك بها ما تمنعها حقيقة تلك الحركة فهو بان على أصل فاسد وهو أن الله ما صدر عنه إلا ذلك الواحد الأول لأحديته ثم انفعل العالم بعضه عن بعض عن غير تعلق علم من الله تفصيلي بذلك بل بالعلم الكل الذي هو عليه وأما المتكلم مثل الأشعري فانتقل في تنزيهه عن التشبيه بالمحدث إلى التشبيه بالمحدث فقال مثلا في استواءه على العرش إنه يستحيل عليه أن يكون استواءه استواء الأجسام لأنه ليس بجسم لما في ذلك من الحد والمقدار وطلب المخصص المرجح للمقادير فيثبت له الافتقار بل استواءه كاستواء الملك على ملكه وأنشدوا في ذلك استشهادا على ما ذهبوا إليه من الاستواء

قد استوى بشر على العراق *** من غير سيف ودم مهراق‏

فشبهوا استواء الحق على العرش باستواء بشر على العراق واستواء بشر محدث فشبهوه بالمحدث والقديم لا يشبه المحدث فإن الله يقول لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ والنظر الصحيح يعطي خلاف ما قالوه فقال تعالى في حق كل ناظر سُبْحانَ رَبِّكَ لمحمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ضمير هذا الكاف أي ربك الذي أرسلك إليهم لتعرفهم بما أرسلك له‏

إليهم وأنزله بوساطتك عليهم رَبِّ الْعِزَّةِ أي هو الممتنع لنفسه أن يقبل ما وصفوه به في نظرهم وحكموا عليه بعقولهم وأن الحق لا يحكم عليه خلق والعقل والعاقل خلق وإنما يعرف الحق من الحق بما أنزله إلينا أو أطلعنا عليه كشفا وشهودا بوحي إلهي أو برسالة رسول ثبت صدقه وعصمته فيما يبلغه عن الله إلينا عَمَّا يَصِفُونَ من حيث نظروا بفكرهم واستدلوا

بعقولهم إذ العلم بالله لا يقبل التحول إلى الجهل ولا الدخول عليه بالشبه وما من دليل عقلي إلا ويقبل الدخول والشبهة ولهذا اختلف العقلاء فكل واحد من المخالفين عنده دليل مخالفه شبهة لمخالفه لكونه خالف دليل هذا الآخر فعين أدلتهم كلهم هي عين شبهاتهم فأين الحق وأين الثقة وأصل الفساد إنما وقع من حيث حكموا الخلق على الحق الذي أوجدهم ثم قال وسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وما جاءت الرسل عليه السلام إلا بما أحالته هذه الأدلة النظرية وبما أثبتته فصدقهم في نظرهم وأكذبهم في نظرهم فوقعت الحيرة عند هؤلاء فإذا سلموا له ما قاله عن نفسه على ألسنة رسله وانقادوا إليهم فإن انقيادهم إليهم ينزلهم منزلتهم فإنهم ما انقاد وإليهم من حيث أعيانهم فإنهم أمثالهم وإنما انقادوا إلى الذي جاءوا من عنده ونقلوا عنه ما أخبر به عن نفسه على ما يعلم نفسه لا على تأويل من وصل إليه ذلك فلا يعلم مراد الله فيه إلا بإعلام الله فيقف الناظر موقف التسليم لما ورد مع فهمه فيه أنه على موضوع ما هو في ذلك اللسان الذي جاء به هذا الرسول لا بد من ذلك لأنه ما جاء به بهذا اللسان إلا لنعرف أنه على حقيقة ما وضع له ذلك اللفظ في ذلك اللسان ولكن تجهل النسبة فتسلم إليه علم النسبة مع عقلنا الدلالة بالوضع الاصطلاحي في ذلك اللحن الخاص فتنقاد إليه كما انقاد المرسلون ولهذا قال على المرسلين أي هو واجب عليهم الانقياد بقوله وسَلامٌ فنكون أمثالهم ثم قال والْحَمْدُ لِلَّهِ أي عواقب الثناء إذ كل ما جاءوا به إنما قصدوا به الثناء على الله فعواقب الثناء على الله بما نزه نفسه عنه إن الثناء على الله في ذلك كونه تعالى أنطقهم به وأوجد ذلك في نفوسهم لأن الذي قالوه يكون حقا ولا بد ولهذا قال والْحَمْدُ فإن الحمد العاقب فعواقب الثناء ترجع إلى الله وعاقب الأمر آخره ولا آخر لما قالوه إلا كونه موجودا عنه تعالى فيهم فإنه رب العالمين من حيث ثبوته في ربوبيته بما يستحقه الرب من النعوت المقدسة وهو سيد العالم ومربيهم ومغذيهم ومصلحهم لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وأما قوله ولَهُ الْكِبْرِياءُ في السَّماواتِ والْأَرْضِ‏

[العالم محصور في علو وسفل‏]

اعلم أن العالم محصور في علو وسفل والعلو والسفل له أمر إضافي نسبي فالعالي منه يسمى سماء والأسفل منه يسمى أرضا ولا يكون له هاتان النسبتان إلا بأمر وسط يكون بينهما ويكون ذلك الأمر في نفسه ذا جهات فما أظله فهو سماء وما أقله فهو أرض له وإن شئت قلت في الملإ الأعلى والملإ الأسفل أنه كل ما تكون من الطبيعة فهو الملأ الأسفل وكل ما تولد من النور فهو الملأ الأعلى وأكمل العالم من جمع بينهما وهو البرزخ الذي بجهاته ميزهما أو بجمعيته ميزهما بالعلو والسفل من حيث المؤثر والمؤثر فيه اسم فاعل واسم مفعول والحق تعالى بالنظر إلى نفسه لا يتصف بشي‏ء مما يتصف به وجود العالم فالعظمة والكبرياء المنسوبان إليه في ألسنة الفهوانية أن الله لما نسب الكبرياء الذي له ما جعل محله إلا السموات والأرض فقال ولَهُ الْكِبْرِياءُ في السَّماواتِ والْأَرْضِ ما قال في نفسه فالمحل هو الموصوف بالكبرياء الذي لله فالعالم إذا نظر إلى نفسه صغيرا ورأى موجدة منزها عما يليق به سمي ربه كبيرا وذا كبرياء لما كبر عنده بما له فيه من التأثير والقهر فلو لم يكن العالم مؤثرا فيه لله تعالى ما علم أنه صغير ولا أن ربه كبير وكذلك رأى لما قامت الحاجة به والفقر إلى غيره احتاج أن يعتقد ويعلم أن الذي استند إليه في فقره له الغني فهو الغني سبحانه في نفس عبده وهو بالنظر إلى ذاته معرى عن النظر إلى العالم لا يتصف بالغنى لأنه ما ثم عن من وكذلك إذا نظر إلى ذله علم أنه لا يذل لنفسه وإنما يذل تحت سلطان غيره عليه فسماه عزيزا فإنه عز الحق في نفس هذا العبد لذله فالعبد هو محل الكبرياء والغني والعظمة والعزة التي لله فوصف العبد ربه بما قام به فأوجب المعنى حكمه لغير من قام به ومن هنا برقت بارقة لمن قال من أهل النظر إن الباري مريد بإرادة حادثة لم تقم به لأنه ليس محلا للحوادث فخلق إرادة لا في محل فأراد بها فأوجبت الإرادة حكمها لمن لم تقم به هذا القدر وهو الذي لاح عندهم من روح هذا الأمر الذي ذكرناه في الكبرياء وما تم لهم تحقيق النظر إلى آخره بل عبروا عن ذلك بعبارات سيئة مختلطة فإن أكثر العقلاء يرون أن المعاني لا توجب أحكامها إلا لمن قامت به وهذا غلط طرأ عليهم لكونهم أثبتوا الصفات أعيانا متعددة وجودية لا تقوم بنفسها بل تستدعي موصوفا بها تقوم به فيوصف بها فلو علموا أن ذلك كله نسب وإضافات في عين واحدة تكون تلك العين بالنسبة إلى كذا عالمة وإلى كذا قادرة وإلى كذا مريدة وإلى كذا كبيرة وإلى كذا غنية وإلى كذا عزيزة إلى سائر الصفات والأسماء لأصابوا



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!