The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل العظمة الجامعة للعظمات محمدى

لم يخرج من النار والعالم منا هنا بصورة ما عبده المشرك ما نزحزح عن علمه في الدنيا ولا في الآخرة لأنه لم تقع عينه في الدنيا ولا تعلق علمه إلا على المعبود في تلك الصورة والمشرك لم يكن حاله كذلك وإنما كان حاله شهودا لصورة فرجع المشرك عنها في الآخرة ولم يرجع العالم فلو رجع لكان من الجاحدين فلا يصح له أن يرجع‏

فالشرك باق ولكن ليس يعلمه *** إلا الذي شاهد الأعيان والصورا

فمن يقول بتوحيد أصاب ومن *** يقول بالشرك فيه صدق الخبرا

إن الشريك لمعدوم وليس له *** في عين عابدة عين ولا أثرا

وفي هذا المنزل من العلوم لا يعلمه نبي ولا ولي كان قبل هذه الأمة اختص بعلمه هذا الرسول محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وهذه الأمة المحمدية فالكامل من هذه الأمة حصل له هذا المقام ظاهرا وباطنا وغير الكامل حصل له ظاهرا أو باطنا ولم يكمل له ولكن شمله لكونه من الأمة أمة محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ولا يكاثر من أمته إلا بالمؤمنين منهم صغيرا كان المؤمن أو كبيرا فإن الذرية تابعة للآباء في الايمان ولا يتبعونهم في الكفر إن كان الآباء كفارا ولكن تعزل كفار كل أمة بمعزل عن كفار الأمة الأخرى فإن العقوبة تعظم بعظم من كفر به هذا هو المعهود إلا كفار هذه الأمة فإنهم أخف الناس عذابا لكون من كفرت برسالته التي أرسله الله بها رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ وقد أبان الله ذلك في الدنيا وجعله عنوان حكم الآخرة وذلك‏

أن رسول الله محمدا صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لما اشتد قيامه في الله وغيرته على الحق في قصة رعل وذكوان وعصية جعل يدعو عليهم في كل صلاة شهرا كاملا وهو القنوت‏

فأوحى الله تعالى إليه في ذلك لما علم من إجابته إياه إذا دعاه في أمر فنهاه عن الدعاء عليهم إبقاء لهم ورحمة بهم فقال وما أَرْسَلْناكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ أي لترحمهم فإنه مرسل إلى جميع الناس كافة ليرحمهم بأنواع وجوه الرحمة ومن وجوه الرحمة أن يدعو لهم بالتوفيق والهداية وقد صح عنه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه كان يقول اللهم اهد قومي فإنهم لا يعلمون ونهى عن الدعاء عليهم‏

فإذا كان من أشرك به يعتب رسوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في الدعاء عليهم فكيف يكون فعله فيهم إذا تولى سبحانه الحكم فيهم بنفسه وقد علمنا أنه تعالى ما ندبنا إلى خلق كريم إلا كان هو أولى به فمن هنا يعلم ما حكمه في المشركين يوم القيامة من أمة محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وإن أخذهم الله بالشرك في الآخرة إذ لا بد من المؤاخذة ولكن مؤاخذته إياهم فيها لطف إلهي لا يستوي فيه مشرك غير هذه الأمة بمشركها أعرف ذلك اللطف ولا أصرح به كما ذكر صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فيمن أصابتهم النار من هذه الأمة بذنوبهم بل من الأمم إن الله يميتهم فيها أمانة الحديث وقد مر في هذا الكتاب خرجه مسلم في صحيحه وقد رميت بك على الطريق لتعلم حكم الله في هذه الأمة المحمدية مؤمنها والكافر بها فإن كفر الكافر منها لا يخرجه عن الدعوة فله أو عليه حكمها ولا بد فهم خير أمة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ المؤمن منهم بإيمانه والكافر منهم بكفره هما خير من كل مؤمن من غير هذه الأمة وكافر وهذا الذي ذكرناه في هذا المنزل بالنظر إلى ما يحويه من العلوم جزء من ألف جزء بل من آلاف والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب الثالث والثمانون وثلاثمائة في معرفة منزل العظمة الجامعة للعظمات المحمدية»

إن العظيم إذا عظمته نزلا *** وإن تعاظمت جلت ذاته فعلا

فهو الذي أبطل الأكوان أجمعها *** من باب غيرته وهو الذي فعلا

وليس يدرك ما قلنا سوى رجل *** قد جاوز الملأ العلوي والرسلا

وهام فيمن يظن الخلق أجمعه *** تحصيله وسها عن نفسه وسلا

ذاك الرسول رسول الله أحمدنا *** رب الوسيلة في أوصافه كملا

[حكم صاحب الزمان والأوتاد والأبدال‏]

اعلم أن لهذا المنزل أربعة عشر حكما الأول يختص بصاحب الزمان والثاني والثالث يختص بالإمامين والرابع والخامس والسادس والسابع يختص بالأوتاد والثامن والتاسع والعاشر والأحد عشر والأحد عشر والاثنا عشر والثالث عشر والرابع عشر يختص بالأبدال وبهذه الأحكام يحفظ الله عالم الدنيا فمن علم هذا المنزل علم كيف يحفظ الله الوجود على عالم الدنيا ونظيره‏

من الطب علم تقويم الصحة كما أنه بالأبدال تنحفظ الأقاليم وبالأوتاد ينحفظ الجنوب والشمال والمغرب والمشرق وبالإمامين ينحفظ عالم الغيب الذي في عالم الدنيا وعالم الشهادة وهو ما أدركه الحس وبالقطب ينحفظ جميع هؤلاء فإنه الذي يدور عليه أمر عالم الكون والفساد وهؤلاء على قلب أربعة عشر نبيا وهم آدم وإدريس ونوح وإبراهيم ويوسف وهود وصالح وموسى وداود وسليمان ويحيى وهارون وعيسى ومحمد سلام الله عليهم وعَلَى الْمُرْسَلِينَ والْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ ولكل واحد ممن ذكرنا طريق يخصه وعلم ينصه وخبر يقصه ويرثه من ذكرناه ممن ليست له نبوة التشريع وإن كانت له النبوة العامة فلنذكر من ذلك ما تيسر فإنه يطول الشرح فيه ويتفرع إلى ما لا يكاد أن ينحصر ولهم من الأسماء الإلهية الله والرب والهادي والرحيم والرحمن والشافي والقاهر والمميت والمحيي والجميل والقادر والخالق والجواد والمقسط كل اسم إلهي من هذه ينظر إلى قلب نبي ممن ذكرنا وكل نبي يفيض على كل وارث فالنبي كالبرزخ بين الأسماء والورثة ولهم من حروف المعجم حروف أوائل السور وهي الألف واللام والميم والصاد والراء والكاف والهاء والياء والعين والطاء والسين والحاء والقاف والنون هذا لهم من حيث الإمداد الإلهي الذي يأتيهم في قلوبهم وإنما الذي يأتيهم من الحروف في صور خيالهم بالإمداد أيضا فالدال فالذال والعين والنون والصاد والراء والألف والطاء والحاء والواو والضاد والغين واللام والميم والتاء والكاف والباء والسين والقاف والياء والهاء والحرف المركب من لام ألف الذي هو للحروف بمنزلة الجوهر وهذه الحروف من عالم الأنفاس الإلهية وما تركب من الكلمات من هذه الحروف خاصة مما وقع عليها الاصطلاح في كل لسان بما تكون به الفائدة في ذلك اللسان فإن تلك الكلمات لها على ما قيل لي خواص في العالم ليست لسائر الكلم وأما الأرواح النورية فعين لهؤلاء الأنبياء منهم أربعة عشر روحا من أمر الله ينزلون من الأسماء التي ذكرناها الإلهية على قلوب الأنبياء وتلقيها حقائق الأنبياء عليه السلام على قلوب من ذكرناه من الورثة ويحصل للفرد الواحد من الأفراد وراثة الجماعة المذكورة فيأخذون علم الورث من طريق المذكورين من الأرواح الملكية والأنبياء البشريين ويأخذون بالوجه الخاص من الأسماء الإلهية علوما لا يعلمها من ذكرناه سوى محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فإن له هذا العلم كله لأنه أخبر أنه قد علم علم الأولين وعلم الآخرين اعلم أن لله كنوزا في الطبيعة التي تحت عرش العماء اكتنز فيها أمورا فيها سعادة العباد كاختزان الذهب في المعدن وصور هذه الكنوز صور الكلمات المركبة من الحروف اللفظية فلا تظهر إذا أراد الله إظهارها إلا على ظهر أرض أجسام البشر على ألسنتهم وإنفاقها والانتفاع بها عين التلفظ بها مثل قول الإنسان لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فهذه الكلمات من الكنوز المنصوص عليها من الله على لسان رسوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وأول ما أظهرها الله تعالى على لسان آدم عليه السلام فهو أول من أنفق من هذا الكنز في الطواف بالكعبة حين‏

أنزله جبريل فطاف به بالكعبة فسأله ما كنتم تقولون في طوافكم بهذا البيت فقال جبريل عليه السلام كنا نقول في طوافنا بهذا البيت سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر فأعطى الله آدم وبنيه من حيث لا تعلمه الملائكة كلمة لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فقال آدم لجبريل عليه السلام وأزيدكم أنا لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم فبقيت سنة في الذكر في الطواف لبنيه ولكل طائف به إلى يوم القيامة فأخبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أن هذه الكلمة أعطيها آدم عليه السلام من كنز من تحت العرش‏

فالكنوز المكتنزة تحت العرش إنما هي مكتنزة في نشأتنا فإذا أراد الله إظهار كنز منها أظهره على ألسنتنا وجعل ذلك قربة إليه فانفاقه النطق به وهكذا جميع ما اكتنزه مما فيه قربة وما ليس بقربة فما هو مكتنز بل يخلق في الوقت في لسان العبد وكانت صورة اختزانه إذ لا يختزن إلا أمر وجودي أن الله لما أراد إيجاد هذا المكتنز تجلى في صورة آدمية ثم تكلم بهذا الأمر الذي يريد أن يكتنزه لنا أو لمن شاء من خلقه فإذا تكلم به أسمعه ذلك المكان الذي يختزنه فيه فيمسك عليه فإذا أنشأ الله ذلك المكان صورة ظهر هذا الكنز في نطق تلك الصورة فانتفع بظهوره عند الله ثم لم يزل ينتقل في السنة الذاكرين به دائما أبدا ولم يكن كنزا إلا فيمن ظهر منه ابتداء لا في كل من ظهر منه بحكم الانتقال والحفظ وهكذا

كل من سن سنة حسنة ابتداء من غير تلقف من أحد مخلوق إلا من الله إليه فتلك الحسنة كنز اكتنزها الله في هذا العبد من الوجه الخاص ثم نطق بها العبد لإظهارها كالذي ينفق ماله الذي اختزنه في صندوقه فهذا صورة الاكتناز إن فهمت فلا يكون اكتنازا إلا من الوجه الخاص الإلهي وما عدا ذلك فليس باكتناز فأول ناطق به هو محل الاكتناز الذي اكتنزه الله فيه وهو في حق من تلقفه منه ذكر مقرب كان موصوفا بأنه كنز فهذه كلها رموزه لأنها كلها كنوزه وبعد أن أعلمتك بصورة الكنز والاكتناز وكيفية الأمر في ذلك لتعلم ما أنت كنز له أي محل لاكتنازه مما لست بمحل له إذا تلقنته أو تلقفته من غيرك فتعلم عند ذلك حظك من ربك وما خصك به من مشارب النبوة فتكون عند ذلك على بينة من ربك فيما تعبده به ولا تكون فيما أنت محل لاكتنازه وارثا بل تكون موروثا فتحقق ما ترثه وما يورث منك ومن هذا الباب‏

مسألة بلال الذي نص عليها لنا رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في قوله له بم سبقتني إلى الجنة

يستفهمه إذ علم أن السبق له صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فلما ذكر له ما نص لنا قال بهما أي بتينك الحالتين فمن عمل على ذلك كان له أجر العمل ولبلال أجر التسنين وأجر عملك معا فهذا فائدة كون الإنسان محلا للاكتناز وأما تسنين الشر فليس باكتناز إلهي وإنما هو أمر طبيعي‏

فإن النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم يقول معلما لنا والخير كله بيديك‏

أي أنت الذي اكتنزته في عبادك فهو بجعلك فيهم واختزانك ولذلك يكون قربة إليك العمل به‏

ثم قال والشر ليس إليك‏

أي لم تختزنه في عبادك وهو قوله تعالى ما أَصابَكَ من حَسَنَةٍ فَمِنَ الله أي التعريف بذلك من عند الله والحكم بأن هذا من الله وهذا من نفسك وهذا خير وهذا شر هذا معنى كل من عند الله ولهذا قال في حق من جهل الذي ذكرناه منهم فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً أي ما لهم لا يفقهون ما حدثتهم به فإني قد قلت ما أَصابَكَ من حَسَنَةٍ فَمِنَ الله وما أَصابَكَ من سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ فرفعت الاحتمال أو نصصت على الأمر بما هو عليه فلما قلت كُلٌّ من عِنْدِ الله يعلم العالم بالله أني أريد الحكم والإعلام بذلك أنه من عند الله لا عين السوء ولما علم ذلك رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قال والخير كله بيديك والشر ليس إليك‏

وكذلك قوله تعالى ونَفْسٍ وما سَوَّاها فَأَلْهَمَها فُجُورَها إنه فجور وتَقْواها إنه تقوى ليفصل بين الفجور والتقوى إذ هي محل لظهور الأمرين فيها فربما التبس عليها الأمر وتخيلت فيه أنه كله تقوى فعلمها الله فيما ألهمها ما يتميز به عندها الفجور من التقوى ولذا جاء بالإلهام ولم يجي‏ء بالأمر ف إِنَّ الله لا يَأْمُرُ بِالْفَحْشاءِ والفجور فحشاء فالذكر للأصل وهو القطب والتحميدان أعني تحميد السراء والضراء لما انقسم التحميد بلسان الشرع بين قوله في السراء الحمد لله المنعم المفضل وبين قوله في الضراء الحمد لله على كل حال وما له في الكون إلا حالة تسر أو حالة تضر ولكل حالة تحميد فقسمها كذا على الإمامين فهؤلاء ثلاثة قد بينت مراتبهم ولما كانت الجهات التي يأتي منها الشيطان إلى الإنسان أربعة وهي قوله تعالى لنا في كتابه عن إبليس ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ من بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ومن خَلْفِهِمْ وعَنْ أَيْمانِهِمْ وعَنْ شَمائِلِهِمْ وقام على كل جهة من هذه الجهات من يحفظ إيمانه منها جعل الأوتاد أربعة للزومهم هذه الجهات لكل وتد جهة أي الغالب عليه حفظ تلك الجهة خاصة وإن كان له حفظ لسائر الجهات‏

كأفرضكم زيد وأقضاكم علي‏

وكالجماعة تحمل ما لا يقدر الواحد على حمله إذا انفرد به فلكل واحد من الجماعة قوة في حمله وأغلب قوته حمل ما يباشره من ذلك المحمول فلو لا الجماعة ما انتقل هذا المحمول لأن كل واحد واحد لا يقدر على حمله فبالمجموع كان الحمل كذلك هذا الأمر فهذه سبعة وأما الأبدال فلهم حفظ السبع الصفات في تصريف صاحبها لها إذ لها تصرف في الخير وتصرف في الشر فتحفظ على صاحبها تصريف الخير وتقيه من تصريفها في الشر فهذه جملة الأربعة عشر التي ذكرناها لقوم يعقلون من المؤمنين إذا أنصفوا ومن حصل له حفظ ما ذكرناه فذلك المعصوم وتلك العصمة ما ثم غير هذين في الظاهر والباطن والله بِكُلِّ شَيْ‏ءٍ عَلِيمٌ وإذا علمت هذا وانفتح لك مقفلة مشيت لكل واحد من الذي عينا لك على ما له مما ذكرناه من الأسماء الإلهية والحروف الرقمية المعينة والأفهام الموروثة من النبيين المذكورين والأرواح النورية فيحصل لك ذوقا جميع ما ذكرناه وكشفا لمعناه فلا تغفل عن استعماله وفي هذا المنزل من العلوم علم الأذكار المقربة إلى الله تعالى وعلم الأسماء الإلهية وعلم‏

اختصاص الرحمة وشمولها وعلم الأسماء المركبة التي لله وعلم عواقب الأمور وعلم العالم وعلم مراتب السيادة في العالم وعلم الثناء بالثناء وعلم الملك والملكوت وعلم الزمان وعلم الجزاء وعلم الاستناد وعلم التعاون وعلم العبادة وعلم البيان والتبيين وعلم طرق السعادة وعلم النعمة والمنعم والإنعام وعلم أسباب الطرد عن السعادة التي لا يشوبها بها شقاء وعلم الحيرة والمتحيرين وعلم السائل والمجيب وعلم التعريف بالذات والإضافة وأي التعريفين أقوى هذه أمهات العلوم التي يحوي عليها هذا المنزل وكل علم منها فتفاصيله لا تنحصر إلا لله تعالى أي يعلم مع علمه بها أنها لا تنحصر لأنها لا نهاية لها ومنها تقع الزيادة في العلم لمن طلبها ومن أعطيها من غير طلب وهو قوله وقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً فإن تناهي العلم في نفسه فإن المعلوم لا ينتهي‏

وقد نهيت النفس عن قولها *** بالانتهاء فيه فلم تنته‏

لجهلها بالأمر في نفسه *** لذاك قالت إنه ينتهي‏

وقد رأينا نفرا منهم *** بمكة يجول في مهمه‏

قد حكمت أوهامهم فيهم *** فانحاز ذو اللب من الأبله‏

[عالم الإنسان كان ملكا لله تعالى‏]

واعلم أن عالم الإنسان لما كان ملكا لله تعالى كان الحق تعالى ملكا لهذا الملك بالتدبير فيه وبالتفصيل ولهذا وصف نفسه تعالى بأن لِلَّهِ جُنُودُ السَّماواتِ والْأَرْضِ وقال وما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ فهو تعالى حافظ هذه المدينة الإنسانية لكونها حضرته التي وسعته وهي عين مملكته وما وصف نفسه بالجنود والقوة إلا وقد علم أنه تعالى قد سبقت مشيئته في خلقه أن يخلق له منازعا ينازعه في حضرته ويثور عليه في ملكه بنفوذ مشيئته فيه وسابق علمه وكلمته التي لا تتبدل سماه الحارث وجعل له خيلا ورجلا وسلطه على هذا الإنسان فاجلب هذا العدو على هذا الملك الإنساني يخيله ورجله ووعده بالغرور وبسفراء خواطره التي تمشي بينه وبين الإنسان فجعل الله في مقابلة أجناده أجناد ملائكته فلما تراءى الجمعان وهو في قلب جيشه جعل له ميمنة وميسرة وتقدمة وساقة وعرفنا الله بذلك لنأخذ حذرنا منه من هذه الجهات فقال الله تعالى لنا إنه قال هذا العدو ثُمَّ لَآتِيَنَّهُمْ من بَيْنِ أَيْدِيهِمْ ومن خَلْفِهِمْ وعَنْ أَيْمانِهِمْ وعَنْ شَمائِلِهِمْ وهو في قلب جيشه في باطن الإنسان فحفظ الله هذا الملك الإنساني بأن كان الله في قلب هذا الجيش وهذا العسكر الإنساني في مقابلة قلب جيش الشيطان وجعل على ميمنته الاسم الرب وعلى ميسرته الاسم الملك وعلى تقدمته الاسم الرحمن وفي ساقته الاسم الرحيم وجعل الاسم الهادي يمشي برسالة الاسم الرحمن الذي في المقدمة إلى هذا الشيطان وما هو شيطان الجان وإنما أعني به شيطان الإنس فإن الله يقول شَياطِينَ الْإِنْسِ والْجِنِّ وقال من شَرِّ الْوَسْواسِ الْخَنَّاسِ الَّذِي يُوَسْوِسُ في صُدُورِ النَّاسِ من الْجِنَّةِ والنَّاسِ فإن شياطين الإنس لهم سلطان على ظاهر الإنسان وباطنه وشياطين الجن هم نواب شياطين الإنس في بواطن الناس وشياطين الجن هم الذين يدخلون الآراء على شياطين الإنس ويدبرون دولتهم فيفصلون لهم ما يظهرون فيها من الأحكام ولا يزال القتال يعمل على هذا الإنسان المؤمن خاصة فيقاتل الله عنه ليحفظ عليه إيمانه ويقاتل عليه إبليس ليرده إليه ويسلب عنه الايمان ويخرجه عن طريق سعادته حسدا منه فإنه إذا أخرجه تَبَرَّأَ مِنْهُ وجثا بين يدي ربه الذي هو مقدم صاحب الميمنة ويجعله سفيرا بينه وبين الاسم الرحمن وعرفنا الله بذلك كله لنعرف مكايد فهو يقول للإنسان بما يزين له أكفر فإذا كفر يقول له إِنِّي بَرِي‏ءٌ مِنْكَ إِنِّي أَخافُ الله رَبَّ الْعالَمِينَ فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما في النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها لأن الكفر هنا هو الشرك وهو الظلم العظيم ولذلك قال وذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ يريد المشركين فإنهم الذين لبسوا إيمانهم بظلم وفسره رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بما قاله لقمان لابنه يا بُنَيَّ لا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ فعلمنا بهذا التفسير أن الله أراد بالإيمان هنا في قوله ولَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ إنه الايمان بتوحيد الله لأن الشرك لا يقابله إلا التوحيد فعلم النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ما لم تعلمه الصحابة ولهذا ترك التأويل من تركه من العلماء ولم يقل به واعتمد على الظاهر وترك ذلك لله إذ قال وما يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا الله فمن أعلمه الله بما أراده في قوله علمه بإعلام الله لا بنظره ومن رحمة الله بخلقه أنه غفر للمتأولين من أهل ذلك اللسان العلماء به إذا



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!