The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل الأمة البهيمية والإحصاء والثلاثة الأسرار العلوية وتقدم المتأخر وتأخر المتقدم من الحضرة الإلهية

موافقة ليلة النصف من شعبان ثم نَزَلَ به الرُّوحُ الْأَمِينُ على قلب محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم منجما في ثلاث وعشرين سنة أو في عشرين سنة على الخلاف وفيه علم تسمية الترجمة انزالا وتنزيلا وفيه علم من كشف عنه الغطاء حتى شاهد الأمر على ما هو عليه هل هو مخاطب بالآداب السمعية أو يقتضي ذلك المقام الذهول وذهاب عقل التكليف فيبقى بلا رسم مع المهيمن من الملائكة وفيه علم الوصايا والآداب وأحوال المخاطبين والمطرفين وفيه علم حفظ الجوار على الجار وهل الجار إذا انتهك حرمة جاره هل يجازيه جاره بمثل ما أتى به أو يكون مخاطبا بحفظ الجوار ولا يحازيه بالإساءة على إساءته وفيه علم حال الموصوف بأنه يأمر بمكارم الأخلاق ومنها العفو والصفح وتفريج الكرب بضمان التبعات لما هو عليه من الغني في الأداء عنه ثم بعد ذلك يعاقب والعفو مندوب إليه والضمان أيضا مندوب إليه فبأي صفة تكون العقوبة ممن هذا نعته وفيه علم الفرق بين الأمر وصفته وفيه علم ما حرم من الزينة وما أبيح منها وما حظر منها وموطن كل زينة وفيه علم الفرق بين الخبيث والطيب وفيه علم مرجع الدرك في الدار الآخرة على من يكون إذا كان في ضمنه شخصان الواحد مفلس والآخر موسر وفيه علم الثناء وتفاصيله بالأحوال وفيه علم مخاطبة الموتى بعضهم بعضا في حال موتهم وهل حالهم بعد الموت مثل حالهم قبل الإيجاد أم لا وفيه علم الموت وماهيته وفيه علم الفصل بين القبضتين وفيه علم التكليف يوم القيامة وقبل دخول الجنة وفيه علم العلامات في السعداء والأشقياء ومن لا علامة له لأي فريق يكون وفيه علم من حلف على شي‏ء أكذبه الله وقد ورد من يتألى على الله يكذبه وفيه علم ما السبب الموجب للمنعوت بالكرم إذا سأله المضطر المحروم وهو قادر على مواساته وبذله ما سأله بذله فلم يفعل وبما ذا يعتذر وما صفة هذا السائل المرحوم وفيه علم أولاد الليل والنهار بما ذا يفرق بينهم وفيه علم سباحة عالم الأنوار وفيه علم قيام العبد بالصفتين المتضادتين وهو محمود عند الله عز وجل في الحالين وفيه علم كون الرحمة قد وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ ثم وصفت بالقرب من بعض الأشخاص لصفات قامت به فهل هي هذه الرحمة التي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْ‏ءٍ أو رحمة أخرى وفيه علم من أسعده الله على كره منه في السعادة وهو في علم الله سعيد وفيه علم قول الأعمى للبصير ما لك أعمى لا تبصر شيئا أما تراني أبصر الظلمة وأنت لا تراها وتزعم أنك تبصر وفيه علم الاعتبار وعلم الإمكان والممكنات وعلم السيمياء وعلم الورث والوارثين وعلم الدلالات على الوقائع وعلم التشبيه وعلم الغيرة وفيه علم الشوق والاشتياق وفيه علم التوبة ما هي وتقاسيمها والتائبين وفيه علم كل شي‏ء وفيه علم الذوق وفيه علم تأثير الأحوال وفيه علم التقييد والإطلاق وفيه علم رفع الأثقال وفيه علم الاختصاص وفيه علم تقاسيم العلوم وفيه علم المراتب وفيه علم تبديل الشرائع ونسخ بعضها بعضا وفيه علم الخلف والخلف بسكون اللام وفتحها وفيه علم التهويل والتخويف من غير إيقاع ما يخوف به وفيه علم العهود والمواثيق البرزخية وفيه علم التسليم وفيه علم الاستدراج وإظهار البعد في عين القرب وما صفة من يعرف ذلك وفيه علم أوقات الموقتات وفيه علم ما يعطيه العلم الذي يقتضي العمل من العمل فإنه من المحال أن يكون علم يعطي العمل قيامه بصاحبه ولا يعمل ولا يجوز ذلك كثير من الناس وهم فيه على غلط فالعلم يقتضي العمل ولا بد وفيه علم الشركة في الأسماء وما يؤثر وفيه علم العجز وحيث ينفع ويكون دليلا وفيه علم منافع الأعضاء وفيه علم ما يدفع به الخاطر الشيطاني والنفسي من الإنسان وفيه علم مراتب السجود في الساجدين وما الذي أسجدهم وما السجود الذي لا رفع بعده لمن سجده والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب الثامن والسبعون وثلاثمائة» في معرفة منزل الأمة البهيمة

والإحصار والثلاثة الأسرار العلوية وتقدم المتأخر وتأخر المتقدم من الحضرة الإلهية

يطير العارفون إلى المسمى *** بأجنحة الملائكة الكرام‏

إلى ذات الذوات بغير نعت *** فترجعهم بأرواح الأسامي‏

فتكمل ذاتهم من كل وجه *** من الحال المنزه والمقام‏

وشاهد حالهم يبدو فيقضي *** فكلهم إمام عن إمام‏

[البهائم أمم من جملة الأمم‏]

اعلم أيدنا الله وإياك أن البهائم أمم من جملة الأمم لهم تسبيحات تخص كل جنس وصلاة مثل ما لغيرها من المخلوقات فتسبيحهم ما يعلمونه من تنزيه خالقهم فلهم نصيب في لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ وأما صلاتهم فلهم مع الحق مناجاة خاصة قال تعالى والطَّيْرُ صَافَّاتٍ كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلاتَهُ وتَسْبِيحَهُ وقال وأَوْحى‏ رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي من الْجِبالِ بُيُوتاً ومن الشَّجَرِ ومِمَّا يَعْرِشُونَ ثُمَّ كُلِي من كُلِّ الثَّمَراتِ فَاسْلُكِي سُبُلَ رَبِّكِ وهي ما شرع الله لها من السبل أن تسلكها ذللا فكل شي‏ء من المخلوقات له كلام يخصه يعلمه الله ويسمعه من فتح الله سمعه لإدراكه وجميع ما يظهر من الحيوان من الحركات والصنائع التي لا تظهر إلا من ذي عقل وفكر وروية وما يرى في ذلك من الأوزان تدل على إن لهم علماء في أنفسهم بذلك كله ثم يرون منهم أمورا تدل على أنهم ما لهم ما للإنسان من التدبير العام فتعارضت عند الناظرين في أمرهم الأمور فانبهم أمرهم عليهم وربما سموا لذلك بهائم من إبهام الأمر إلا عندنا فإنه أوضح من كل واضح وما أتى علي من‏

أتى عليه إلا من عدم الكشف لذلك فلا يعرفون من المخلوقات إلا قدر ما يشاهدونه منهم وكذلك من ألحقهم بدرجة المعارف والعلم بالله وبما أهلهم الله له ما ألحقهم بذلك إلا من كون الله كشف له عن أمرهم وأحوالهم أو مؤمن صادق الايمان قد بلغه عن الله في كتاب أو سنة أمرهم وساعدنا على هذا القول شيخنا وإمامنا المتقدم حجة الله على المحققين الذي يقول فيه أبو طالب المكي صاحب قوت القلوب إذا حكى عنه قولا قال عالمنا سهل بن عبد الله التستري الذي رأى قلبه يسجد وهو صغير فلم يرفع واستظهر القرآن وهو ابن ست سنين ولما دخلت الخلوة على ذكره فتح لي به من ليلتي تلك الفتح الخاص بذلك الذكر فانكشف لي بنوره ما كان عندي غيبا ثم أفل ذلك النور المكاشف به فقلت هذا مشهد خليلي فعلمت أني وارث من تلك الساعة لملة أمر الله رسوله وأمرنا باتباعها وذلك قوله مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ من قَبْلُ وتحققت أبوته وبنوتي وقد كان شيخنا صالح البربري بإشبيلية قد قال لي يا ولدي إياك أن تذوق الخل بعد العسل فعلمت مراده وكان من أكبر من رأيته من المنقطعين إلى الله تعالى بل المقتطعين ما رأيت على قدمه مثله فجئت الشيخ بكرة وقلت له ما كان في منظوم نظمته إلهي لا عن روية ولا تعمل كما قال أبو العباس بن العريف الصنهاجى‏

وجاء حديث لا يمل سماعه *** شهى إلينا نثره ونظامه‏

وكان النظم الذي عملته في حالي‏

كان مثل الخل من بعد العسل *** فمضى المصباح عني وأفل‏

وبدت ظلمة ليل حالك *** أورثت في القلب أسباب العلل‏

قلت ربي قال لبيك فما *** تبتغيه قلت نورا بعمل‏

علم الحق الذي قد قلته *** قال باب مغلق قلت أجل‏

قلت هب لي نورك الخالص لي *** فبدا النور بلا ضرب مثل‏

في سمائي ثم أرضي ثم ما *** بين هذين إلى غير أجل‏

والذي يفهم قولي قد دري *** إنني الأمر الذي منه نزل‏

فسر الشيخ بهذا النفس وقال هذا من تجلى الغلس قلت له صدقت كذلك كان قال الحمد لله المنعم على كل حال لو علم الناس النعمة السارية في الأحوال ما فرقوا بين السراء والضراء واتحد الحمد قلت له بل توحد فقال صدقت يا ولدي وأخطأ الشيخ فقبلت يده وقبل رأسي‏

إذا الصادق الداعي أتاك مبينا *** فالق إليه السمع إن كنت مؤمنا

وقلت رسول الله أنت وسيلتي *** إلى مسعدي سرا أقول ومعلنا

ولست بإيماني به مترددا *** فإني علمت الأمر علما مبينا

بكشف أتاني من إلهي بمشهد *** يكون لنا يوم القيامة موطنا

فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ ومن شاء فليدع *** فما ثم إلا الله فالعلم علمنا

إذا قلت يا الله لي من الحشا *** فإن قلت من هذا يقول أنا أنا

أنا الواهب المحسان في كل حالة *** وذلك نعت لا يكون لغيرنا

وما ثم غير بل أقول بما أتت *** به رسلنا فالقول منا بنا لنا

وليس رسولي غير نعتي ولا الذي *** أخاطبه غيري فعينك عيننا

فكل شي‏ء في العالم يقال فيه عند أهل النظر وفي العامة إنه ليس بحي ولا حيوان فإن الله عندنا قد فطره لما خلقه على المعرفة به والعلم وهو حي ناطق بتسبيح ربه يدركه المؤمن بإيمانه ويدركه أهل الكشف عينا وأما الحيوان ففطره الله على العلم به تعالى ونطقه بتسبيحه وجعل له شهوة لم تكن لغيره من المخلوقات ممن تقدم ذكره آنفا وفطر الملائكة على المعرفة والإرادة لا الشهوة وأمرهم وأخبر أنهم لا يعصونه لما خلق لهم من الإرادة ولو لا الإرادة ما أثنى عليهم بأنهم لا يعصونه ويَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ وفطر الجن والإنس على المعرفة والشهوة وهو تعلق خاص في الإرادة لأن الشهوة إرادة طبيعية فليس للانس والجن إرادة إلهية كما للملائكة بل إرادة طبيعية تسمى شهوة وفطرهما على العقل لا لاكتساب علم ولكن جعله الله آلة للانس والجن ليردعوا به الشهوة في هذه الدار الآخرة ولذلك قال في الدار الآخرة لأهل الجنان ولَكُمْ فِيها ما تَشْتَهِي أَنْفُسُكُمْ أعلاما لنا بأن النشأة الآخرة التي ينشئنا فيها طبيعية مثل نشأة الدنيا لأن الشهوة لا تكون إلا في النفوس الطبعية والنفوس الطبعية ما لها نصيب في الإرادة فإذا استفاد الإنسان أو الجان علما من غير كشف فإن ذلك مما جعل الله فيه من قوة الفكر فكل ما أعطاه الفكر للنفس الناطقة وكان علما في نفس الأمر فهو من الفكر بالموافقة فالعلوم التي في الإنسان إنما هي بالفطرة والضرورة والإلهام والكشف الذي يكون له إنما يكشف له عن العلم الذي فطره الله عليه فيرى معلومه وأما بالفكر فمحال الوصول به إلى العلم فإن قيل من أين علمت هذا وما هو من مدركات الحس فلم يبق إلا النظر قلنا ليس كما نقول بل بقي الإلهام والإعلام الإلهي فتتلقاه النفس الناطقة من ربها كشفا وذوقا من الوجه الخاص التي لها ولكل موجود سوى الله فالفكر الصحيح لا يزيد على الإمكان وما يعطي إلا هو وهذا من علم الله وإعلامه لم يدرك ذلك بالفكر كان ابن عطاء راكبا على جمل فغاصت رجل الجمل فقال ابن عطاء جل الله فقال الجمل جل الله يزيد عن إجلالك فكان الجمل أعلم بالله من ابن عطاء فاستحى ابن عطاء فهذا من علم البهائم بالله وأما رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم فإنه ذكر في الصحيح أن بقرة في زمن بنى إسرائيل حمل عليها صاحبها فقالت ما خلقت لهذا وإنما خلقت للحرث فقالت الصحابة أ بقرة تكلم فقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم آمنت بهذا أنا وأبو بكر وعمر

وذلك أن الروح الأمين أخبره فلو عاينها رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لما قال آمنت فهذه بقرة من أصناف الحيوان قد علمت ما خلقت له والإنس والجن خلقوا ليعبدوا الله وما علموا ذلك إلا بتعريف الله على لسان الرسول وهو في فطرتهم ولكن ما كشف لهم عما هم عليه ومر بعض أهل الله على رجل راكب على حمار وهو يضرب رأس الحمار حتى يسرع في المشي فقال له الرجل لم تضرب على رأس الحمار فقال له الحمار دعه فإنه على رأسه يضرب فهذا حمار قد علم ما تئول إليه الأمور بالفطرة لا بالفكرة فانظر يا محجوب أين مرتبتك من مرتبة البهائم البهائم تعرفك وتعرف ما يؤول إليه أمرك وتعرف ما خلقت له وأنت جهلت هذا كله ومع هذا فالبهائم في الحيرة في الله وهم مفطورون عليها إقامتها المقام الذي يصل إليه أهل النظر الصحيح في الله وأهل التجلي ولذلك قال الله فيمن لم يعرف الله إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعامِ يعني في الضلال الذي هو الحيرة ثم قال بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا والسبيل الطريق فزاد وإضلالا أي حيرة في الطريق التي يطلبونها للوصول إلى معرفة ربهم من طريق أفكارهم فهذه حيرة زائدة على الحيرة في الله وكذلك قال فيهم حيثما قال إنما جعل الزيادة في السبيل وليس إلا الفكر والتفكر فيما منع التفكر فيه وهو النظر في ذات الله فقال ومن كانَ في هذِهِ أَعْمى‏ وهو حال الجهل بالله كما هو في نفس الأمر من حيث الذات فَهُوَ في الْآخِرَةِ أَعْمى‏ كما هو في الدنيا ثم زاد فقال وأَضَلُّ سَبِيلًا

وهو الطريق ولذلك قال عمرو بن عثمان المكي في صفة المعرفة والعارفين وكما هم اليوم كذلك يكونون غدا فاعلم إن كنت تفهم تشبيه الله أهل الضلال بالأنعام إنه تعالى ما شبههم بالأنعام نقصا بالأنعام وإنما وقع التشبيه في الحيرة لا في المحار فيه فلأشد حيرة في الله من العلماء بالله ولذلك‏

ورد عن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أنه قال لربه زدني فيك تحيرا

لما علم من علو مقام الحيرة لأهل التجلي لاختلاف الصور وتصديق هذا الحديث‏

قوله لا أحصي ثناء عليك أنت كما ثنيت على نفسك‏

وقد علمنا ما أثنى الله به على نفسه من بسط يديه بالإنفاق وفرحه بتوبة عبده وغير ذلك من أمثاله ومن لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ وما قَدَرُوا الله حَقَّ قَدْرِهِ وقول رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لو يعلم البهائم من الموت ما تعلمون ما أكلتم منها سمينا

فانظر في تنبيهه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم على حسن استعدادهم وسواء استعدادنا حتى أنه من كان بهذه المثابة من الفكرة في الموت فغايته أن يحصل له استعداد البهائم وهو ثناء على من حصل في هذا المقام وارتفاع في حقه وكيف ينظر البهائم دون الإنسان في الاحتقار وغاية الثناء عليك من الله أن تشاركها في صفتها فاشحذ فؤادك وقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً فإن لله في خلقه أسرارا ولذلك خَلَقَكُمْ أَطْواراً

[البهائم مسخرة مذللة من الله للإنسان‏]

واعلم أن البهائم وإن كانت مسخرة مذللة من الله للإنسان فلا تغفل عن كونك مسخرا لها بما تقوم به من النظر في مصالحها في سقيها وعلفها وما يصلح لها من تنظيف أماكنها ومباشرة القاذورات والأزبال من أجلها ووقايتها من الحر والبرد المؤذيات لها فهذا وأمثاله من كون الحق سخرك لها وجعل في نفسك الحاجة إليها فإنها التي تحمل أثقالك إلى بلد لم تكن تبلغه إلا بنصف ذاتك وهو شق الأنفس أي ما كنت تصل إليه إلا بالوهم والتخيل لا بالحس إلا بوساطة هذه المراكب فلا فضل لك عليها بالتسخير فإن الله أحوجك إليها أكثر مما أحوجها إليك‏

أ لا ترى إلى غضب رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم حين سئل عن ضالة الإبل كيف قال ما لك ولها معها حذاؤها وسقاؤها ترد الماء وتأكل الشجر حتى يجدها ربها

فما جعل لها إليك حاجة وجعل فيك الحاجة إليها وجميع البهائم تفر منك ممن لها آلة الفرار وما هذا إلا لاستغنائها عنك وما جبلت عليه من العلم بأنك ضار لها ثم طلبك لها وبذل مجهودك في تحصيل شي‏ء منها دليل على افتقارك إليها فبالله من تكون البهائم أغنى منه كيف يحصل في نفسه أنه أفضل منها صدق القائل ما هلك امرؤ عرف قدره فو الله ما يعرف الأمور إلا من شهدها ذوقا وعاينها كشفا

لا يعرف الشوق إلا من يكابده *** ولا الصبابة إلا من يعانيها

ما وصل إليك خبر الفيل وحبسه وامتناعه من القدوم على خراب بيت الله ما بلغك ما فعلت الطير بأصحاب الفيل وما رمتهم به من الحجارة التي لها خاصية في القتل دون غيرها من الأحجار أ ترى يصدر ذلك منها من غير وحي إلهي إليها بذلك فكم من فيل كان في العالم وكم من أصحاب غزاة كانوا في العالم لما ظهر مثل هذا الأمر في هؤلاء وما ظهر في غيرهم وهل يوحي الله إلى من لا يعقل عنه وهل قال تعالى وما أَرْسَلْنا من رَسُولٍ إِلَّا بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ هل ذلك إلا ليفهموا لتقوم عليهم الحجة إذا خالفوا أو يعملوا بما فهموا فيسعدوا هل سمعت في النبوة الأولى والثانية قط إن حيوانا أو شيئا من غير الحيوان عصى‏

أمر الله أو لم يقبل وحي الله أين أنت من فرار الحجر بثوب موسى عليه السلام حتى بدت لقومه سوأته ليعلموا كذبهم فيما نسبوه إليه فَبَرَّأَهُ الله مِمَّا قالُوا أ ترى فرار الحجر هل كان عن غير أمر الله إياه بذلك أ ترى إباية السموات والأرض والجبال عن حمل الأمانة وإشفاقهم منها عن غير علم بقدر الأمانة وما يؤول إليه أمر من حملها فلم يحفظ حق الله فيها وعلمهم بالفرق بين العرض والأمر فلما كان عرض تخيير احتاطوا لأنفسهم وطلبوا السلامة ولما أمرهم الحق تعالى بالإتيان فقال للسماء والأرض ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ طاعة لأمر الله وحذرا أن يؤتى بهما على كره أ ترى لو نزل القرآن على جبل فخشع وتصدع من خشية الله أ ترى ذلك منه عن غيره علم بقدر ما أنزل الله عليه وما خاطب به من التخويفات التي تذوب لها صم الجبال الشامخات كم بين الله ورسوله لنا ما هي المخلوقات عليه من العلم بالله والطاعة له والقيام بحقه ولا نؤمن ولا نسمع ونتناول ما ليس الأمر عليه لنكون من المؤمنين ونحن على الحقيقة من المكذبين ورجحنا حسنا على الايمان بما عرفنا به ربنا لما لم نشاهد ذلك مشاهدة عين‏

[الموجودات كلها ما منها إلا من هو حي ناطق‏]

واعلم أنه من علم إن الموجودات كلها ما منها إلا من هو حي ناطق أو حيوان ناطق المسمى جمادا أو نباتا أو ميتا لأنه ما من شي‏ء من قائم بنفسه‏

وغير قائم بنفسه إلا وهو مسبح ربه بحمده وهذا نعت لا يكون إلا لمن هو موصوف بأنه حي ومن كان مشهده هذا من الموجودات استحى كل الحياء في خلوته التي تسمى جلوة في العامة كما يستحي في جلوته فإنه في جلوة أبدا لأنه لا يخلو عن مكان يقله وسماء تظله ولو لم يكن في مكان لأستحى من أعضائه ورعية بدنه فإنه لا يفعل ما يفعل إلا بها فإنها آلاته وأنه لا بد أن تستشهد فتشهد ولا يستشهد الله إلا عدلا فصاحب هذه الحال لا يصح أن يكون في خلوة أبدا ومن كان هذا حاله فقد لحق بدرجة البهائم والدليل على ذلك‏

أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قد ذكر عنه في الصحيح أنه قال إن للميت جؤار أو إن السعيد منهم يقول قدموني قدموني يعني إلى قبره وإن الشقي منهم يقول إلى أين تذهبون بي وأخبر صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أن كل شي‏ء يسمع ذلك منه إلا الإنس والجن‏

فدخل تحت قوله كل شي‏ء مما يمر عليه ذلك الميت من جماد ونبات وحيوان وثبت أن رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم كان راكبا على بغلة فمر على قبر داثر فنفرت البغلة فقال إنها رأت صاحب هذا القبر يعذب في قبره فلذلك نفرت‏

وقار في ناقته لما هاجر ودخل المدينة ترك زمامها فأراد بعض الصحابة أن يمسكها فقال دعوها فإنها مأمورة ولا يؤمر إلا من يعقل الأمر حتى بركت بنفسها بفناء دار أبي أيوب الأنصاري فنزل به‏

وقال في الصحيح أن المؤذن يشهد له مدى صوته من رطب ويابس‏

وهذا كله مباين لكل شي‏ء ولا يشهد هذا من الإنس والجن إلا أفراد من أفراد هذين النوعين فإن الجن يجتمعون مع الإنس في الحد فإن الجن حيوان ناطق إلا أنه اختص بهذا الاسم لاستتاره عن أبصار الإنس غالبا فهم مع الإنس كالظاهر من الإنسان وحده مع باطنه ولذلك قال تعالى في غير هذين النوعين وما من دَابَّةٍ في الْأَرْضِ ولا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلَّا أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ والأمثال هم الذين يشتركون في صفات النفس فكلهم حيوان ناطق ثم قال تعالى فيهم ثُمَّ إِلى‏ رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ يعني كما تحشرون أنتم وهو قوله تعالى وإِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ للشهادة يوم الفصل والقضاء ليفصل الله بينهم كما يفصل بيننا فيأخذ للجماء من القرناء كما ورد وهذا دليل على أنهم مخاطبون مكلفون من عند الله من حيث لا نعلم قال تعالى وإِنْ من أُمَّةٍ إِلَّا خَلا فِيها نَذِيرٌ فنكر الأمة والنذير وهم من جملة الأمم ونذيرهم قد يكون لكل واحد منهم نذير في ذاته وقد يكون للنوع من جنسه لا بد من ذلك من حيث لا يعلمه ولا يشهده إلا من أشهده الله ذلك كما قال في الشيطان إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وقَبِيلُهُ من حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ وذكر أنهم يوحون إلى أوليائهم ليجادلونا ويظن المجادل الذي هو ولي الشيطان إن ذلك من نفسه ومن نظره وعلمه وهو من وحي الشيطان إليه يعرف ذلك أهل الكشف عينا ويسمعونه بآذانهم كما يسمعون كل صوت وما من حيوان إلا ويشهد ذلك ولذلك أخرسهم الله عن تبليغ ما يشهدونه إلينا فهم أمناء بصورة الحال في حقنا ولا يكشف الله لأحد من النوع الإنساني ما يكشفه للبهائم مما ذكرناه إلا إذا رزقه الله الأمانة وهي أن يستر عن غيره ما يراه من ذلك إلا بوحي من الله بالتعريف فإن الله ما أخذ بأبصار الإنس وبأسماعهم في الأكثر وبالفهم في أصوات هبوب الرياح وخرير المياه وكل مصوت إلا ليكون ذلك مستورا فإذا أفشاه هذا المكاشف فقد أبطل حكمة الوضع إلا أن يوحى إليه بالكشف عن بعض ذلك فحينئذ يعذر في الإفشاء بذلك القدر وفي هذا المنزل من العلوم علم ثناء الرحماء وعلم من أظهر الشريك وهو لا يعتقده كما أنه من الموحدين من ينفي الشريك وهو يعتقده وهو الذي يرى أن من الأسباب من يفعل الشي‏ء لذاته والموحد في الأفعال يرى أنه لا فاعل إلا الله كمن يقول إذا اجتمع الزاج والعفص وارتفعت الموانع الطبيعية فإنه لا بد من السواد الذي هو المداد مع كونه موحدا والموحد من يرى إيجاد السواد لله كالأشاعرة وأمثالهم وإن الإمكان يقضي أن يكون اجتماعهما مع ارتفاع الموانع الطبيعية ولا يكون سواد إلا إن خلق الله ذلك للون فيه هذا في الطبيعيين وأما في المتكلمين الموحدين فإنهم يقولون إن الناظر إذا عثر على وجه الدليل فإن المدلول يحصل ضرورة مع تفريقهم بين وجه لدليل والمدلول وهذا لا يصح عند السليم العقل فإنه يحصل وجه الدليل ولا يحصل المدلول ولا يتمكن لهم أن يقولوا إن وجه الدليل هو عبارة عن حصول المدلول فإنهم يفرقون بين وجه الدليل والمدلول فلو زادوا مع ضرورة عادة لا عقلا لم يعترض عليهم فإنه لا فرق بين وجه الدليل والرؤية في الرائي بل الرؤية أتم ونحن نعلم بالإيمان أن الله قد أخذ بأبصارنا مع وجود الرؤية فينا

عن كثير من المبصرات لغيرنا فلم يحصل المرئي ضرورة مع وجود الرؤية وارتفاع الموانع التي تقدح في هذه النشأة الطبيعية فيرى الإنسان الواحد ما لا يراه الآخر مع حضور المرئي لهما واجتماعهما في سلامة حاسة البصر فهذا حجاب إلهي ليس للطبيعية ولا للكون فيه أثر وهذا كثير فكم من مشرك في الظاهر موحد في الباطن وبالعكس وفيه علم الآجال ما يعلم منها وما لا يعلم وفيه علم كينونية الله في أينيات مختلفات بذاته ومثل ذلك مثل البياض في كل أبيض إن فهمت فإن الله تعالى ما ذكر عن نفسه حكما فيه لا يكون له مثل في الموجودات لأنه لو ذكر مثل هذا لم تحصل فائدة التعريف غير أنه يدق على بعض الأفهام فمن ظهر له الموجود الذي له عين ذلك الحكم علمنا أنه المخاطب من الله بذلك الحكم لا غيره كما قال تعالى لَخَلْقُ السَّماواتِ والْأَرْضِ أَكْبَرُ من خَلْقِ النَّاسِ ولكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ فبعض الناس قد علم ما أراد بالكبر هنا وبعضهم لا يعرف ذلك فالذي عرف ذلك هو المخاطب بهذه الآية وهكذا في كل خطاب حتى في لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْ‏ءٌ خاطب به من يعلم نفي المثلية في الأشياء وفيه علم عموم تعلق العلم الإلهي بالمعلومات ومن علم منا حصر المعلومات في واجب ومحال وممكن في نفس الأمر قد عم من وجه كلي وبقي الفصل بين العلماء في نفس الأمر المحكوم عليها بأحد هذه الأحكام وفيه علم ما يأتي من الممكنات وهي كلها آيات فيعرض عن النظر في كونها آية من يعرض ما السبب في إعراض واحد وعدم إعراض آخر في ذلك وفيه علم من يشكك نفسه فيما قد تبين له ما السبب الذي يدعوه إلى ذلك التشكيك وفيه علم من أي حقيقة إلهية خلق الله الالتباس في العالم هل كان ذلك لكونه يتجلى لعباده في صور مختلفة تعرف وتنكر مع أنه تعالى في نفسه على حقيقة لا تتبدل ولا يكون التجلي إلا هكذا فما في العالم إلا التباس وذلك لكون الشارع قد أخبر أن المؤمن يظهر بصورة الكافر وهو سعيد والكافر يظهر بصورة المؤمن وهو شقي فلا يقطع على أحد بسعادة ولا بشقاء لالتباس الأمر علينا فهذا عندنا ليس بالتباس وإنما الالتباس أن نقطع بالشقاء على السعيد وبالسعادة على الشقي حينئذ يكون الأمر قد التبس علينا وأما إذا لم نقطع فما التبس علينا شي‏ء وفيه علم إن الحكم للرحمة يوم القيامة وأن العدل من الرحمة ويوم القيامة يوم العدل في القضاء وإنما تأتي الرحمة في القيامة ليشهد الأمر حتى إذا انتهى حكم العدل وانقضت مدته في المحكوم عليه تولت الرحمة الحكم فيه إلى غير نهاية وفيه علم ما هو لله وما هو للخلق وأعني بما هو لله أنه مخلص وفيه علم الوصف الخالص بالله الذي لا يشركه فيه من ليس بآلة وفيه علم لم تعددت الأسماء الإلهية باختلاف معانيها فهل هي أسماء لما تحتها من المعاني أو هي أسماء لمن نسبت إليه تلك المعاني وهل تلك المعاني أمور وجودية أو نسب لا وجود لها وفيه علم الإنصاف والعدل في القضايا والحكومات وفيه علم ما يغني من الاستحقاق بعد انقضاء مدة حكمه وما معنى الفلاح في القضايا والحكومات وفيه علم ما يغني من الاستحقاق بعد انقضاء مدة حكمه وما معنى الفلاح فيه نفيه عن المستحق بالعقوبة وفيه علم جحد المشرك الشريك هل له في ذلك وجه إلى الصدق أو هو كاذب من كل وجه وذلك أن القائل في الحقيقة ليس غير الله فلا بد أن يكون له وجه إلى الصدق من هناك ينسب أنه قول الله وإن ظهر على لسان المخلوق فإن الله قاله على لسان عبده وقد ورد عن الرسول صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في الصحيح أن الله يقول على لسان عبده‏

ونطق القرآن بذلك فعين كلام الترجمان هو كلام المترجم عنه وفيه علم ما تعطيه الأحوال فيمن قامت به من الأحكام وفيه علم ما ينتجه القطع بوقوع أحد الممكنين من غير دليل وفيه علم ما يسخطه العارف الذي له الكشف من فعل الحق مما لا يسخطه والسخط من عمل الباطن حتى لو لم يقم به سخط في باطنه وأظهر السخط كان حاله إلى النفاق أقرب من حاله إلى الايمان وفيه علم الحث على النفاق هل يناقض التسليم وإذا اجتمع صاحب تسليم وصاحب مداراة أي الرجلين اعلم وفيه علم السبب المانع للسامع إذا نودي ولم يجب هل يقال إنه سمع أو يقال فيه إنه لم يسمع وفيه علم الظلمة وهو العمي والضلال وهو الحيرة وفيه علم عموم الحشر لكل ما ضمنته الدار الدنيا من معدن ونبات وحيوان وإنس وجان وسماء وأرض وفيه علم السبب الذي يدعو إلى توحيد الحق سبحانه ولا يتمكن معه إشراك وهل له حكم البقاء فيبقى حكم التوحيد أو لا بقاء له أو يبقى في حق قوم دون قوم وفيه علم عموم الايمان ولهذا يكون المال إلى الرحمة التي لا يرحم الله إلا المؤمنين فإنه من الرحمة حكم عموم الايمان وفيه علم البوادة والهجوم وله باب في الأحوال‏



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!