The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل ثلاثة أسرار مختلفة الأنوار والفرار والإنذار وصحيح الأخبار

المكلفين وعلم التلقي الروحاني المظهر من الملقي الذي هو الحق لا الملك وعلم أداء حقوق الغير وعلم ما يكون من الله لمن مشى في حق أخيه وعلم تولى الحق ذلك بنفسه وعلم ما هي الحضرة الإلهية عليه من الأمان الذي لا يعلمه إلا العالمون بالله ذوقا وعلم تقلب الأحوال فتتقلب لتقلبهم المواهب الإلهية وعلم الآيات والدلالات وعلى ما ذا تدل واختلافها مع أحدية المدلول وعلم ما يحجب القلب عن العلم بالشي‏ء مع وجود البيان في ذلك وعلم العناية الإلهية بوهب العلم وعلم ما يحصل من العلم بطريق الورث وعلم مراتب الحيوان وفيما ذا يتفاضلون وما يكونون فيه على السواء وهل الإنسان يلحق بالحيوان أو هو نوع خاص وبما ذا يختص عن الحيوان وقد علمنا إن كل حيوان فهو ناطق وعلم آداب الملوك وكيف ينبغي أن يكون الملك في ملكه ولنا في هذا الفن كتاب سميناه التدبيرات الإلهية في إصلاح المملكة الإنسانية وعلم النصائح لدفع الضرر والتوقي وعلم التوحيد الذي يختص بالبهائم وعلم جواز الكذب على كل ناطق مع العلم بأنه صادق ما عدا الثقلين فإنهما قد يكذبان في كثير مما يخبرون به وعلم اتخاذ الملوك الجواسيس وما ينبغي للجاسوس أن يظهر به من الصفات في حال تجسسه وما يحمد من ذلك وإن كان كذبا وعلم مشورة الأعلى للأدنى مع علمه بأنه يصل إلى العلم بما يريد العلم به من غير مشورة وكون الحق تعالى أمر نبيه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم بمشاورة أصحابه في الأمر الذي يعن له إذا لم يوح إليه فيه شي‏ء وعلم‏

قول النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم تهادوا تحابوا

وما للعطاء في النفوس من الأثر القادح في الايمان هل هو محمود أو مذموم فإن الإحسان محبوب لذاته فهل المحسن مثل ذلك أم ينفصل عن الإحسان فإنها مسألة خطرة عظيمة في إحسان من أمرك الله أن تعاديه فتقبل إحسانه من غير أن يؤثر فيك مودة له إيثار الجناب الله وامتثالا أمره وهذا هو خروج عن الطبع وهو صعب مشكل يمكن أن لا يتصور وقوعه وإن لم يظهر له حكم في الظاهر فإن الباطن لا يمكن له دفع ذلك وعلم الموازنة بين المحسنين فيما أحسنا فيه لشخص بعينه هل يقع للنفس ترجيح من حيث ما أحسنا به لا من حيث الإحسان فإن وقع فيه تفاضل هان الأمر فيه على المؤمن العالم المشاهد إحسان الله العام المسخر وعلم الخواص والظهور به في موطن القربة إلى الله تعالى بذلك وعلم شكر المنعم وعلم ما تستحقه الربوبية مما لا يقع فيه اشتراك وعلم الالتباس للابتلاء وعلم النظر إلى المخطوبة وما أبيح للناظر أن ينظر منها شرعا فإنه أمر بذلك وعلم صورة تعلم العلم وعلم الاعتراف بين يدي المعلم بالجهل وعلم الحيل والمكر والكيد وما يذم من ذلك وما يحمد وعلم الثناء المطلق والمقيد وهل ثم ثناء مطلق أو لا يصح ذلك بالحال وإن أطلقه اللفظ وعلم حصر ما يتقيد به الثناء من كل مثنى ومثنى عليه وفيه علم التخيير من العالم بالحق وفيه علم منزلة الأرض وما زينت به وفيه علم سبب إجابة الله دعاء الكافر والمشرك ومتى يوحد المشرك ربه وفيه علم اندراج النور في الظلمة وفيه علم الخلق والرزق وفيه علم القيامة وفيه علم إنكار الممكن وفيه علم كشف الغيب في حضرة الغيب وفيه علم من ينادي ولا يجاب وفيه علم هل يعم الحشر كل ميت أو لا يحشر إلا بعض الموتى وفيه علم الناقور الذي هو الصور وما هو وفيه علم أي جزاء هو أفضل من عمله أو كل جزاء أفضل من عمله وهو علم شريف وفيه علم عبادة الرب من حيث ما هو مضاف إلى كون ما وفيه علم ما تعطي الرؤية من علم ما كان يعلم والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب الثامن والخمسون وثلاثمائة في معرفة منزل ثلاثة أسرار مختلفة الأنوار والقرار والإبدار وصحيح الأخبار»

إن المقادير أوزان منظمة *** تأتي بها ظلل من فوقها ظلل‏

من الغمام ومن غير الغمام يرى *** عند التنزل في إعجازها كلل‏

تحوي على كل معنى ليس يظهره *** إلا الخطابة والأشعار والمثل‏

فمنه ما هو محمود فمرتفع *** ومنه ما هو مذموم فمنسفل‏

ومن ينازعني فيما أفوه به *** فالناس كلهم أعداء ما جهلوا

[أن النفس الناطقة سعيدة في الدنيا والآخرة]

اعلم أسعدنا الله وإياك بسعادة الأبد أن النفس الناطقة سعيدة في الدنيا والآخرة لا حظ لها في الشقاء لأنها ليست من عالم الشقاء إلا أن الله أركبها هذا المركب البدني المعبر عنه بالنفس الحيوانية فهي لها كالدابة وهي كالراكب عليها وليس للنفس‏

الناطقة في هذا المركب الحيواني إلا المشي بها على الطريق المستقيم الذي عينه لها الحق فإن أجابت النفس الحيوانية لذلك فهي المركب الذلول المرتاض وإن أبت فهي الدابة الجموح كلما أراد الراكب أن يردها إلى الطريق حرنت عليه وجمحت وأخذت يمينا وشمالا لقوة رأسها وسوء تركيب مزاجها فالنفس الحيوانية ما تقصد المخالفة ولا تأتي المعصية انتهاكا لحرمة الشريعة وإنما تجري بحسب طبعها لأنها غير عالمة بالشرع واتفق أنها على مزاج لا يوافق راكبها على ما يريد منها والنفس الناطقة لا يتمكن لها المخالفة لأنها من عالم العصمة والأرواح الطاهرة فإذا وقع العقاب يوم القيامة فإنما يقع على النفس الحيوانية كما يضرب الراكب دابته إذا جمحت وخرجت عن الطريق الذي يريد صاحبها أن يمشي بها عليه أ لا ترى الحدود في الزنا والسرقة والمحاربة والافتراء إنما محلها النفس الحيوانية البدنية وهي التي تحس بألم القتل وقطع اليد وضرب الظهر فقامت الحدود على الجسم وقام الألم بالنفس الحساسة الحيوانية التي يجتمع فيها جميع الحيوان المحس للآلام فلا فرق بين محل العذاب من الإنسان وبين جميع الحيوان في الدنيا والآخرة والنفس الناطقة على شرفها مع عالمها في سعادتها الدائمة

أ لا ترى إلى النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم قد قام لجنازة يهودي فقيل له إنها جنازة يهودي فقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أ ليست نفسا

فما علل بغير ذاتها فقام إجلالا لها وتعظيما لشرفها ومكانتها وكيف لا يكون لها الشرف وهي منفوخة من روح الله فهي من العالم الأشرف الملكي الروحاني عالم الطهارة فلا فرق بين النفس الناطقة مع هذه النفس البدنية الحيوانية وبين الراكب على الدابة في الصورة فأما جموح وإما ذلول فقد بان لك أن النفس الناطقة ما عصت وإنما النفس الحيوانية ما ساعدتها على ما طلبت منها وإن النفس الحيوانية ما خوطبت بالتكليف فتتصف بطاعة أو معصية فاتفق إن كانت جموحا اقتضاه طبعها لمزاج خاص فاعلم ذلك وإن لله يعم برحمته الجميع فإن رحمة الله سبقت غضبه لما تجاريا إلى الإنسان‏

[أن الجود الإلهي لا يزال يمتن على الأعيان بالإيجاد]

واعلم أن الله تعالى لم يزل ناظرا إلى أعيان الأشياء الممكنة في حال عدمها وأن الجود الإلهي لا يزال يمتن عليها بالإيجاد على ما سبق العلم به من تقدم بعضها على بعض في الوجود بالإيجاد ولما كان ما به بقاء عين الجوهر الكل لا يتمكن إلا بقيام بعض الممكنات به مما لا يقوم بنفسه منها لم يزل الحفظ الإلهي يحفظ عليها بقاءها به وهي في ذاتها لا تقبل البقاء إلا زمان وجودها فلا يزال الجود الإلهي يوجد لهذا الجوهر الكل الذي فتح الله

فيه صور العالم ما به بقاؤه من الممكنات الشرطية فلا يزال الله خالقا على الدوام حافظا له على الدوام وكذلك سبحانه وتعالى لو لا أنه أسرى بسر الحياة في الموجودات ما كانت ناطقة ولو لا سريان العلم فيها ما كانت ناطقة بالثناء على الله موجدها ولهذا قال وإِنْ من شَيْ‏ءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ فأتى بلفظ النكرة وما خص شيئا ثابتا من شي‏ء موجود لأنها قبلت شيئية الوجود على الحال التي كانت عليها في شيئية الثبوت وقد أعلمنا الله أنه خاطبها في حال عدمها وإنها امتثلت أمره عند توجه الخطاب فبادرت إلى امتثال ما أمرها به فلو لا أنها منعوتة في حال عدمها بالنعوت التي لها في حال وجودها ما وصفها الحق بما وصفها به من ذلك وهو الصادق المخبر بحقائق الأشياء على ما هي عليه فما ظهرت أعيان الموجودات إلا بالحال التي كانت عليها في حال العدم فما استفادت إلا الوجود من حيث أعيانها ومن حيث ما به بقاؤها فكل ما هي عليه الأعيان القائمة بأنفسها ذاتي لها وإن تغيرت عليها الأعراض بالأمثال والأضداد إلا إن حكمها في حال عدمها ليس حكمها في حال وجودها من حيث أمر ما وذلك لأن حكمها في حال عدمها ذاتي لها ليس للحق فيها حكم ولو كان لم يكن لها العدم صفة ذاتية فلا تزال الممكنات في حال عدمها ناظرة إلى الحق بما هي عليه من الأحوال لا يتبدل عليها حال حتى تتصف بالوجود فتتغير عليها الأحوال للعدم الذي يسرع إلى ما به بقاء العين وليست كذلك في حال العدم فإنه لا يتغير عليها شي‏ء في حال العدم بل الأمر الذي هي عليه في نفسها ثابت إذ لو زال لم تزل إلا إلى الوجود ولا يزول إلى الوجود إلا إذا اتصف العين القائم به هذا الممكن الخاص بالوجود فالأمر بين وجود وعدم في أعيان ثابتة على أحوال خاصة فإذا حققت هذا الذي أبرزناه إليك علمت الخلق والخالق وما ينبغي للخلق أن تكون عليه من الحكم وما ينبغي للخالق أن يوصف به فإنه ليس كمثله شي‏ء وكُلَّ يَوْمٍ هُوَ في شَأْنٍ فلا يشبهه شي‏ء ثابت ولا شي‏ء موجود وما وقفت على ما وقفت عليه من هذا العلم الذي أداني شهوده وحكمه إلى البقاء معه وإلى أن الزهد في الأشياء لا يقع إلا من الجهل القائم بهذا الزاهد وهو عدم العلم ومن الغطاء الحجابي الذي على عينه وهو عدم‏

الكشف والشهود لما ذكرناه فإذا علم أو شاهد أن العالم كله ناطق بتسبيح خالقه والثناء عليه وهو في حال الشهود له كيف يتمكن له الزهد فيمن هذه صفته وعينه وذاته وصفاته من جملة العالم وقد أشهده الله وأراه آياته في الآفاق وهي ما خرج عنه وفي نفسه وهي ما هو عليه فلو خرج عن غيره ما خرج عن نفسه فمن خرج عن العالم وعن نفسه فقد خرج عن الحق ومن خرج عن الحق فقد خرج عن الإمكان والتحق بالمحال ومن حقيقته الإمكان لا يلحق بالمحال إذن فدعواه بأنه خرج عن كل ما سوى الله جهل محض وإنما ذلك انتقال أحوال لا يشعر بها لجهله فيخيل له جهله أن العالم بمعزل عن الله والله بمعزل عن العالم فيطلب الفرار إليه فهذا فرار وهمي وسبب ذلك عدم الذوق للأشياء وكونه سمع في التلاوة فَفِرُّوا إِلَى الله وهو صحيح إلا إن هذا الفار بهذه المثابة لم يجعل باله إلى ما ذكر الله في الآية التي أتبعها هذه الآية وهي قوله ولا تَجْعَلُوا مَعَ الله إِلهاً آخَرَ فلو عرف هذا التتميم عرف قوله فَفِرُّوا إِلَى الله إنه الفرار من الجهل إلى العلم وأن الأمر واحد أحدي وأن الذي كان يتوهمه أمرا وجوديا من نسبة الألوهة لهذا الذي اتخذه إلها محال عدمي لا ممكن ولا واجب فهذا معنى الفرار المأمور به فإليه من حيث نسبة الألوهة إليه يكون الفرار فافهم وأما الفرار الثاني المتلو فقوله عن موسى عليه السلام فَفَرَرْتُ مِنْكُمْ لَمَّا خِفْتُكُمْ لما علم إن الله وضع الأسباب وجعل لها أثرا في العالم بما يوافق الأغراض وبما لا يوافقها وبما يلائم الطبع وبما لا يلائمه وخلق الحيوان على مزاج يقبل به الألم واللذة بخلاف النبات والجماد فإنهما وإن اتصفا بالحياة عند أهل الكشف فإنهما على مزاج لا يقبل اللذة والألم ووقع من موسى عليه السلام ما وقع من قتل القبطي ففر إلى النجاة التي يمكن أن تحصل له بالفرار فرأى إن الفرار من الأسباب الإلهية الموضوعة في بعض المواطن لوجود النجاة فهو فرار طبيعي لأنه ذكر أن الخوف من السبب جعله يفر لكنه معرى عن التعريف بما ذكرناه من الوضع الإلهي فلم يوف النظر العقلي حقه فإن هذا كان قبل نبوته ومعرفته بما يريده الحق به فلما فر خوفا من فرعون تلقاه الحق بالنجاة وجمع بينه وبين رسول من رسله وهو شعيب عليه السلام ثم أعطاه النبوة والحكم الذي خاطب الله به القبط وبنى إسرائيل إن يكونوا عليه وأرسله بذلك إلى من خاف منه فكان ذلك الإرسال كالعقوبة لما لحقه من الخوف من السبب الموضوع ولم يوف السبب الموضوع حقه أعني النظر العقلي فكان ينبهه في الفرار أنه خوف من الله إذ لا قدرة مؤثرة للممكن في إيصال خير أو شر إلى ممكن آخر وإن ذلك كله بيد الله فجاءه بالرسالة والحكم من عند الله وأمنه بما أعطاه الله من العلم بما يؤول إليه أمره مع فرعون وآله وأراه إذ كلمه ما أراه من قلب العصا حية وإنما قلنا عقوبة كان ذلك الإرسال إلى فرعون وإن الخوف معه باق منه لقوله تعالى له ولأخيه حين قالا إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى‏ فقال الله لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما أَسْمَعُ وأَرى‏ وقال لهما فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ ما نسي مما كان قد علم من امتناننا عليه أَوْ يَخْشى‏ يقول أو يخاف مما يعرفه من أخذنا وبطشنا الشديد بمن قال مثل مقالته ممن تقدمه وحصل عنده العلم به وهذا مثل قوله تعالى لنبينا صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وجادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ وقوله تعالى فَبِما رَحْمَةٍ من الله لِنْتَ لَهُمْ ولَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا من حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ واسْتَغْفِرْ لَهُمْ وشاوِرْهُمْ في الْأَمْرِ فهذا جدال في الله لين مأمور به وتعطف والترجي من الله إذا ورد واقع بلا شك ولهذا قال العلماء إن كلمة عسى من الله واجبة وقد ترجى من فرعون التذكر والخشية فلا بد أن يتذكر فرعون ذلك في نفسه وأن يخشى ولكن لم يظهر من ذلك شيئا على ظاهره وإن كان قد حكم التذكر والخشية على باطنه ولذلك لم يبطش بموسى ولا بأخيه في المجلس فإنه صاحب السلطان والقهر في‏

ذلك الوقت فما منعه إلا ما قام به من التذكر والخشية من الحق ومانع آخر فلم يكن هناك إذ لو كان هناك مانع آخر ظاهر يلجأ إليه موسى عليه السلام ما قال إِنَّنا نَخافُ أَنْ يَفْرُطَ عَلَيْنا أَوْ أَنْ يَطْغى‏ لعدم التكافؤ في القوة الظاهرة فأيده بما أوصاهما به من القول باللين فكانت هذه المخاطبة من جنود الله قابل بها جنود باطن فرعون فهزمهم بإذن الله فتذكر وخشي لما انهزم جيشه الذي كان يتقوى به فذل في نفسه فشغلته تلك الذلة والمعرفة عن إن يحكم بقوة ظاهرة فلم يبطش بهما في ذلك المجلس فهذه فائدة العلم فإن العلم إذا لم يتمر لصاحبه ما تعطيه حقيقته فما ثم علم أصلا ولا ذلك عالم وقد تقدم الكلام في مثل هذا فيما مضى من المنازل فالناس يأخذون بهذا الفرار الموسوي ولا يعرفون حقيقة ما أخذوا به ولا

نظروا في ذلك هذا النظر الذي ذكرناه وإذا علمت هذا

[أن الله ما خلق الإنسان عالما بكل شي‏ء]

فاعلم أيضا أن الله ما خلق الإنسان عالما بكل شي‏ء بل أمر نبيه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أن يطلب منه تعالى مزيد علم إذ قال له وقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً فهو في كل حال يستفيد من العلم ما به سعادته وكماله فالذي فطر عليه العالم والإنسان من العلم العلم بوجود الله والعلم بفقر المحدث إليه فإذا كان هذا فلا بد لكل من هذه صفته أن يفر إلى الله لمشاهدة فقره وما يعطيه حكم الفقر من الألم للنفس ليغنيه من انقطع إليه فربما يزيل عنه ألم الفقر بما به تقع اللذة له وهو الغني بالله وهو مطلب لا يصح حصوله أصلا لأنه لو استغنى أحد بالله لاستغنى عن الله والاستغناء عن الله محال فالاستغناء بالله محال لكن الله يعطيه أمرا ما من الأمور التي يحدثها الله فيه عند هذا الطلب يغنيه به ويزيل عنه ما يجده من اللذة ألم ذلك الفقر المعين لا يزيل عنه ألم الفقر الكلي الذي لا يمكن زواله عن الممكن لأن الفقر له وصف ذاتي لا في حال عدم ولا في حال وجود ولهذا لم يجعل في نفس الممكن إلا ما إذا أعطاه ذلك وجد عنده لذة مزيلة ألم الطلب ثم يحدث له طلب آخر لأمر آخر أو لبقاء ذلك الحاصل له على الدوام دنيا وآخرة فلا بد لمن هذه حاله من تخل وفرار عن الأمور الشاغلة له عن هذا الأمر حتى يكشف الله عن بصيرته وبصره فيشاهد الأمر على ما هو عليه فيعلم عند ذلك كيف يطلب وممن يطلب ومن يطلب وأمثال هذا ويعلم معنى قوله إِنَّ الله هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ أي المثنى عليه بالغنى وتدبر قوله وما خَلَقْتُ الْجِنَّ والْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ لأنه يستحيل عليه إن يعبد نفسه ولما قلناه أتى بالحميد لأن صفة الغني لا شي‏ء أعلى منها وهي صفة ذاتية للحق تعالى فافهم الإشارة فالعبارة هنا حرام وإذا تقرر هذا علمت كون رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم كان يخلو بغار حرا ليتحنث فيه ويفر من مشاهدة الناس لما كان يجده في نفسه من الحرج والضيق في مشاهدتهم فلو نظر إلى وجه الحق فيهم ما فر منهم ولا كان يخلو بنفسه وما زال على هذه الحال حتى فجئه الحق فرجع إلى الخلق ولم يزل فيهم فإنه لم يزل في غار حرا مع نفسه فما زال إلا من بعض الناس لا من كل الناس فافهم فلا بد لكل طالب ربه أن يخلو بنفسه مع ربه في سره لأن الله ما جعل للإنسان ظاهرا وباطنا إلا ليخلو مع الله في باطنه ويشاهده في ظاهره في أسبابه بعد أن ينظر إليه في باطنه حتى يميزه في عين الأسباب وإلا فلا يعرفه أبدا فما يرجع من يرجع إلى الخلوة مع الله في باطنه إلا لأجل هذا فباطن الإنسان بيت خلوته لو عقل عن الله فلما علمت في أول الأمر إن الشأن على ما ذكرته تجردت عن هيكلي هذا تجردا علميا حاليا لجهلي بمكانة الحق من هذا الهيكل وعدم علمي بأن لله وجها خاصا في كل شي‏ء فلما صرت عن هذا الهيكل أجنبيا نظرت إليه كأنه سبجة سوداء مظلم الأقطار لم أر فيه من النور شيئا فسألت عن هذه الظلمة من أين لحقت فقيل لي هذه ظلمة الطبيعة فإن الظلمات ثلاث تراكم بعضها على بعض حتى إذا أخرج أحد يده لم يكد يراها فأحرى إن لا يراها فنفى مقاربة الرؤية فكيف الرؤية فالظلمة حجاب إلهي يحجب عن وجود الحق فقلت ما هذه الظلمات الثلاث فقيل لي الظلمة الأولى المشهودة لك ظلمة الطبيعة فهي الطبقة الأولى التي تلي بصرك ثم إن هذه الطبيعة ما وجدت إلا في المرتبة الثالثة ففوقها ظلمة السبب الحادث الممكن التي وجدت عنها فهي وجود محدث عن محدث وهي النفس فهي الظلمة الثانية فاشتد ظلام الطبيعة وتضاعف بظلمة النفس فأشهدت النفس فرأيت ظلمة فوق ظلمة ثم قيل لي فوق هذه الظلمة الثانية ظلمة ثالثة وهي السبب الذي وجدت عنه هذه النفس وهو العقل الأول فكشف لي عنه فرأيت ظلاما متراكما بعضه فوق بعض فقلت أ فلهذا سبب آخر وجد عنه فقيل لي لا بل هذا أوجده الحق لا عند سبب فقلت فما باله مظلما فقيل لي هذه الظلمة له ذاتية وهي ظلمة

إمكانه يستمدها من ظلمة الغيب الذي لا يقع عليه شهود كما يقع على المغيب فيه إذا ظهر منه وفارقه وصار شهادة فعن هذه الظلمات الثلاث كان الإنسان من حيث‏

هو جسم حيواني في بطن أمه في ظلمات ثلاث ظلمة الرحم وظلمة المشيمة وظلمة البطن فإذا ولد اندرجت ظلمته فيه فكان ظاهره نورا وباطنه ظلمة فلا يتمكن له المشي في ظلمة باطنه إلا بسراج العلم إن لم يكن له هذا السراج فإنه لا يهتدي فيها فلما رأيت هيكلي وظلمته علمت أنه لو لم يكن له نور بوجه ما ما صح نظري إليه ولا إدراكي إياه فسألت عن النور الذي أعده لتعلق رؤيتى به فقيل لي نور الوجود به رأيته فنظرت إلي من حيث إني رائي لتلك الظلمة فرأيت ظلها ينبسط علي وما رأيت نوري يزيلها فتعجبت فقيل لي لا يزول عنك ظلام إمكانك فإنه نعت ذاتي لك فإنك لست‏

بواجب الوجود لذاتك فقلت فمن لي بنور لا ظلمة فيه قيل لي لا تجده أبدا فقلت إذا فلا أشاهد موجدي أبدا فإنه النور المحض والوجود الخالص فقيل لي لا تشاهده أبدا إلا منك ولهذا لا تراه أبدا في صورة واحدة فلا تحيط به علما فلا يتحلى ولا يشهد كما يشهد نفسه فإنه غني عن العالمين فما يستدل عليه إلا به فلا يعرف إلا من طريق الكشف والشهود على حد ما ذكرناه وأما بالأدلة النظرية فلا يعلم إلا حكمه لا عينه فلهذا يحكم العقل بدليله على ما يستلزمه هذا الموجود الواجب الوجود مما يفتقر الممكن إليه فيه فهذا القدر يدل عليه ويعطيه الشهود رتبة فوق هذا تذاق ولا تنقال ولا تنحكى فلما أشهدني الله ذاتي وأشهدني هيكلي أشهدني بعد هذا نسبة العالم كله إلي وتوجهه علي في إيجاد عيني فرأيت تقدمه علي وآثاره في وعلمت انفعالي عنه وأنه لولاه ما كان لي وجود عيني فذللت في نفسي حيث أنا تحت قهر ممكن مثلي وعلمت عند ذلك أني من القليل الذين يعلمون أن خلق السموات وهي الأسباب العلوية لوجودي والأرض وهي الأسباب السفلية لوجودي أكبر من خلق الناس قدرا لأن لها نسبة الفاعلية وللناس نسبة الانفعال فأدركني انكسار يكاد أن يؤيسني عن مشاهدة الحق من حيث ما تشهده هذه الأسباب التي لها علي في القدر شفوف الفاعلات فلما حصل عندي ذلك الانكسار قيل لي هذه الأسباب وإن كان لها هذا القدر عليك في المرتبة فيما ظهر فاعلم إنك العين المقصودة فما وجدت هذه الأسباب إلا بسببك لتظهر أنت فما كانت مطلوبة لأنفسها فإن الله لما أحب أن يعرف لم يمكن أن يعرفه إلا من هو على صورته وما أوجد الله على صورته أحدا إلا الإنسان الكامل لا الإنسان الحيوان فإذا حصل حصلت المعرفة المطلوبة فأوجد ما أوجد من الأسباب لظهور عين الإنسان الكامل فاعلم ذلك فجبر هذا التعريف الإلهي انكساري وعلمت أني من الكمل وأني لست بإنسان حيوان فقط فشكرت الله على هذه المنة فلما أشهدني نسبة العالم إلي ونسبتي إلى العالم وميزت بين المرتبتين وعلمت إن العالم كله لو لا أنا ما وجد وأنه بوجودي صح المقصود من العلم الحادث بالله والوجود الحادث الذي هو على صورة الوجود القديم وعلمت إن العلم بالله المحدث الذي هو على صورة العلم بالله القديم لا يتمكن أن يكون إلا لمن هو في خلقه على الصورة وليس غير الإنسان الكامل ولهذا سمي كاملا وأنه روح العالم والعالم المسخر له علوه وسفله وإن الإنسان الحيواني من جملة العالم المسخر له وإنه يشبه الإنسان الكامل في الصورة الظاهرة لا في الباطن من حيث الرتبة كما يشبه القرد الإنسان في جميع أعضائه الظاهرة فتأمل درجة الإنسان الحيوان من درجة الإنسان الكامل‏

[إن الإنسان على استعداد قبول الكمال‏]

واعلم من أي الأناسي أنت فإنك على استعداد قبول الكمال لو عقلت ولهذا تعين التنبيه والإعلام من العالم فلو لم تكن على استعداد يقبل الكمال لم يصح التنبيه ولكان التعريف بذلك عبثا وباطلا فلا تلومن إلا نفسك في عدم القبول لما دعيت إليه فإن الداعي ما دعا إلا على بصيرة ليلحقك بذاته في البصيرة فإذا علمت هذا وأشهدك الحق نسبة العالم إليك بقي عليك إن تعلم نسبة الحق إليك ونسبتك إليه فأوقفني الحق على نسبة الأسماء الإلهية إلي لتحصل لي الصورة المقصودة فتنطلق على جميع الأسماء الإلهية التي تنطلق عليه تعالى لا يفوتني منها اسم بوجه من الوجوه‏

[إن الاسم يدل على المسمى بحكم المطابقة]

فاعلم إن الاسم لما كان يدل على المسمى بحكم المطابقة فلا يفهم منه غير مسماه كان عينه في صورة أخرى تسمى اسما فالاسم اسم له ولمسماه وأراد الله سبحانه أن يعرف كما قررناه بالمعرفة الحادثة لتكمل مراتب المعرفة ويكمل الوجود بوجود المحدث ولا يمكن أن يعرف الشي‏ء إلا نفسه أو مثله فلا بد أن يكون الموجود الحادث الذي يوجده الله للعلم به على صورة موجدة حتى يكون كالمثل له فإن الإنسان الكامل حقيقة واحدة ولو كان بالشخص ما كان مما زاد على الواحد فهو عين واحدة وقال فيه ليس كمثله شي‏ء فجعله مثلا ونفى أن يماثل فلما نصبه في الوجود مثلا تجارت إليه الأسماء الإلهية بحكم المطابقة من حيث ما هي الأسماء ذات صور وحروف لفظية ورقمية كما إن الإنسان ذو صورة جسمية فكانت هذه الأسماء الإلهية على هذا الإنسان الكامل أشد مطابقة منها على المسمى الله ولما كان المثل عن مثله متميزا بأمر ما لا يتمكن أن يكون ذلك الأمر إلا له ولا يكون لمثله كان الأمر في الأسماء التي يتميز المثل عن مثله به ولا يشاركه فيه من جانب الحق الاسم الله فعين ما اختص به المثل عن مثله وكان للمثل الآخر الاسم الإنسان الكامل الخليفة مما اختص به هذا المثل الكوني وأسماء الحق الباقية مركبة

من روح وصورة فمن حيث صورتها تدل بحكم المطابقة على الإنسان ومن حيث روحها ومعناها تدل بحكم المطابقة على الله ولنا حالة وله حالة والأسماء تتبع تلك الأحوال فلنا التجريد عن الصور متى شئنا فالذي لنا من ذاتنا الصور ولكن من حقيقة ذاتنا أيضا التجرد عنها متى شئنا فتتبعنا الأسماء في حال تجريدنا من حيث أرواحها المجردة عن صورها وله التباس بالصور وهو بالذات غير صورة وبالذات أيضا يقبل التجلي لنا في الصور فتتبعه الأسماء عينها من حيث صورها إذا لبس الصورة متى شاء فالأمر بيننا وبينه على السواء مع الفرقان الموجود المحقق بأنه الخالق ونحن المخلوقون وهو الله وأنا الإنسان الخليفة فيشركنا في الخلافة لتحقق الصورة فإنه أمرنا أن تتخذه وكيلا والوكالة خلافة فالمختص به الذي يتميز به عني الاسم الله صورة ومعنى فإذا تجلى في الصورة انطلق عليه بحكم المطابقة صورة الاسم الله وإذا بقي على ما هو عليه من غير تقييد بصورة انطلق عليه روح الاسم الله وكذلك الإنسان هذا الاسم هو الذي يميزه عنه وله حالة البقاء على ما هي ذاته عليه من الصورة وله التجريد ولو لم يكن في العالم من هو على صورة الحق ما حصل المقصود من العلم بالحق أعني العلم الحادث في‏

قوله كنت كنزا لم أعرف فأحببت إن أعرف فخلقت الخلق وتعرفت إليهم فعرفوني‏

فجعل نفسه كنزا والكنز لا يكون إلا مكتنزا في شي‏ء فلم يكن كنز الحق نفسه إلا في صورة الإنسان الكامل في شيئيته وثبوته هناك كان الحق مكنوزا فلما كسا الحق الإنسان ثوب شيئية الوجود ظهر الكنز بظهوره فعرفه الإنسان الكامل بوجوده وعلم أنه كان مكنوزا فيه في شيئية ثبوته وهو لا يشعر به فهذا قد أعلمتك بنسبة الأسماء إليه قال تعالى وعَلَّمَ آدَمَ الْأَسْماءَ كُلَّها ولفظة كل تقتضي الإحاطة والعموم وقال رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في دعائه ربه اللهم إني أسألك بكل اسم سميت به نفسك‏

فهذه إضافة حقيقية وهي إضافة الشي‏ء إلى نفسه لما ذكر لفظين مختلفين صحت الإضافة كحق اليقين وعلم اليقين والعين واحدة وهي لفظة النفس وكاف الخطاب وإنما قلنا هذا من أجل أصحاب اللسان حيث قالوا من طريق الأدلة إن الشي‏ء لا يضاف إلى نفسه وهو قول صحيح غير إن الإضافة هنا وقعت في الصورة والصورة صورتان فجاز إن تضاف الصورة الواحدة إلى الأخرى وهي النفس وكاف الخطاب وكحق اليقين وعلم اليقين وعين اليقين والوجه الآخر أن تكون النفس نفس الإنسان الكامل القابلة لجميع الأسماء الإلهية والكونية فإن الأسماء الكونية أيضا تدل بحكم المطابقة عليه إلا ما يختص به منها المحدث كالغنى لله والفقر للإنسان بل للعالم كله فتكون النفس هنا مضافة إلى كاف الخطاب وهو الحق وتكون إضافة ملك وتشريف واستحقاق فإضافة الملك كمثل مال زيد وإضافة تشريف كمثل عبد الملك وخديمه وإضافة الاستحقاق كسرج الدابة وباب البيت وهذه كلها سائغة في قوله نفسك إذا عني بها الإنسان مثل قول عيسى عليه السلام ولا أَعْلَمُ ما في نَفْسِكَ يعني بهذه النفس هنا نفس عيسى أضافها إلى الحق كما هي في نفس الأمر وهو أتم في الثناء على الله والتبري مما نسب إليه وقرر عليه واستفهم عنه من قوله أَ أَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وأُمِّي إِلهَيْنِ من دُونِ الله فقال له أنت تَعْلَمُ ما في نَفْسِي ولا أعلم ما فيها إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ فإنه ما يكون فيها إلا ما تجعله أنت فكيف يستفهم من لَهُ الْخَلْقُ والْأَمْرُ ولم يقل له ما قلت إني إله لعلمه بأنه خليفة وإنسان كامل وأن الأسماء الإلهية له فقال له ما قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا ما أَمَرْتَنِي به ما زدت على ذلك شيئا وإذا قال القائل ما أمر به أن يقوله لم يلزم أن يقول كل ما هو عليه فإنه ما أمر أن يقوله وقد خرج عن العهدة بما بلغ وقال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أو علمته أحدا من خلقك أو استأثرت به في علم غيبك‏

فذكر أنه تعالى استأثر بشي‏ء في علم غيبه مما لا يعلمه إلا هو وليس إلا ما يمكن أن يكون للإنسان الكامل لكن الله تعالى استأثر به في علم غيبه ما لا يعلمه إلا هو فعلم من الإنسان مما هو عليه ما لا يعلمه الإنسان الكامل من نفسه فهو غيب الحق لأنه المثل فاجتمع قول محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وقول عيسى عليه السلام في أمر واحد وهو قوله ولا أَعْلَمُ ما في نَفْسِكَ وقول محمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أو استأثرت به في علم غيبك‏

فالإنسان الكامل محل الأسماء كلها التي في قوته قبولها وما ليس في قوته قبولها فلا يتمكن له قبولها فليس ذلك من الأسماء التي يقال فيها إنه نقص عنها كالاسماء التي يختص بها الإنسان ولا يجوز أن تطلق على الله‏

ولا يقال إن الله قد نقصه هذا الاسم أن يطلق عليه فمعنى الأسماء كلها كل اسم في حقيقة هذا المسمى أن يقبله فاعلم ذلك فمن علم نسبة الأسماء الإلهية إلى الإنسان كيف هي ونسبة الأسماء الكونية إلى الله كيف هي علم مرتبة الإنسان وتميزه عن العالم كله وشرفه بما هو عليه من الجمعية كالمتفنن صاحب الذوق في كل علم وقد يكون صاحب علم ما أكمل منه في ذلك العلم مع المشاركة فهو أفضل منه في وجه خاص وهذا أفضل منه بالجمعية كما نقول بالمفاضلة في النقص فنقول في البليد إنه حمار ومعلوم قطعا إن الحمار أفضل من الإنسان في البلادة فإنه أبلد منه وكذلك الملك مع الإنسان الملك أفضل منه في الطاعة وقد شهد الله له بذلك وذلك لتعريه عن لباس البشرية فلا يعصي الله ما أمره لأنه ما هو على حقائق متضادة تجذبه في أوقات وتغفله وتنسيه عما دعي إليه كما يوجد ذلك في النشأة العنصرية والإنسان نشأة عنصرية تطلبه حقائق متجاذبة بالفعل صاحب غفلة ونسيان يؤمر وينهى فيتصور منه المخالفة والموافقة فالملك أشد موافقة لله من الإنسان لما تعطيه نشأته ونشأة الإنسان قال تعالى في الملك لا يَعْصُونَ الله ما أَمَرَهُمْ وقال في الخليفة الذي علمهم الأسماء وعَصى‏ آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى‏ فوصفه بالمعصية فالملك أفضل في الموافقة لأمر الله والخليفة الإنسان اعلم بالأسماء الإلهية لأن الخليفة إن لم يظهر بما يستحقه من استخلفه حتى يطاع ويعصى وإلا فليس بخليفة فهو أتم في الجمعية وأفضل والملك أفضل في وجه خاص أو وجهين لكن ما له فضل الجمع والصورة لا تكون إلا بالمجموع وإلا فليست بصورة مثلية ولا يقدح في الصورة وكمالها ما تمتاز به الصورة على مثلها فإنه لا بد من ذلك ولو لا ذلك لم تكن الصورة مثلا بل هي عينها ومعلوم أن الأمر ليس كذلك وهذا المنزل يتسع الكلام فيه يكاد إلى غير نهاية فلنقتصر على ما ذكرناه ولنذكر بعض ما يتضمنه من العلوم كما تقدم فمن ذلك علم الرسوم الطامسة ومراتبها وحصرها في الحقائق التي انحصرت فيها وفيه علم من رد أمره فكاد إن يقتل نفسه وهو دليل على الضيق والحرج وهل هذا من كمال الإنسان أم لا فإن الله وصف نفسه بالغضب والانتقام فهذا الإنسان لما لم يتمكن له من قوته إن يجد على من يرسل غضبه بالانتقام منه أراد أن يرسله على نفسه فيقتل نفسه فهو ناقص كامل فأعطاه الله الصبر على حمل الأذى فقاوم به ما يجده الطبع من الغيظ على من يرد كلمته وأمره ويريد مقاومته وفيه علم التسكين ووجود الفرح بالمستند إليه إذا تنزل له في الخطاب على سبيل الرفق به لما يجده وهو أن يخاطبه بما يعرفه به في نفسه في الأمر الذي غاظه فيريه من هو أكبر منه قد أغيظ فيجد لذلك عزا في نفسه ولهذا قال الله تعالى لنبيه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم نَقُصُّ عَلَيْكَ من أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ به فُؤادَكَ وفيه علم كل من جنى فعلى نفسه يجني فإن الأعمال لا تضاف إلا إلى عاملها وإن أضيفت إلى غير عاملها فقد غصبتها حقها وفيه علم الإستبصار وفيه علم الأمزجة فيعلم منه ما يضر زيدا ينفع عمرا وما هو دواء لخالد هو داء لحسن وفيه علم نداء الحق واختلافه مع أحدية النداء وفيه علم آداب جواب المنادي وفيه علم الاستنزال باللطف وفيه علم الجبر وفيه علم التقرير الكوني ونزول الأعلى إلى مخاطبة الأدنى باللطف مع قهره بالصورة فما المانع له من ذلك هل هو قهر خفي من حيث لا يشعر به أو هو عن رحمة هو عليها مجعولة أو جبلية وفيه علم تنبيه العالم على اكتساب معالي الأمور بإظهار أسبابها لمن لا يعرفها وفيه علم أسباب الحيرة عن جواب السائلين إذا كان السؤال مما لا يتصور عليه الجواب المطابق الذي يطلبه السائل في سؤاله وهل كل سؤال يقتضي جوابا أم لا والسؤال عين الجواب من حيث أحدية الكلام والواحد لا يقع فيه التفصيل ولا الانقسام والسؤال ما هو عين الجواب والكلام أحدي العين فأين محل الانقسام وفيه علم الجدل مع العلم من المجادل أنه مبطل وأن خصمه على الحق فلما ذا يبقى على جدله وقد بان له الحق في نفسه فهل له‏

وجه ما لي الحق أو هو باطل من جميع الوجوه وإذا كان باطلا من جميع الوجوه فالباطل عدم والعدم لا يقاوم الوجود فإن لا شي‏ء لا يكون أقوى من الشي‏ء وفيه علم ما تنتجه المساعدة وفيه علم الزجر والتخويف والرضاء بالقضاء والمقضي معا للقوة التي تكون في الراضي وما ينبغي أن يرضى به من المقضي وما لا ينبغي أن يرضى به من ذلك وفيه علم ما يؤثره الاستناد إلى الكثرة من القوة في نفس المستند وإن خاب فقد يرزق الواحد من القوة ما يزيد على‏



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!