The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل الفرق بين مدارج الملائكة والنبيين والأولياء من الحضرة المحمدية

الرسول وهو قوله حين قال أَدْعُوا إِلَى الله عَلى‏ بَصِيرَةٍ أَنَا ومن اتَّبَعَنِي فأخبر أن من اتبعه يدعو إلى الله أيضا على بصيرة فإن كنت عارفا بمواقع الخطاب الإلهي وتنبيهاته وإشاراته فقد عرفك بحالك مع رسوله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم وبحالك معه وقد جعلك على صورة نبيه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في نوره وإمداده وأبان لك أن صورتك معه في هذا الأمر صورته أيضا مع جبريل عليه السلام الذي اتقدت فتيلته من سراج جبريل واشتعلت نورا وكل واحد من السرج ما انتقل نوره عنه بل هو على نوره في نفسه وانظر إلى من استندت الرسل بعد أخذها عن جبريل عليه السلام هل كان استنادها إلى جبريل أو إلى الله لا والله بل قيل رسول الله وما قيل رسول جبريل وكذلك من أخذ عن النبوة مثل هذا النور ودعا إلى الله على بصيرة فذلك الدعاء والنور الذي يدعو به هو نور الإمداد لا النور الذي اقتبسه من السراج فلينسب إلى الله في ذلك لا إلى الرسول فيقال عبد الله وهو الداعي إلى الله عن أمر الله بوساطة رسول الله بحكم الأصل لا بحكم ما فتح الله به عليه في قلبه من العلوم الإلهية التي هي فتح عين فهمه لما جاء به الرسول صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم من القرآن والأخبار لا أن هذا الولي يأتي بشرع جديد وإنما يأتي بفهم جديد في الكتاب العزيز لم يكن غيره يعرف أن ذلك المعنى في ذلك الحرف المتلو أو المنقول فللرسل صلوات الله عليه السلام العلم ولنا الفهم وهو علم أيضا فإن حققت يا أخي ما أوردناه في هذا الباب وقفت على أسرار إلهية وعلمت مرتبة عباد الله الذين هم بهذه المثابة أين ينتهي بهم ومع من هم وعمن يأخذون ومن يناجون وإلى من يستندون وأين تكون منزلتهم في الدار الآخرة وهل لهم شركة في المرتبة في الدار الآخرة كما كان لهم شركة هنا في النورية والإمداد الإلهي أم لا فأما في الدنيا فليسوا بأنبياء فإنهم عن الأنبياء أخذوا طريقهم وما بقي الأمر إلا في الإمداد هل أثره إبقاء النور الأول أو تتجدد لهم الأنوار مع الأناة من الحق كما يتجدد نور السراج باشتعال الهواء من رطوبات الدهن فليس هو ذلك النور الأول ولا هو غيره ولا ذهب ذلك النور ولا بقي عينه والناظر يرى اتصال الأنوار صورة واحدة في النورية إلا أنه يعرف أنه لو لا أمداد الدهن لطفئ هذا حظ كل مشاهد من ذلك من حيث النظر والصورة ومن حيث المعنى يزيد على النظر معرفة ما يقع به الإمداد وما أثره في ذلك المشهود فيزيد علما آخر لم يكن عنده فمن فقد مثل هذا ينبغي أن يطول نوحه وبكاؤه على نفسه جعلنا الله من أهله وممن دعا إلى الله على بصيرة أو انفرد مع الله على بصيرة أنه الملي بذلك والقادر عليه وهذا القدر كاف في هذا الباب وقد حصلت الفائدة فلنذكر ما يحوي عليه هذا المنزل من العلوم فاعلم أنه يتضمن علم الحقائق الأسمائية وعلم الرسالة من حيث المكانة التي أرسل منها لا من حيث إنها رسالة وعلم التخويف هل يخاف الله أو يخاف ما يكون منه وما مشهود من يخاف الله والخوف إنما هو مما يتعلق بك ويحل فيك والحق تعالى منزه الذات عن الحلول في الذوات فما معنى وأعوذ بك منك وعلم طاعة العباد فيما ذا يطاعون وهل لهم في تلك الطاعة نصيب بطريق الاستحقاق أو ليس لهم فإن الله يقول من يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ الله هذا مقام ومقام آخر وأَطِيعُوا الرَّسُولَ ومقام آخر أَطِيعُوا الله وأَطِيعُوا الرَّسُولَ وأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فهذه مقامات كلها تقتضيها الطاعة ويختلف المطاع وتحقيق ذلك عجيب وتفصيل ما يقع فيه الطاعة كذلك وهل نسبة الطاعة لأولي الأمر كنسبتها إلى الرسول كنسبتها إلى الله أم لا بل تكون مختلفة وعلم نتائج المخالفات والموافقات وعلم الفرق بين الأجلين ولما ذا كان الأول أجلا ولما ذا كان الآخر أجلا هل لعين واحدة أم لأمرين مختلفين وعلم أحوال الناس المدعوين إلى الله ما الذي يحول بينهم وبين الإجابة مع العلم بصدق الداعي وما الذي يدعوهم إلى الإجابة والمجلس واحد والداعي واحد والدعوة واحدة وعلم الثواب المعجل الحسي والمعنوي وعلم الاعتبار وعلم العالم العلوي والعالم‏

السفلي وعلم السر الذي قام في المعبودين من دون الله وما المناسبة التي جمعت بينهم وبين من عبدهم ولما ذا شقوا شقاوة الأبد ولم تنلهم المغفرة ولا خرجوا من النار وعلم الغيرة الإلهية والغيرة من كل غيور ولما ذا ترجع والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب الرابع عشر وثلاثمائة في معرفة منزل الفرق بين مدارج الملائكة والنبيين والأولياء من الحضرة المحمدية»

تتنزل الأملاك من ملكوته *** في قالب الأنوار بالأسرار

حتى إذا ألقت إلى علومها *** بدقائق الأدوار والأكوار

من كل علم ما له متعلق *** إلا بنعت الواحد القهار

عادت إلى أفلاكها أملاكها *** بألوكة من حضرة الأبرار

قد زانها حسن التلقي فانثنت *** بالصورتين حميدة الآثار

وتيقنت أن المعارف إنما *** وهبت لأهل العلم بالأسرار

وقد اشتهت طول المقام بساحتي *** لخروجها فيها عن الأطوار

[أن الله تعالى لما خلق الخلق قدرهم منازل لا يتعدونها]

اعلم أيدك الله أيها الولي الحميم أن الله تعالى لما خلق الخلق قدرهم منازل لا يتعدونها فخلق الملائكة ملائكة حين خلقهم وخلق الرسل رسلا والأنبياء أنبياء والأولياء أولياء والمؤمنين مؤمنين والمنافقين والكافرين كافرين كل ذلك مميز عنده سبحانه معين معلوم لا يزاد فيهم ولا ينقص منهم ولا يبدل أحد بأحد فليس لمخلوق كسب ولا تعمل في تحصيل مقام لم يخلق عليه بل قد وقع الفراغ من ذلك وذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ

فمنازل كل موجود وكل صنف لا يتعداها ولا يجري أحد في غير مجراه قال تعالى في شأن الكواكب كُلٌّ في فَلَكٍ يَسْبَحُونَ وهكذا كل موجود له طريق تخصه لا يسلك عليها أحد غيره روحا وطبعا فلا يجتمع اثنان في مزاج واحد أبدا ولا يجتمع اثنان في منزلة واحدة أبدا فلا يكون الإنسان ملكا أبدا ولا الملك إنسانا ولا الرسول غيره أبدا ولكل مدرجة عن الله تعالى لكل صنف بل لأشخاص كل نوع خواص تخصها لا ينالها إلا السالك عليها ولو جاز أن يسلك غيره على تلك المدرجة لنال ما فيها وإن جمع الجنس منزل واحد والنوع منزل واحد وهكذا كل نوع من الأنواع التي تحت كل جنس من الأجناس وكذلك كل جنس من الأجناس إلى جنس الأجناس كذلك إلى النوع الأخير كما تجمع الرسالة الرسل ويفضل بعضهم بعضا والأنبياء النبوة ويفضل بعضهم بعضا هذا وإن كانت الكواكب تقطع في فلك واحد وهو فلك البروج فلكل واحد منها فلك يخصه يسبح فيه لا يشاركه فيه غيره فهكذا الأمر في الجميع أعني في المخلوقات وإن جمعهم مقام فإنه يفرقهم مقام فالفلك الكبير الذي يجمع العالم كله فلك الأسماء الإلهية فيه يقطع كل شخص في العالم فهي منازله المقدرة لا يخرج عنها بوجه من الوجوه ولكن يسبح فيه بفلكه الخاص به الذي أوجده الحق فلا يذوق غيره ذوقه من فلك الأسماء ولو ذاقه لكان هو ولا يكون هو أبدا فلا يجتمع اثنين منزل أبد الاتساع فلك الأسماء الإلهية فكل من ادعى من أهل الطريق أنه خرج عن الأسماء الإلهية فما عنده علم بما هي الأسماء ولا يعلم ما معنى الأسماء وكيف يخرج عن إنسانيته الإنسان أو عن ملكيته الملك ولو صح هذا انقلبت الحقائق وخرج الإله عن كونه إلها وصار الحق خلقا والخلق حقا وما وثق أحد بعلم وصار الواجب ممكنا ومحالا والمحال واجبا وانفسد النظام فلا سبيل إلى قلب الحقائق وإنما يرى الناظر الأمور العرضية تعرض للشخص الواحد وتنتقل عليه الحالات ويتقلب فيها فيتخيل أنه قد خرج عنها وكيف يخرج عنها وهي تصرفه وكل حال ما هو عين الآخر فطرأ التلبيس من جهله بالصفة المميزة لكل حال عن صاحبه تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى‏ بَعْضٍ وإن سبح الكل في فلك الرسالة فأين قطع الهلال من قطع النسر وذلك أن في الأمور اتساعا وضيقا ونشرا وطيا الحس حقيقة واحدة يقطع في فلكها الحواس فأين اللمس من البصر اللمس لا يدرك الملموس كونه خشنا أو لينا إلا بغاية من القرب فإذا لمسه عرفه والبصر عند ما تفتح عينك وترسله في المبصرات علوا كان زمان فتحه زمان إدراكه فلك البروج فأين مسافة ما يقطعه البصر من مسافة ما يقطعه اللمس لو أرادت حاسة اللمس تدرك ملوسة فلك البروج أو خشونته لو كان خشنا متى كانت تصل إلى ذلك ومع هذا فقد جمعهما الحس وكذلك السمع والشم والطعم فانظر ما بين هذه الحقائق من التباين وطبقاتها من التفاضل وأين اتساع أفلاكها من اتساع أفلاك القوي الروحانية في الإنسان ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ وإذا علمت هذا

[أن النبوة اختصاص إلهي‏]

علمت أن النبوة اختصاص إلهي وأن الرسالة كذلك والولاية والايمان والكفر وجميع الأحوال وأن الكسب اختصاص فإن الملائكة ما لها كسب بل هي مخلوقة في مقاماتها لا تتعداها فلا تكتسب مقاما وإن زادت علوما ولكن ليس عن فكر واستدلال لأن نشأتهم لا تعطي ذلك مثل ما تعطيه نشأة الإنسان والقوي‏

التي هم عليها الملائكة المعبر عنها بالأجنحة كما قال عز وجل جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى‏ وثُلاثَ ورُباعَ وقد صح في الخبر أن جبريل له ستمائة جناح‏

فهذه القوة الروحانية ليس لها في كل ملك تصرف فيما فوق مقام صاحبها مثل الطائر عندنا الذي يهوى سفلا ويصعد علوا وأجنحة الملائكة إنما تنزل بها إلى من هو دونها وليس لها قوة تصعد بها فوق مقامها فإذا نزلت بها من مقامها إلى ما هو دونه رجعت علوا من ذلك الذي نزلت إليه إلى مقامها لا تتعداه فما أعطيت الأجنحة إلا من أجل النزول كما إن الطائر ما أعطى الجناح إلا من أجل الصعود فإذا نزل نزل بطبعه وإذا علا علا بجناحه والملك على خلاف ذلك إذا نزل نزل بجناحه وإذا علا علا بطبعه وأجنحة الملائكة للنزول إلى ما دون مقامها والطائر جناحه للعلو إلى ما فوق مقامه وذلك ليعرف كل موجود عجزه وإنه لا يتمكن له أن يتصرف بأكثر من طاقته التي أعطاه الله إياها فالكل تحت ذل الحصر والتقييد والعجز لينفرد جلال الله بالكمال في الإطلاق لا إله إلا هو العلي الكبير فإذا تقرر هذا

[إن للملائكة مدارج ومعارج يعرجون عليها]

فاعلم إن للملائكة مدارج ومعارج يعرجون عليها ولا يعرج من الملائكة إلا من نزل فيكون عروجه رجوعا إلا أن يشاء الحق تعالى فلا تحجير عليه وإنما كلامنا في الوقع في الوجود وإنما سمي النزول من الملائكة إلينا عروجا والعروج إنما هو لطالب العلو لأن لله في كل موجود تجليا ووجها خاصا به يحفظه ولا سيما وقد ذكر أنه سبحانه وسعه قلب عبده المؤمن ولما كان للحق سبحانه صفة العلو على الإطلاق سواء تجلى في السفل أو في العلو فالعلو له والملائكة أعطاهم الله من العلم بجلاله بحيث إذا توجهوا من مقامهم لا يتوجهون إلا لله لا لغيره فلهم نظر إلى الحق في كل شي‏ء ينزلون إليه فمن حيث نظرهم إلى ما ينزلون إليه يقال تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ ومن حيث إنهم ينظرون إلى الحق سبحانه عند ذلك الأمر الذي إليه وله سبحانه مرتبة العلو يقال تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ فهم في نزولهم أصحاب عروج فنزولهم إلى الخلق عروج إلى الحق وإذا رجعوا منا إلى مقاماتهم يقال إنهم عرجوا بالنسبة إلينا وإلى كونهم يرجعون إلى الحق لغرض ما بأيديهم مما نزلوا إليه فكل نظر إلى الكون ممن كان فهو نزول وكل نظر إلى الحق ممن كان فهو عروج فافهم‏

[إن الله عين للرسل معارج يعرجون عليها]

ثم إن الله عين للرسل معارج يعرجون عليها ما هي معارج الملائكة وعين للاتباع أتباع الرسل معارج يعرجون عليها وهم أتباع الأتباع فإن الرسول تابع للملك والولي تابع للرسول ولهذا قيل للرسول ولا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ من قَبْلِ أَنْ يُقْضى‏ إِلَيْكَ وَحْيُهُ فهو مصغ تابع للملك ونحن مع الرسول بهذه المثابة فإذا نزل الملك بالوحي على الرسول وتلقا منه ألقاه الرسول على التابع وهو الصاحب فتلقاه منه فإذا عرج الملك عرج بذاته لأنه رجوع إلى أصله وإذا عرج الرسول ركب البراق فعرج به البراق بذاته وعرج الرسول لعروج البراق بحكم التبعية والحركة القسرية فكان محمولا في عروجه حمله من عروجه ذاتي فتميز عروج الرسول من عروج الملك ثم إنه لما وصل إلى المقام الذي لا يتعداه البراق وليس في قوته إن يتعداه تدلى إلى الرسول الرفرف فنزل عن البراق واستوى على الرفرف وصعد به الرفرف وفارقه جبريل فسأله الصحبة فقال إنه لا يطيق ذلك وقال له وما مِنَّا إِلَّا لَهُ مَقامٌ مَعْلُومٌ فلو أراد الحق صعوده فوق ذلك المقام لكان محمولا مثل ما حمل الرسول صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ولما وصل المعراج الرفرفي بالرسول صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إلى مقامه الذي لا يتعداه الرفرف زج به في النور زجة غمرة النور من جميع نواحيه وأخذه الحال فصار يتمايل فيه تمايل السراج إذا هب عليه نسيم رقيق يميله ولا يطفئه ولم ير معه أحدا يأنس به ولا يركن إليه وقد أعطته المعرفة أنه لا يصح الأنس إلا بالمناسب ولا مناسبة بين الله وعبده وإذا أضيفت المؤانسة فإنما ذلك على وجه خاص يرجع إلى الكون فأعطته صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم هذه المعرفة الوحشة لانفراده بنفسه وهذا مما يدلك أن الإسراء كان بجسمه صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم لأن الأرواح لا تتصف بالوحشة ولا الاستيحاش فلما علم الله منه ذلك وكيف لا يعلمه وهو الذي خلقه في نفسه وطلب عليه السلام الدنو بقوة المقام الذي هو فيه فنودي بصوت يشبه صوت أبي بكر تأنيسا له به إذ كان أنيسه في المعهود فحن لذلك وأنس به وتعجب من ذلك اللسان في ذلك الموطن وكيف جاءه من العلو وقد تركه بالأرض وقيل له في ذلك النداء يا محمد قف إن ربك يصلي فأخذه لهذا الخطاب انزعاج وتعجب كيف تنسب الصلاة إلى الله تعالى فتلا عليه في ذلك المقام هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ ومَلائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُمْ من الظُّلُماتِ إِلَى النُّورِ فعلم ما المراد بنسبة الصلاة إلى الله فسكن روعة مع كونه سبحانه لا يشغله‏

شأن عن شأن ولكن قد وصف نفسه بأنه لا يفعل أمرا حتى يفرغ من أمر آخر فقال سَنَفْرُغُ لَكُمْ أَيُّهَ الثَّقَلانِ فمن هذه الحقيقة قيل له قف إن ربك يصلي أي لا يجمع بين شغلين يريد بذلك العناية بمحمد صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم حيث يقيمه في مقام التفرغ له فهو تنبيه على العناية به والله أجل وأعلى في نفوس العارفين به من ذلك فإن الذي ينال الإنسان من المتفرغ إليه أعظم وأمكن من الذي يناله ممن ليس له حال التفرغ إليه لأن تلك الأمور تجذبه عنه فهذا في حال النبي عليه السلام وتشريفه فكان معه في هذا المقام بمنزلة ملك استدعى بعض عبيده ليقربه ويشرفه فلما دخل حضرته وقعد في منزلته طلب أن ينظر إلى الملك في الأمر الذي وجه إليه فيه فقيل له تربص قليلا فإن الملك في خلوته يعزل لك خلعة تشريف يخلعها عليك فما كان شغله عنه إلا به ولذلك فسر له صلاة الله بقوله تعالى هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ فشرف بأن قيل له إنما غاب عنك من أجلك وفي حقك فلما أدناه تدلى إليه فَأَوْحى‏ إِلى‏ عَبْدِهِ ما أَوْحى‏ ما كَذَبَ الْفُؤادُ ما رَأى‏ العين أي تجلى له في صورة علمه به فلذلك أنس بمشاهدة من علمه فكان شهود تأنيس في ذلك المقام فقد علمت مما أبنته لك معارج الرسل من معارج الملائكة صلوات الله على الجميع فلهذا المعراج خطاب خاص تعطيه خاصية هذا المعراج لا يكون إلا للرسل فلو عرج عليه الولي لأعطاه هذا المعراج بخاصيته ما عنده وخاصيته ما تنفرد به الرسالة فكان الولي إذا عرج به فيه يكون رسولا وقد أخبر رسول الله صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم أن باب الرسالة والنبوة قد أغلق فتبين لك أن هذا المعراج لا سبيل للولي إليه البتة أ لا ترى النبي صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم في هذا المعراج قد فرضت عليه وعلى أمته خمسون صلاة فهو معراج تشريع وليس للولي ذلك‏

فلما رجع إلى موسى عليه السلام قال له راجع ربك يخفف عن أمتك الحديث‏

إلى أن صارت خمسة بالفعل وبقيت خمسين في الأجر والمنزلة عند الله والحديث صحيح في ذلك وفيه طول‏

[أن معارج الأولياء بالهمم‏]

واعلم أن معارج الأولياء بالهمم وشاركهم الأنبياء في هذا المعراج من كونهم أولياء لا من كونهم أنبياء ولا رسلا فيعرج الولي بهمته وبصيرته على براق عمله ورفرف صدقه معراجا معنويا يناله فيه ما يعطيه خواص الهمم من مراتب الولاية والتشريف فهي ثلاثة معارج متجاورة مختلفة والمعراج الرابع معراج توجهات الأسماء عليهم فتفيض الأسماء الإلهية أنوارها على معارج الملائكة ولكن من أنوار التكاليف والشرائع التي هي الأعمال المقربة إلى السعادة خاصة هذا الذي أريده في هذا الموضع للفرقان بين المعارج فتسطع معارج الملك بذلك النور فينصبغ به الملك كما تنصبغ الحرباء بالمحل الذي تكون فيه ثم يفيض الملك على الرسول أي على معراجه فينصبغ به الرسول في باطنه من حيث روحانيته وهوقوله عليه السلام فاعى ما يقول‏

ثم يفيضه الرسول على أتباعه متنوعا خلاف ما أعطاه الملك فإن الملك إنما يخاطب واحدا والرسول يخاطب الأمة والأمة تختلف أحوالها فلا بد للرسول أن يقسم ذلك الوحي على قدر اختلاف الأمة فإنه رزق مقسوم فيتعين لكل ولي قسطه من ذلك الوحي لنفسه ثم يأخذ منه مما لا يقتضيه حاله ليوصله إلى التابع بعده الذي لم يحضر ذلك المجلس وهكذا إلى يوم القيامة وهم الورثة في التبليغ فيعمل على حاله خاصة ويبلغ ما لا يقتضيه حاله فقد تقتضي حاله تحليل ما حرمه على غيره فيكون مضطرا إلى الغذاء في وقت تحريم أكل الميتة على غير المضطر وهو في تلك الحال من التبليغ يأكل الميتة على شهود من المبلغ إليه فيقول له كيف تحرم على تناول ما تناولته أنت فيقول له لأن الحال مختلف فإن حالة

الاضطرار لم تحرم عليها الميتة وحالة غير الاضطرار حرمت عليها الميتة فيبلغ ما لا يقتضيه حاله ولا يعمل إلا بما يقتضيه حاله ثم لتعلم إذا رقيت الأولياء في معارج الهمم فغاية وصولها إلى الأسماء الإلهية فإن الأسماء الإلهية تطلبها فإذا وصلت إليها في معارجها أفاضت عليها من العلوم وأنوارها على قدر الاستعداد الذي جاءت به فلا تقبل منها إلا على قدر استعدادها ولا تفتقر في ذلك إلى ملك ولا رسول فإنها ليست علوم تشريع وإنما هي أنوار فهوم فيما أتى به هذا الرسول في وحيه أو في الكتاب الذي نزل عليه أو الصحيفة لا غير وسواء علم ذلك الكتاب أو لم يعلمه ولا سمع بما فيه من التفاصيل ولكن لا يخرج علم هذا الولي عن الذي جاء ذلك الرسول به من الوحي عن الله وكتابه وصحيفته لا بد من ذلك لكل ولي صديق برسوله إلا هذه الأمة فإن لهم من حيث صديقيتهم بكل رسول ونبي العلم والفتح والفيض الإلهي بكل ما يقتضيه وحي كل نبي وصفته وكتابه وصحيفته وبهذا فضلت على كل أمة من الأولياء

فلا يتعدى كشف الولي في العلوم الإلهية فوق ما يعطيه كتاب نبيه ووحيه قال الجنيد في هذا المقام علمنا هذا مقيد بالكتاب والسنة وقال الآخر كل فتح لا يشهد له الكتاب والسنة فليس بشي‏ء فلا يفتح لولي قط إلا في الفهم في الكتاب العزيز فلهذا قال ما فَرَّطْنا في الْكِتابِ من شَيْ‏ءٍ وقال في ألواح موسى وكَتَبْنا لَهُ في الْأَلْواحِ من كُلِّ شَيْ‏ءٍ مَوْعِظَةً وتَفْصِيلًا لِكُلِّ شَيْ‏ءٍ فلا يخرج علم الولي جملة واحدة عن الكتاب والسنة فإن خرج أحد عن ذلك فليس بعلم ولا علم ولاية معا بل إذا حققته وجدته جهلا والجهل عدم والعلم وجود محقق فالولي لا يأمر أبدا بعلم فيه تشريع ناسخ لشرعه ولكن قد يلهم لترتيب صورة لا عين لها في الشرع من حيث مجموعها ولكن من حيث تفصيل كل جزء منها وجدته أمرا مشروعا فهو تركيب أمور مشروعة أضاف بعضها إلى بعض هذا الولي أو أضيفت له بطريق الإلقاء أو اللقاء أو الكتابة فظهر بصورة لم تظهر في الشرع بجمعيتها فهذا القدر له من التشريع وما خرج بهذا الفعل من الشرع المكلف به فإن الشارع قد شرع له إنه يشرع مثل هذا فما شرع إلا عن أمر الشارع فما خرج عن أمره فمثل هذا قد يؤمر به الولي من هناك وأما خلاف هذا فلا فإن قلت وأين جعل الله للولي العالم ذلك بلسان الشرع قلنا

قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم من سن سنة حسنة كان له أجرها وأجر من عمل بها إلى يوم القيامة لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا

فقد سن له أن يسن ولكن مما لا يخالف فيه شرعا مشروعا ليحل به ما حرم أو يحرم به ما حلل فهذا حظ الولي من النبوة إذا سن من هنالك وهو جزء من أجزاء النبوة كما هي المبشرات من أجزاء النبوة وكثير من الأشياء على ذلك فالأسماء الإلهية لها على كل معراج ظهور ولهذا تخبر كل طائفة ممن ذكرنا عن ربها في أوقات بغير واسطة وهو قوله عليه السلام لي وقت لا يسعني فيه غير ربي وهذا المقام لكل شخص من الخلق أ لم يقل إن كل مصل يناجي ربه فأين الوسائط في هذا المقام وكذلك في الدار الآخرة في الموقف‏

قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم ما منكم من أحد إلا سيكلمه الله كفاحا ليس بينه وبينه ترجمان‏

وكذا هو الآن غير أن في القيامة يعرف كل أحد أن ربه يكلمه وفي الدنيا لا يعرف ذلك إلا العلماء بالله أصحاب العلامات فيعرفون كلام الله إياهم فسبحان من خلقنا أطوارا وجعل لنا على علم الغيب والشهادة دليلا ليلا ونهارا فمحا آية الليل لدلالتها على الغيب وجعل آية النهار مبصرة لدلالتها على عالم الشهادة فمنا من كلم ربه غيبا وهو التجلي المشبه بالقمر ليلة البدر فذلك الإبدار صفتك أي إذا كملت حينئذ كلمك الحق في تجلى القمر بدرا لأنه بذاته مع كل موجود ومنا من كلمه ربه شهادة وهو التجلي المشبه بالشمس ليس دونها سحاب قال العارف‏

يا مؤنسي بالليل إذ هجع الورى *** ومحدثي من بينهم بنهار

وبعد أن بانت لك المعارج والمدارج وظهرت لك المراتب ومن لها من العالم وامتازت كل طائفة من غيرها بمعراجها فقد نجز بعض الغرض من هذا الباب فلنذكر أمهات ما يحوي عليه من العلوم فإنه منزل شريف وهو يحوي على نحو من سبعين علما أو يزيد على ذلك فلنذكر منها الأمهات التي لا بد منها وفي ضمنها يندرج ما بقي فمنها علم السؤال فإنه ما كل أحد يعلم كيف يسأل فقد يكون للسائل في نفسه أمر ما ولا يحسن يسأل عنه فإذا سأل أفسده بسؤاله ووقع له الجواب على غير ما في نفسه ويتخيل أن المجيب ما فهم عنه والعيب إنما كان من السائل حيث لم يفهم المسئول صورة ما في نفسه ويتصور هذا كثير في الدعاوي عند الحكام وتحريرها

قال صَلَّى اللهُ عَليهِ وسَلَّم إنكم تختصمون إلي ولعل أحدكم يكون ألحن بحجته من الآخر

ومعناه أكثر إصابة ومطابقة لما في نفسه عند دعواه ممن لا يحسن ذلك فهو علم مستقل في كل ما يسأل عنه أو يدعى فيه وله شروط معلومة مذكورة وفيه علم القدر القضاء والحكم وفيه علم مقامات الأملاك عمار الأفلاك منهم وغير عمارها وعلم المقادير وعلم الزمان وعلم أحوال الناس في القيامة وعلم النور وعلم الجسر الذي يكون عليه الناس إذا تبدل الأرض وهو دون الظلمة وعلم الظلمة وعلم طبقات جهنم وتفاصيلها وأحوال الخلق فيها وعلم الإنسان وما جبل عليه وهل ينتقل عما جبل عليه أم يستحيل ذلك وعلم الديمومية وعلم محادثة الحق وعلم أداء الحقوق وعلم المحاضرة وعلم الخوف وعلم الحفظ الإلهي وعلم مجاوزة الحدود وما يتجاوز منها وما لا يتجاوز وهل لكل حد مطلع أم لا وعلم مراعاة الأمور إذا تعرضت للإنسان في طريق سلوكه إلى ربه وعلم‏



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!