The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل صدر الزمان وهو الفلك الرابع من الحضرة المحمدية

عظيم الفائدة للعارفين‏

[عدم التمكن العارف أن يسأل من الحق تعالى‏]

واعلم أن العارف في هذا المنزل لا يتمكن له أن يسأل الحق في أمر إلا من الوجه الأخص لا من الوجه الأعم ولا يصح له سؤال الحق في أمر هو فيه لأنه شغل عما يستحقه ذلك الأمر من الأدب فإذا وفاه حقه حسا كان مما يتعلق بالعبادات البدنية أو معنى كان مما يتعلق بالعبادات القلبية وأراد الحق أن ينقله من تلك العبادة لم يعرف العارف مراد الحق فيه لأي مرتبة ينقله هل ينقله إلى واجب آخر أو مندوب أو مباح أو مكروه أو محظور فيبقى واقفا بين المقام الذي فرغ منه وبين الأمر الذي إليه في علم الله ينتقل فعند ذلك يأتيه رسول من الله مظهر في سره يقول له إن الله قد أمرك أن تتضرع إليه وترغبه وتسأله في هذا الأمر الذي ينقلك إليه إن كانت بقيت لك حياة فليكن من الواجبات وهو المراد فإن لم يكن فمن المندوبات فإن لم تسبق العناية بالإجابة فمن المباحات فإن لم يكن ورأيت لوائح تبرق إليك من خلف حجاب الخذلان وتعلم أنك تنتقل إلى محظور أو مكروه فاسأل من الله الحضور معه في ذلك الأمر الذي تنتقل إليه وأسأله أن يجعل فيك من الكراهة لذلك الأمر ولا يحول بينك وبين معرفتك بأنه شي‏ء يسوءك فعله وأن العلم الإلهي لا يتبدل فيك بوقوعه منك حتى أنه إذا وقع منك وأنت على هذه الحالة لم يبق حكم للمعصية فيك جملة وكان الحكم في ذلك للقدر فإذا توجهت العقوبة على من هذه حالته لما تطلبه المخالفة من وجه من وجوهها توجه العفو والغفور والرحيم وهم الأسماء التي تطلبها المخالفة ويعتضدون بالأسماء التي تطلبها الكراهة التي كانت فيك لذلك الفعل والايمان بالقدر السابق فيها ويد الله مع الجماعة فتكون الغلبة والحكم لهؤلاء الأسماء التي تعطيه السعادة والخير مع وقوع المعصية وتكون معصيته بحضوره فيها مع الله حية ذات روح إلهي يستغفر له إلى يوم القيامة ويبدل الله سيئها حسنا كما بدل عقوبتها مثوبة والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب الحادي والتسعون ومائتان في معرفة منزل صدر الزمان وهو الفلك الرابع من الحضرة المحمدية»

أقسمت بالدهر أن الدهر ليس له *** عين ولكنه للعقل معقول‏

فإن حلفت به فاحلف على عدم *** لا في وجود فإن الحنث تعطيل‏

واعلم بأن الذي لا أم تؤنسه *** ولا أب هو في الأحكام مبتول‏

إلا الذي رقيت فيه معارفه *** وكان عنه فذاك الشخص مقبول‏

كما الذي تاه في بحر وليس له *** هاد فذلك بالأهواء معلول‏

وإن نقلت إلى فقر بغير غنى *** فإنكم لدليل العقل مدلول‏

[إن الإنسان على صورة الإلهية]

اعلم وفق الله الولي الحميم أن لكل شي‏ء صدرا ومعرفته في هذا الطريق من أرفع العلوم والمعارف إذ كان العالم وكل جنس على صورة الإنسان وهو آخر موجود وكان الإنسان وحده على الصورة الإلهية في ظاهره وباطنه وقد جعل الله له صدرا فما بين الحق والإنسان الذي له الآخرية وللحق الأولية صدور لا يعلم عددها إلا الله فلنعين منها بعض ما يصل إليه فهمك وما يمكن أن يقبله عقلك ونسكت عما لا يصل إليه فهمك ولا يقبله عقلك فلنبتدئ أولا بالأعلى وننزل إلى آخر درجة فنقول إن الصدر في الرتبة الثانية من كل صورة سواء كانت الصورة جنسية أو نوعية أو شخصية فصدر الواجبات الحياة الأزلية المنعوت بها الحق عز وجل وصدر الأسماء المؤثرة العالم وصدر صفات التنزيه نفي المثلية وصدر الأينيات العماء الذي ما فوقه هواء وما تحته هواء وصدر الوجود الممكنات وصدر الموجودات العقل الأول وصدر الدهر ما بين الأزل والأبد وصدر الزمان زمان قبول الهيولى للصورة وصدر الطبيعة كيفية الجسم الأول وصدر الكيفيات تعلق القدرة بالإيجاد وصدر الكميات تقسيم المعاني وصدر الأفلاك الكرسي وصدر العناصر الماء وصدر الليل مغيب الشفق الأحمر وصدر النهار إشراق الشمس لا شروقها وصدر المولدات الحيوان وصدر الإنسان معروف وصدر الأمة زمان إدريس وصدر هذه الأمة القرن الأول وصدر الدنيا وجود آدم وصدر الأيام يوم الإثنين وصدر الآخرة البعث وصدر البرزخ النوم وصدر النار الموبق وصدر الجنة النزول في المنازل منها وصدر العذاب والنعيم رؤية أسبابهما وصدر الدين فلان رسول الله‏

[أن لكل صدر قلبا]

واعلم أن لكل صدر قلبا فما دام القلب في الصدر فهو أعمى لأن الصدر حجاب عليه فإذا أراد الله أن يجعله‏

بصيرا خرج عن صدره فرأى فالأسباب صدور الموجودات والموجودات كالقلوب فما دام الموجود ناظرا إلى السبب الذي صدر عنه كان أعمى عن شهود الله الذي أوجده فإذا أراد الله أن يجعله بصيرا ترك النظر إلى السبب الذي أوجده الله عنده ونظر من الوجه الخاص الذي من ربه إليه في إيجاده جعله الله بصيرا فالأسباب كلها ظلمات على عيون المسببات وفيها هلك من هلك من الناس فالعارفون يثبتونها ولا يشهدونها ويعطونها حقها ولا يعبدونها وما سوى العارفين يعاملونها بالعكس يعبدونها ولا يعطون حقها بل يغصبونها فيما تستحقه من العبودية التي هي حقها ويشهدونها ولا يثبتونها فما تسمع أحدا من الناس إلا وهو يقول ما ثم إلا الله وينفي الأسباب فإذا أخذته بقوله أو نزلت به نازلة شاهد السبب وعمي عمن أثبته وكفر به وآمن بما نفاه فإذا اتفق لبعض الناس أن تلك النازلة ما ارتفعت بهذا السبب الذي استند إليه وانقطعت به الأسباب حينئذ يكفر بها ويرجع إلى الله خالق الأسباب فلم يدر بما ذا كفر ولا بما به آمن ولم يدر ما معنى السبب ولا غيره إذ لو علم إن السبب لا يصح إلا أن يكون عنه المسبب لعلم أن السبب الذي استند إليه في رفعه لهذه النازلة لم يكن سببها بوجه من الوجوه إذ لو كان سببها لرفعها وإنما كان ذلك السبب في منعه رفع النازلة سببا في رجوعه إلى الله في رفعها فلم يزل في المعنى تحت تأثير الأسباب فإن الأسباب محال رفعها وكيف يرفع العبد ما أثبته الله ليس له ذلك ولكن الجهل عم الناس فأعماهم وحيرهم وما هداهم والله يَهْدِي من يَشاءُ إِلى‏ صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ بالروح الموحى من أمر الله ف يَهْدِي به من يَشاءُ من عِبادِهِ فقد أثبت الهداية بالروح وهذا وضع السبب في العالم فالوقوف عند الأسباب لا ينافي الاعتماد على الله ولهذا جعل سبحانه الأسباب مسببات لأسباب غيرها من الأدنى حتى ينتهي فيها إلى الله سبحانه فهو السبب الأول لا عن سبب كان به نعم سبب الكون المرتبة لا الذات وسبب المرتبة الكون فسبب الكون في الإيجاد المرتبة وسبب المرتبة في المعرفة الكون فافهم‏

[كلما أضاء النهار للحركة وقعت الولادة للأشياء]

فلما أضاء النهار للحركة وقعت الولادة للأشياء بها بها فطهرت الأعيان في عالم الحس غالبا وهبت الرياح في البحار فتلاطمت الأمواج وجرت السفن ورمت البحار ما فيها لتلاطم الأمواج ولما أظلم الليل للسكون سكنت الرياح وسكنت الأمواج وأمسك البحر ما فيه غالبا وظهرت الولادة في البرزخ فكانت الأحلام ورؤيا المبشرات والمفزعات كالصورة القبيحة والجميلة في صور المولدات في الحس من الأفعال والنشآت وأغلب وقوع هذا في صدر الليل وفي صدر النهار لأن الرياح لا نهب إلا بعد طلوع الشمس حينئذ تكون الرياح كما إن رياح النصر لا تهب إلا في صدر العشي وهو بعد الزوال ولهذا يستحب فيه القتال ولما كان الليل محلا للسكون والمسامرة ولا يبيت شخص إلا مع من يحبه ويسكن إليه غالبا ولا يسامر إلا من يأنس به لذلك كان الليل أصل المودة والرحمة حتى إن الذين تعذبهم الملوك لا تعذبهم إلا بالنهار غالبا وأما الليل فلا لأن المعذب يتعذب بالليل إذا عذب للسهر وعدم النوم والذي يلحقه فالليل زمان السكون والراحة والمعذب لا يريد أن يعذب نفسه فيترك العذاب إلى النهار الذي هو محل الحركة فأصل الود والمحبة موجود من الليل وضده موجود بالنهار ثم إن الغيبة أعني غيبة المحبوب عن المحب غيبة تعليم وتأديب لما تعطيه المحبة فإن المحب إذا كان صادقا في دعواه وابتلاه الله بغيبة محبوبه ظهرت منه الحركة الشوقية إلى مشاهدته فيصدق دعواه في محبته فيعظم منزلته وتتضاعف جائزته من التنعيم بمحبوبه فإن اللذة التي يجدها عند اللقاء أعظم من لذة الاستصحاب كحلاوة ورود الأمن على الخائف لا يقوي قوتها حلاوة الأمن المستصحب فهو يزيد به تضاعف النعيم ولهذا أهل الجنة في نعيم متجدد مع الأنفاس في جميع حواسهم ومعانيهم وتجليهم فهم في طرب دائمون فلهذا نعيمهم أعظم النعيم لتوقع الفراق وتوهم عدم المصاحبة ولجهل الإنسان بهذه المرتبة يطلب الاستصحاب والعالم يطلب استصحاب تجديد النعيم والفرق بين النعيمين حتى يقع الالتذاذ بنعيم جديد كما هو في نفس الأمر وإن لم يعرفه كل إنسان ولا شاهدته كل عين ولا عقل فهو متجدد مع الآنات في نفس الأمر وللجهل القائم بهذا الشخص لعدم مشاهدته التجديد في النعيم يقع الملل فلو ارتفع عنه هذا الجهل ارتفع الملل من العالم فالملل أقوى دليل على جهل الإنسان بالله في حفظ وجوده عليه وتجديد آلائه مع الأنفاس فالله يحققنا بالكشف الأتم والمشهد الأعم فما أشرف عين اليقين وما أسعد صاحب مشاهدة الأمور على ما هي عليه ولكن راعى‏

الله سبحانه بهذا الجهل أصحاب الهموم فهو رحمة في حقهم فإنهم لو شاهدوا تحديدا لهم في كل زمان فرد لم يزل عذابه كبيرا عندهم وآلامه متضاعفة فلما حيل بينهم وبين هذه المشاهدة وتخيلوا أن الهم الأول هو الذي استصحبهم لم يقم عندهم مقام فجأته في الفعل وهان عليهم حمله للاستصحاب الذي تخيلوه رحمة من الله بهم وتخفيفا عنهم إلا في جهنم فإن أهلها مع الأنفاس يشاهدون تجديد العذاب وكلامنا إنما هو في هذه الدار الدنيا محل الحجاب إلا للعارفين فإن لهم مقام الآخرة في الدنيا فلهم الكشف والمشاهدة وهما أمران يعطيهما عين اليقين وهو أتم مدارك العلم فالعلم الحاصل عن العين له أعظم اللذات في المعلومات المستلذة فهم في الآخرة حكما وفي الدنيا حسا وهم في الآخرة مكانة وفي الدنيا مكانا ثم يتصل لهم ذلك بالآخرة من القبر إلى الجنة وما بينهما من منازل الآخرة وهو قوله تعالى لَهُمُ الْبُشْرى‏ في الْحَياةِ الدُّنْيا وهي ما هم فيه من مشاهدة ما ذكرناه وفي الْآخِرَةِ من القبر إلى الجنة فهو نعيم متصل فهذا نعيم العارفين وليس لغيرهم هذا النعيم الدائم ثم إن الحق سبحانه وتعالى في هذا المنزل أمر عبده المعتنى به أن يكون مع خلقه كما كان الحق معه في مثل هذا المشهد وكل ما يؤدي إلى سعادتهم وذلك بالنصيحة والتبليغ ليس بيده من الأمر غير هذا فللعارف إيضاح هذا الطريق الموصل إلى هذا المقام والإفصاح عنه وليس بيده إعطاء هذا المقام فإن ذلك خاص بالله تعالى قال تعالى يا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ فلما بلغ قيل له فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ لَيْسَ عَلَيْكَ هُداهُمْ إِنَّكَ لا تَهْدِي من أَحْبَبْتَ ولكِنَّ الله يَهْدِي من يَشاءُ وما أحسن قوله في الحقائق وهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ فإن العلم أنما يتعلق بالمعلوم على ما هو المعلوم عليه وقال لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ فوظيفة الرسل والورثة من العلماء إنما هي التبليغ بالبيان والإفصاح لا غير ذلك وجزاهم جزاء من أعطى ووهب والدال على الخير كفاعل الخير فإن الدلالة على الخير من الخير فيتضمن هذا المنزل من علم الاستناد والمستند إليه أعظم الاستنادات وهو الاستناد الإلهي وهو استناد الأسماء الإلهية إلى محال وجود آثارها لتعيين مراتبها واستناد المحال إلى الأسماء الإلهية لظهور أعيانها فهذا أعلى الاستنادات وأعلى المستندات إليها وقد رمينا بك على الطريق فأدرج عليه نازلا وصاعدا ومن هنا يعرف ما تخبط فيه الناس من تفضيل الفقر على الغني والغني على الفقر والخوض في هذه المسألة من الفضول الذي في العالم والجهل القائم به فإن الحالات تختلف والمنازل تختلف وكل حالة كمالها في وجود عينها فالله يقول أَعْطى‏ كُلَّ شَيْ‏ءٍ خَلْقَهُ فما تركت هذه الآية لأحد طريقا إلى الخوض في الفضول لمن فهمها وتحقق بها غير إن الفضول أيضا من خلق الله فقد أعطى الله الفضول خلقه ثُمَّ هَدى‏ أي بين أن من قام به الفضول فهو المعبر عنه بالمشتغل بما لا يعنيه وجهله بالأمر الذي يعنيه والفقر في عينه كامل الخلق لا قدم له في الغني والغني في حاله كامل الخلق لا قدم له في الفقر ولو تداخلت الأمور لكان الفقر عين الغني والغني عين الفقر إذ كان كل واحد منهما من مقومات صاحبه والضد لا يكون عين الضد وإن اجتمعا في أمر ما فلا يجتمع الغني والفقر أبدا فليس للفقر منزلة عند الله في وجوده وليس للغني منزلة عند العبد في وجوده فكما لا يقال الله أفضل من الخلق أو الخلق كذلك لا يقال الغني أفضل من الفقر أو الفقر أفضل من الغني فالفقر صفة الخلق والغني صفة الحق والمفاضلة لا تصح إلا فيمن يجمعهما جنس واحد ولا جامع بين الحق والخلق فلا مفاضلة بين الغني والفقر قال تعالى في الغني فَإِنَّ الله غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ وقال في الفقر يا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى الله والله هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ فمن قال بعد علمه بهذا الغني أفضل من الفقر أم الفقر أفضل كمن قال من أفضل الله أم الخلق وكفى بهذا جهلا من قائله وأما الذي بأيدي الناس الذي يسمونه غني فكيف يكون غني وأنت فقير إليه غير مستغن في غناك عن غناك فغناك عين فقرك وهذا على الحقيقة لا يسمى غنى فكيف تقع المفاضلة ما بين ما

له وجود حقيقي وهو الفقر وبين ما ليس له وجود حقيقي وهو غناك وإذا سمي الإنسان غنيا فهو عبارة عن وجود السبب المؤثر عنده فيما له فيه غرض في الوقت فيكون بذلك السبب غنيا فيما يفتقر إليه لوجوده به فهو الفقير الذاتي في غناه العرضي وإذا لم يكن عنده وجود السبب المؤثر فيما افتقر إليه سمي فقيرا من غير غنى فالفقر له في الحالين معا لأن ذاته له في الحالين معا والأمر إذا كان على هذا فطلب المفاضلة جهل بين الوصف الحقيقي والإضافي العرضي ومما يتضمنه هذا المنزل ما يلزم العالم والمتعلم والسائل والمسئول فلنبين من ذلك طرفا لمسيس الحاجة إليه فإنه‏



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!