The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل التجلى الصمدانى وأسراره من الحضرة المحمدية

من الطوائف معهم فجزاؤهم الجلال والعظمة والهيبة وفي الدنيا الخوف والقبص والوحشة وفي الأحوال الاصطلام وفي المحبة الغليل والاشتياق والشوق والكمد والخشية والتحقق بذلك في كل موطن بحسب ذلك الموطن من الدوام وعدم الدوام إلا أنه في ظهور كونه لا يتخلله غفلة ولا فترة أصلا فإذا زال المقام زال الحال لزواله هذا جزاء من حفظ الأمانة ولم يظهرها إلا بأمر الله وجزاء من أظهرها بإذن الله الإقامة في جوار الله من اسمه الرب لا غيره من الأسماء ومعرفة العلوم التي تتعلق بمن هو تحت حيطته ودون منزلته لا بمن هو فوقه وإن هذه الحالة لهم دائمة والمقام لهم دائم في الدنيا والآخرة ولهم الجمال والأنس ومن الأحوال الرضاء ومن المحبة الوصلة والتعانق والالتذاذ بثم المحبوب وضمه ومن خصائص هذا المنزل إن صاحبه لا يبذل المجهود من نفسه في أعماله بل أعماله دون قوته وطاقته ويقبل الله منه ذلك فإنه ممن اتقى الله حَقَّ تُقاتِهِ ما هو ممن اتقى الله استطاعته وصاحب هذا المقام لا يتصور منه أن يطلب من الحق ما لم يعطه مما هو جائز أن يحصل له ويمنعه من ذلك الحياء من الله حيث لم يبذل المجهود من نفسه فيما كلفه من الأعمال على جهة الندب فهو قانع بما أعطاه ربه ولا يجد حسرة فوت لما فإنه مع علمه بما فاته لأن حاله الالتذاذ في ذلك الوقت بما هو فيه من النعيم وقد بينا أصول هذا المنزل والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب السابع والثمانون ومائتان في معرفة منزل التجلي الصمداني وأسراره من الحضرة المحمدية»

شخص الزمان له نفس تدبره *** غيدا معطرة من عالم الأمر

جيم وعين وفاء من منازلها *** جاءت به رسله في محكم الذكر

لها صلاتان من علم الغيوب وما *** للظهر والعصر ذاك الفخر والفجر

من أراد أن يقف على ما تضمنه هذا المنزل في التجلي الصمداني الذي هو خاص به من المعارف والحقائق والأسرار الضيائية وغيرها فليطالعه في باب القلب من كتاب مواقع النجوم لنا في علم هذا الطريق فلنذكر في هذا المنزل ما سوى ذلك مخافة التطويل‏

[إن الإنابة من منزل التجلي‏]

فاعلم إن لهذا المنزل الإنابة وممن تحقق بها أبو يزيد البسطامي وهي الجمعية الذاتية ولا تكون للعارف من الله إلا عن شهود محقق من خلف حجاب مظهر بشرى واعلم أن القوم قد اصطلحوا على ألفاظ لمعان قرروها في نفوسهم يخاطبون بها بعضهم بعضا كما فعلت كل طائفة فيما تنتحله من العلوم كالنحويين وأصحاب العدد والمهندسين والأطباء والمتكلمين والفقهاء وغيرهم فمما اصطلحت عليه هذه الطائفة الهوية والإنية والأنانية لأغراض في نفوسهم فهذا المنزل من ذلك منزل الأنانة فالإنية هي عبارة عن الحقيقة من حيث الأحدية والأنانية التي هنا عبارة عن الحقيقة الأحدية التي هي عين الجمع فهذا منزل من منازل الغيوب لا ظهور له في الشهادة لكن المنازل التي في الغيب على ضربين منازل يكون عنها آثار في الشهادة يستدل بتلك الآثار عليها وإن كانت غيبا سواء ورد بذلك التعريف الإلهي أو لم يرد من حيث الخطاب ومنازل لا يكون عنها في الشهادة أثر فلا تعرف إلا من طريق التعريف الإلهي ولا نتحقق تحقق منازل الآثار وهذه الأنانية من المنازل التي لها آثار في عالم الشهادة والملكوت وآثارها مختلفة وتتقيد باختلاف آثارها وإن كانت في نفسها مطلقة فتارة تتقيد باسم ضمير مثلها في الرتبة فتحتاج إلى تقييد آخر مثل قوله تعالى إنا أوحينا إليك فإنا والنون من أوحينا على مرتبة واحدة من حيث أحدية حقيقة الجمعية والتقييد لأنا الوحي والتقييد للنون من أوحينا ما يذكره بعده من قرآن أو روح أو غير ذلك وتارة لا يتقيد باسم ضمير مثل قولهم إنا بنى فلان وكما قيل‏

نحن بنى ضبة إذ جد الوهل *** الموت أحلى عندنا من العسل‏

وما وقفت على مثل هذا في القرآن فكنا نستشهد به وإنما استشهدت بهذا وإن لم يكن قرآنا فإنه من كلام العرب الذي نزل القرآن بلسانهم والذي تقيدت به في هذا المنزل الإنزال الإلهي لا التنزيل على العارفين من عباده إما بما أجراه في خلقه أو بما يجريه في خلقه وإنزاله على قسمين قسم يكون الإنزال على جهة التعريف بمكانة ما يجريه في خلقه أو ما أجراه‏

ومرتبته فيكون تنزله على قلب لعبد من الغيب في الغيب من عين واحد إلى عين واحد لا يقبل التفصيل والقسم الآخر يكون تنزله على قلب العبد وهو مشغول في تدبير هيكله وطبيعته لا يأخذه عن ذلك وذلك الإنزال من عين جمع إلى عين جمع ليفصل ما نزل عليه لخلقه مما أجراه لله أو يحكيه حكى لنا عن جماعة منهم أبو البدر عن شيخنا عبد القادر رحمه الله أنه قال إن السنة تأتيني إذا دخلت فتخبرني بما يكون فيها ويحدث وكذلك الشهر والجمعة واليوم وكذلك كان الشيخ أبو يعزى أبو النور ببلاد المغرب كان إذا دخل رمضان جاءه يعلمه بما قبل فيه من العمل وممن قبل ويقبل وإنما قيدته هنا في حق شيخنا أبي يعزى برمضان لأن صاحبنا أبا زيد الرقراقي الأصولي أخبرني بشهادة هذا في شهر رمضان إذ كان هذا المخبر عنده في ذلك الوقت فرأى رمضان قد جاءه مخبرا بما ذكرناه فلا تعرف منازل الأكوان عند الله من طريق التعريف الإلهي والعناية بهذا المقرب إلا بتعريف الله عباده في أسرارهم بما يلقيه فيها من نفث روح في روع مثل ما كانت الملائكة تنزل على الأنبياء عليهم السلام بذلك‏

[إن مراتب الخلق متفاضلة]

واعلم أن المراتب التي يكون الخلق عليها متفاضلة في كل جنس فالرسل يفضل بعضهم بعضا والأنبياء يفضل بعضهم بعضا والمحققون يفضل بعضهم بعضا والعارفون يفضل بعضهم بعضا وهكذا إلى أصحاب الصنائع العملية فهذا المنزل يفضل غيره في التجليات الإلهية المشبه رؤيتها برؤية القمر والشمس بألفي تجل وثمان تجليات منطوية مندرجة في الألفين المذكورين غير أن هذه الثمانية لها خصوص وصف يظهر في تجلى المقامات الذي هو مائة وستة وستون تجليا فعند ذلك يظهر سلطان هذه الثمانية من التجليات ويعطي من المعارف ما شاء الله أن يعطي وأما الألفان فهي تجليات سريعة الزوال مكثها قليل ولا تعطي علما عاما وأما المائة والستة والستون فتعطي من العلوم العامة السارية في الموجودات وبقائها وما يكون عنها وبسببها علما عاما مجردا خالصا ثابتا لا يتزلزل ولا يشتبه وإن كان حكمه ينتقل منه وفيه ولا يخرج عنه واختلف أصحابنا هل ثم تجل في هذه التجليات يتصف بالنقص من حيث الصورة التي يتجلى فيها إذا كانت صورة طبيعية والطبائع رباعية فيكون التجلي الناقص في الصورة الطبيعية في وقت في العنصر الناري فيكون غير كامل في نفسه ولكن يعطي بحسب ما يعطيه عنصره لا يزيد عليه فإذا كان في تجل آخر انضاف إلى تلك الصورة العنصر الثاني إلى أن يكمل العناصر في أربع تجليات فيقع التجلي في العنصر الرابع بكمال الصورة الطبيعية على صورة مكملة فيلحق بإخوانه من التجليات والأمر عندنا ليس كذلك ولا يصح أن يكون هناك تجل ينقص أو يزيد وإنما هذا الشخص القائل بهذا ظهرت له حالته في عين التجلي فتخيل أن النقص في التجلي وكان النقص فيه ثم اتفق أنه لما تجلى له التجلي الثاني رأى تلك الصورة التي كان عليها في نفسه قد زاد فيها ما لم يكن والنقص والزيادة فيه فحكم على التجلي بذلك‏

[أن الأرواح النورية المسخرة تنزل على قلوب العارفين‏]

واعلم أن الأرواح النورية المسخرة لا المدبرة تنزل على قلوب العارفين كما قلناه بالأوامر والشئون الإلهية والخيرات بحسب ما يريده الحق بهذا العبد فترقيه بما نزلت به إليه ترقية وتخليصا إلى الحجاب الأقرب من الحجب البعيدة إلى أن يتولاه الله بارتفاع الوسائط غير إن هذا القلب إذا فارقته التنزلات الروحية التي يشترك فيها أهل هذه الطريقة والحكماء العاملون على تصفية النفوس وتخليصها من كدر الطبع وقبل أن يتولى الحق أمره بارتفاع الوسائط يمكث معرى عن الأمرين مثل الوقفة بين المقامين ومثل النومة العامة بين الحس والخيال وهو مقام الحيرة لهذا القلب فإن الذي كان يأنس إليه ويأخذ عنه قد فقده والذي يأتي إليه ما رآه بعد فيبقى حائرا ولقد أخبرني صاحبي أبو إسحاق إبراهيم بن محمد الأنصاري القرطبي وفقه الله عن شيخنا أبي زكريا الحسنى ببجاية قال أخبرني غير واحد من أصحابه وممن حضر موته أن الشيخ خرج إلى الناس وكان في المسجد الجامع معتكفا في شهر رمضان وقد غير لباسه الذي كان عليه وقد ظهر فيه التغير فقال لهم ادعوا لي فإني قد فقدت الذي كان عندي ولم يكن بعد قد حصل له شي‏ء مما يأتي وحار في أمره فطلب من الناس الدعاء له فإنه لم يكن من أهل الأذواق الإلهية لغلبة الفقه عليه ما تخلص له الأمر ثم عاد إلى خلوته فأبطأ عليهم خروجه فدخلوا عليه فإذا هو مسجى قد فارق الدنيا فأشار إليهم بتغيير لباسه إن الذي كان يلبسه قد جرد عنه والحيرة والافتقار إلى دعاء الإخوان دلت على أنه ما كان الحق تولى أمره الذي أومأنا إليه ففرحت له بذلك لعل الله يكون قد تولاه قبل موته بلحظة فقبضه إليه وهو عنده وحال العارف في هذه الحيرة والوقفة التضرع‏

والابتهال إلى الله بالافتقار والخشوع المستعمل في إن يتجلى له حكم توليه إياه بارتفاع الوسائط من الوجه الخاص الذي بين كل موجود وبين ربه الذي لا يعرفه كل عارف ومن هذا المنزل يعرف ما ينزل الحق من المعارف على قلوب عباده بإنزال الأرواح إليها قال تعالى يُلْقِي الرُّوحَ من أَمْرِهِ عَلى‏ من يَشاءُ من عِبادِهِ ... أَنَّهُ لا إِلهَ إِلَّا أَنَا ولم يقل هو فكان الروح هو الملقي من عند الله إلى قلوب عباده ويكون أمر الله هو الذي ألقاه ويكون ذلك الروح صورة قوله لا إِلهَ إِلَّا أَنَا فَاتَّقُونِ فارتفعت الوساطة في هذا المنزل إذ كان عين الوحي المنزل هو عين الروح وكان الملقي هو الله لا غيره فهذا الروح ليس عين الملك وإنما هو عين المالكة فافهم فمثل هذا الروح لا تعرفه الملائكة لأنه ليس من جنسها فإنه روح غير محمول ليس نورانيا والملك روح في نور وهذا الذوق لنا ولسائر الأنبياء وأما الملائكة فقد يكونون ممن اختص بهم الرسل وهو قوله تعالى نَزَلَ به الرُّوحُ الْأَمِينُ عَلى‏ قَلْبِكَ فهو رسول الرسول وأما تنزل الأرواح الملكية على قلوب العباد فإنهم لا ينزلون إلا بأمر الله الرب وليس معنى ذلك أن الله يأمرهم من حضرة الخطاب بالإنزال وإنما يلقي إليهم ما لا يليق بمقامهم في صورة من ينزلون عليه بذلك فيعرفون إن الله قد أراد منهم الإنزال والنزول بما وجدوه في نفوسهم من الوحي الذي لا يليق بهم وأن ذلك الوحي من خصائص البشر ويشاهدون صورة المنزل عليه في الصور التي عندهم تسبيحها يا من أظهر الجميل وستر القبيح للستور التي تسدل وترفع فيعرفون من تلك الصور من هو صاحبها في الأرض فينزلون عليه ويلقون إليه ما ألقى إليهم فيعبر عن ذلك الملقي بالشرع والوحي فإن كان منسوبا إلى الله بحكم الصفة سمي قرآنا وفرقانا وتوراة وزبورا وإنجيلا وصحفا وإن كان منسوبا إلى الله بحكم الفعل لا بحكم الصفة سمي حديثا وخبرا ورأيا وسنة وقد ينزلون أيضا بالأمر الإلهي من حضرة الخطاب وكلا الوجهين من التنزل يتضمنه قول جبريل لمحمد صلى الله عليه وسلم لما قال له الحق أن يفر له لنبيه صلى الله عليه وسلم عن ربه ولهذا جعله من القرآن وهو حكاية الله عن جبريل وجبريل هو الذي نزل به وما أخرجه نزوله به والحكاية عنه عن إن يكون قرآنا فكان جبريل يحكي عن الله تعالى ما حكى الله تعالى عن جبريل أن لو قال لمحمد صلى الله عليه وسلم ذلك لقاله له على هذا الحد في عالم الشهادة وهو قوله وما نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ ما بَيْنَ أَيْدِينا وما خَلْفَنا وما بَيْنَ ذلِكَ وما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا فيما شاهده من قول جبريل لمحمد عليهما السلام وهم أعيان ثابتة في حال عدمهم وخطاباتهم أعيان ثابتة في حال عدمهم له فهو الإشارة إليه بقوله نَسِيًّا فكانت الحكاية أمرا محققا عن وجود لله محقق لا يتصف بالحدوث ثم حدث الوجود لتلك الأعيان فأخبرت بما كان منها قبل كونها مما شاهده الحق ولم تشهده لعدم وجودها في عينها روى عن الزهري أنه حدث عن شخص من الثقات حديثا أو حدث عنه فقال المحدث عنه لا أعلم هذا الحديث ولا أنا منه على يقين ولكن أنت عندي ثقة فرواه عنه عن نفسه وقال حدثني فلان عني وقال إني قلت له حدثني فلان واتصل الإسناد فتنبه لهذه المسألة في طريق الرواية ومما يتضمن هذا المنزل فضل العلم المستور على العلم المشهور والعلم المستور هو على ضربين ضرب منه لم يضمن في الشهادة صور كلمات وضرب ضمن صور كلمات فمثل العلم المضمن صور كلمات وهو مستور عن إن يتعلق به معرفة عارف على القطع إلا بأخبار إلهي فهو علم ما تشابه من القرآن الذي لا يعلم تَأْوِيلَهُ إِلَّا الله فهذا من العلوم المستورة ولكن لا يعرف من صور الكلمات في أي وجه هو مستور فيه والعلم الثاني المستور هو الذي لم يكن له صورة يحتجب بها من صور الكلمات وفضل مثل هذا العلم ومنزلته مجهولة يعلمها الله ومن أعلمه الله وقد يصادف الإنسان العمل بما يقتضيه ذلك العلم وهو لا يعرف ذلك حتى ينتقل إلى الدار الآخرة فيجد ثمرة عمله مرتبطة بمنزلة ذلك العلم المستور فيعلمه‏

عند ذلك ومما يتعلق بهذا الباب إنزال الهو منزلة الشاهد مع بقاء الهو في عينه منزها ولا يكون الهو ينزل أبدا إلا في صور مدركة بالحس إما في الحس وإما في الخيال ويسمى بالهو في حال ظهور الصورة ليعلم أن الهو روح تلك الصورة ومدلولها فيعلم إن تلك الصورة لا يعلم معناها إلا الله كما قال تعالى وعِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلَّا هُوَ ومن كان عند الهو كان بحيث الهو والهو غيب والذي يكون عنده غيب وإذا كان غيبا عند غيب فلا تعلمه الشهادة وإنما يعلمه الغيب فلا يعلم ما في الغيب إلا من هو غيب فمن حيث الصور ينسب إلى الغيب الظرفية فإذا ارتفعت الصور زال الغيب لأن الحجاب قد ارتفع فلا يتصف‏

بالغيب ولا بالشهادة لأن الشهادة لا تنفك عن الصور وقد قلنا لا صورة فقد قلنا لا شهادة والصورة تجعل ذلك الأمر غيبا وقد قلنا بزوال الصورة فقد رفعنا حكم الغيب عن ذلك الأمر فلا غيب ولا شهادة وفي هذا المنزل من العجائب والأسرار ما لو أظهرناه لتوقفت عقول أكثر علماء هذه الطريقة السليمة عن قبول مثلها ومن هذا المنزل يتلقى ملك الموت آجال الناس واختلف أهل الكشف في آجال الحيوان وفي آجال كل ما سوى الإنسان هل هذا المنزل منزل علمها أم لا وهل لما عدا الحيوان آجال أم لا

[إن الله تعالى جعل لكل صورة في العالم أجلا]

فاعلم إن الله تعالى جعل لكل صورة في العالم أجلا تنتهي إليه في الدنيا والآخرة إلا الأعيان القابلة للصور فإنه لا أجل لها بل لها منذ خلقها الله الدوام والبقاء قال تعالى كُلٌّ يَجْرِي إِلى‏ أَجَلٍ مُسَمًّى وقال ثُمَّ قَضى‏ أَجَلًا وأَجَلٌ مُسَمًّى عِنْدَهُ فجاء بكل وهي تقتضي الإحاطة والعموم وقد قلنا إن الأعيان القابلة للصور لا أجل لها فبما ذا خرجت من حكم كل قلنا ما خرجت وإنما الأجل الذي للعين إنما هو ارتباطها بصورة من الصور التي تقبلها فهي تنتهي في القبول لها إلى أجل مسمى وهو انقضاء زمان تلك الصورة فإذا وصل الأجل المعلوم عند الله في هذا الارتباط انعدمت الصورة وقبل العين صورة أخرى فقد جرت الأعيان إلى أجل مسمى في قبول صورة ما كما جرت الصورة إلى أجل مسمى في ثبوتها لتلك العين الذي كان محل ظهورها فقد عم الكل الأجل المسمى فقد قدر الله لكل شي‏ء أجلا في أمر ما ينتهي إليه ثم ينتقل إلى حالة أخرى يجري فيها أيضا إلى أجل مسمى فإن الله خلاق على الدوام مع الأنفاس فمن الأشياء ما يكون مدة بقائه زمان وجوده وينتهي إلى أجله في الزمان الثاني من زمان وجوده وهي أقصر مدة في العالم وفعل الله ذلك ليصح الافتقار مع الأنفاس من الأعيان إلى الله تعالى فلو بقيت زمانين فصاعدا لاتصفت بالغنى عن الله في تلك المدة وهذه مسألة لا يقول بها أحد إلا أهل الكشف المحقق منا والأشاعرة من المتكلمين وموضع الإجماع من الكل في هذه المسألة التي لا يقدرون على إنكارها الحركة إلا طائفتين من يجعل الحركة نسبة لا وجود لها وهو الباقلاني من المتكلمين وأصحاب الكمون والظهور القائلون به وإن قال القائلون بالكمون والظهور بذلك فإنهم تحت حيطة كل بهذا المذهب فإنه قد جرى في كمونه إلى أجل مسمى وهو زمان ظهوره فقد انقضت مدة كمونه وجرى في ظهوره إلى أجل مسمى وهو زمان كمونه فقد انقضت مدة ظهوره ولا يلزم من جريانهم إلى الأجل أن المراد عدمهم بل يجوز أن يكون له العدم ويجوز أن يكون الانتقال مع بقاء العين الموصوفة بالجري ويجوز أن يكون منه أجل يعدمه ومنه ما يكون له أجل بانتقاله يعدمه وهو الذي نذهب إليه ونقول به‏

[إن لله أرواحا من الملائكة ما لا يدري مقداره‏]

واعلم أن لله في هذا المنزل أرواحا من الملائكة بأيديهم من الخيرات والنعيم الدائم ما لا يدري مقداره إلا الله تعالى قد وكلهم الله على ذلك وجعلهم حفظة عليه وخزانا لأصحابه من الأناسي يؤدون ذلك إليه في الوقت الذي قد قرر لهم الحق ذلك وعينه لهم بالحال التي ينتقل ذلك العبد السعيد إليها وكذلك له ملائكة خزنة بالنقيض أيضا معدة لإنسان آخر يؤدون ذلك إليه في الوقت الذي قرره الحق لهم بالحال التي ينتقل إليها ذلك العبد الشقي كل ذلك بتقدير العزيز العليم‏

[خلق الملائكة من تكلم العبد]

واعلم أنه ما من كلمة يتكلم بها العبد إلا ويخلق الله من تلك الكلمة ملكا فإن كانت خيرا كان ملك رحمة وإن كانت شرا كان ملك نقمة فإن تاب إلى الله وتلفظ بتوبته خلق الله من تلك اللفظة ملك رحمة وخلع من المعنى الذي دل عليه ذلك اللفظ بالتوبة الذي قام يقلب التائب على ذلك الملك الذي كان خلقه من كلمة الشر خلعة رحمة وواخى بينه وبين الملك الذي خلقه من كلمة التوبة وهو قوله تبت إلى الله فإن كانت التوبة عامة خلع على كل ملك نقمة كان مخلوقا لذلك العبد من كلمات شره خلع رحمة وجعل مصاحبا لملك المخلوق من لفظة توبته فإنه إذا قال العبد تبت إليك من كل شي‏ء لا يرضيك كان في هذا اللفظ من الخير جمعية كل شي‏ء من الشر فخلق من هذا اللفظ ملائكة كثيرة بعدد كلمات الشر التي كانت منه فإن الإنسان أعطى لفظا يدل على الإفراد وأعطى لفظا يدل على الاثنين وأعطى لفظا يدل على الكثرة فلفظة كل تدل على الكثرة فعلم إن قوله تبت إلى الله من كل شي‏ء إنه تبت إلى الله من كذا تبت إلى الله من كذا تبت إلى الله من كذا كما تقول زيدون تريد بذلك زيد وزيد وزيد هذا أقله إلى ما لا يتناهى كثرة وكذلك لفظة زيود في جمع التكسير فلهذا خلق الله من كلمة الجمع ملائكة بعدد ما تعمه تلك الكلمة وإنما قلنا بأن الملائكة المخلوقة من كلمة الشر يخلع عليها خلع الخير وترجع ملائكة رحمة في حق هذا التائب ويصاحب بينها وبين الملائكة



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!