The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى معرفة منزل المجارات الشريفة وأسرارها من الحضرة المحمدية

البينة وليس كذلك فإن العلامة إذا لم تكن بينة وهو التحقق بها وبها يقطع النبيون والأولياء فيما يرد عليهم من الله ولقد أخبرني أبو البدر التماشكي البغدادي وهو من الفقراء الصادقين من أنظفهم ثوبا وأحسنهم عبارة قال لي جمع بيني وبين الشيخ رغيب الرحبي مجلس وكان من العارفين غير أنه لم يبلغ فيما نقل إلينا مبلغ العارفين المكملين في شغلهم أنه قال له عن رجل الوقت إنه رأى خلعة قد خرجت له من الحضرة وقد أعطى علامة في ذلك الرجل وإلى الآن فما رآه لأنه لم ير تلك العلامة فقال له أبو البدر رضي الله عن جميعهم يا شيخ أ لم تر بعد ذلك رجالا كثيرة فقال له نعم قال وكانوا من الأكابر قال نعم ولكن ما رأيت تلك العلامة في واحد منهم فقال له أبو البدر وما يدريك أن واحدا من أولئك الرجال الذين رأيتهم كان هو المقصود بتلك الخلعة وتغرب عليك حتى لا تعرفه فقال له رغيب قد يكون ذلك فهذا صاحب علامة ولكن ما هو على بينة في علامته فإن العلامة إنما هي في الباطن لا تزول عنه وهو الذي يكون بها على بينة من ربه في نفسه فإذا جعلت له العلامة في غيره كان ذلك الغير حاكما لها إن شاء ظهر له فيها وإن شاء لم يظهر فلذلك قال رغيب ما قال في العلامة ولم يبين من كان محل العلامة هل هو أو ذلك الرجل فلما أقر

بوقوع ما قال له أبو البدر في الدخول عليه في علامته علمنا قطعا إذا صدقنا رغيبا في دعواه أن العلامة كانت في غيره فإنه ما هو عَلى‏ بَيِّنَةٍ من رَبِّهِ فعلامته فيه ما يكون في غيره فلذلك قد يمكن أن يصح ما قال أبو البدر أن يكون الرجل قد دخل عليه فيمن رأى من الرجال وتغرب عليه فاعتراض أبي البدر على هذا العارف اعتراض صحيح محرر في الطريق وإقرار رغيب في ذلك إقرار صادق يدل على صدق دعواه إلا أنه قد يكون هذا الشيخ ممن ليس على بينة وقد يكون من أهل البينة إذ لم يقع في دعواه لفظ البينة وعدل إلى العلامة التي يدخلها الاشتراك وأما الشيخ أبو السعود ابن الشبل شيخ أبي البدر المذكور فالموصوف من أحواله أنه كان على بينة من ربه إلا أنه كان أعقل أهل زمانه ولو لا ما حكى عنه أبو البدر المذكور أنه انتهر شخصا في ذكر عبد القادر بغيظ لا بسكون وهدو وعرفه إنه يعرف عبد القادر كيف كان حاله في أهله وحاله في قبره لكان عبدا محضا ولكن عاش بعد هذا فقد يمكن أنه صار عبدا محضا لأنه لم ينتهر هذا الشخص لكونه أتى أمرا محرما في الشرع وإنما وصف أحوال عبد القادر وعظم منزلته فلو أنه وقع في محظور شرعي وانتهره وغضب عليه لم يخرجه ذلك عن إن يكون عبدا محضا فسبحان من أعطى أبا السعود ما أعطاه فلقد كان واحد زمانه في شأنه نعم لو كان هذا الذاكر تلميذا له لتعين عليه انتهاره إياه لأن انتهاره من تربيته فإن كان من تلامذته فذلك الانتهار لا يخرجه عن عبوديته فإن كان ذلك الانتهار من أبي السعود عن أمر إلهي خوطب به في نفسه لمصلحة الوقت في حق من كان أو لغيرة من الله على مقام قد أساء هذا المتكلم فيه الأدب فانتهاره ذلك مما يحقق عبوديته لا يخرجه عنها وهذا هو الظن بحال أبي السعود لا الذي ذكرناه أولا وإنما ذكرنا ذلك وهذا وما بينهما لنستوفي الكلام على المقام بما يقتضيه من الوجوه على كمالها فلا بد أن يكون هذا الشيخ على واحد منها ولم يحكم عليه بواحد منها فأفدنا الواقف على هذا الكتاب معرفة هذا المقام وأحواله وإن الله ما أخبرني بحال من أحوال أبي السعود حتى نلحقه بمنزلته والله أعلم أي ذلك كان إلا أني أقطع أن ميزانه بين الشيوخ كان راجحا نفعنا الله بمحبته وبمحبة أهل الله وقد أوردنا من هذا المنزل بعض ما يحوبه من القواصم فإنها كلها مخوفة والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب الرابع والثمانون ومائتان في معرفة منزل المجاراة الشريفة وأسرارها من الحضرة المحمدية»

تجارت جياد الفكر في حلبة الفهم *** تحصل في ذاك التجاري من العلم‏

بأسرار ذوق لا تنال براحة *** تعالت عن الحال المكيف والكم‏

أغار على جيش الظلام صباحها *** فأسفر عن شمسي وأعلن عن كتمي‏

وأورى زناد الفكر نارا تولدت *** من الضرب بالروح المولد عن جسم‏

فقمت على ساق الثناء ممجدا *** فجاءت بشارات المعارف بالختم‏

فسبحان من أحيا الفؤاد بنوره *** وخصصني بالأخذ عنه وبالفهم‏

من هذا الباب قوله تعالى أُولئِكَ يُسارِعُونَ في الْخَيْراتِ وهُمْ لَها سابِقُونَ والناطق الذي يقوم للذاكرين في قلوبهم وما هو بحكمهم من دوام الذكر الذي يكونون عليه من غير إن يتخلله فترة فيسمعون ناطقا في قلوبهم يذكر الله فيهم وهم سكوت أو في حديث من أحاديث النفوس وما يعرفون من ينطق فيهم فذلك الناطق هو القائل لموسى صلى الله عليه وسلم إني أنا الله لا إله إلا أنا ويسمى هذا النطق نطق القلب وهو الناطق عندهم وطائفة تقول إنه ملك خلقه الله من ذكره الذي كان عليه وأسكنه فيه ينوب عن هذا العبد في ذكره في أوقات غفلاته المتخللة بالذكر فإن استمرت غفلاته وترك الذكر فقد هذا الناطق ومن الناس من يرى فيه إن الحق أسمعه نطق قلبه الذي في صدره الذي هو عليه دائما خرق عادة كرامة لهذا الشخص من الله حيث أسمعه نطق قلبه ليزيد إيمانا بنطق جوارحه كما قال لِيَزْدادُوا إِيماناً مَعَ إِيمانِهِمْ بما جاء من نطق جوارحهم في آخر الزمان وفي الدار الآخرة

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لا تقوم الساعة حتى يكلم الرجل فخذه‏

بما فعل أهله وحتى يكلم الرجل عذبة سوطه وقال الله تعالى وتُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ وقال وما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ ولا أَبْصارُكُمْ ولا جُلُودُكُمْ ولكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ الله لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمَّا تَعْمَلُونَ وقال هؤلاء يوم القيامة لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا فقالت الجلود أَنْطَقَنَا الله الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْ‏ءٍ ومن زاد على مرتبة هذا الذاكر الذي سمع نطق قلبه بسمعه أسمعه الله نطق جسده كله بل نطق جميع الجمادات والنباتات والحيوانات فأما الحيوانات فقد يسمع نطقها ويفهم ما تقول بغير طريق الذكر بل بخاصية لحم حيوان أو مرقة لحمه يطلع آكله أو شارب مرقته على غيوب ما يحدث الله في العالم من الحوادث الجزئية والعامة ويسمع ويفهم ما تنطق به جميع الحيوانات وقد رأيت من رأى من أكل من لحم هذا الحيوان وشرب من مرقته فكانت له هذه الحالة فكان من رآها منه يتعجب ويكون هذا الحيوان في البرية التي بين مكة والعراق لكن خارجا عن طريق الركب بأيام في غيضة عظيمة وشكل هذا الحيوان شكل امرأة تتكلم باللسان العربي يخرج إليها عرب تلك البرية وهم قبيلة معروفة في كل سنة يوما معلوما يأتون إلى تلك الغيضة بأيديهم الرماح فيقفون على أفواه سكك تلك الغيضة وتدخل طائفة منهم في الغيضة يتفرقون فيها بالصياح ويلحون في الطلب على هذا الحيوان لينفروه فيخرج هذا الحيوان عند ذلك هاربا شاردا أما على بعض تلك الأفواه فإن تمكن منه الواقف على تلك السكة طعنة بالرمح فقتله وإن فاته وتوغل في البرية رجعوا إلى مثل ذلك اليوم من السنة المستقبلة هكذا في كل عام فإذا ظفروا به قطعوه وقسموا لحمه على الحي كله وطبخ كل واحد منهم قطعته وأكلها وشرب مرقتها وأطعم منها من شاء من أهله وبيته وإن كان عندهم غريب ممن قد انقطع من الركب وتاه وحصل عندهم وصادف ذلك اليوم منعوه من أكل لحمها أو شرب مرقتها إلا أن يتناوله بسرقة من غير علم منهم فإن علموا به استفرغوه جبرا بالقي‏ء المفرط فينقص فعل ذلك اللحم منه ولا يذهب بالكلية ويبقى عليه بقية من علم الغيوب فسبحان من أخفى علم ما أودعه في مخلوقاته عن بعض مخلوقاته لا إله إلا هو العليم الحكيم وكل ما ذكره من ذكره في معنى هذا الناطق وحقيقته فصحيح فإنه قد يكون هذا الناطق عين قلبه وقد يكون ملكا يخلق من ذكره وقد يكون روحا يستلزمه وقد يكون ما أومأنا إليه والفرقان بين ما أومأنا إليه وبين ما قاله غيرنا في تعيينه أنه يحادثه ويخاطبه بما شاء من التعريفات الإلهية والكونية أي بما يتعلق بمعرفة الله وبما يتعلق بالمخلوقين إذا استمر على ذكره ودام على طاعة ربه وهو الذي قال لصاحب المواقف ما حكاه عنه في مواقفه من القول إن لم يكن هو رحمه الله قد نبه على مراتب علوم فقال لي وقلت له فإن بعض العارفين قد يفعل هذا إذ لم يروا قائلا في الوجود غير الله حالا ولفظا وكله علم محقق غير أنه إذا كان تعبيرا عن مراتب علوم فيتوهم السامع منه إذا قال صاحب هذا المقام قال لي وقلت له إن الحق يكلمه فإن سأله السامع عرفه بالأمر فإنهم أهل صدق إذا كان السائل مؤمنا بما يقوله أهل طريق الله فإن كان مترددا في إيمانه بذلك فإنه يسكت عنه في ذلك إن كان ممن لا تلزمه طاعته شرعا فإن كان ممن تلزمه طاعته شرعا وليست عنده أهلية لذلك قال له‏

إنما هي عبارات أحوال ونطق حال لا نطق مقال كما تقول الأرض للوتد لم تشقني فيقول لها الوتد سل من يدقني يعني الدقاق الذي يدق به الوتد وهذا لسان حال معلوم يضرب مثلا معروفا بين الناس ثم لتعلم بعد أن بينت لك هذا أن المسارع إلى الخيرات السابق لها إن كان يريد المشاهد الإلهية والعلوم الربانية فليكثر سهر الليل وليكثر فيه الجمعية دائما فإن لاحت له أنوار متفرقة يتخللها ظلمة ما بين كل نور ونور ولا يكون لتلك الأنوار بقاء تكون سريعة الذهاب فتلك أول علامات القبول والفتح فلا يزال تظهر له تلك الأنوار الشريفة بالمجاهدات والمسارعة فيها وإليها إلى أن يطلع له نور أعظم فإنه يكشف به الموانع التي تمنع الناس من نيل هذه العلوم ويكشف أسرارا في مقاماتها ليس فيه منها شي‏ء ولا هو موصوف بها فيكشف له عن أعماله التي كان عليها من أذكاره ورياضاته ومجاهداته قد أنشأها الله خلقا روحانيا فتسابق إلى أخذ تلك الأسرار كما يسبق هو بها فيأخذها وتكسو عاملها بها جزاء وفاقا له حيث كان سببا لوجود أعيان ذلك الخلق الذين هم عين أفعاله البدنية من نطق وحركة وكان الحضور أرواح تلك الصور العملية فيتصف العامل عند ذلك بالعلم بتلك العلوم والأسرار هكذا يشاهدها إذا أشهدها وقد يجد تلك العلوم من خلف حجاب الغيب ولا يطلع على الأمر كيف كان وهو كما ذكرنا قال القائل‏

جيش إذا عطس الصباح على العدي *** كانت إغارة خيله تشميتا

ويشاهد موافقات بين صورتك العلوم وبين صور هذه الأعمال من أجل انتظار الأذن الإلهي في ذلك فإن كان العامل ممن قد أراد الله أن يفتح له في الدنيا في حصول هذه الأسرار ورد الأذن الإلهي بذلك ففتح على هذا العامل في باطنه بعلوم شتى فيقال فلان قد فتح عليه وإن كان الله يريد أن يخبأ له ذلك إلى الدار الآخرة لمصلحة يراه له في منع ذلك لم تمكن صور الأعمال من خلع تلك العلوم على العامل لكن تلبسها الأعمال إلى أن ينقلب العامل إلى الدار الآخرة فيجدها مخبوءة له في أعماله فيلبسها خلعا إلهية فيقال في هذا العامل في الدنيا إنه ما فتح له مع كثرة عمله ويتعجب المتعجبون من ذلك لأنهم يتخيلون أن الفتح أمر لازم وكذلك هو أمر لازم تطلبه الأعمال وتناله ولكن متى يكون ذلك صفة للعامل هل في الدنيا أو في الآخرة ذلك إلى الله فإذا رأيت عامل صدق أو عرفت ذلك من نفسك ولم تر يفتح لك في باطنك مثل ما فتح لمن تراه على صورتك من العمل فلا تتهم فإنه مدخر لك واطرح عن نفسك التهمة في ذلك فلا تتهم ولا تجعل نفسك من أهل التهم وقل كما قلت في ذلك‏

ما أنا من أهل التهم *** ولا أنا ممن اتهم‏

وإنني إن قلت لا *** أقول من بعد نعم‏

ولا أقول عكس ذا *** فإنني بحر خضم‏

وإنني ابن حاتم *** بيت السماح والكرم‏

فكم لنا مآثر *** منصوبة مثل العلم‏

ليهتدي بضوئها *** في عرب وفي عجم‏

معلومة مشهورة *** مذكورة بكل فم‏

محبوبة مشكورة *** سارية وكم وكم‏

وما أحسن قول القائل في مثل ما قلت‏

وإني إذا أوعدته أو وعدته *** لمخلف إيعادى ومنجز موعدي‏

وهذا من الكرم الإلهي أنه جعل مانعا في مقابلة الوعيد وإنفاذه وهو العفو والتجاوز ولم يجعل للوعد بالخير مانعا من اسم إلهي وإذا كانت حالة العبد من الكرم بهذه المثابة فالجناب الإلهي أحق بهذه الصفة وإنما نبهت على إنني ابن حاتم من أجل الكرم الذي جبلت عليه ولي فيه الأصل المؤثل مثل ما قيل‏

إن الجياد على أعراقها تجري‏

والأعراق هي الأصول جمع عرق وهو الأصل في لسان العرب و

[أن العارفين يعاملون المواطن بحسب ما تقتضيه‏]

اعلم أن العارفين يعاملون المواطن بحسب ما تقتضيه وغير العارفين ليس كذلك فالعارف إن أظهر للناس ما منحه به ربه من المعارف والأسرار لا يظهر ذلك إلا من أجل ربه لا على طريق الفخر على أبناء جنسه فحاشاه من ذلك كما

قال صلى الله عليه وسلم حين أمر أن يعرف الناس بمنزلته أنا سيد ولد آدم هذا الذي قيل له قل ثم قال من نفسه ولا فخر

يقول إني ما قصدت بهذا الكلام الفخر ولكن عرفتكم بالمقام الإلهي عن الأذن وأما إذا كان تعريف العارف منزلته للناس عن غير أمر إلهي ولا إذن رباني فإنه هوى نفس بتأويل ظهر له‏

وهي زلة وقعت منه ينبغي له أن يتعوذ بالله من شرها فإن الموطن الدنياوي لا يقتضي الفتح ولا التعريف بالمقام إلا للأنبياء خاصة إذا أرسلوا وأما الأولياء فحصرتهم العبودية المحضة فهم في ستر مقامهم وحالهم لربهم لا لأنفسهم أي من أجل ربهم وإنهم حاضرون في ذلك مع ربهم وإن كان العارف من حيث إنسانيته ونفسه محبا في الثناء عليه بمنزلته من سيده ليظهر بذلك الشفوف على أبناء جنسه وهو معذور فأي فخر أعظم من الفخر بالله ولكن العبد الخالص له الدين الخالص والدين الخالص هو ما يجازيه به ربه من ثنائه عليه بلسان الحق وكلامه لا بلسان المخلوقين فهو يحب الثناء من الله ليعلم بإعلام الله إياه أنه ما أخل بشي‏ء مما يقتضيه مقام العبودية أو يستحقه مقام الربوبية ليكون من نفسه على بصيرة فقد أحب ما تقتضيه إنسانيته ونفسه من حب الثناء ولكن من الله لا من المخلوق ولا من نفسه على نفسه عند المخلوقين فإنه على غير بصيرة فيه ولا إذن من ربه في ذلك كما أنه يحب المال لما يستلزمه من الغني عن الافتقار إلى المخلوقين فمن كان غناه بربه فهو ماله إذ المال ليس محبوبا لنفسه ولا لادخاره من غير توهم رفع الحاجة بوجوده فاعلم ذلك فجميع النفوس محبة للمال في الظاهر وهو الغني في المعنى فبأي شي‏ء وقع الغني في نفس العبد فهو المال المحبوب عنده بل لكل نفس وفي ذلك قلت‏

بالمال ينقاد كل صعب *** من عالم الأرض والسماء

فحبسه عالم حجاب *** لم يعرفوا لذة العطاء

ومنها أعني من هذه القصيدة

لا تحسب المال ما تراه *** من عسجد مشرق لرائي‏

بل هو ما كنت يا بنى *** به غنيا عن السواء

فكن برب العلي غنيا *** وعامل الحق بالوفاء

ومن هذا المنزل تعلم يا بنى ما أكنته القلوب من الأمور وما يجري فيها من الخواطر وما تحدث به نفوسها على طريق الإحصاء لها فيما مضى حتى إن المتحقق بهذا المنزل يعرف من الشخص جميع ما تضمنه قلبه وما تعلقت به إرادته من حين ولادته وحركته لطلب الثدي إلى حين جلوسه بين يديه مما لا يعرفه ذلك الشخص من نفسه لصغره ولما طرأ عليه من النسيان وعدم الالتفات لكل ما يطرأ في قلبه وما تحدثه به نفسه لقدم الزمان فيعرفه صاحب هذا المنزل منه معرفة صحيحة لا يشك ولا يرتاب فيها لا من نفسه ولا من كل من هو بين يديه أو حاضر في خاطره وهو حال يطرأ على العبد وهذا المنزل قد سمعنا من أحوال أبي السعود بن الشبل أنه كان له حدثنا صاحبنا أبو البدر رحمه الله أن الشيخ عبد القادر ذكر بين يدي أبي السعود وأطنب في ذكره والثناء عليه وكان القائل قصد به تعريف الشيخ أبي السعود والحاضرين بمنزلة عبد القادر وأفرط فقال له الشيخ أبو السعود كم تقول أنت تحب أن تعرفنا بمنزلة عبد القادر كالمنتهر له والله إني لا عرف حال عبد القادر كيف كان مع أهله وكيف هو الآن في قبره وهذا لا يعلم إلا من هذا المنزل ولكن لا يحصل له هذا التحصيل الكامل إلا في الرجوع من الحق إلى رؤية المخلوقين بعين الله وتأييده لا بعينه وقوته ومن هذا المنزل أيضا يعلم كم حشر يحشر فيه الإنسان فاعلم إن الروح الإنساني أوجده الله حين أوجده مدبرا لصورة طبيعية حسية له سواء كان في الدنيا أو في البرزخ أو في الدار الآخرة أو حيث كان فأول صورة لبستها الصورة التي أخذ عليه فيها الميثاق بالإقرار بربوبية الحق عليه ثم إنه حشر من تلك الصورة إلى هذه الصورة الجسمية الدنياوية وحبس بها في رابع شهر من تكوين صورة جسده في بطن أمه إلى ساعة موته فإذا مات حشر إلى صورة أخرى من حين موته إلى وقت سؤاله فإذا جاء وقت سؤاله حشر من تلك الصورة إلى جسده الموصوف بالموت فيحيا به ويؤخذ بأسماع الناس وأبصارهم عن حياته بذلك الروح إلا من خصه الله تعالى بالكشف على ذلك من نبي أو ولي من الثقلين وأما سائر الحيوان فإنهم يشاهدون حياته وما هو فيه عينا ثم يحشر بعد السؤال إلى صورة أخرى في البرزخ يمسك فيها بل تلك الصورة هي عين البرزخ والنوم والموت في ذلك على السواء إلى نفخة البعث فيبعث من تلك الصورة ويحشر إلى الصورة التي‏

كان فارقها في الدنيا إن كان بقي عليه سؤال فإن لم يكن من أهل ذلك الصنف حشر إلى الصورة التي يدخل بها الجنة والمسئول يوم القيامة إذا فرغ من سؤاله حشر في الصورة التي‏



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!