الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية) |
||
| الباب: | فى معرفة منزل القطب والإمامين من المناجاة المحمدية | |
|
يجب له التصرف فيه ولا تنظر العين إلا فيما يجب لها النظر إليه وفيه فذلك هو حق اليقين الذي أوجبه على العلم والعين وأما اليقين فهو كل ما ثبت واستقر ولم يتزلزل من أي نوع كان من حق وخلق فله علم وعين وحق أي وجوب حكمه إلا الذات الإلهية فيقينها ما له سوى حق اليقين وصورة حقها أي الوجوب علينا منها السكوت عنها وترك الخوض فيها لأنها لا تعلم فما ثم علم يضاف إلى اليقين ولا يشهد فلا تضاف العين إلى اليقين ولها الحكم على العالم كله بترك الخوض فيها فلها الحق فأضيف إليها فلا يضاف إلى اليقين إلا ما يقبله فإن كان مما تدل عليه علامة أضيف إليه العلم وإن لم يكن فلا يضاف إليه وإن كان مما يشهد أضيفت إليه العين وإن لم يكن فلا تضاف إليه وإن كان ممن له في نفس الأمر حكم واجب على أحد من المخلوقين حتى على نفسه مثل قوله تعالى كتب ربكم على نفسه الرحمة أضيف إليه الحق فقيل حق اليقين لوجوبه وإن لم يكن شيء مما ذكرناه فلا يضاف إلى شيء مما تقدم فقد أعطيتك أمرا كليا في هذه المسألة في كل متيقن فلك النظر في حقيقة ذلك اليقين وهذا القدر كاف والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ انتهى السفر الثامن عشر (بسم الله الرحمن الرحيم) «الباب السبعون ومائتان في معرفة منزل القطب والإمامين من المناجاة المحمدية»منزلة القطب والإمامة *** منزلة ما لها علامة يملكها واحد تعالى *** عن صفة السير والإقامة يعلوه في لونه اصفرار *** في أيمن الخد منه شامة خفية ما لها نتو *** أيده الله بالسلامة توجه الله بالمعالي *** في عالم الأمر في القيامة اعلم أيدك الله بروح منه أن ممن تحقق بهذا المنزل من الأنبياء صلوات الله عليهم أربعة محمد وإبراهيم وإسماعيل وإسحاق عليهم السلام ومن الأولياء اثنان وهما الحسن والحسين سبطا رسول الله صلى الله عليه وسلم وإن كان لمن عدا هؤلاء المذكورين منه شرب معلوم على قدر مرتبته من الإمامة [إن الأقطاب يسمون بالعبودية]فاعلم إن الأقطاب والصالحين إذا سموا بأسماء معلومة لا يدعون هناك إلا بالعبودية إلى الاسم الذي يتولاهم قال تعالى وأَنَّهُ لَمَّا قامَ عَبْدُ الله يَدْعُوهُ فسماه عبد الله وإن كان أبوه قد سماه محمدا وأحمد فالقطب أبدا مختص بهذا الاسم الجامع فهو عبد الله هناك ثم إنهم يفضل بعضهم بعضا مع اجتماعهم في هذا الاسم الذي يطلبه المقام فيختص بعضهم باسم ما غير هذا الاسم من باقي الأسماء الإلهية فيضاف إليه وينادي في غير مقام القطبية كموسى صلى الله عليه وسلم اسمه عبد الشكور وداود عليه السلام اسمه الخاص به عبد الملك ومحمد صلى الله عليه وسلم اسمه عبد الجامع وما من قطب إلا وله اسم يخصه زائد على الاسم العام الذي له الذي هو عبد الله سواء كان القطب نبيا في زمان النبوة المقطوع بها أو وليا في زمان شريعة محمد صلى الله عليه وسلم وكذلك الإمامان لكل واحد منهما اسم يخصه ينادى به كل إمام في وقته هناك فالإمام الأيسر عبد الملك والإمام الأيمن عبد ربه وهما للقطب الوزيران فكان أبو بكر رضي الله عنه عبد الملك وكان عمر رضي الله عنه عبد ربه في زمان رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أن مات صلى الله عليه وسلم فسمى أبو بكر عبد الله وسمي عمر عبد الملك وسمي الإمام الذي ورث مقام عمر عبد ربه ولا يزال الأمر على ذلك إلى يوم القيامة وكان الحسن والحسين رضي الله عنهما أمكن الناس في هذا المقام من غيرهما ممن اتصف به وجرت السنة الإلهية في القطب إذا ولي المقام أن يقوم في مجلس من مجالس القربة والتمكين وينصب له فيه تخت عظيم لو نظر إلى بهائه الخلق لطاشت عقولهم فيقعد عليه ويقف بين يديه الإمامان اللذان قد جعلهما الله له ويمد يده للمبايعة الإلهية والاستخلاف وتؤمر الأرواح الملكية والجن والبشر الروحاني بمبايعته واحدا بعد واحد فإنه جل جناب الحق أن يكون مصدرا لكل وارد وأن يرد عليه إلا واحد بعد واحد فكل روح يبايعه في ذلك المقام يسأله أعني يسأل الروح القطب عن مسألة من المسائل فيجيبه أمام الحاضرين ليعرفوا منزلته من العلم فيعرفون في ذلك الوقت أي اسم إلهي يختص به وقد أفردنا لهذه المبايعة كتابا كبيرا سميناه مبايعة القطب في حضرة القرب وذكرنا فيه معاني مسائل كثيرة مما سئل عنها فأجاب ولا تبايعه إلا الأرواح المطهرة المقربة ولا يسأله من الأرواح المبايعة من الملائكة والجن والبشر إلا أرواح الأقطاب الذين درجوا خاصة فذكرنا في ذلك الكتاب سؤالاتهم وجوابه عليها موفى وهكذا هي حالة كل قطب يبايع في زمانه فلنذكر في هذا الباب من بعض أحواله العامة لكل قطب دون الأحوال الخاصة به ليعلم الواقف على كتابي هذا صاحب الذوق المشاهد إياه أنا ما عدلنا في كتابنا هذا عن الطريقة التي لا يجهلها كل عارف من أهل هذا الشأن فلو ذكرنا الحال الخاص به ربما كان يقول هذه دعوى فلنبدأ أولا بحال الإمام الأقصى ثم الإمام الأدنى ثم القطب فأما الإمام الأقصى وهو عبد ربه فإن حاله البكاء شفقة على العالم لما يراهم عليه من المخالفات وينظر إلى توجه الأسماء الإلهية التي تقتضي العقاب والأخذ ولا يتجلى له من الأسماء الإلهية ما تقتضيه المخالفات من العفو والتجاوز فلهذا يكثر بكاؤه فلا يزال داعيا لعباد الله رحيما بهم سائلا الله سبحانه أن يسلك بهم طريق الموافقات ولقد عاينت في بعض سياحاتي هذا الإمام فما رأيت ممن رأيت من الصالحين أشد خوفا منه على عباد الله ولا أعظم رحمة فقلت له لم لا تأخذك الغيرة لله فقال إني لا أريد أن يغار لله من أجلي ولكن أريد أن يسأل الله من أجلي ليرحمني ويتجاوز فلا أحب لعباد الله إلا ما أحبه لنفسي ولا ينبغي للصادق مع الله أن يتصور في صورة حال لا يعطيه مقامه ولهذا الإمام قوة سلطان على الشياطين الملازمين أهل الخير والصلاح ليصرفوهم عن طريقهم فإذا وقع نظر الشيطان على هذا الإمام وهو عند بعض الصالحين يحتال كيف يصرفه عن طريقته يذوب كما يذوب الرصاص في النار فيناديه الإمام باسمه عسى يسلم فيدبرها ربا فلا يزال ذلك الصالح محفوظا من إلقاء هذا الصنف من الشياطين إليه ما يخرجه عن صلاحه ما دام هذا الإمام حاضرا ناظرا إليه وإن كان ذلك الصالح لا يعرفه ولا يعرف ما جرى وقد عاينا هذا الطائفة فيدفع الله عن عباده بهذا الإمام الشرور التي تختص بالصالحين من عباده خاصة عناية منه بهم ومن خاصية هذا الإمام التصديق بكل خبر مخبر به عن الله سواء كان ذلك المخبر صادقا في أخباره أو مفتريا فإن هذا الإمام يصدقه لكونه ناظرا إلى الاسم الإلهي الذي يتولى هذا المخبر في أخباره فإن كان صادقا فإخباره عن كشف محقق فيستوي هو والإمام في ذلك وإن لم يكن له كشف وأخبر عما وقع عنده وهو لا يدري من أوقعه ويقصد الكذب فإن هذا الإمام يصدقه في أخباره والمخبر معاقب من الله محروم بقصده الكذب وهو في نفس الأمر ليس كذلك فوبال قصده عاد عليه فعذب إن آخذه الله بذلك ومن أحوال هذا الإمام أن يسأل دائما الانتقال إلى مقام المشاهدة من الأحوال ومقام الصلاح من المقامات وله اطلاع دائم إلى الجنان وإنما خصه الله بهذا الاطلاع إبقاء عليه فيقابل ما هو عليه من البكاء والحزن المؤدي إلى القنوط بما يراه ويطلعه الله عليه من سرور الجنان ونعيم أهله فيه ويعاين اشتياق أهله إليه وانتظارهم لقدومه فيكون ذلك سببا لاعتداله ومقام هذا الإمام الإحسان الأول وهوقول جبريل عليه السلام لرسول الله عليه الصلاة والسلام ما الإحسان وجوابه صلى الله عليه وسلم الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه والذي بعده ليس لهذا الإمام وبيد هذا الإمام مصالح العالم وما ينتفعون به وهو يربي الأفراد ويغذيهم بالمعارف الإلهية ويقسم المعارف على أهلها بميزان محقق على قدر ما يرى فيه صلاح ذلك العارف لتحيا بتلك المعرفة نفسه وله السيادة على الثقلين والحكم والتصرف فيهما بما تعطيه المصلحة لهم ومن خصائص هذا الإمام الإقامة على كل ما يحصل له من الأحوال والمقامات وليس ذلك لكل أحد فما يتصف بحال فينتقل عنه ولا بمقام وغير هذا الإمام إذا انتقل إلى مقام أو حال حكم عليه سلطان ذلك المقام والحال وغيبه عما انتقل عنه وهذا الإمام ليس كذلك فإن المقام الذي انتقل عنه محفوظ عليه لا يغيب عنه قوة إلهية خصه الله بها ولروحه من الأجنحة مائتا جناح وأربعة أجنحة أي جناح نشر منها طار به حيث شاء وله قدم في المرتبة الثالثة والأولى ويدعى في بعض الأحايين بالبر الرحيم وكانت بدايته من المرتبة الثالثة ونهايته إلى المرتبة الأولى فكان طريقته من غايته إلى بدايته بخلاف السلوك المعروف فرجع القهقري بقطع المقامات والدرجات والمنازل فمن نهايته إلى بدايته تسعة عشر منزلا فيها منزل البداية والنهاية فتم منزل درجاته مائة واثنتان وعشرة وتسعون وعشرون وثلاثة وأربعة وثلاثون وخمسة وأربعون وستة وخمسون وسبعة وستون وثمانية وسبعون وثمانون وتسعة ومائتان ولما كانت المراتب أربعا لا زائد عليها وكل مرتبة تقتضي أمورا لا نهاية لها من علوم وأسرار وأحوال فالمرتبة الأولى إيمان والثانية ولاية والثالثة نبوة والرابعة رسالة والرسالة والنبوة وإن انقطعت في هذه الأمة بحكم التشريع فما انقطع الميراث منهما فمنهم من يرث نبوة ومنهم من يرث رسالة ونبوة معا وإذ قد ذكرنا ما لهذا الإمام الأقصى فلنذكر ما للإمام الأدنى وهو عبد الملك فنقول والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ إن لهذا الإمام من جهة روحانيته من الأجنحة تسعين جناحا أي جناح نشر منها طار به حيث شاء وكانت بدايته ونهايته في المرتبة الثانية ليس له قدم في باقي المراتب الثلاثة فلم يكن له منازل ولا درجات ولا مقامات يقطعها ولهذا الإمام الشدة والقهر وله التصرف بجميع الأسماء الإلهية التي تستدعي الكون مثل الخالق والرازق والملك والبارئ على بعض وجوهه وغير ذلك وليس له تصرف بأسماء التنزيه بخلاف الإمام الذي تقدم ذكره ويلجأ إليه في الشدائد والنوازل الكبار فيفرجها الله على يده فإن الله قد جعل له عليها سلطانا وله الكرم وليس له الإيثار لنزاهته عن الحاجة إلى ما يقع به الإيثار وله الإنعام على الخلق من حيث لا يشعرون ولقد أنعم على هذا ببشارة بشرني بها وكنت لا أعرفها في حالي وكانت حالي فأوقفني عليها ونهاني عن الانتماء إلى من لقيت من الشيوخ وقال لي لا تنتم إلا لله فليس لأحد ممن لقيته عليك يد مما أنت فيه بل الله تولاك بعنايته فاذكر فصل من لقيت إن شئت ولا تنتسب إليهم وانتسب إلى ربك وكان حال هذا الإمام مثل حالي سواء لم يكن لأحد ممن لقيه عليه يد في طريق الله إلا لله هكذا نقل لي الثقة عندي عنه وأخبرني الإمام بذلك عن نفسه عند اجتماعي به في مشهد برزخي اجتمعت به فيه لله الحمد والمنة على ذلك وولاة أمور الخلق راجعون إلى هذا الإمام فيولي ويعزل ويدفع الله به الشرور وله سلطان قوي على الأرواح النارية من الشياطين المبعودين من رحمة الله ويجتمع مع الإمام الأول الأقصى في درجة واحدة من خمس درجات وينفرد عنه الإمام الأقصى بأربع درجات وقد ذكرنا من أحواله في جزء لنا في معرفة القطب والإمامين ما فيه كفاية فلنقتصر على ما قد ذكرناه رغبة في الاختصار وإذ قد ذكرنا من أحوال الإمامين هذا القدر فلنذكر أيضا من حديث القطب ما تقع به الكفاية في هذه العجالة إن شاء الله فأما القطب وهو عبد الله وهو عبد الجامع فهو المنعوت بجميع الأسماء تخلقا وتحققا وهو مرآة الحق ومجلى النعوت المقدسة ومجلى المظاهر الإلهية وصاحب الوقت وعين الزمان وسر القدر وله علم دهر الدهور الغالب عليه الخفاء محفوظ في خزائن الغيرة ملتحف بأردية الصون لا تعتريه شبهة ولا يخطر له خاطر يناقض مقامه كثير النكاح راغب فيه محب للنساء يوفي الطبيعة حقها على الحد المشروع له ويوفي الروحانية حقها على الحد الإلهي يضع الموازين ويتصرف على المقدار المعين الوقت له ما هو للوقت هو لله لا لغيره حاله العبودية والافتقار يقبح القبيح ويحسن الحسن يحب الجمال المقيد في الزينة والأشخاص تأتيه الأرواح في أحسن الصور يذوب عشقا يغار لله ويغضب لله لا تتقيد له المظاهر الإلهية بالتدبير بل له الإطلاق فيها فتظهر له في تدبير المدبر روحانيته من البشر المحسوس من خلف حجاب الشهادة والغيب لا يرى من الأشياء إلا وجه الحق فيها يضع الأسباب ويقيمها ويدل عليها ويجري بحكمها ينزل إليها حتى تحكم عليه وتؤثر فيه لا يكون فيه ربانية بوجه من الوجوه مصاحب لهذا الحال دائما إن كان صاحب دنيا وثروة تصرف فيها تصرف عبد في مال سيد كريم وإن لم يكن له دنيا وكان على ما يفتح له لم تستشرف له نفس بل يقصد بنفسه عند الحاجة إلى بعض ما تحتاج إليه طبيعته بيت صديق ممن يعرفه يعرض عليه ما تحتاج إليه طبيعته كالشفيع لها عنده فيتناول لها منه قدر ما تحتاج إليه وينصرف لا يجلس عن حاجته إلا من ضرورة فإذا لم يجب لجأ إلى الله في حاجة طبيعته لأنه مسئول عنها لكونه واليا عليها ثم ينتظر الإجابة من الله فيما سأله فإن شاء أعطاه ما سأل عاجلا أو آجلا فمرتبته الإلحاح في السؤال والشفاعة في حق طبيعته بخلاف أصحاب الأحوال فإن الأشياء تتكون عن همتهم وطرحهم الأسباب عن نفوسهم فهم ربانيون والقطب منزه عن الحال ثابت في العلم مشهود فيه فيتصرف به فإن أطلعه الحق على ما يكون أخبر بذلك على جهة الافتقار والمنة لله لا على جهة الافتخار لا تطوي له أرض ولا يمشي في هواء ولا على ماء ولا يأكل من غير سبب ولا يطرأ عليه شيء مما ذكرناه من خرق العوائد وما تعطيه الأحوال إلا نادرا لأمر يراه الحق فيفعله لا يكون ذلك مطلوبا |


