The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

Brwose Headings Section I: on Knowledge (Maarif) Section II: on Interactions (Muamalat) Section IV: on Abodes (Manazil)
Introductions Section V: on Controversies (Munazalat) Section III: on States (Ahwal) Section VI: on Stations (Maqamat of the Pole)
Part One Part Two Part Three Part Four

الفتوحات المكية - طبعة بولاق الثالثة (القاهرة / الميمنية)

الباب:
فى السكر

هو الباطن الحق في غيبتي *** وعند حضوري هو الظاهر

فإن فته فأنا أول *** وإن فاتني فأنا الآخر

اعلم أنه لا تكون غيبة إلا بحضور فغيبتك من تحضر معه لقوة سلطان المشاهدة كما أن سلطان البقاء يفنيك لأنه صاحب الوقت والحكم والتفصيل في الحضور في أهله كما ذكرناه في الغيبة سواء فكل غائب حاضر وكل حاضر غائب لأنه لا يتصور الحضور مع المجموع وإنما هو مع آحاد المجموع لأن أحكام الأسماء والأعيان تختلف والحكم للحاضر فلو حضر بالمجموع لتقابلت وأدى إلى التمانع وفسد الأمر فلا يصح الحضور مع المجموع لا عند من يرى حضوره بحق ولا عند من يرى حضوره بخلق فإن حكم الأعيان مثل حكم الأسماء في التقابل والاختلاف وظهور السلطان فتدبر ما ذكرناه تجد العلم إن شاء الله والله يَقُولُ الْحَقَّ وهُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ‏

«الباب السادس والأربعون ومائتان في السكر»

السكر أقعدني على العرش *** المحيط المستدير

وأنا بقاع قرقر *** من كل ما يغني فقير

والسكر من خمر الهوى *** والسكر من نظر المدير

قد قال قبلي شاعر *** وهو العليم به الخبير

فإذا سكرت فإنني *** رب الخورنق والسرير

وإذا صحوت فإنني *** رب الشويهة والبعير

قال تعالى وأَنْهارٌ من خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وهو علم الأحوال ولهذا يكون لمن قام به الطرب والالتذاذ وأما حدهم له بأنه غيبة بوارد قوي فما هو غيبة إلا عن كل ما يناقض السرور والطرب والفرح وتجلى الأماني صورا قائمة في عين صاحب هذا الحال ورجال الله تعالى في حال السكر على مراتب نذكرها إن شاء الله‏

فسكر طبيعي‏

وهو ما تجده النفوس من الطرب والالتذاذ والسرور والابتهاج بوارد الأماني إذا قامت الأماني له في خياله صورا قائمة لها حكم وتصرف يقول شاعرهم‏

فإذا سكرت فإنني *** رب الخورنق والسرير

فإنه كان يرى ملكه لذينك غاية مطلوبه فلما سكر قامت له صورة الخورنق والسرير ملكا له يتصرف فيه في حضرة تخيله وخياله أعطاه إياه حال السكر فإن له أثرا قويا في القوة المتخيلة قالوا قفون من أهل الله مع الخيال لهم هذا السكر الطبيعي فإنهم لا يزالون يراقبون ما تخيلوا تحصيله من الأمور المطلوبة لهم من الله حتى يتقوى عندهم ذلك ويحكم عليهم مثل‏

قوله عليه السلام اعبد الله كأنك تراه‏

وقوله صلى الله عليه وسلم أيضا إن الله في قبلة المصلي‏

وقول الصاحب لرسول الله صلى الله عليه وسلم وقد سأله صلى الله عليه وسلم عن حقيقة إيمانه حين قال أنا مؤمن حقا فقال رضي الله عنه كأني أنظر إلى عرش ربي بارزا

يعني في يوم القيامة فجاء بما تعطيه حضرة الخيال فإذا تقوى مثل هذا التخيل أسكر النفس وقامت له صورة ما تخيل ينظر إليها بعينه ويخبر عنها كرؤية صاحب الرؤيا سواء وتلقي إليه ويصغي إليها وهو لا يعلم أنه يخاطب ويشاهد صورة خيالية بل يقطع أن ذلك شهود حسي فإذا صحا من ذلك السكر ارتفع عنه ذلك الأمر من حيث صورته مع بقاء تخيله عند بعض الناس ممن يتذكر ذلك في الذهن كما يرتفع عنه صورة ما رأى في النوم بالانتباه ومن أهل هذا المقام من يبقي الله له تلك الصورة المتخيلة في حال صحوه فيثبتها له محسوسة بعد ما كانت متخيلة كالجنة التي خيلها إبليس في الخيال المنفصل لسليمان عليه السلام ليفتنه بها ولا علم لسليمان عليه السلام بذلك فسجد شكر الله تعالى حيث أتحفه بها فأبقاها الله له جنة محسوسة يتنعم بها ورجع إبليس خاسرا لأنه أراد بذلك فتنته وما علم أن أهل الله إذا وقع لهم مثل هذا أنه يحدث ذلك عبادة لله عندهم هذا والمخيل عدو فكيف حالهم إذا كان خيالهم منهم وليسوا بأعداء نفوسهم فإنهم يسعون في خلاصها ونجاتها فإذا كان سكرهم الطبيعي أثمر لهم مثل هذا فما ظنك بما فوقه من مراتب الإسكار

وأما السكر العقلي‏

فهو شبيه بالسكر الطبيعي في رد الأمور إلى ما تقتضيه حقيقته لا إلى‏

ما يقتضيه الأمر في نفسه ويأتي الخبر الإلهي عن الله لصاحب هذا المقام بنعوت المحدثات إنها نعت لله فيأبى قبولها على هذا الوجه لأنه في سكرة دليله وبرهانه فيرد ذلك الخبر لما يقتضيه نظره مع جهله بذات الحق وهل تقبل هذا النعت أو لا تقبله بل تخيل أنها لا تقبله فيمد رجله هذا العقل لسكره في غير بساطه فوقع في الحق بسكره ويعذره الحق في ذلك لأن السكران غير مؤاخذ بما ينطق فجرد عن الله ما نسبه الحق لنفسه فإذا صحا هذا العاقل عن سكره بالإيمان لم يرد الخبر الصدق والقول الحق وقال إن الحق أعلم بنفسه وبما ينسبه إليه من العقل فإن العقل مخلوق والمخلوق لا يحكم على الخالق فإنه ما من مصنوع إلا ويجهل صانعه فإن الشقة تجهل صانعها وهو الحائك كذلك الأركان مع الأفلاك وكذلك الأفلاك مع النفس والنفس مع العقل وكذلك العقل مع الله وغاية ما علم من علم منهم افتقاره إليه واستناده في وجوده إلى صانعه ولا يحكم عليه بشي‏ء ولا سيما إن أخبر الصانع عن نفسه بأمور فليس للمصنوع إلا قبولها فإن ردها فلسكر قام به فخمره الذي يشرب إنما هو دليله وبرهانه ويقويه على ذلك ما تعطيه بعض الأخبار الإلهية من النعوت في حقه الموافقة لبرهانه ودليله فهذا سكر عقلي فالسكر الطبيعي سكر المؤمنين والسكر العقلي سكر العارفين‏

وبقي سكر الكمل من الرجال وهو السكر الإلهي‏

الذي‏

قال فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم اللهم زدني فيك تحيرا

والسكران حيران فالسكر الإلهي ابتهاج وسرور بالكمال وقد يقع في التجلي في الصور سكر بحق قال بعضهم‏

وأسكر القوم دور كأس *** وكان سكرى من المدير

فمن أسكره الشهود فلا صحو له البتة وكل حال لا يورث طربا وبسطا وإدلالا وإفشاء أسرار إلهية فليس بسكر وإنما هو غيبة أو فناء أو محق ولا يقاس سكر القوم في طريق الله على سكر شارب الخمر فإنه ربما أورث بعض من يشربه غما وبكاء وفكرة وذلك لما يقتضيه مزاج ذلك الشارب ويسمونه سكران ومثل هذا لا يكون في سكر الطريق وقليل من الناس من يفرق بين الحيوان والسكران وعندنا في العلم الطبيعي أن شارب الخمر إذا أورثه غما وبكاء وحزنا وفكرة وإطراقا لما يقتضيه طبعه ومزاجه فليس بسكران ولا هو صاحب سكر فإن بعض الأمزجة لا تقبل السكر ولا أثر له فيها فغيبة السكران ليست عن إحساسه وإنما غيبته عن مقابل الطرب لا غير ونظير هؤلاء الذين لا يطربون نظير أصحاب الفكرة والغيبة والفناء ويفارق السكر سائر الغيبات لأن الصحو لا يكون إلا عن سكر والسكر يتقدم صحوه وليس الحضور مع الغيبة كذلك ولا الفناء مع البقاء كذلك لكنه مثل الصعق مع الإفاقة والنوم مع اليقظة فإن النوم مقدم على الانتباه والغشية متقدمة على الإفاقة وإنما ذكرنا هذا التفصيل من أجل مذهبهم في حد السكر أنه غيبة بوارد قوي فأطلقوا عليه اسم الغيبة فيتخيل من لا ذوق له أن حكمه حكم الغيبة فيقيس فيخطئ في تربيته للمريد إن كان من المتشيخين فيلتبس عليه الأمر فلا يفرق في حال المريد بين سكره وغيبته وفنائه والسكران في هذا الطريق لا يغيب عن إحساسه فإن غاب كما يراه الحنفيون في سكر شارب الخمر فقد انتقل عندنا من حال السكر إلى حال فناء أو غيبة أو محق ولم يعقب سكره صحو بل انتقل من حال سكر إلى حال فناء أو غيره من الأحوال المغيبة عن بعضه أو كله ولا يتخيل أن السكر لما كان على هذه المراتب المتميزة أنه يمكن أن يكون لصاحب هذه الحال سكران أو يجمعها كلها لما هو عليه من الحقائق كما قررنا في بعض المسائل من جمع الإنسان لأمور كثيرة لحقائق تطلبها منه ولا سيما وقد أنشد بعض من أسكره الخمر والهوى فقال‏

سكران سكر هوى وسكر مدامة *** فتى يفيق فتى به سكران‏

فأخبر أنه قام به سكران وسكر هل الله ليس كذلك فإن المعرفة تمنع منه فإن السكران الإلهي لا يتمكن أن يكون له السكر العقلي فإن الشهود يمنع من ذلك والسكران بالسكر العقلي لا يتمكن له أن يتمكن منه السكر الطبيعي فإن دليله ينفيه فإنه إذا كان يرد حكم

السكر الإلهي فكيف يقبل حكم السكر الطبيعي وإنما السكران من أهل الله يرتقي في سكره من سكر إلى سكر لا يجمع بينهما مثل ما قال هذا الشاعر وما استشهد به في الطريق إلا صاحب قياس لا صاحب ذوق فمن أسكره السكر الطبيعي ثم جاءه السكر العقلي فإن السكر الطبيعي يفارق المحل بالضرورة ويزول حكمه عن صاحبه وما هو الأمر في هذه الإسكارات بالتدريج قد يوهب الإنسان السكر ابتداء أعني السكر الإلهي فلا يمكن أن يكون له ذوق السكر



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!