
المواقف في بعض إشارات القرآن إلى الأسرار والمعارف
للأمير عبد القادر الحسني الجزائري
![]() |
![]() |
357. الموقف السابع والخمسون بعد الثلاثمائة
سألني بعض الأخوان عن الحديث الذي في أسد الغابة المروي عن الأسود بن سريع رضي الله عنه قال: «أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إني قد حمدت ربي بمحامد ومدح وإياك! قال: هات ما حمدت به ربك!فجعلت أنشده، فجاء رجل آدم فاستأذن قال: فقال النبي صلى الله عليه وسلم س س. ففعل ذلك مرتين أو ثلاثة. قال: قلت: يارسول الله، من هذا الذي استنصتني له! قال: هذا عمر بن الخطاب، هذا رجل لا يحب الباطل».
اعلم أن هذا المادح كان قصده العطاء بمدحه لله ورسوله صلى الله عليه وسلم كما هي عادة العرب في تقديم الأبيات أمام حاجتهم، والله تعالى ورسوله أحق بالمدح من غير شركة في مدحهم. ورسول الله أسخى وأعلا مِنْ أَنْ يستمنح بالمديح، فالباطل صفة المادح لا هو في المدح ولا في الممدوح. وهذا الباطل الذي لا يحبه عمر ليس هو بحرام حتى يقال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أحق وأولى أن لا يحب الباطل، وإنم هو خلاف الأولى وخسة وهمة وسفساف وصف وسوء أدب. ورسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعلم قصد المادح، ولكنه عليه السلام لا يواجه أحداً بما يكره لشدة حيائه وسعة أخلاقه. وعمر رضي الله عنه كانت الحدة في الله عليه غالبة ومستولية فلم تكن له من الصفة ما برسول الل صلى الله عليه وسلم فلو سمع هذا المديح مع قصد المادح الشركة في المديح لأنكره.
![]() |
![]() |