The Meccan Revelations: al-Futuhat al-Makkiyya

فصوص الحكم وخصوص الكلم

للشيخ الأكبر محي الدين ابن العربي

مع تعليقات الدكتور أبو العلا عفيفي

  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  


أدباً مع المستفهم، ولو لم يفعل ذلك‏ «1» لاتصف بعدم علم الحقائق وحاشاه من ذلك، فقال‏ «إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ» وأنت المتكلم على لساني وأنت لساني.

فانظر إلى هذه التنبئة «2» الروحية الإلهية ما ألطفها وأدقها «23»، «أَنِ اعْبُدُوا الله» فجاء بالاسم «الله» لاختلاف العبَّاد في العبادات واختلاف الشرائع، لم يخص اسماً خاصاً دون اسم، بل جاء بالاسم الجامع للكل. ثم قال‏ «رَبِّي ورَبَّكُمْ»، ومعلوم أن نسبته إلى موجود ما بالربوبية ليست عين نسبته إلى موجود آخر، فلذلك فصّل بقوله‏ «رَبِّي ورَبَّكُمْ» بالكنايتين كناية المتكلم وكناية المخاطب.

«إِلَّا ما أَمَرْتَنِي بِهِ» فأثبت نفسه مأموراً وليست سوى عبوديته‏ «3»، إذ لا يؤمر إلا مَنْ يتصوَّر منه الامتثال وإن لم يفعل «24». ولما كان الأمر ينزل بحكم المراتب، لذلك ينصبغ كل من ظهر في مرتبةٍ ما بما تعطيه حقيقة تلك المرتبة:

فمرتبة المأمور لها حكم يظهر في كل مأمور، ومرتبة الآمر لها حكم يبدو في كل آمر. فيقول الحق‏ «أَقِيمُوا الصَّلاةَ»* فهو الآمر والمكلّف والمأمور. ويقول العبد «رَبِّ اغْفِرْ لِي»* فهو الآمر والحق المأمور. فما يطلب الحق من العبد بأمره هو بعينه يطلبه‏ «4» العبد من الحق بأمره‏ «5». ولهذا كان كل دعاء مجاباً «6» ولا بد، وإن تأخر كما يتأخر بعض المكلفين ممن أقيم مخاطباً بإقامة الصلاة فلا يصلي في وقت فيؤخر الامتثال ويصلي في وقت آخر إن كان متمكناً من ذلك. فلا بد من الاجابة ولو بالقصد. ثم قال‏ «وَ كُنْتُ عَلَيْهِمْ» ولم يقل على نفسي معهم كما قال ربي وربكم. «شَهِيداً ما دُمْتُ فِيهِمْ» لأن الأنبياء


(1) «ا» و«ب»: كذلك‏

(2) هذه هي قراءة القيصري وقد أخذت بها (شرح القيصري ص 268). أما المخطوطات الثلاثة فتقرؤها: التثنية وهي قراءة يخطئها هذا الشارح‏

(3) ا: عبودية

(4) يطلب: في المخطوطات الثلاثة

(5) أي أمر العبد

(6) «ن» و«ا»: يجاب.


  الصفحة السابقة

المحتويات

الصفحة التالية  

البحث في نص الكتاب

البحث في فصوص الحكم



Please note that some contents are translated from Arabic Semi-Automatically!