فلم تختلف شرائعكم كما لم يختلف منها ما أمرتم بالاجتماع فيه و إقامته فلما كان الاختلاف منه و هو أهل العدل و الإحسان و كان في الناس الدعوى في نسبة أفعالهم إليهم و اختيارهم فيما اختاروه و لم يسندوا الأمر إلى أهله و إلى من يستحقه نزل الحكم الإلهي على الرسل بكون هذا سيئا و هذا حسنا و هذا طاعة و هذا معصية و نزل الحكم الإلهي على العقول بأن هذا في حق من لا يلائم طبعه و مزاجه أو يوافق غرضه حسن و هذا الذي لا يوافق غرضه و لا يلائم طبعه و مزاجه ليس بحسن و لم يسندوا الأمر إلى عين واحدة فجوزوا بما جوزوا لهذا الأمر فعدل فيما حكم به من الجزاء بالسوء و أحسن بعد الحكم و نفوذه بما آل إليه عباده من الرحمة و رفع الأمور الشاقة عليهم و هي الآلام فعمت رحمته كل شيء
[الصراط الخاص و هو صراط النبي ص]
و أما الصراط الخاص و هو صراط النبي ﷺ الذي اختص به دون الجماعة و هو القرآن حبل اللّٰه المتين و شرعه الجامع و هو قوله ﴿وَ أَنَّ هٰذٰا صِرٰاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لاٰ تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ﴾ [الأنعام:153] يعني هذا الصراط المضاف إليه و ذلك أن محمدا ﷺ كان نبيا و آدم بين الماء و الطين و هو سيد الناس يوم القيامة بإخباره إيانا بالوحي الذي أوحى به إليه و بعثته العامة إشعارا بأن جميع ما تقدمه من الشرائع بالزمان إنما هو من شرعه فنسخ ببعثته منها ما نسخ و أبقى منها ما أبقى كما نسخ ما قد كان أثبته حكما و من ذلك كونه أوتي جوامع الكلم و العالم كلمات اللّٰه فقد آتاه اللّٰه الحكم في كلماته و عم و ختم به الرسالة و النبوة كما بدأ به باطنا ختم به ظاهرا فله الأمر النبوي من قبل و من بعد فورثته الذين لهم الاجتهاد في نصب الأحكام بمنزلة الرسل الذين كانوا قبله بالزمان فمن ورث محمدا ﷺ في جمعيته فكان له من اللّٰه تعريف بالحكم و هو مقام أعلى من الاجتهاد و هو أن يعطيه اللّٰه بالتعريف الإلهي أن حكم اللّٰه الذي جاء به رسول اللّٰه ﷺ في هذه المسألة هو كذا فيكون في ذلك الحكم بمنزلة من سمعه من رسول اللّٰه ﷺ و إذا جاءه الحديث عن رسول اللّٰه ﷺ رجع إلى اللّٰه فيه فيعرف صحة الحديث من سقمه سواء كان الحديث عند أهل النقل من الصحيح أو مما تكلم فيه فإذا عرف فقد أخذ حكمه من الأصل و قد أخبر أبو يزيد بهذا المقام أعني الأخذ عن اللّٰه عن نفسه أنه ناله فقال فيما روينا عنه يخاطب علماء زمانه أخذتم علمكم ميتا عن ميت و أخذنا علمنا عن الحي الذي لا يموت و لنا بحمد اللّٰه في هذا المقام ذوق شريف فيما تعبدنا به الشرع من الأحكام و هذا مما بقي لهذه الأمة من الوحي و هو التعريف لا التشريع و أما أهل الاجتهاد فأحكامهم تشريع الشرع إذا أخطئوا فإن رسول اللّٰه ﷺ هو المقرر لذلك الحكم فما هو تشريع لهم و إنما هو تشريع رسول اللّٰه ﷺ و إذا أصاب المجتهد فهو صاحب نقل شرع كل ذلك في نفس الأمر فإن المخطئ من المجتهدين و المصيب واحد لا بعينه لكن المصيب في نفس الأمر ناقل و المخطئ في نفس الأمر مقرر حكم مجهول لم يعلم إلا عند نظر هذا المجتهد فهو معلوم عند اللّٰه قبل كونه فما قرر الشارع و هو الرسول إلا الحكم المعين المعلوم عند اللّٰه و ما هو عنده بمعلوم على التفصيل و التعيين فكان حكم المجتهد المخطئ تشريعا للتشريع و أهل اللّٰه ما لهم حكم في الشرع إلا ما هو المحكوم به على التعيين عند رسول اللّٰه ﷺ و هم الورثة على الحقيقة فإن الوارث لا يرث إلا ما كان ملكا للموروث عنه إذا مات عنه و حكم المجتهد المخطئ ما هو ملك له عينه حتى يورث عنه فليس بوارث لأن ما عنده سوى تقرير ما أداه إليه نظره ذلك أباحه له رسول اللّٰه ﷺ فهو كالعصبة لا نصيب لهم في الميراث على التعيين إنما لهم ما بقي بعد إلحاق الفرائض بأهلها و كتوريث أولي الأرحام و المسلمين بعد أخذ الفرائض فإن مات عن غير صاحب فريضة كرسول و نبي مات و ما اتبعه واحد فيحشر مفردا فقد يرثه في خلقه أو في حاله لا في حكمه من هذه الأمة من صادف ذلك الحال أو الحكم و أما الايمان به و قد آمن به كل من آمن بمحمد ﷺ فأمة محمد ﷺ المؤمنون به أتباع كل نبي و كل كتاب و كل صحيفة جاء أو نزل من عند اللّٰه في الايمان به لا بالعمل بالحكم فما بقي نبي إلا و قد أومن به فالنبي محمد ﷺ له الإمامة و التقدم و جميع الرسل و الأنبياء خلفه في صف و نحن خلف الرسل و خلف محمد و من الرسل من يكون له صورتان في الحشر صورة معنا و صورة مع الرسل كعيسى و جميع الأمم خلفنا غير إن لنا صورتين صورة في صف الرسل عليه السّلام و ليست إلا لعلماء هذه الأمة و صورة خلف الرسل من حيث الايمان بهم و كذلك سائر الأمم لهم صورتان صورة يكونون بها خلفنا و صورة يكونون بها خلف رسلهم فوقتا يقع نظر الناظر على صورهم خلفنا و وقتا خلف رسلهم و وقتا على المجموع فهذه أحوال العلماء في الآخرة في حشرهم و أما ورثة الأفعال فهم الذين اتبعوا رسول اللّٰه ﷺ في كل فعل كان عليه و هيأة مما أبيح لنا اتباعه حتى في عدد نكاحه و في أكله و شربه و جميع ما ينسب إليه من الأفعال التي أقامه اللّٰه فيها من أوراد و تسبيح و صلاة لا ينقص من ذلك فإن زاد عليها بعد تحصيلها فما زاد عليها إلا من حكم قوله ﷺ فهذه وراثة أفعاله و أما وراثة أحواله فهو ذوق ما كان يجده في نفسه في مثل الوحي بالملك فيجد الوارث ذلك في اللمة الملكية و من الملك الذي يسدده و من الوجه الخاص الإلهي بارتفاع الوسائط و أن يكون الحق عين قوله و أن يقرأ القرآن منزلا عليه يجد لذة الإنزال ذوقا على قلبه عند قراءته فإن للقرآن عند قراءة كل قارئ في نفسه أو بلسانه تنزلا إلهيا لا بد منه فهو محدث التنزل و الإتيان عند قراءة كل قارئ أي قارئ كان غير إن الوارث بالحال يحس بالإنزال و يلتذ به التذاذا خاصا لا يجده إلا أمثاله فذلك صاحب ميراث الحال و قد ذقناه حالا بحمد اللّٰه و هو الذي قال فيه أبو يزيد لم أمت حتى استظهرت القرآن و هو وجود لذة الإنزال من الغيب على القلوب و ما عدا هؤلاء فإنما يقرءون القرآن من خيالهم فهم يتخيلون صور حروفه المرقومة إن كان حفظ القرآن من المصاحف و الألواح أو يتخيلون صور حروف ما تلقونه من معلمهم هذا إذا كانوا عاملين به و أما إذا قرءوه من غير إخلاص فيه فلا يتجاوز حناجرهم أي لا يقبل اللّٰه منه شيئا فيبقى في محل تلاوته و هو مخرج الصوت فلا يقرأ القرآن من قلبه إلا صاحب التنزل و هو الذوق الميراثي فمن وجد ذلك فهو صاحبه يعرف ذلك عند وجوده إياه فلا يحتاج فيه إلى معرف فإنه يفرق عند ذلك بين قراءته من خياله و بين قراءته عن تنزيل ربه مشاهدة و ما ثم أمر آخر لنبي أو رسول يقع فيه ميراث إنما هو قول أو فعل أو حال فالوارث الكامل من جمع و الوارث الناقص من اقتصر على بعض هذه المراتب و اعلم أن هذا المنزل هو منزل من اتصف بالخلة من الأنبياء عليه السّلام فمن حصل له حصر له نصيب من الخلة الإلهية و ضرب له فيها بسهم و الكلام فيها طويل لا يفي الوقت بتفصيله
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية