فوصفه إن العبد مع نفسه في قوله ﴿اَلْحَمْدُ لِلّٰهِ رَبِّ الْعٰالَمِينَ﴾ [الفاتحة:2] يسمع خالقه و مناجيه ثم يرحل العبد من منزل قوله إلى منزل سمعه ليسمع ما يجيبه الحق تعالى على قوله و هذا هو السفر فلهذا لبس نعليه ليسلك بهما الطريق الذي بين هذين المنزلين فإذا رحل إلى منزل سمعه سمع الحق يقول له حمدني عبدي فيرحل من منزل سمعه إلى منزل قوله فيقول ﴿اَلرَّحْمٰنِ الرَّحِيمِ﴾ [الفاتحة:1] فإذا فرغ رحل إلى منزل سمعه فإذا نزل سمع الحق تعالى يقول له أثنى على عبدي فلا يزال مترددا في مناجاته قولا ثم له رحلة أخرى من حال قيامه في الصلاة إلى حال ركوعه فيرحل من صفة القيومية إلى صفة العظمة فيقول سبحان ربي العظيم و بحمده ثم يرفع و هو رحلته من مقام التعظيم إلى مقام النيابة فيقول سمع اللّٰه لمن حمده «قال النبي صلى اللّٰه عليه و سلم إن اللّٰه قال على لسان عبده سمع اللّٰه لمن حمده فقولوا ربنا لك الحمد» فلهذا جعلنا الرفع من الركوع نيابة عن الحق و رجوعا إلى القيومية فإذا سجد اندرجت العظمة في الرفعة الإلهية فيقول الساجد سبحان ربي الأعلى و بحمده فإن السجود يناقض العلو فإذا خلص العلو لله ثم رفع رأسه من السجود و استوى جالسا و هو قوله ﴿اَلرَّحْمٰنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوىٰ﴾ [ طه:5] فيقول رب اغفر لي و ارحمني و اهدني و ارزقني و اجبرني و عافني و اعف عني
[5-المصلي مسافر من حال إلى حال]
فهذه كلها منازل و مناهل في الصلاة فعلا فهو مسافر من حال إلى حال فمن كان حاله السفر دائما كيف لا يقال له البس نعليك أي استعن في سيرك بالكتاب و السنة و هي زينة كل مسجد فإن أحوال الصلاة و ما يطرأ فيها من كلام اللّٰه و ما يتعرض في ذلك من الشبه في غوامض الآيات المتلوة و كون الإنسان في الصلاة يجعل اللّٰه في قبلته فيجده فهذه كلها بمنزلة لشوك و الوعر الذي يكون بالطريق و لا سيما طريق التكليف فأمر بلباس النعلين ليتقي بهما ما ذكرناه من الأذى لقدمي السالك اللتين هما عبارة عن ظاهره و باطنه فلهذا جعلناهما الكتاب و السنة و أما نعلا موسى عليه السّلام فليستا هذه فإنه قال له ربه ﴿فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوٰادِ الْمُقَدَّسِ﴾ [ طه:12] فروينا أنهما كانتا من جلد حمار ميت فجمعت ثلاثة أشياء الشيء الواحد الجلد و هو ظاهر الأمر أي لا تقف مع الظاهر في كل الأحوال و الثاني البلادة فإنها منسوبة إلى الحمار و الثالث كونه ميتا غير مذكى و الموت الجهل و إذا كنت ميتا لا تعقل ما تقول و لا ما يقال لك و المناجي لا بد أن يكون بصفة من يعقل ما يقول و يقال له فيكون حي القلب فطنا بمواقع الكلام غواصا على المعاني التي يقصدها من يناجيه بها فإذا فرغ من صلاته سلم على من حضر سلام القادم من عند ربه إلى قومه بما أتحفه به
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية