لمن لا يقبل الولادة كأسماء التنزيه فما في الوجود أحدية إلا أحدية الكثرة و ليست إلا الذات و الألوهة لهذه وصف نفسي لأنه لذاته هو و ﴿لِلّٰهِ الْأَسْمٰاءُ الْحُسْنىٰ﴾ [الأعراف:180] فافهم فلهذا قلنا أحدية المجموع أو أحدية الكثرة فإن قلت ﴿فَإِنَّ اللّٰهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعٰالَمِينَ﴾ [آل عمران:97] فقلنا هذا لا يقدح في أحدية الكثرة فإن كونه ذاتا ما هو كونه غنيا فمعقول الذات خلاف معقول نعتها بالغنى فأنت في هذا الاعتراض مثبت لما تريد نفيه فقويت قولي و أعظم من هذه النسبة إلى الإله فما ثم و أزيدك أمرا آخر في هذه المسألة و هو أن اللّٰه و إن كان في ذاته غنيا عن العالمين فمعلوم أنه منعوت بالكرم و الجود و الرحمة فلا بد من مرحوم و متكرم عليه و لهذا قال تعالى ﴿وَ إِذٰا سَأَلَكَ عِبٰادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّٰاعِ إِذٰا دَعٰانِ﴾ [البقرة:186] فأجاب الداعي سبحانه جودا و كرما و لا شك أن السؤال بالأحوال أتم من السؤال بالقول و الإجابة أسرع للسائل بالحال لأنه سائل بذاته و الجود على المضطر المحتاج أعظم في نفس الأمر من الجود على غير المضطر و الممكن في حال عدمه أشد افتقارا إلى اللّٰه منه في حال وجوده و لهذا لا تصحب الممكن دعوى في حال عدمه كما تصحبه في حال وجوده فإفاضة الوجود عليه في حال عدمه أعظم في الجود و الكرم فهو تعالى و إن كان غنيا عن العالمين فذلك تنزيه عن إن يقوم به فقر أو يدل عليه دليل غير نفسه فأوجد العالم من وجوده و كرمه و هذا لا يشك فيه عاقل و لا مؤمن و إن الجود له نعت نفسي فإنه جواد كريم لنفسه فلا بد من وجود العالم و ما حكم العلم بكونه يستحيل عدم كونه فلا بد من نسب أو صفات على مذهب الصفاتيين أو أسماء على مذهب آخرين فلا بد من الكثرة في العين الواحدة فلا بد من أحدية الكثرة على كل وجه من كل قائل بنسبة أو صفة أو اسم فليست أنوار الذات بشيء سوى الموجودات و هي سبحات الوجه لأنها عين الدلالة عليه سبحانه لنا و لهذا «قال ﷺ من عرف نفسه عرف ربه» فجعل نفس العارف إذا عرفها العارف دليلا على معرفة اللّٰه و النور دليل على نفسه و على ما يظهره للعين فبنور الموجودات ظهرت الموجودات و ظهر موجدها لها فما علمته إلا منها فهو المطلوب لها و الطلب يؤذن بالافتقار في حق المحدثات و هو المطلوب فهو الغني فمن كونه مطلوبا لها صح افتقارها إليه و صح غناه عنها فقبوله عليها قبول جود و كرم فالسبحات الوجهية انتشرت على أعيان الممكنات و انعكست فأدرك نفسه و أنوار الشيء لا تحرقه و الممكن في حال عدمه لا يقبل الحرق فلو اتصف بالوجود احترق وجوده لرجوع الوجود إلى من له الوجود فبقيت الممكنات على حقيقة شيئية ثبوتها و ظهر بالسبحات الوجهية كثرة الممكنات في مرآة الحق أدركها الحق في ذاته بنوره على ما تستحقه الممكنات من الحقائق التي هي عليها فذلك ظهور العالم و بقاؤه فالحكمة في النظر و في كيفية ما يدركه البصر و ما ذا يدرك و من يدرك و اللّٰه الموفق
ففي الحق عين الخلق إن كنت ذا عين *** و في الخلق عين الحق إن كنت ذا عقل
فإن كنت ذا عين و عقل معا فما *** ترى غير شيء واحد فيه بالفعل
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية