بوقوع هذا الجائز إذ ما تقدم لأحد من هذا النوع الإنساني إنه سأل ربه رؤيته و لا أنه رآه فلذلك ادعى موسى أنه أول المؤمنين «ثم أعلمنا ﷺ إنه ما منا أحد إلا سيرى ربه و يكلمه كفاحا» و هذا كله إعلام بالصورة التي يتجلى لنا فيها و هي الصورة التي خلقنا عليها و نحن نعلم قطعا إن ذوق الرسل فوق ذوق الأتباع بما لا يتقارب فلا تظن إن سؤال موسى رؤية ربه أنه فاقد للرؤية التي كانت حالة أبي بكر الصديق رضي اللّٰه عنه في قوله ما رأيت شيئا إلا رأيت اللّٰه قبله هذه الرؤية ما هي الرؤية التي طلبها موسى من ربه فإنها رؤية حاصلة له لعلو مرتبته فإن ذوق الصادق ما هو ذوق الصديق فالرؤية ثابتة بلا شك ذوقا و نقلا لا عقلا فإن رؤية اللّٰه تعالى من محارات العقول و مما يوقف عندها و لا يقطع عليها بحكم من أحكامها الثلاثة إذ ليس للأنبياء و لا للأولياء من أهل اللّٰه علم بالله يكون عن فكر قد طهرهم اللّٰه عن ذلك بل لهم فتوح المكاشفة بالحق فمن الرائين من يراه و لا يقيد و منهم من يراه به و منهم من يراه بنفسه و منهم من لا يراه عنده و هو قد رآه و لا يعلم أنه رآه لأن هذا الصنف ليس بصاحب علامة في الحق و لا يعرف صورة ظهوره في الوجود و منهم من لا يراه لعلمه بأن عينه لا تظهر هنا للعالم إلا بصور أحكام أعيان العالم و هو مجلاها فلا يقع الإدراك من الرائي إلا على صورة الحكم لا على العين فيعلم أنه ما رآه ﴿وَ لِلّٰهِ الْمَثَلُ الْأَعْلىٰ﴾ [النحل:60] و هو العزيز الذي لا يرى من حيث هويته الحكيم في تجليه حتى يقال إنه رأى انظر إلى الصورة الظاهرة للعين في الجسم الصقيل و حقق رؤيتك فتجد تلك الصورة قد حالت بينك و بين إدراكك عين الجسم الصقيل الذي هو مجلاها فلا تراه أبدا و الحق مجلى صور الممكنات فلم ير العالم إلا العالم في الحق لا بالحق و بالحق ثم لتعلم إن المرئي الذي هو الحق نور و أن الذي يدركه به الرائي إنما هو نور فنور اندرج في نور فكأنه عاد إلى أصله الذي ظهر منه فما رآه سواه و أنت من حيث عينك عين الظل لا عين النور بل النور ما تدرك به كل شيء و النور من الأشياء فلا تدركه إلا من كونك حاملا للنور في عين ظلك و الظل راحة و الظلمة حجاب فإذا طلع كوكب الحق و وقع في قلب العبد استنار به القلب و أضاء فأزال عن صاحبه الحيرة و الخوف فأخبر عن ربه بالصريح و الإيماء و أنواع الإخبارات
[أن الأنبياء اختارت النوم على ظهورها لعلمها]
و اعلم أن الأنبياء ما اختارت النوم على ظهورها إلا لعلمها أنه كل ما قابل الوجه فهو أفق له إذ كان لا يقابل الوجه إلا الأفق و ثم أفق أدنى أي أقرب إلى الأرض و ثم أفق أعلى و هو ما تقابله بوجهك عند استلقائك على ظهرك و إذا كان التجلي في الصور دخله الحد و المقدار و أقرب القرب في ذلك أن يكون عين الخط الذي به تقسم الدائرة نصفين لظهور القوسين اللذين قرب بعضهما من بعض هو القرب الأول و القرب الثاني القرب الخطي الذي هو أقرب من حبل الوريد و لا تكون رؤية الحق أبدا حيث كانت إلا في منازلة بين عروج و نزول فالعروج منا و النزول منه فلنا التداني و له التدلي إذ لا يكون التدلي إلا من أعلى و لنا الترقي و له تلقي الوافدين عليه و ذلك كله إعلام بالصورة التي يتجلى فيها لعباده و إنها ذات حد و مقدار ليدخل مع عباده تحت قوله في حكمه ﴿وَ مٰا نُنَزِّلُهُ إِلاّٰ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ﴾ [الحجر:21] و
هذه نسخة نصية حديثة موزعة بشكل تقريبي وفق ترتيب صفحات مخطوطة قونية